تفسير سورة إبراهيم

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
هي مكية إلا آيتين نزلتا بالمدينة وهما قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ( ٢٨ ) جهنم يصلونها وبئس القرار ( ٢٩ ) ﴾ ١ [ إبراهيم : ٢٨، ٢٩ ]. وليس فيها ناسخ ولا منسوخ وفيها من الأحكام مواضع ٢.
١ نسبه ابن عطية إلى مكي والنقاش. راجع المحرر الوجيز ١٠/ ٥٧. وقال القرطبي: مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وجابر. وقال قتادة وابن عباس إلا آيتين منها مدنيتين. وقيل ثلاث نزلت في الذين حاربوا الله ورسوله وهي قوله تعالى: ﴿ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا...﴾ إلى قوله: ﴿فإن مصيركم إلى النار﴾. راجع الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٣٣٨..
٢ أوصلها ابن الفرس إلى ثلاث آيات..

قوله تعالى :﴿ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ﴾ :
أقام بعض الناس من هذا الموضع إبطال القول بالتقليد جملة١ وهو مذهب حذاق الأصوليين خلافا للحشوية والتعلمية الذين ذهبوا إلى أن ٢ طريق معرفة الحق التقليد، وأن ذلك هو الواجب وأن النظر والبحث حرام.
وهو انتزاع حسن لأنهم اتبعوا الشيطان بمجرد دعواهم ولم يطلبوا منه برهانا. فحكى الله تعالى قول الشيطان تقبيحا لذلك الفعل منهم وإجابتهم بغير أسبابه، فدل هذا أنه لا يقلد أحد بمجرد دعواه.
١ قال ابن عطية: وفي هذه المقالة ضعف على احتمالها. والتقليد وإن كان باطنا ففساده من غير هذا الموضع. راجع المحرر الوجيز ١٠/ ٧٨..
٢ "أن" ساقط في (أ)..
قوله تعالى :﴿ تؤتي أكلها كل حين ﴾ :
اختلف المفسرون في الحين كم هو في هذه الآية. فقال ابن عباس وعكرمة وغيرهما ١ سنة. وقال الحسن – وروي عن ابن عباس وعكرمة أيضا – ستة أشهر. وقال ابن المسيب شهران، وقال الضحاك وغيره عن ابن عباس : كل حين أي غدوة وعشية ومتى أريد جناها. فمن راعى أن ثمر ٢ النخلة وجناها إنما يأتي على كل سنة قال بالقول الأول. ومن راعى وقت جذاذ النخل إلى حملها في الوقت المقبل قال بالقول الثاني. ومن راعى مدة في الجني في النخل قال بالقول الثالث. وأما القول الرابع فضعيف لأن الشجرة ليست أبدا تأتي أكلها غدوة وعشيا، ومتى أريد جناها. وبحسب الاختلاف في مقدار الحين هنا اختلف فيمن حلف أن لا يكلم فلانا حينا. فذهب مالك وجماعة غيره إلى أنه لا يكلمه سنة، واحتجوا بالآية. وذهب قوم إلى أنه لا يكلمه ستة أشهر وتأولوا الآية على مذهبهم وهو قول أبي حنيفة ٣، وذكر أنه قاله اتباعا لعكرمة. وقال قوم لا يكلمه شهرين. وتأولوها أيضا على مذهبهم. ويأتي على المذهب الرابع في تفسير الآية قول رابع وهو ٤ أن لا يكلمه يوما واحدا. وحكي عن سعيد بن المسيب أنه بلغه قول عكرمة في الحين أنه ستة أشهر، فقال انتقرها عكرمة. فقيل إنه يحتمل المدح والذم. فعلى المدح يكون استخرجها واستنبط ٥ علمها من كتاب الله عز وجل، وأصلها من النقر، وهو البحث عن الشيء. والانتقار أيضا بمعنى الاختصاص. قال طرفة ٦ : ألا ترى الأديب فينا ينتقر. فكأنها ٧ على هذا التأويل اختص بها عكرمة وتفرد بعلمها، وما أشبه ذلك من الكلام. وعلى الذم يكون المعنى أفتى بها من قبل ٨ نفسه واختص بقول فيها لم يتابع عليه أو نحو هذا من الكلام. وأصل الحين في لغة العرب المدة من الزمن ٩ غير معلومة. إلا أنه قد ينضاف ١٠ إليها من الكلام ما يدل على تحديها كهذه الآية ونحوها. وقد قيل إن الحين الساعة ومنه قول النابغة١١ : تطلقه حينا وحينا تراجع. والحين أيضا أربعون سنة. وأما الشافعي فرأى الحين لفظا مجملا لم يوضع لمعنى معين. وقال تعالى :﴿ ليسجننه حتى حين ﴾ [ يوسف : ٣٥ ] وعنى به ثلاثة عشرة سنة. وقال تعالى :﴿ ولتعلمن نبأه بعد حين ( ٨٨ ) ﴾ [ ص : ٨٨ ] يعني يوم القيامة ١٢.
١ ومجاهد والحكم وحماد. راجع ذلك في المحرر الوجيز ١٠/ ٨٢..
٢ في (أ)، (ز): "أن تمر"..
٣ قال الكيا الهراسي: والذي ذكره أبو حنيفة من تقييد الحين في الحلف بستة أشهر اتباعا لعكرمة تحكم وتخصيصه بإدراك النخل لا مأخذ له فلا معنى لاعتباره. راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٣٨..
٤ في (ح): "وهي"..
٥ "استخرجها واستنبط" بياض في (ب)..
٦ طرفة: هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد البكري الوائلي، أبو عمرو. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى ولد في بادية البحرين. اتصل بالملك عمرو بن هند فجعله من ندمائه. مات مقتولا سنة ٦٠ ق. هـ. / ٥٦٤م. انظر شرح الشواهد ص ٢٧٢..
٧ في (أ)، (ز): "فكأنه"..
٨ في (ح): "من فيه"..
٩ في غير (أ)، (ز): "الزمان"..
١٠ في (أ)، (ز): "يضاف"..
١١ النابغة: هو أبو أمامة، زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز وهو أحد الأشراف في الجاهلية. كان خطيبا عند النعمان بن المنذر. توفي نحو ١٨ قبل الهجرة / ٦٠٤ م. انظر الأعلام ٣/ ٥٤..
١٢ راجع مختلف هذه الأقوال في أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٣٧، المحرر الوجيز ١٠/ ٨٣..
قوله تعالى :﴿ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ﴾ إلى قوله :﴿ وعلانية ﴾ :
قد مر الكلام على معاني هذه الآية في غير ما موضع. والله الموفق لا رب غيره ١.
١ في غير (ج): "لا رب سواه"..
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).