تفسير سورة الحج

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة الحج من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ تَذْهَلُ ﴾ أي تسلو وتنسى.﴿ حَمْلٍ ﴾: ما تحمل الأناث في بطونها. والحمل ما كان على ظهر أو رأس.
﴿ عَلَقَةٍ ﴾: دم جامد، وجمعها علق.﴿ مُّضْغَةٍ ﴾: هي لحمة صغيرة، سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضغ.﴿ مُّخَلَّقَةٍ ﴾: مخلوقة تامة. ﴿ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ هي غير تامة، يعني السقط.﴿ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ ﴾: الهرم الذي ينقص قوته وعقله ويصيره إلى الخرف ونحوه.﴿ هَامِدَةً ﴾ أي ميتة يابسة ﴿ رَبَتْ ﴾: انتفخت ﴿ بَهِيجٍ ﴾: أي حسن يبهج من يراه، أي يسره. والبهجة: الحسن، والبهجة: السرور أيضا.
﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾: أي عاد لا جانبه، والعطف: الجانب: يعني معرضا متكبرا.
(عشير) أي خليط معاشر.
﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ﴾ أي بجبل إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ. انظر ٨٤ من الكهف.
﴿ هَادُواْ ﴾ تهودوا أي صاروا يهودا. وهادوا تابوا من قوله عز وجل﴿ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ ﴾[الأعراف: ١٥٦] أي تبنا.
﴿ يُصْهَرُ ﴾ أي يذاب.
﴿ هُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ ﴾ أي أرشدوا إلى قول لا إله إلا الله.
(باد): أي من أهل البدو، كقوله عز وجل: ﴿ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ ﴾.
﴿ إِلْحَادٍ ﴾: ميل عن الحق.
﴿ فَجٍّ عَميِقٍ ﴾ أي مسلك يعيد غامض.
(الأيام المعلومات) عشر ذي الحجة، والأيام المعدودات أيام التشريق.
﴿ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ﴾: بيت الله الحرام، وسمي عتيقا لأنه لم يملك؛ ويقال سمي عتيقا لأنه أقدم ما في الأرض، ويقال أن الله عز وجل أعتق زواره من النار إذا توفاهم على توحيده وما عليه نبيه صلى الله عليه وسلم.
(أوثان) جمع وثن، وقد مر تفسيره. انظر ٣٥ من إبراهيم.
﴿ سَحِيقٍ ﴾: أي بعيد.
﴿ ٱلْمُخْبِتِينَ ﴾: المخبت: الخاضع المطمئن إلى ما دعي إليه. انظر ٢٣ من هود و ٥٤ من هذه السورة.
(بدن) جمع بدنة، وهي ما جعل في الأضحى للنحر والنذر وأشباه ذلك، فإذا كانت للنحر على كل حال فهي جزور.﴿ صَوَآفَّ ﴾ أي قد صفت قوائمها، والإبل تنحر قياما. ويقرأ صوافن، وأصل هذا الوصف في الخيل، يقال: صفن الفرس فهو صافن، إذا قام على ثلاث قوائم وثنى سنبك الرابعة. والسنبك طرف الحافر. والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فيقوم على ثلاث قوائم. وتقرأ أصوافي أي خوالص لله لا يشركون به في التسمية على نحرها أحدا ﴿ وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ أي سقطت على جنوبها ﴿ ٱلْقَانِعَ ﴾ السائل، يقال قنع قنوعا إذا سأل، وقنع قناعة إذا رضى ﴿ ٱلْمُعْتَرَّ ﴾: هو الذي يلم بك لتعطيه ولا يسأل.
﴿ صَوَامِعُ ﴾ هي منازل الرهبان.﴿ بِيَعٌ ﴾: جمع بيعة للنصارى.﴿ صَلَوَاتٌ ﴾ يعني كنائس اليهود؛ وهي بالعبرانية صلوتا.
﴿ خَاوِيَةٌ ﴾ أي خالية.﴿ عُرُوشِهَا ﴾ أي سقوفها؛ وقوله عز وجل ﴿ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾ أي تسقط السقوف ثم تسقط عليها الحيطان.﴿ مُّعَطَّلَةٍ ﴾ أي متروكة على هيئتها ﴿ مَّشِيدٍ ﴾ أي مبني بالشيد، وهو الجص والجبار والملاقي. ويقال مشيد ومشيد واحد: أي مطول مرتفع.
﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ أي مسابقين، ومعجزين أي فائتين. ويقال: مثبطين.
﴿ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ ﴾ أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته. انظر ٧٨ من البقرة.
﴿ تُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾: أي تخضع وتطمئن، والمخبت: الخاضع المطمئن إلى ما دعى إليه، والخبت المطمئن من الأرض.
﴿ مِرْيَةٍ ﴾: شك.﴿ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾: بمعنى عقم أن يكون فيه خير للكافرين.
﴿ يَسْطُونَ ﴾: أي يتناولون بالمكروه.
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).