ﰡ
قوله: «لِتُخْرِجَ» متعلقٌ ب «أَنْزَلْنا» وقُرِئَ «ليَخْرج الناسُ» بفتح الياء وضمَِّ الراء مِنْ خَرَجَ يَخْرُج، «الناس» رفعاً على الفاعلية.
قوله: «بإذنِ» يجوز أن يتعلَّقَ بالإِخراج، أي: بتسهيله وتيسيرِه، ويجوز أَن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ فاعلِ «تُخْرِجَ»، أي: مأذوناً لك.
قوله: ﴿إلى صِرَاطِ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنه بدلٌ من قوله ﴿إِلَى النور﴾ بإعادةِ العامل، ولا يَضُرُّ الفصلُ بالجارِّ لأنه من معمولاتِ العاملِ في
فأمَّا الرفعُ فعلى وجهين، أحدُهما: أنه مبتدأٌ، خبرُه الموصولُ بعده، أو محذوفٌ تقديرُه: اللهُ الذي له ما في السماواتِ وما في الأرضِ العزيزُ الحميد، حُذِف لدلالة ما تقدَّم. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمر، أي: هو اللهُ، وذلك على المدح.
وأمَّا الجرُّ فعلى البدلِ عند أبي البقاء والحوفي وابنِ عطية، والبيان عند الزمخشري قال: «لأنه جَرَى مَجْرَى الأسماءِ الأعلام لغلبتِه على المعبودِ بحق كالنجم للثريا». قال الشيخ: «وهذا التعليلُ لا يتمُّ إلا أن يكونَ أصلُه الإِله، ثم فُعِل فيه ما تقدَّم أولَ هذا الموضوع». وقال الأستاذ ابن عصفور: «ولا تُقََدَّمُ صفةٌ على مَوصوفٍ إلا حيث سُمِع، وهو قليلٌ، وللعربِ فيه وجهان، أحدُهما: أنْ تتقدَّمَ الصفةُ بحالها، وفيه
٢٨٦ - ٥- والمُؤْمِنِ العائذاتِ الطيرِ يَمْسَحُها | رُكْبانُ مكةَ بين الغِيل والسَّنَدِ |
٢٨٦ - ٦- وبالطويل العُمْرِ عُمْراً حَيْدَراً... يريد: الطير العائذات، وبالعمر الطويل. قلت: وهذا فيما لم يكنِ الموصوفُ نكرةً، أمَّا إذا كان نكرةً صار لنا عملٌ آخرُ: وهو أن تنتصبَ تلك الصفةُ على الحال.
قوله: ﴿وَوَيْلٌ﴾ جاز الابتداءُ به لأنه دعاء ك» سلامٌ عليكم «. و» للكافرين «خبره. و ﴿مِنْ عَذَابٍ﴾ متعلِّقٌ بالويل. ومنعه الشيخ. لأنه يَلْزَمُ
وقال الزمخشريُّ:» فإنْ قلتَ: ما وجهُ اتصالِ قولِه: ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ بالويل؟ قلت: لأنَّ المعنى يُوَلْوِلون من عذاب شديد «. قال الشيخ:» فظاهره يدلُّ على تقدير عاملٍ يتعلَّقُ به ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾. ويجوز أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ للمبتدأ، وفيه سَلامةٌ من الاعتراضِ المتقدم، ولا يَضُرُّ الفصلُ بالخبر.
و» يَسْتَحِبُّون «: استفعلَ فيه بمعنى أَفْعَل كاستجاب بمعنى أجاب، أو يكونُ على بابه، وضُمِّن معنى الإِيثار، ولذلك تعدَّى ب على.
وقرأ الحسن» ويُصِدُّون «مِنْ أَصَدَّ، وأَصَدَّ منقولٌ مِنْ صَدَّ اللازمِ، والمفعولُ محذوفٌ، أي: غيرَهم، أو أنفسَهم.
و ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ تقدَّم مثله.
وأبو رجاء وأبو المتوكل والجحدريُّ» بِلُسُن «بضمِّ اللام والسين وهو جمع» لِسان «ككِتاب وكُتُب. وقرئ بسكونِ السين فقط، وهو تخفيفٌ للقراءةِ قبلَه، نحو: رُسُل في رُسُل، وكُتْب في كُتُب.
والهاءُ في» قومه «الظاهرُ عَوْدُها على» رسول «المذكور. وعن
قوله: ﴿فَيُضِلُّ﴾ استئنافُ إخبارٍ، ولا يجوز نصبُه عطفاً على ما قبله، لأنَّ المعطوفَ كالمعطوف عليه في المعنى، والرسلُ اُرْسِلَتْ للبيانِ لا للإِضلالِ. قال الزجاج: لو قَرِئ بنصبِه على أنًّ اللامَ لامُ العاقبة جاز».
قوله: ﴿وَذَكِّرْهُمْ﴾ يجوز أن يكونَ منسوقاً على «أَخْرِجْ» فيكونَ من التفسير، وأن لا يكونَ منسوقاً، فيكونَ مستأنفاً. و «أيام الله» عبارةٌ عن نِعَمه، كقوله:
٢٨٦ - ٧- وأيامٍ لنا غُرٍّ طِوالٍ | عَصَيْنا المَلْكَ فيها أن نَدِينا |
٢٨٦ - ٨- وأيامُنا مشهورةٌ في عَدُوِّنا | ...................... |
قوله: ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ حالٌ أُخرى مِنْ ﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾. وفي البقرة دون واو لأنه قُصِد به التفسيرُ فالسَّوْم هنا غيرُ السَّوْمِ هناك.
قوله: ﴿والذين مِن بَعْدِهِمْ﴾ يجوز أن يكونَ عطفاً على الموصولِ الأولِ، او على المبدل منه، وأن يكونَ مبتدأً، خبرُه ﴿لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله﴾، و «جاءَتْهُم» خبر آخر. وعلى ما تقدَّم يكون «لا يعلمهم» حالاً من «الذين»، أو من الضمير في ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾ لوقوعِه صلةً، وهذا عنى أبو البقاء بقوله: «حال من الضمير في ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾، ولا يُريد به الضميرَ المجرورَ، لأنَّ مذهبَه مَنْعُ الحالِ من المضاف إليه، وإن كان بعضُهم جَوَّزه في صورٍ. وجَوَّز أيضاً هو الزمخشري أن تكونَ استئنافاً.
وقال الزمخشري:» والجملةُ مِنْ قولِه ﴿لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله﴾ اعتراضٌ. ورَدَّ عليه الشيخ بأنَّ الاعتراضَ إنما يكون بين جُزْأَيْن أحدهما يطلب الآخر، ولذلك لمَّا أَعْرَبَ الزمخشريُّ «والذين» مبتدأً و «لا يَعْلمهم» خبره، قال: «والجملةُ مِنَ المبتدأ والخبر اعتراضٌ». واعترضه الشيخُ أيضاً بما تقدَّم. ويمكنُ أن يُجابَ عنه في الموضعين: بأنَّ الزمخشريَّ يمكن أن يعتقدَ أنَّ «جاءَتْهم» حالٌ مما تقدَّم، فيكون الاعتراضُ واقعاً بين الحالِ وصاحبِها، وهذا كلامٌ صحيح.
قوله: ﴿فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ﴾ يجوز أن تكونَ الضمائرُ للكفَّارِ،
وقيل: «في» هنا بمعنى الباء. قال الفراء: «قد وَجَدْنَا من العرب مَنْ يجعل» في «موضعَ الباء. يُقال: أَدْخَلَكَ بالجنَّة، وفي الجنَّة، وأنشَد:
٢٨٦ - ٩- وأرغَبُ فيها عن لَقيطٍ ورَهْطِهِ | ولكنَّني عن سِنْبِسٍ لستُ أرغبُ |
وقرأ طلحة» تَدْعُونَّا «بإدغامِ نونِ الرفع في نون الضميرِ، كما تُدْغَم في نونِ الوقاية.
وقرأ العامَّةُ «فاطرِ» بالجرِّ. وفيه وجهان: النعتُ والبدليةُ، قاله أبو البقاء: وفيه نظر؛ فإنَّ الإِبدالَ بالمشتقاتِ يَقِلُّ، ولو جعله عطفَ بيانٍ كان أسهلَ. قال الزمخشريُّ: «أُدْخِلَتْ همزةُ الإِنكارِ على الظرف، لأنَّ
وقوله:» لِيَغْفِرَ «اللامُ متعلِّقةٌ بالدعاء، أي: لأجلِ غفران ربِّكم، كقوله:
٢٨٧ - ٠- دَعَوْتُ لِما نابني مِسْور ا | فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَرِ |
وقوله: ﴿أَن تَصُدُّونَا﴾ العامَّة على تخفيفِ النون. وقرأ طلحةُ بتشديدها كما شدَّد» تَدْعُونَّا «. وفيها تخريجان، أحدُهما: ما تقدَّم في نظيرتِها على أَنْ تكونَ» أَنْ «هي المخففةَ لا الناصبةَ، واسمُها ضميرُ الشأنِ، وشذَّ عَدَمُ الفصلِ بينها وبين الجملة الفعلية. والثاني: أنها الناصبةُ، ولكنْ أُهْمِلَتْ حملاً على» ما «المصدريَّةِ، كقراءةِ» أَنْ يُتِمُّ «برفع» يُتِمُّ «. وقد تقدَّمَ القولُ فيه.
و» مِنْ «في ﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ قيل: مزيدةٌ. وقيل: تبعيضيةٌ. وقيل: بمعنى البدلِ أي: بدلَ عقوبةِ ذنوبكم، كقوله: ﴿أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة﴾ [التوبة: ٣٨].
وقرأ الحسن بكسرِ لامِ الأمرِ في «فَلْيَتَوَكَّلْ» وهو الأصلُ.
قوله: ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ﴾ في «أوْ» ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها على بابِها مِنْ كونِها لأحدِ الشيئين. والثاني: أنها بمعنى «حتى». والثالث: أنها بمعنى «إلا»، كقولهم: «لأَلْزَمَنَّكَ أو تَقْضِيَني حقي». والقولان الأخيران مَرْدُودان؛ إذ
والعَوْدُ هنا: يُحتمل أن يكونَ على بابِه، أي: لَتَرْجِعُنَّ. و ﴿فِي مِلَّتِنَا﴾ متعلقٌ به، وأن يكونَ بمعنى الصيرورةِ، فيكونَ الجارُّ في محلِّ نصبٍ خبراً لها، ولم يذكُرْ الزمخشريُّ غيرَه. [قال:] «فإنْ قلتَ: كأنَّهم على مِلَّتهم حتى يَعُودوا فيها. قلت: مَعاذَ اللهِ، ولكنَّ العَوْدَ بمعنى الصيرورة، وهو كثيرٌ في كلام العرب كثرةً فاشيةً، لا تكاد تسمعهم يستعملون» صار «، ولكن» عاد «: ما عُدْتُ أراه، عاد لا يكلمني، ما عاد لفلان مالٌ، أو خاطبوا به كلَّ رسولٍ ومَنْ آمن به، فَغَلَّبوا في الخطاب الجماعةَ على الواحد». فقوله «أو خاطبوا» إلى آخره هو الوجهُ الأولُ بالتأويلِ المذكورِ، وهون تأويلٌ حسنٌ.
قوله: ﴿لَنُهْلِكَنَّ﴾ جوابُ قسمٍ مضمر، وذلك القسمُ وجوابُه فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه على إضمارِ القول، أي: قال: لَنُهْلِكَنَّ. والثاني: أنه أجرى الإِيحاءَ مُجْرى القول لأه ضَرْبٌ منه.
وقرأ أبو حَيْوَةَ «لَيُهْلِكَنَّ»، و «لَيُسْكِنَنَّكم» بياءِ الغَيْبة مناسَبَةً لقوله «ربُّهم».
قوله:» وَعِيْد «أثبت الياءَ هنا وفي (ق) في موضعين: ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ [الآية: ١٤] ﴿فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [الآية: ٤٥] وصلاً وحَذَفَها وَقْفاً ورشٌ عن نافع، وحذفها الباقون وَصْلاً ووقفاً.
قوله: «وخابَ» هو في قراءةِ العامَّةِ عطفٌ على محذوفٍ تقديرُه: انتَصروا وظَفِرُوا وخاب. ويجوز أن يكونَ عطفاً على «اسْتَفْتحوا» على انَّ الضميرَ فيه للكفار. وفي غيرها على القولِ المحذوف، وقد تقدَّم أنه يُعْطَفُ الطلبُ على الخبر وبالعكس.
و «وراء» هنا على بابها. وقيل: بمعنى «أمام» فهو من الأضداد، وهذا عنى الزمخشري بقوله: «منْ بين يديه» وأنشد:
٢٨٧ - ١- عَسَى الكربُ الذي أَمْسَيْتُ فيه | يكون وراءَه فَرَجٌ قريبُ |
٢٨٧ - ٢- أيَرْجُو بنو مروانَ سَمْعي وطاعتي | وقومي تميمٌ والفلاةُ ورائِيا |
٢٨٧ - ٣- أليس ورائي إنْ تراخَتْ مَنِيَّتي | لُزومُ العَصَا تُحْنى عليها الأَصابعُ |
قوله: ﴿مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ﴾ في «صديد» ثلاثةُ أوجهٍ. أحدُها: أنه نعتٌ ل «ماء» وفيه تأويلان، أحدهما: أنه على حَذْفِ أداة التشبيه، أي: ماءٍ مثلِ صديد، وعلى هذا فليس الماءُ الذي يَشْرَبونه صَديداً، بل مثلُه. والثاني: أنَّ الصديدَ لَمَّا كان يُشبه الماءَ أُطْلِقَ عليه ماءٌ، وليس هو ماءً حقيقةً، وعلى هذا فيكونون يشربون نفسَ الصديد المُشْبِهِ للماء. وهو قول ابن عطية. وإلى كونِه صفةً ذَهَبَ الحوفيُّ وغيره. وفيه نظرٌ؛ إذ ليس بمشتقٍ، إلا على مَنْ فسَّره بأنه صَدِيدٌ بمعنى مَصْدود، أخذه مِن الصَّدِّ، فكأنه لكراهيِتِه مَصْدودٌ عنه، أي: يَمْتنع عنه كلُّ أحدٍ.
الثاني: أنه عطفُ بيانٍ، وإليه ذهب الزمخشريُّ، وليس مذهبَ البصريين جريانُه في النكرات، إنما قال به الكوفيون، وتَبعهم الفارسيُّ أيضاً.
الثالث: أن يكونَ بدلاً. وأعرب الفارسيُّ «زَيتونةٍ» مِنْ قولِه: « [بُوْقَدُ] مِنْ
والصَّديدُ: ماءٌ يسيل مِنْ أجساد أهل النار. وقيل: ما حالَ بين الجلدِ واللحمِ مِنَ القَيْحِ.
والثاني: أن يكونَ للتكلُّف نحو: تَحَلَّم، أي، يتكلَّفُ جَرْعَه، ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه: الثالث: أنه دالٌّ على المُهْلة نحو: فَهَّمته، أي: يتناوله شيئاً فشيئاً بالجَرْع، كما يَفْهم شيئاً فشيئاً بالتفهيم. الرابع: أنه بمعنى جَرَع المجرد نحو: «عَدَوْت الشيءَ» و «تَعَدَّيْتُه».
﴿وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾، أي: لم يقارِبْ إساغَته فكيف بحصولها؟ كقوله: «لَمْ يَكَدْ يَرَاها» وستأتي إن شاء الله.
قوله: ﴿وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ في الضمير وجهان، أظهرُهما: أنه عائدٌ على «كل جبار». والثاني: أنه عائدٌ على العذابِ المتقدِّمِ.
الثاني: أن يكونَ «مَثَلَ» مبتدأً، و «أعمالُهم» مبتدأ ثانٍ، و «كرمادٍ» خبرُ الثاني، والثاني وخبره خبرُ الأول. قال ابن عطية: «وهذا عندي أرجحُ الأقوالِ، وكأنك قلت: المتحصِّلُ في النفس مثالاً للذين كفروا هذه الجملةُ المذكورةُ». وإليه نحا الحوفي. قال الشيخ: «وهو لا يجوزُ لأنَّ الجملةَ التي وقعت خبراً للمبتدأ لا رابطَ فيها يربُطها بالمبتدأ، وليست نفسَ المبتدأ فَتَسْتَغْني عن رابطٍ». قلت: بل الجملةُ نفسُ المبتدأ، فإنَّ نفسَ مَثَلِهم هو نفسُ أعمالِهم كرمادٍ في أنَّ كلاًّ منها لا يفيد شيئاً، ولا يَبْقَى له أثرٌ، فهو نظيرُ قولك / «هَجِّيْرى أبي لا إله إلا اللهُ».
الثالث: أنَّ «مَثَلَ» مزيدةٌ، قاله الكسائيُّ والفراء: أي: الذين كفروا أعمالُهم كرَمادٍ، فالذين مبتدأ «أعمالُهم» مبتدأٌ ثانٍ و «كرمادٍ» خبرُه. وزيادة الأسماءِ ممنوعةٌ.
الرابع: أن يكونَ «مَثَلَ» مبتدأً، و «أعمالُهم» بدلٌ منه، على تقدير: مَثَلُ أعمالِهم، و «كرمادٍ» الخبرُ. قاله الزمخشريُّ: ، وعلى هذا فهو بدلُ كلٍ مِنْ كلٍ، على حَذْفِ المضافِ كما تقدَّم.
الخامس: أن يكونَ «مَثَل» مبتدأً، و «أعمالُهم» بدلٌ منه بدلُ اشتمالٍ،
٢٨٧ - ٤- ما للجِمال مَشْيِها وئيدا | أجَنْدَلاً يَحْمِلْن أم حديدا |
و «الرمادُ» معروفٌ «وهو ما سَحَقَتْه النارُ من الأَجْرام، وجمعُه في الكثرة على رُمُد، وفي القلَّة على أرْمِدَة كجَماد وجُمُد وأَجْمِدَة، وجمعُه على» أَرْمِدَاء «شاذٌّ. والرِّماد: السَّنَةُ أيضاً، السَّنةُ: المَحْل، أَرْمَدَ الماءُ، أي: صار بلون الرماد، والأَرْمَدُ: ما كان على لونِ الرَّماد. وقيل للبعوض» رُمْد «لذلك، ويقال: رَمادٌ رِمْدِدٌ، صار هباءً.
قوله: ﴿اشتدت بِهِ الريح﴾ في محلِّ جرٍّ صفةً لرماد، و» في يوم «متعلِّقٌ ب» اشْتَدَّت «.
قوله: «عاصفٍ» فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه على تقدير: عاصفٍ ريحُه، أو عاصفِ الريح، ثم حُذِفَ «الريح» وجُعلت الصفةُ لليوم مجازاً كقولهم: «يومٌ ماطر» و «ليلُ نائم». قال الهرويُّ: «فَحُذِفَتْ لتقدُّم ذِكْرِهَا، كما قال:
٢٨٧ - ٥-
إذا جاء يومٌ مظلِمُ الشمسِ كاسفُ | ............................... |
الثاني: أنه على النَّسَبِ، أي: ذي عُصُوفٍ كلابِن وتامِر.
الثالث: أنه خُفِض على الجِوار، أي: كان الأصلُ أن يَتْبع العاصفُ الريحَ في الإِعراب فيُقال: اشتدَّتْ به الريحُ العاصفُ في يوم، فلمَّا وقع بعد اليوم أُعْرِبَ بإعرابه، كقولهم:» جُحرُ ضَبّ خَربٍ «. وفي جَعْلِ هذا من باب الخفضِ على الجوارِ نظرٌ، لأنَّ مِنْ شرطِه: أن يكون بحيث لو جُعِل صفةُ لِما قُطع عن إعرابه لَصَحَّ كالمثال المذكورِ، وهنا لو جَعَلْتَه صفةً للريح لم يَصِحَّ لتخالفِهما تعريفا وتنكيراً في هذا التركيبِ الخاصِّ.
وقرأ الحسن وابنُ أبي إسحاق بإضافة» يوم «ل» عاصِفٍ «. وهي على حَذْفِ الموصوفِ، أي: في يومِ ريحٍ عاصِف، فَحُذِفَ لفَهْم المعنى الدالِّ على ذلك. ويجوز أن يكونَ من بابِ إضافةِ الموصوف إلى صفته عند مَنْ يَرَى ذلك نحو: بَقْلَةُ الحَمْقَاء.
ويقال: ريحٌ عاصِفٌ ومُعْصِفٌ، وأصلُه من العَصْفِ، وهو ما يُكْسَرُ مِن الزِّرْع فقيل ذلك للريحِ الشديدة لأنها تَعْصِفُ، أي: تكسِرُ ما تَمُرُّ عليه.
قوله: ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ﴾ مستأنفٌ، ويَضْعُفُ أن يكونَ صفةً ليوم على حَذْفِ العائد، أي: لا يَقْدِرُون فيه، و» مِمَّا كَسَبُوا «متعلِّقٌ بمحذوفٍ، لأنَّه حالٌ من» شيء «إذ لو تأخَّر لكانَ صفةً. والتقديرُ: على شيءٍ مِمَّا كسبوا.
والرؤية هنا قلبيةٌ ف «أنَّ» في محلِّ المفعولَيْن أو أحدهما على الخلاف. وقرأ الأخَوان هنا ﴿خالقَ السماوات والأرض﴾ «خالق» اسمُ فاعلٍ مضافاً لِما بعده، فلذلك خفضوا ما عُطِفَ عليه وهو الأرض. وفي النور: ﴿خَالقُ كُلِّ دَآبَّةٍ﴾ [الآية: ٤٥] اسمُ فاعل مضافاً لما بعده. والباقون «خَلَقَ» فعلاً ماضياً، ولذلك نصبوا «الأرضَ» و ﴿كُلِّ دَآبَّةٍ﴾، فكسرُه «السماواتِ» في قراءة الأخوين خفضٌ، وفي قراءةِ غيرِهما نصبٌ. / ولو قيل بأنه في قراءة الأخوين يجوزُ نَصْبُ «الأرضَّ» على أحدِ وجهين: إمَّا على المحلِّ، وإمَّا على حَذْفِ التنوين لالتقاء الساكنين، فتكون «السماواتِ» منصوبةً لفظاً وموضعاً، لم يمتنعْ، ولكن لم يُقْرأْ به.
و «بالحقِّ: متعلِّقٌ ب» خلق «على أن الباءَ سببيةٌ، وبمحذوفٍ على أنها حاليةٌ: إمّا من الفاعلِ، أي: مُحِقَّاً، وإمَّا من المفعول، أي: ملتبسةً بالحق.
قوله: ﴿مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ﴾ في «مِنْ» أوجهٌ: أحدُها: أنَّ:
الثاني: أن تكونا للتبعيضِ معاً بمعنى: هل أنتم مُغْنُوْن عنا بعضَ شيءٍ هو بعضُ عذابِ الله؟ أي: بعض عذاب الله، قاله الزمخشري. قال الشيخ:» وهذا يقتضي أن يكونَ بدلاً، فيكونَ بدلَ عامٍّ مِنْ خاص، وهذا لا يُقال؛ فإنَّ بَعْضِيَّةِ الشيء مطلقةٌ، فلا يكون لها بعضٌ «. قلت: لا نزاعَ أنه يقالُ: بعضُ البعض، وهي عبارةٌ متداولةٌ، وذلك البعضُ المُتَبَعِّضُ هو كلُّ لأبعاضِه بعضٌ لكلِّه، وهذا كالجنسِ المتوسط هو نوعٌ لِما فوقَه، جنسٌ لِما تحته.
الثالث: أنَّ» مِنْ «في ﴿مِن شَيْءٍ﴾ مزيدةٌ، و» مِنْ «في ﴿مِنْ عَذَابِ﴾ فيها وجهان، أحدُهما: أن تتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنها في الأصل صفةٌ لشيء، فلمَّا تقدَّمَتْ نُصِبت على الحال. والثاني: أنها تتعلَّق بنفس» مُغْنُوْنَ «على أن يكون» من شيء «واقعاً موقعَ المصدر، أي: غِنى. ويوضح هذا ما قاله
قوله: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ﴾ إلى آخرِه، فيه قولان، أحدُهما: أنه مِنْ كلام المستكبرين. والثاني: أنه من كلام المستكبرين والضعفاءِ معاً. وجاءَتْ كلٌّ جملةٍ مستقلةٍ من غيرِ عاطف دلالةً على أنَّ كلاًّ من المعاني مستقلٌّ بنفسه كافٍ في الإِخبار. وقد تقدَّم الكلامُ في التسويةِ والهمزةِ بعده في أول البقرة.
والجَزَعُ: عدمُ احتمالِ الشِّدَّةِ. قال امرؤ القيس:
٢٨٧ - ٦- جَزِعْتُ ولم أَجْزَعْ من البَيْنِ مَجْزِعاً | وعَزَّيْتَ قلباً بالكواعب مُولَعا |
قوله: ﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ﴾ فيه وجهان، أظهرُهما: أنه استثناءٌ منقطعٌ لأنَّ دعاءَه ليس من جنسِ السلطانِ وهو الحُجَّةُ البيِّنَةُ. والثاني: أنه متصلٌ، لأنَّ القدرةَ على حَمْلِ الإنسانِ على الشرِّ تارةً تكون بالقَهْرِ، وتارةً تكون بقوة الداعية في قلبه، وذلك بالوسوسة إليه فهو نوعٌ من التسلُّطِ.
وقُرِئَ «فلا يَلُوْموني» بالياء من تحتُ على الالتفاتِ، كقولِه: ﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ [يونس: ٢٢].
قوله: ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ العامَّةُ على فتحِ الياءِ؛ لأنَّ الياءَ المدغمَ فيها تُفْتَحُ أبداً لا سيما وقبلها كسرٌ ثانٍ. وقرأ حمزةُ بكسرِها، وهي لغةُ بني يَرْبوع. وقد اضطربت أقوالُ الناس في هذه القراءةِ اضطراباً شديداً: فمِنْ مُجْتَرِئٍ
قال حسين الجعفي: «سألتُ أبا عمروٍ عن كسرِ الياءِ فأجازه». وهذه الحكايةُ تُحكى عنه بطرقٍ كثيرة، منها ما تقدَّم، ومنها: «سألت أبا عمروٍ وقلت: إن أصحابَ النحوِ يُلْحِّنُوننا فيها فقال: هي جائزة أيضاً، إنما أراد تحريك الياء، فلستَ تبالي إذا حَرَّكْتَها إلى أسفلَ أم إلى فوقُ». وعنه: مَنْ شاء فتحَ، ومَنْ شاء كسر، ومنها أنه قال: إنها بالخفضِ حسنةٌ. وعنه قال: قَدِم علينا أبو عمرو بن العلاء فسألتُه عن القرآن فوجدْتُه به عالماً، فسألتُه عن شيء [مِنْ] قراءة الأعمش واستشعرتُه ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ بالجرِّ فقال: هي جائزةٌ، فلما أجازها وقرأ بها الأعمشُ أَخَذْتُ بها.
وقد أنكر أبو حاتم على أبي عمروٍ تحسينَه لهذه القراءةِ، ولا التفاتَ إليه لأنه عَلَمٌ من اعلامِ القرآن واللغةِ والنحوِ، واطَّلع على ما لم يطَّلع عليه [مَنْ فوقَ السجستاني] :
٢٨٧ - ٧- وابنُ اللَّبُونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ | لم يستطعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القناعيسِ |
٢٨٧ - ٨- ماضٍ إذا ما هَمَّ بالمُضِيِّ... قال لها: هل لكِ ياتا فِيَّ
أنشده الفراء وقال: «فإنْ يَكُ ذلك صحيحاً فهو ممَّا يلتقي من الساكنين». وقال أبو عليّ: «قال الفراء في كتاب» التصريف «له: زعم القاسم بن معن أنه صوابٌ، وكان ثقةً بصيراً».
ومِمَّن طعن عليها أبو إسحاقَ قال: «هذه القراءةُ عند جميعِ النحويين رديئةٌ مَرْذُوْلَةٌ ولا وجهَ لها إلا وجهٌ ضعيفٌ». وقال أبو جعفر: «صار هذا إدغاماً، ولا يجوز أن يُحْمل كتابُ اللهِ تعالى على الشذوذ». وقال الزمخشري: «هي ضعيفةٌ، واستشهدوا لها ببيتٍ مجهول:
٢٨٧ - ٩- قال لها: هل لكِ ياتا فِيَّ... قالت له: ما أنت بالمَرْضِيِّ
وكأنه قدَّر ياء الإِضافة ساكنةً، وقبلها ياءٌ ساكنة، فحرَّكها بالكسر
قال الشيخ:» أمَّا قولُه «واستشهدوا لها ببيتٍ مجهولٍ، فقد ذكر غيرُهُ أنه للأغلبِ العجليّ، وهي لغةٌ باقيةٌ في أفواهِ كثيرٍ من الناس إلى اليوم يقولون:» ما فِيَّ أفعلُ «بكسر الياء». قلت: الذي ذكر صاحبَ هذا الرجزِ هو الشيخُ أبو شامةَ، قال: «ورأيتُه أنا في أول ديوانِه، وأولُ هذا الرجز:
٢٨٨ - ٠- أقبل في ثَوْبٍ مَعافِرِيِّ | عند اختلاط الليلِ والعَشيِّ |
ثم قال: وأمَّا قولُه» ياء الإِضافةِ إلا آخره «قد رُوي سكونُ الياءِ بعد الألف، وقد قرأ بذلك القراءُ نحو» محياْيْ «. قلت: مجيءُ السكون في هذه الياءِ لا يُفيده ههنا، وإنما كان يفيده لو جاء بها مكسورةً بعد الألف فإنه مَحَلُّ البحثِ. وأنشد النحاة بين الذبياني بالكسرِ والفتحِ، وهو قوله:
٢٨٨ - ١- عليَّ لِعمروٍ نِعْمةٌ بعد نعمةٍ | لوالدِه ليسَتْ بذاتِ عَقارِبِ |
قال: «ومما نرى أنهم وَهِمُوا فيه قوله: ﴿نُوَلِّهْ مَا تولى وَنُصْلِهْ جَهَنَّمَ﴾ بالجزم في الهاء». ثم ذكر غيرَ ذلك.
وقال أبو عبيد: «أمَّا الخفضُ فإنَّا نراه غلطاً، لأنهم ظنُّوا أن الباءَ تُكْسِرُ كلَّ ما بعدها، وقد كان في القرَّاء مَنْ يجعله لحناً، ولا أحبُّ أن أبلغَ به هذا كلِّه، ولكنَّ وجهَ القراءةِ عندنا غيرُها».
قلت: ولا إجماعَ. فقد تقدَّم ما حكاه الناسُ من أنها لغةٌ ثانيةٌ لبعضِ العربِ. وقد انتدب لنُصرةِ هذه القراءة أبو عليٍّ الفارسيّ، قال في «حُجَّته». «وجهُ ذلك أن الياءَ ليسَتْ تخلُو مِنْ أَنْ تكونَ في موضعِ نصبٍ أو جرّ، فالياءُ في النصبِ والجرِّ كالهاء فيهما، وكالكاف في» أكرمتُك «و» هذا لك «، فكما أنَّ الهاءَ قد لحقَتْها الزيادةُ في هذا: لهُوْ، وضَرَبَهُوْ، / ولحقَ الكاف أيضاً الزيادةُ في قولِ مَنْ قال» أَعْطَيْتُكاه «و» أَعْطَيْتُكِيْه «فيما حكاه سيبويه، وهما أختا الياء، ولحقت التاءَ الزيادةُ في قول الشاعر:
٢٨٨ - ٢- رَمَيْتِيْهِ فَأَصْمَيْتِ | وما أَخْطَأْتِ [في] الرَّمْيَهْ |
٢٨٨ - ٣-......................... | ............. لَهْ أَرِقانِ |
ثم قال الفارسيُّ: «كما حُذِفَتْ الزيادةُ من الكاف فقيل: أعطيتكَهُ وأَعْطَيْتُكِهِ، كذلك حُذِفت الياءُ اللاحقةُ للياء كما حُذِفَتْ من أُخْتَيْها، وأُقِرَّتْ الكسرةُ التي كانت تلي الياء المحذوفةَ فبقيت الياءُ على ما كانت عليه من الكسرِ». قال: «فإذا كانت الكسرةُ في الياء على هذه اللغةِ - وإن كان غيرُها أَفْشى منها، وعَضَدَه مِن القياسِ ما ذكرناه لم يَجُزْ لقائلٍ أن يقول: إن القراءةَ بذلك لحنٌ لاستقامةِ ذلك في السماعِ والقياسِ، وما كان كذلك لا يكون لحناً».
قلت: وهذا التوجيهُ هو توضيحٌ للتوجيه الثاني الذي قدَّمْتُ ذِكْرَه. وأما التوجيهُ الأولُ فأوضحه الفراءُ أيضاً، قال الزجاج: «أجاز الفراء على وجهٍ ضعيفٍ الكسرَ لأنَّ أصلَ التقاءِ الساكنين الكسرُ».
قال الفراء: «ألا ترى أنهم يقولون: مُذُ اليومِ، ومُذِ اليوم، والرفعُ في الذال هو الوجهُ، لأنه أصلُ حركةِ» منذ «، والخفضُ جائزٌ، فكذلك الياءُ من» مُصْرِخيَّ «خُفِضَتْ ولها أصلٌ في النصب».
قلت: تشبيهُ الفراءِ المسألةَ ب «مذ اليوم» فيه نظر؛ لأنَّ الحرفَ الأولَ صحيحٌ، ولم يتوالَ قبله كَسْرٌ بخلافِ ما نحن فيه، وهذا هو الذي عناه الزمخشريُّ بقوله فيما قدَّمْتُه عنه: «فكأنها وقعَتْ بعد حرفٍ صحيح».
التوجيهُ الثالث: أنَّ الكسرَ للإِتباع لِما بعدها، وهو كسرُ الهمزِ من» إنِّي «كقراءةِ» الحمدِ لله «، وقولهم» بِعِير وشِعِير وشِهيد، بكسر أوائِلها إتباعاً لما بعدها، وهو ضعيفٌ جداً.
التوجيه الرابع: أنَّ المسوِّغ لهذا الكسرِ في الياء وإن كان مستثقلاً أنَّها لَمَّا أُدْغِمَتْ فيها التي قبلها قَوِيَتْ بالإِدغام، فأشبهتِ الحروفَ الصِّحاحَ فاحتملتِ الكسرَ؛ لأنه إنما يُسْتَثْقَلُ فيها إذا خَفَّتْ وانكسر ما قبلها، ألا ترى أن حركاتِ الإِعرابِ تجري على المشدِّدِ وما ذاك إلاَّ لإِلحاقِه بالحروفِ الصِّحاح.
والمُصْرِخُ: المُغِيْث يُقال: اسْتَصْرَخْتُه فَأَصْرَخَني، أي: أعانني، وكأنَّ همزتَه للسَّلْب، أي: أزال صُراخي. والصَّارخ هو المستغيثُ. قال الشاعر:
٢٨٨ - ٤- ولا تَجْزَعوا إني لكمْ غيرُ مُصْرِخٍ | وليس لكم عندي غَناءٌ ولا نَصْرُ |
٢٨٨ - ٥-
كنَّا إذا ما أتانا صارخٌ فَزِعٌ | كان الصُّراخُ له قَرْعَ الظَّنابيبِ |
والصَّريْخُ: القومُ المُسْتَصْرِخُونَ قال:
٢٨٨ - ٦- قومٌ إذا سَمِعُوا الصَّريخَ رأيتَهُمْ | ما بين مُلْجِمِ مُهْرِهِ أو سافِِعِ |
قوله: ﴿بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ﴾ يجوزُ في «ما» وجهان: أحدُهما: أَنْ تكونَ بمعنى الذي. ثم في المراد بهذا الموصولِ وجهان، أحدُهما: أنه الأصنامُ، تقديرُه: بالصنمِ الذي أطعتموني كما أَطَعْتُمُوه، كذا قال أبو البقاء، والعائدُ محذوفٌ، فقدَّره أبو البقاء: بما أشركتموني به، ثم حُذِفَ، يعني بعد حذف الجارِّ ووصولِ/ الفعلِ إليه، ولا حاجةَ إلى تقديرِه مجروراً بالباء؛ لأنَّ هذا الفعلَ متعدٍّ لواحدٍ نحو: شَرَكْتُ زيداً، فلمَّا دَخَلَتْ همزةُ النقل أَكْسَبته ثانياً هو العائد، تقول: أَشْرَكْتُ زيداً عمراً، جعلتُه شريكاً له.
الثاني: أنه الباري
قال الزمخشريُّ: «ونحو:» ما «هذه» ما «في قولهم» سبحانَ ما سَخَّرَكُنَّ «، ومعنى إشراكهم الشيطانَ بالله تعالى طاعتُهم له فيما كان يُزَيِّنُه لهم مِنْ عبادةِ الأوثانِ». قال الشيخ: «ومن مَنَع ذلك جَعَل» سبحان «عَلَماً للتسبيح كما جعل» بَرَّة «عَلَماً للمَبَرَّة، و» ما «مصدرية ظرفية»، أي: فيكون على حذفِ مضافٍ، أي: سبحانَ صاحبِ تسخيرِكنَّ؛ لأنَّ التسبيحَ لا يليقُ إلاَّ بالله.
الثاني من الوجهين الأولين: أنها مصدريةٌ، أي: بإشراككم إياي.
قوله: ﴿مِن قَبْلُ﴾ متعلِّقٌ ب «كَفَرْتُ» على القولِ الأول، أي: كفرتُ مِنْ قبلُ، حين أَبَيْتُ السجودَ لآدمَ بالذي أشركتمونيه وهو اللهُ تعالى، وب «أشركْتُ» على الثاني، أي: كفرتُ اليومَ بإشراكِكم إيَّاي مِنْ قبلِ هذا اليوم، أي في الدنيا، كقوله: ﴿وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] هذا قولُ الزمخشريِّ. وأمَّا أبو البقاء فإنه جَوَّز تعلُّقَه بكفرْتُ وبأشركتموني، من غير ترتيبِ على كون «ما» مصدريةً أو موصولية فقال: «ومِنْ قبلُ: متعلِّقٌ بأشركتموني، أي: كفرْتُ الآن أَشْرَكتموني مِنْ قبل. وقيل: وهي متعلِّقةٌ ب» كفرتُ «أي: كَفَرْتُ مِنْ قبلِ إشراكِكم فلا أنفعُكم شيئاً».
وهنا تمَّ كلامُ الشيطان. وقوله: ﴿إِنَّ الظالمين﴾ مِنْ كلامِ الله تعالى، ويجوز أن يكونَ مِنْ كلامِ الشيطان. و «عذاب» يجوز رَفْعُه بالجارِّ قبلَه على أنه الخبر، وعلى الابتداءِ وخبرُه الجارُّ.
قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ في « [قراءةِ] العامَّةِ يتعلق بأُدْخِلَ، أي: أُدْخِلوا بأمرهِ وتيسيرِه. ويجوز تعلُّقه بمحذوف على أنه حالٌ، أي: ملتبسين بأمرِ ربهم، وجوَّز أبو البقاء أن يكون من تمام» خالدين «يعني أنه متعلِّقٌ به، وليس بممتنعٍ. وأمَّا على قراءة الشيخين فقال الزمخشري:» فيم تتعلَّق في القراءة الأخرى، وقولُك «وأُدْخِلُ أنا بإذنِ ربِّهم» كلامٌ غير مُلتئمٍ؟ قلت: الوجهُ في هذه القراءة أَنْ يتعلق بما بعده، أي: تحيتُهم فيها سلامٌ بإذن ربهم «. ورَدَّ عليه الشيخ هذا بأنه لا يتقدَّم معمولُ المصدر عليه.
الثاني: أنَّ «ضَرَب» متعديةٌ لاثنين لأنها بمعنى «صَيَّر»، لكنْ مع لفظ «المَثَل» خاصة، وقد تقدَّم تقريرُ هذا أولَ هذا الموضوعِ، فتكون «كلمةً» مفعولاً أولَ، و «مَثَلاً» هو الثاني، فيما تقدَّم.
الثالث: أنه متعدٍّ لواحدٍ وهو «مَثَلاً» و «كلمةً» بدلٌ منه، و «كشجرةٍ» خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي كشجرةٍ طيبةٍ، وعلى الوجهين قبله تكون «كشجرةٍ» نعتاً ل «كلمة».
وقرأ أنس بن مالك «ثابتٍ أصلُها». قال الزمخشري: «فإن قلت: أيُّ فرقٍ بين القراءتين؟ قلت: قراءةُ الجماعةِ أقوى معنىً؛ لأنَّ قراءةَ أنسٍ أُجْرِيَتِ الصفةُ على» الشجرة «/ وإذا قلت:» مررتُ برجلٍ أبوه قائمٌ «فهو أقوى مِنْ» برجل قائمٍ أبوه «لأنَّ المُخْبَرَ عنه إنما هو الأبُ لا رجل».
والجملةُ مِنْ قولِه «أصلُها ثابتٌ» في محلِّ جرّ نعتاً لشجرة.
٢٨٨ - ٧- هو الجَلاءُ الذي يَجْتَثُّ أصلَكُمُ | فَمَنْ رَأَى مثلَ ذا يوماً ومَنْ سَمِعا |
و «مِنْ قَرار» يجوز أن يكونَ فاعلاً بالجارِّ قبلَه لاعتمادِه على النفي، وأن يكونَ مبتدأً. والجملةُ المنفيَّةُ: إمَّا نعتٌ لشجرة وإما حالٌ مِنْ ضميرِ «اجْتُثَّتْ».
قوله:» في الحياةِ «متعلِّقٌ ب» يُثَبَّتُ «، ويجوز أن يتعلَّقَ بالثابِتِ.
أحدُها: أنَّ الأصلَ بَدَّلوا شكرَ نعمةِ [الله] كفراً، كقوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] [أي] : شُكر رزقكم، وَجَبَ عليهم الشكرُ فوضَعُوا موضعَه الكفرَ.
ويؤيِّد هذا التأويلَ قراءةُ ابن أبي عبلة «جهنمُ» بالرفع، على أنها مبتدأٌ، والجملةُ بعدها الخبرُ. وتحتمل قراءةُ ابن أبي عبلة وجهاً أخرَ: وهو أن يرتفعَ على خبرِ ابتداءٍ مضمر، و «يَصْلَوْنها» حالٌ: إمَّا مِنْ «قومَهم»، وإمَّا مِنْ «دارَ»، وإمَّا مِنْ «جهنمَ». وهذا التوجيهُ أَوْلى من حيث إنه لم يتقدَّمْ ما يرجِّح النصبَ، ولا ما يَجْعلُه مساوياً، والقرَّاءُ الجماهيرُ على النصبِ، فلم يكونوا ليتركُوا الأفصحَ، إلاَّ لأن المسألة لَيستْ من الاشتغالِ في شيءٍ. وهذا الذي ذكرتُه أيضاً مُرَجِّح لنصبهِ على البدليَّة أو البيانِ على انتصابِه على الاشتغال.
٢٨٨ - ٨- فلم أرَ مثلَهُم أبطالَ حربٍ | غداةَ الرَّوْعِ إذ خِيْفَ البوارُ |
٢٨٨ - ٩- يا رسولَ المَليكِ إنَّ لساني | راتِقٌ ما فَتَقْتُ إذ أنا بُوْرُ |
٢٨٩ - ٠- إنَّ مَحَلاًّ وإنْ مُرْتَحَلا | وإنَّ في السَّفْرِ ما مَضَى مَهَلا |
٢٨٩ - ١- محمدُ تَفْدِ نفسَك كلُ نفسٍ | إذا ما خِفْتَ مِنْ شيءٍ تَبالا |
٢٨٩ - ٢- قُلْتُ لبَوَّابٍ لديهِ دارُها | تِيْذَنْ فإني حَمْؤُها وجارُها |
الثالث: أنه مجزومٌ على جوابِ المقولِ المحذوفِ تقديره: قل لعبادي: أقيموا وأَنْفِقُوا، يُقيموا وينفقوا. قال أبو البقاء: وعزاه للمبرد-» كذا ذكره جماعة ولم يتعرَّضوا لإِفسادِه. وهو فاسد لوجهين، أحدُهما: أنَّ جوابَ الشرطِ يُخالِفُ الشرطَ: إمَّا في الفعلِ أو في الفاعل أو فيهما، فأمَّا إذا كان مثلَه في الفعلِ والفاعلِ فهو خطأٌ كقولِك: قم تقمْ، والتقديرُ على ما ذُكِرَ في هذا الوجه: إنْ يُقيموا يُقيموا. والوجه الثاني: أنَّ الأمرَ المقدَّرَ للمواجهة، و «يُقيموا» على لفظ الغَيْبَةِ وهو خطأٌ، إذا كان الفاعل
الرابع: أنَّ التقديرَ: إن تَقُلْ لهم: أقيموا، يُقيموا، وهذا مَرْوِيٌّ عن سيبويه فيما حكاه ابن عطية. قلت: وهذا هو القولُ الثاني.
الخامس: قال ابن عطية:» ويحتمل أن يكونَ «يُقيموا» جوابَ الأمرِ الذي يعطينا معناه قولُه «قُلْ» ؛ وذلك أن تجعلَ قولَه «قُلْ» في هذه الآيةِ بمعن بَلّغْ وأَدِّ الشريعةَ يُقيموا «.
السادس: قال الفراء:» الأمرُ معه شرطٌ مقدَّرٌ تقول: «أَطِعِ اللهَ يُدْخِلْكَ الجنَّةَ».
والفرقُ بين هذا وبين ما قبله: أنَّ ما قبله ضُمِّن فيه الأمرُ نفسُه معنى الشرط، وفي هذا قُدر فعلُ الشرطِ بعد فعلِ الأمرِ مِنْ غيرِ تضمينٍ.
السابع: قال الفارسيُّ: «إنَّه مضارعٌ صُرِف عن الأمرِ إلى الخبرِ ومعناه: أقيموا». وهذا مردودٌ؛ لأنه كان ينبغي أن يُثْبِتَ نونَه الدالَّةَ على إعرابه. وأُجيبَ عن هذا بأنه بُني لوقوعِه موقعَ المبني، كما بُني المنادى في نحو: «يا زيدُ» لوقوعِه موقعَ الضمير، ولو قيل بأنه حُذِفَتْ نونُه تخفيفاً على
وفي معمول «قُلْ» ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: الأمرُ المقدَّرُ، أي: قُلْ لهم: أقيموا، يُقيموا، الثاني: أنه نفسُ «يُقيموا» على ما قاله ابنُ عطية الثالث: أنَّه الجملةُ من قولِه ﴿الله الذي خَلَقَ﴾ إلى آخره، قاله ابن عطية. وفيه تفكيكٌ للنَّظْم، وجَعْلُ الجملةِ «يُقيموا الصلاة» إلى آخره مُفلتاً ممَّا قبلَه وبعدَه، أو يكونُ جواباً فَصَل بين القولِ ومعمولِه، لكنه لا يترتَّبُ على قولِ ذلك إقامةُ الصلاةِ والإِنفاقُ، إلا بتأويلٍ بعيدٍ جداً.
قوله: «سِرَّاً وعلانِيَةً» في نصبِهِما ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُهما: أنهما حالان ممَّا تقدَّم، وفيهما ثلاثةُ التأويلاتِ في «زيد عَدْل»، أي: ذوي سر وعلانية أو مُسِرِّين ومُعْلِنين، أو جُعِلوا نفسَ السِّرِّ والعَلانية مبالغةً. الثاني: أنهما منصوبان على الظرف، أي: وَقْتَيْ سِرٍّ وعلانية. الثالث: أنهما/ منصوبان على المصدرِ، أي إنفاق سرّ وإنفاق علانية.
قوله: «مِنْ قبل» متعلِّقٌ ب «يُقيموا» و «يُنْفِقوا»، أي: يفعلون ذلك قبل هذا اليوم.
وقد تقدَّم خلاف القراء في ﴿لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ﴾. والخِلال: المُخالَّة وهي المصاحبةُ. يقال: خالَلْتُه خِلالاً ومُخَالَّةً. قال طرفة:
٢٨٩ - ٣- كلُّ خليلٍ كنتُ خالَلْتُه | لا تَرَكَ اللهُ له واضِحَهْ |
٢٨٩ - ٤- صَرَفْتُ الهَوَى عنهنَّ مِنْ خشيةِ الرَّدى | ولستُ بمَقْلِيِّ الخِلالِ ولا قالِ |
وجَوَّز الزمخشريُّ وابنُ عطيةَ أن تكونَ «مِنْ» لبيان الجنسِ، أي: رِزْقاً هو الثمرات. ويُرَدُّ عليهما: بأنَّ التي للبيان إنما تجيء بعد المبهم. وقد يُجاب عنهما: بأنهما أرادا ذلك من حيث المعنى لا الإِعراب. وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك في البقرة.
و «بأَمْرِهِ» يجوز ان يكونَ متعلِّقاً ب «تَجْرِي»، أي: بسببِه، أو بمحذوفٍ على أنها للحالِ، أي: ملتبسةً به.
و «ما» يجوز فيها أن تكونَ موصولةً اسمية أو حرفية أو نكرةً موصوفةً، والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ، أي: مَسْؤولكم. فإن كانت مصدريَّةً فالضميرُ في «سَأَلْتموه» عائدٌ على الله تعالى، وإن كانتْ موصولةً أو موصوفةً كان عائداً عليها، ولا يجوزُ أن يكون عائداً على اللهِ تعالى، وعائدُ الموصولِ أو الموصوفِ محذوفٌ؛ لأنه: إمَّا أن يُقَدَّر متصلاً: سألتموهوه أو منفصلاً: سألتموه إياه، وكلاهما لا يجوز فيه الحَذْفُ لِما قدَّمْتُ لك أولَ البقرةِ في قوله ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.
وقرأ ابنُ عباس ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والحسن والضحّاك وعمرو بن فائد وقتادة وسلام ويعقوب ونافع في روايةٍ، ﴿مِّن كُلِّ﴾ منونةً. وفي «ما» على هذه القراءة وجهان، أحدُهما: أنها نافية، وبه بدأ الزمخشري فقال: «وما سأَلْتُموه نفيٌ، ومحلُّه النصبُ على الحال، أي:
والثاني: أنها موصولةٌ بمعنى الذي، هي المفعول الثاني لآتاكم. وهذا التخريجُ الثاني أَوْلَى، لأنَّ في الأول منافاةً في الظاهر لقراءةِ العامَّة. قال الشيخ: «ولما أحسَّ الزمخشريُّ بظهورِ التنافي بين هذه القراءةِ وبين تلك قال:» ويجوز أن تكونَ «ما» موصولةً على: وآتاكم مِنْ كُلِّ ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلُحْ أحوالُكُم ولا معائِشُكم إلا به، فكأنكم طلبتموه أو سألتموه بلسانِ الحال، فتأوَّل «سَأَلْتموه» بمعنى ما احتجتم إليه «.
قول:» نعمةَ «في معنى المُنْعِمِ به، وخُتِمَتْ هذه ب ﴿إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ﴾، ونظيرتُها في النحل ب ﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨]، لأنَّ في هذه تقدَّمَ قولُه ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً﴾ [إبراهيم: ٢٨]، وبعده ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً﴾ [إبراهيم: ٣٠]، فجاء قولُه ﴿إِنَّ الإنسان﴾ شاهداً بقُبْحِ مَنْ فَعَلَ ذلك، فناسَبَ خَتْمَها بذلك، والتي في النحل ذكر فيها عدةَ تفصيلاتٍ وبالَغَ فيها، وذكر قولَه ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧]، أي: مَنْ أوجَدَ هذه النِّعَمَ السابقَ ذكرُها كَمَنْ لم يَقْدِرْ منها على شيءٍ، فَذَكَرَ أيضاً أنَّ مِنْ جملة تَفَضُّلاتِه اتصافَه بهاتين الصفتين.
قوله: ﴿واجنبني﴾ يُقال: جَنَبَه شرَّاً، / وأَجْنَبَه إياه، ثلاثياً، ورباعياً، وهي لغةُ نجدٍ، وجَنِّبه إياه مشدداً، وهي لغةُ الحجازِ، وهو المَنْعُ، وأصلُه مِنَ الجانب. وقال الراغب: «وقولُه تعالى: ﴿واجنبني وَبَنِيَّ﴾ مِنْ جَنَبْتُه عن كذا، أي: أَبْعَدْتُه منه. وقيل: مِنْ جَنَبْتُ الفَرَسَ كأنما أن يقودَه عن جانبِ الشِّرْك بألطافٍ منه وأسبابٍ خفيَّةٍ».
و ﴿أَن نَّعْبُدَ﴾ على حَذْفِ الحرف، أي: عن أن. وقرأ الجحدريُّ وعيسى الثقفي «وأَجْنِبْني» بقطعِ الهمزة مِنْ أَجْنَبَ.
قوله: ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ شرطٌ، ومحلُّ «مَنْ» الرفعُ بالابتداءِ، والجوابُ ﴿فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ والعائدُ محذوفٌ، اي: له.
قوله: «بوادٍ»، أي: في وادٍ، نحو: هو بمكة.
قوله: ﴿عِندَ بَيْتِكَ﴾ يجوز أن يكونَ صفةً ل «وادٍ». وقال أبو البقاء: «ويجوز أن يكونَ بدلاً منه»، يعني أنه يكونُ بدلَ بعضٍ مِنْ كُلّ، لأنَّ الواديَ أعمُّ مِنْ حضرةِ البيت. وفيه نظرٌ، من حيث إنَّ «عند» لا تتصرَّف.
قوله: «ليُقِيموا» يجوز أَنْ تكونَ هذه اللامُ لامَ أمرٍ، وأن تكونَ لامَ علَّة. وفي متعلقها حينئذٍ وجهان، أحدُهما: أنها متعلقةٌ بأَسْكنْتُ وهو ظاهرٌ، ويكون النداءُ معترضاً. الثاني: أنها متعلقةٌ باجْنُبْني، أي: اجْنُبْهم الأصْنامَ ليُقِيموا، وفيه بُعْدٌ.
قوله: ﴿أَفْئِدَةً مِّنَ الناس﴾ العامَّةُ على «أفْئِدة» جمع «فُؤاد» كغُراب وأَغْربة. وقرأ هشام عن ابن عامر بياءٍ بعد الهمزة، فقيل: إشباع، كقوله:
٢٨٩ - ٥-........................ | يُحِبَّك عَظْمٌ في الترابِ تَرِيْبُ |
٢٨٩ - ٦- أعوذُ باللهِ مِنَ العَقْرابِ | الشائلاتِ عُقدَ الأَذْنابِ |
وقرأ زيدٌ بن عليّ «إفادة» بزنةِ «رِفادة»، وفيها وجهان، أحدهما: أن يكونَ مصدراً لأِفاد كأَقام إقامةً، أي: ذوي إفادةٍ، وهم الناسُ الذين يُنْتَفَعُ بهم. والثاني: أن يكون أصلُها «وِفادة» فأُبْدِلَتِ الواوُ همزةً نحو: إشاح وإعاء.
وقرأت أمُّ الهيثم «أَفْوِدَة» بواوٍ مكسورة، وفيها وجهان، أحدُهما: أن يكونَ جمع «فُوَاد» المُسَهًّل: وذلك أنَّ الهمزةَ المفتوحةَ المضمومَ ما قبلها يَطَّرِد قَلْبُها واواً نحو: جُوَن، ففُعِل في «فُؤاد» المفرد ذلك، فأُقِرَّت في الجمع على حالها. والثاني: قال صاحب «اللوامح» :«هي جمعُ وَفْد». قلت: فكان ينبغي أن يكونَ اللفظ «أَوْفِدة» بتقديم الواو، إلا أن يُقال: إنه
وقُرِىء «آفِدَة» بزِنَةِ ضارِبة، وهي تحتمل وجهين، أحدُهما: أن تكونَ مقلوبةً مِنْ أَفئدة بتقديم الهمزة على الفاء فَقُلِبَتْ الهمزةُ ألفاً، فوزنها أَعْفِلة كآرام في أرْآم.
والثاني: أنها اسمُ فاعلٍ مِنْ أَفِد يَأْفَدُ، أي: قَرُب ودَنا، والمعنى: جماعة آفِدَة، أو جماعات آفِدة.
وقُرِئ «آفِدَة» بالقَصْرِ، وفيها وجهان أيضاً، أحدُهما: أن يكونَ اسمَ فاعلٍ على فَعِل كفَرِحَ فهو فَرِح. [والثاني] : أن تكونَ محففةً من «أَفْئِدة». بنَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الساكن قبلها، وحَذْفِ الهمزةِ.
و «من الناس» في «مِنْ» وجهان، أحدُهما: أنها لابتداءِ الغاية. قال الزمخشريُّ: «ويجوز أن تكونَ» مِنْ «لابتداءِ الغايةِ كقولك:» القلبُ مني سقيم «تريد: قلبي، كأنه قيل: أفئدةَ ناسٍ، وإنما نَكَّرْتَ المضافَ في هذا التمثيلِ لتنكيرِ» أَفْئدة «لأنها في الآية نكرةٌ، ليتناولَ بعضَ الأفئدةِ». قال الشيخ: «ولا يَظْهر كونُها للغايةِ؛ لأنه ليس لنا فِعْلٌ يُبتدأ فيه بغايةٍ ينتهي إليها، إذ/ لا يَصِحُّ جَعْلُ ابتداءِ الأفئدة من الناس».
قوله: «تَهْوي» هذا هو المفعولُ الثاني للجَعْل. والعامَّة «تَهْوِي» بكسرِ العين بمعنى: تُسْرِعُ وتَطيرُ شوقاً إليهم. قال:
٢٨٩ - ٧- وإذا رَمَيْتَ به الفِجاجَ رَأَيْتَه | يَهْوي مخارمَها هُوِيَّ الأجْدَلِ |
٢٨٩ - ٨- حتى إذا ما هَوَتْ كفُّ الغلامِ لها | طارَتْ وفي كَفِّه مِنْ ريشِها بِتَكُ |
٢٨٩ - ٩- تَهْوي إلى مكَّةَ تَبْغي الهدى | ما مُؤْمِنُ الجِنِّ كأَنْجاسِها |
٢٩٠ - ٠-....................................
والثاني على «هَوَى». وقال أبو البقاء: «معناهما متقاربان إلاَّ أَنَّ هَوَى - يعني بفتح الواو- متعدٍّ بنفسه، وإنما عُدِّيَ بإلى حَمْلاً على تميل».
وقرأ مسلمة بن عبد الله: «تُهْوَى» بضم التاء وفتح الواو مبنياً للمفعول مِنْ «أهوى» المنقول مِنْ «هَوِيَ» اللازمِ، أي: يُسْرَع بها إلى إليهم.
٢٩٠ - ١- إنِّي على ما تَرَيْنَ من كِبَري | أعلمُ مِنْ تُؤْكَلُ الكَتِفَ |
قوله: ﴿لَسَمِيعُ الدعآء﴾ فيه أوجه، أحدُها: أن يكون فعيل مثالَ مبالغةٍ مضافاً إلى مفعولِه، وإضافتُه مِنْ نصبٍ، وهذا دليلٌ لسيبويه على أن فَعِيلاً يعملُ عملَ اسمِ الفاعل، وإن كان قد خالف جمهور البصريين والكوفيين.
قال الشيخ: «وهو بعيدٌ لاستلزامِهِ أن يكونَ من الصفة المشبهة والصفةُ متعديةُ، وهذا إنما يتأتَّى على قولِ الفارسيِّ فإنه يُجيز أن تكونَ الصفةُ المشبهة من الفعلِ المتعدِّي بشرطِ أَمْنِ اللَّبْس نحو:» زيد ظالمُ العبيد «إذا عُلِم أن له عبيداً ظالمين، وأمَّا هنا فالَّبْسُ حاصلٌ؛ إذ الظاهرُ أنه من إضافةِ المثالِ للمفعولِ لا للفاعل».
قلت: واللَّبْسُ أيضاً هنا مُنْتَفٍ لأن المعنى على الإِسناد المجازي كما تقرَّر فانتفى اللَّبْسُ.
قوله: ﴿وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ﴾ قرأ أو عمروٍ وحمزةُ وورشٌ بإثبات الياء وصلاً وحَذْفِها وقفاً، والبزيُّ بإثباتها في الحالين، والباقون بحذفها وصلاً ووقفاً، وقد روي بعضُهم إثباتَها وقفاً أيضاً.
وقرأ الحسين بن علي ومحمد وزيد ابنا علي بن الحسين وابن يعمر «ولولدي» دون ألف، تثنية وَلَد، ويعني بهما إسماعيل وإسحاق، وأنكرها الجحدريُّ بأنَّ في مصحف أُبَيّ «ولأبويَّ» فهي مفسِّرةٌ لقراءةِ العامَّة.
ورُوي عن ابنِ يعمر أنَّه قرأ «ولِوُلْدي» بضمِّ الواو وسكونِ الياء، وفيها تأويلان، أحدُهما: أنه جمع «وَلَد» كأُسْد في «أَسَد»، وأنْ يكونَ لغةً في الوَلَد كالحُزْن والحَزَن، والعَدَم والعُدْم، والبُخْل والبَخَل، وعليه قول الشاعر:
٢٩٠ - ٢- فليتَ زياداً كان في بَطْنِ أمِّه | وليت زياداً كان وُلْدَ حمارِ |
والإِهطاع: قيل: الإِسراعُ في المشي قال:
٢٩٠ - ٣- إذا دعانا فأَهْطَعْنا لدَعْوَته | داعٍ سميعٌ فَلَفُّونا وساقُوْنا |
٢٩٠ - ٤- وبمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأن عِنَانَه | في [رأس] جَذْعٍ....................... |
٢٩٠ - ٥- بِدِجْلَةَ دارُهُمْ ولقد أراهُمْ | بِدِجْلِةَ مُهْطِعِيْن إلى السَّماعِ |
٢٩٠ - ٦- يُباكِرْن العِضَاهَ بمُقْنَعاتٍ | نواجِذُهُنَّ كالِحَدأ الوَقيع |
وقال الراغب: «قال بعضُهم:» أصلُ هذه الكلمةِ مِن القِناع، وهو ما يُغَطَّي الرأسَ، والقانِعُ مَنْ [لا] يُلحُّ في السؤال فَيَرْضَى بما يأتيه كقوله:
٢٩٠ - ٧-
لَمالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْني | مَفاقِرَه أعفُّ مِنَ القُنُوعِ |
٢٩٠ - ٨-.......................... | شُهودِيْ على لَيْلَى عُدُولٌ مَقانِعُ |
قوله: ﴿لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ﴾ في محلِّ نصب على الحال أيضاً من الضمير في «مُقْنِعِي». ويجوز أن يكونَ بدلاً من «مُقْنِعي» كذا قال أبو البقاء، يعني أنه يَحُلُّ مَحَلَّه. ويجوز أن يكونَ استئنافاً.
والطَّرْفُ في الأصل مصدرٌ، وأُطْلِقَ على الفاعلِ لقولِهم: «ما فيهم عَيْنٌ تَطْرِفُ»، [ولعلَّه] هنا العينُ. قال:
٢٩٠ - ٩- وأَغُضُّ طَرْفي ما بَدَتْ لي جارَتي | حتى يُواري جارَتي مَأْواها |
٢٩١ - ٠- كأن ارَّحْلَ منها فوق صَعْلٍ | من الظَّلْمَانِ جُؤْجُؤُه هَواءُ |
٢٩١ - ١-........................... | وأنت مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هواءُ |
قوله: ﴿أَوَلَمْ تكونوا﴾ قال الزمخشريُّ: «على إرادةِ القول، وفيه وجهان: أن يقولوا ذلك بَطَراً وأَشَرَاً، وأَنْ يقولوه بلسان الحالِ حيث بَنَوْا شديداً وأمَّلوا بعيداً».
و «مالكم» جوابُ القسمِ، وإنما جاء بلفظِ الخطابِ، لقوله: «أَقْسَمْتُمْ» ولو جاء بلفظِ المُقْسِمين لقيل: ما لنا. وقَدَّر الشيخ ذلك القولَ من قولِ الله تعالى أو الملائكةِ، أي: فيقال لهم: أو لم تكونوا. وهو عندي أظهرُ مِن الأول، أعني جَرَيانَ القولِ مِنْ غيرهم لا منهم.
قوله: «وتَبَيَّنَ» فاعلُه مضمرٌ لدلالةِ الكلامِ عليه، [أي] : حالُهم وخبرُهم وهلاكُهم. و «كيف» نَصْبٌ بفَعَلْنا، وجملةُ الاستفهامِ ليست معمولةً ل «تَبَيَّن» ؛ لأنه من الأفعال التي لا تُعَلَّق، ولا جائزٌ أن يكونَ «كيف» فاعلاً، ؛
وقال بعض الكوفيين: «إنَّ جملةَ» كيف فَعَلْنا «هو الفاعلُ»، وهم يُجيزون أن تكونَ الجملةُ فاعلاً، وقد تقدم هذا قريباً في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ [يوسف: ٣٥].
والعامَّةُ على «تَبَيَّن» فعلاً ماضياً. وقرأ عمر لن الخطاب والسُّلَمي في روايةٍ عنه: «ونُبَيِّنَ» بضمِّ النونِ الأولى والثانية، مضارع «بَيَّن»، وهو خبرُ مبتدأ مضمرٍ، والجملةُ حالٌ، أي: ونحنُ نبيِّن. وقرأ السُّلَميُّ - فيما نقل المهدويُّ - كذلك إلاَّ أنه سَكَّن النونَ للجزمِ نَسَقاً على «تكونوا»، فيكونُ داخلاً في حيِّز التقدير.
الوجه الثاني: أن تكونَ المخففةَ من الثقيلة. قال الزمخشري: «وإنْ عَظُمَ مكرُهم وتبالغَ في الشدَّةِ، فضرب زوالَ الجبالِ منه مثلاً لشدَّته، أي: وإنْ كان مَكْرُهم مُعَدَّاً لذلك». وقال ابن عطية: «ويحتمل عندي أن يكون معنى هذه القراءةِ: تَعظيمَ مَكْرِهم، أي: وإن كان شديداً، إنما يفعل لتذهب به عظامُ الأمور» فمفهومُ هذين الكلامين أنها مخففةٌ لأنه إثباتٌ.
والثالث: أنها شرطيةٌ، وجوابُها محذوف، أي: وإنْ كان مكرُهم مُعَدَّاً لإِزالةِ أشباهِ الجبال الرواسي، وهي المعجزات والآيات، فالله مجازِيْهم بمكرٍ هو أعظمُ منه. وقد رُجَّح الوجهان الأخيران على الأول وهو أنها نافيةٌ؛ لأن فيه
وقد أجاب بعضُهم عن ذلك بأنَّ الحالَ في قراءة الكسائي مُشارٌ بها إلى أمورٍ عظام غيرِ الإِسلامِ ومُعجزاتِه كمكرهم صلاحيةَ إزالتها، وفي قراءةِ الجماعةِ مُشارُ بها إلى ما جاء به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدين الحق، فلا تَعارُضَ، إذ لم يتواردا على معنى واحدٍ نفياً وإثباتاً.
وأمَّا قراءةُ الكسائي ففي «إنْ» وجهان: مذهبُ البصريين، أنها المخففةُ واللام فارقة، ومذهبُ الكوفيين: أنها نافيةٌ واللامُ بمعنى «إلا»، وقد تقدَّم تحقيقُ المذهبين.
وقرأ عمرُ وعليٌّ وعبد الله وزيد بن علي وأبو سلمة وجماعة «وإن كاد مكرهم لَتزول» كقراءةِ الكسائي إلا أنهم جعلوا مكان نون «كان» دالاًّ فعلَ مقاربة، وتخريجها كما تقدَّم، ولكن الزوالَ غيرُ واقعٍ.
وقُرِء «لَتَزُوْل» بفتح اللامين. وتخريجهما على إشكالها أنها جاءَتْ على لغةِ مَنْ يفتح لام «كي».
وقال أبو البقاء: «هو قريب من قولهم:
٢٩١ - ٢- يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدارِ... وأنشد بعضُهم نظيرَ الآيةِ الكريمة قولَ الشاعر:
٢٩١ - ٣- ترى الثورَ فيها مُدخِلَ الظلِ رأسَهُ | وسائرُه بادٍ إلى الشمسِ أجمعُ |
٢٩١ - ٤- فلا تَحسَبَنْ أني أَضِلُّ مَنِيَّتي | فكلُّ امرِئٍ كأسَ الحِمام يذوقُ |
٢٩١ - ٥- فما الناسُ بالناسِ الذين عَهِدْتُهُمْ | ولا الدارُ التي كنتُ تَعْلَمُ |
قوله: «وبَرَزوا» فيه وجهان: أحدُهما أنها جملةٌ مستأنفةٌ، أي: ويَبْرُزُون، كذا قدَّره أبو البقاء، يعني أنه ماضٍ يُراد به الاستقبالُ، والأحسنُ أنه مِثْلُ ﴿ونادى أَصْحَابُ النار﴾ [الأعراف: ٥٠] ﴿ونادى أَصْحَابُ الجنة﴾ [الأعراف: ٤٤] ﴿رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ﴾ [الحجر: ٢] ﴿أتى أَمْرُ الله﴾ [النحل: ١] لتحقُّقِ ذلك.
والثاني: أنها حالٌ من الأرض، و «قد» معها مُرادةٌ، قاله أبو البقاء، ويكون الضميرُ في «بَرَزوا» للخَلْق دَلَّ عليهم السياقُ، والرابطُ بين الحالِ وصاحِبِها الواوُ.
وقرأ زيدُ بنُ علي «وبُرِّزوا» بضم الباءِ وكسر الراء مشددةً على التكثير في الفعلِ ومفعوله.
٢٩١ - ٦- وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ | لم يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعِيٍسِ |
٢٩١ - ٧- والخيرُ والشرُّ مَلْزُوْزان في قَرَنْ | ...................... |
والأَصْفاد: جمعُ صَفَد وهوى الغِلُّ والقيد، يُقال: صَفَده يَصْفِدُه صَفْداً: قَيَّده، والاسمُ: الصَّفَد، وصَفَّده مشدداً للتكثير. قال:
٢٩٨ - ١- فآبُوا بالنهَّائِبِ والسَّبايا | وأُبْنا بالمُلوكِ مُصفَّدينا |
قال النابغة:
٢٩١ - ٩-.....................
أي: بالإِعطاءِ، وسُمِّي العَطاءُ صَفَداً لأنه يُقَيِّدُ مَنْ يعطيه ومنه «أنا مَغْلولُ أياديك، وأَسِيْرُ نِعْمَتِك».
والسَّرابيلُ: الثياب. وسَرْبَلْتُه، أي: أَلْبَسْتَه السِّربال. قال:
٢٩٢ - ٠- أَوْدَى بنَعْلَيَّ وسِرْباليَهْ... ويُطلقُ على ما يُحَصَّنُ في الحَرْب، من الدِّرْع وشبهِه، قال تعالى: ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ [النحل: ٨١].
والقَطِران: ما يُسْتَخْرج مِنْ شجرٍ، فيُطبخ وتُطْلَى به الإِبلُ الجُرُبُ لِيَذْهَبَ جَرْبُها بِحِدَّته، وهو أفضلُ الأشياءِ للاشتعال به. وفيه لغاتٌ: قَطِران بفتح/ القاف وكسر الطاء، وهي قراءةُ العامَّة. وقَطْران بزنة سَكْران وبها قرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وقال أبو النجم:
٢٩٢ - ١- لَبَّسَه القَطْرانَ والمُسُوحَا...
وقرأ جماعةٌ كثيرة منهم عليُّ بن أبي طالب وابن عباس وأبو هريرة والحسَن «بَقَطِرٍ» بفتح القافِ وكسرِ الطاءِ وتنوينِ الراء، «آنٍ» بوزن عانٍ، جعلوهما كلمتين والقَطِر: النحاس، والآني: اسمُ فاعل مِنْ أَنَى يَأْني، أي: تناهى في الحرارةِ كقوله: ﴿وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤]، وعن عمرَ رضي الله عنه «ليس بالقَطْران، ولكنه النحاسُ الذي يَصير بلَوْنِه».
وقرىء: «وتَغَشَّى» بتشديدِ الشينِ، أي: وتَتَغشَّى، فحذف إحدى التاءين.
وقُرِئ برفعِ «وجوهُهم» ونصبِ «النار» على سبيلِ المجاز، جَعَلَ ورودَ الوجوهِ النارَ غِشْياناً.
والجملةُ من قوله «وتَغْشى» قال أبو البقاء: «حالٌ أيضاً»، يعني أنها معطوفةٌ على الحال، ولا يَعْني أنها حالٌ، والواوُ للحال؛ لأنه مضارعٌ مثبتٌ.
قوله: «وَلِيُنْذَروا» فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ، أي: وليُنْذِرُوا به أَنْزَلْنا عليك.
الثاني: أنه معطوفٌ على محذوفٍ، ذلك المحذوفُ متعلقٌ ب «بلاغ»، تقديره: ليُنْصَحوا ولِيُنْذَروا. الثالث: أن الواوَ مزيدةٌ و «لِيُنْذَروا» متعلقٌ ب «بلاغ»، وهو رأيُ الأخفش، نقله الماوردي. الرابع: أنه محمولٌ على المعنى، أي: ليُبَلَّغُوا ولِيُنْذَرُوا. الخامس: أن اللامَ لامُ الأمر. قال بعضُهم: وهو حسنٌ لولا قولُه «ولِيَذَّكَّر» فإنه منصوبٌ فقط. قلت: لا محذورَ في ذلك فإنَّ قولَه «ولِيَذَّكَّرَ» ليس معطوفاً على ما تقدَّمه، بل متعلِّقٌ بفعلٍ مقدر، أي: ولِيَذَّكَّر أَنْزَلْناه وأَوْحيناه. السادس: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ. التقدير: هذا بلاغٌ وهو ليذَّكَّر، قاله ابن عطية. السابع: أنه عطفُ مفردٍ على مفردٍ، أي: هذا بلاغٌ وإنذار، قاله المبرد، وهو تفسيرُ معنى لا إعرابٍ.
الثامن: أنه معطوفٌ على قوله ﴿لِتُخْرِجَ الناس﴾ [إبراهيم: ١] في أولِ السورة. وهذا
وقرأ العامَّة: «لِيُنْذَرُوا» مبنياً للمفعول، وقرأ مجاهد وحميد بن قيس: «ولِتُنْذِرُوا» بتاءٍ مضمومة وكسرِ الذال، كأنَّ البلاغَ للعموم والإِنذار للمخاطبين.
وقرأ يحيى بن عُمارة الذارع عن أبيه، وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي. «ولِيُنْذَرُوا» بفتح الياء والذال مِنْ نَذَر بالشيء، أي: عَلِم به فاستعدَّ له، قالوا: ولم يُعرف له مصدرٌ فهو كَعَسَى وغيرِها من الأفعالِ التي لا مصادرَ لها.
سورة إبراهيم
سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.
ترتيبها المصحفي
14نوعها
مكيةألفاظها
831ترتيب نزولها
72العد المدني الأول
54العد المدني الأخير
54العد البصري
51العد الكوفي
52العد الشامي
55* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:
عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).
* سورة (إبراهيمَ):
سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.
جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:
1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).
2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).
3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).
4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).
5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).
6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).
7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).
مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.
أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].
وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).