تفسير سورة إبراهيم

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الر﴾ يَقُول أَنا الله أرى مَا تَقولُونَ وَمَا تَعْمَلُونَ وَيُقَال قسم أقسم بِهِ ﴿كِتَابٌ﴾ أَي هَذَا كتاب ﴿أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ ﴿لِتُخْرِجَ النَّاس﴾ لتدعو أهل مَكَّة ﴿من الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ بِأَمْر رَبهم تدعوهم ﴿إِلَى صِرَاطِ﴾ إِلَى دين ﴿الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الحميد﴾ لمن وَحده وَيُقَال الْمَحْمُود فِي فعاله
﴿الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخلق والعجائب ﴿وَوَيْلٌ﴾ وَاد فِي جَهَنَّم من أَشدّهَا حرا وأضيقها مَكَانا وأبعدها قعراً فَتَقول يَا رب قد اشْتَدَّ حرى وضاق مَكَاني وَبعد قعري فَأذن لي حَتَّى أنتقم مِمَّن عصاك وَلَا تجْعَل شَيْئا ينْتَقم مني ﴿لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ غليظ
﴿الَّذين يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ يختارون الدُّنْيَا ﴿عَلَى الْآخِرَة وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ يطلبونها غيراً ﴿أُولَئِكَ﴾ الْكفَّار ﴿فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾ عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فِي خطأ بيّن
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾
210
بلغَة قومه ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ بلغتهم مَا أمروا بِهِ وَمَا نهوا عَنهُ وَيُقَال بِلِسَان يقدرُونَ أَن يتعلموا مِنْهُ ﴿فَيُضِلُّ الله﴾ عَن دينه ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَيَهْدِي﴾ لدينِهِ ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي ملكه وسلطانه وَيُقَال الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره وقضائه وَيُقَال الْحَكِيم بالإضلال وَالْهدى
211
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ﴾ التسع الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ﴾ أَن ادْع قَوْمك ﴿مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله﴾ بأيام عَذَاب الله وَيُقَال بأيام رَحْمَة الله ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فبمَا ذكرت ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات ﴿لِّكُلِّ صَبَّارٍ﴾ على الطَّاعَة ﴿شَكُورٍ﴾ على النِّعْمَة
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ وَقد قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ بني إِسْرَائِيل ﴿اذْكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ منَّة الله عَلَيْكُم ﴿إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْن﴾ من فِرْعَوْن وَقَومه القبط ﴿يسومونكم سوء الْعَذَاب﴾ يعذبونكم بأشد الْعَذَاب ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ صغَارًا ﴿وَيَسْتَحْيُونَ﴾ يستخدمون ﴿نِسَآءَكُمْ﴾ كبارًا ﴿وَفِي ذَلِكُم﴾ فِي ذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء ﴿بلَاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ﴾ بلية من ربكُم عَظِيمَة ابتلاكم بهَا وَيُقَال وَفِي ذَلِكُم فِي إنجاء الله لكم بلَاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ نعْمَة من ربكُم عَظِيمَة أنعمكم بهَا
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ قَالَ ربكُم وَاعْلَم ربكُم فِي الْكتاب ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ﴾ بالتوفيق والعصمة والكرامة وَالنعْمَة ﴿لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ تَوْفِيقًا وعصمة وكرامة ونعمة ﴿وَلَئِن كَفَرْتُمْ﴾ بِي أَو بنعمتي ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ لمن كفر
﴿وَقَالَ مُوسَى إِن تكفرُوا﴾ بِاللَّه ﴿أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْض جَمِيعاً فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ﴾ عَن إيمَانكُمْ ﴿حَمِيدٌ﴾ لمن وَحده
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿نَبَأُ﴾ خبر ﴿الَّذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ﴾ يَعْنِي قوم هود ﴿وَثَمُود﴾ يَعْنِي قوم صَالح ﴿وَالَّذين مِن بَعْدِهِمْ﴾ من بعد قوم صَالح قوم شُعَيْب وَغَيرهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد التَّكْذِيب ﴿لاَ يَعْلَمُهُمْ﴾ لَا يعلم عَددهمْ وعذابهم أحد ﴿إِلاَّ الله جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿فَردُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ على أَفْوَاههم يَقُول ردوا على الرُّسُل مَا جَاءُوا بِهِ وَيُقَال وضعُوا أَيْديهم على أفواهههم وَقَالُوا للرسل اسْكُتُوا وَإِلَّا سكتم ﴿وَقَالُوا﴾ للرسل ﴿إِنَّا كَفَرْنَا﴾ جحدنا ﴿بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ من الْكتاب والتوحيد ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ﴾ من الْكتاب والتوحيد ﴿مُرِيبٍ﴾ ظَاهر الشَّك فِيمَا تَقولُونَ
﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ﴾ أَفِي وحدانية الله شكّ ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَات﴾ خَالق السَّمَوَات ﴿وَالْأَرْض يَدْعُوكُمْ﴾ إِلَى التَّوْبَة والتوحيد ﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ﴾ بِالتَّوْبَةِ والتوحيد ﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ فِي الْجَاهِلِيَّة ﴿وَيُؤَخِّرَكُمْ﴾ يؤجلكم بِلَا عَذَاب ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ إِلَى وَقت مَعْلُوم يَعْنِي الْمَوْت ﴿قَالُوا﴾ للرسل ﴿إِنْ أَنتُمْ﴾ مَا أَنْتُم ﴿إِلاَّ بَشَرٌ﴾ آدَمِيّ ﴿مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا﴾ تصرفون ﴿عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا﴾ من الْأَصْنَام
211
﴿فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ بِكِتَاب وَحجَّة
212
﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ﴾ مَا نَحن ﴿إِلاَّ بَشَرٌ﴾ آدَمِيّ ﴿مِّثْلُكُمْ﴾ يَقُول خلق مثلكُمْ ﴿وَلَكِن الله يَمُنُّ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام ﴿وَمَا كَانَ لَنَآ﴾ مَا يَنْبَغِي لنا ﴿أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ﴾ بِكِتَاب وَحجَّة ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ بِأَمْر الله ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ يَقُول وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله فَقَالُوا للرسل توكلوا أَنْتُم على الله حَتَّى تروا مَا يفعل بكم
فَقَالَت الرُّسُل ﴿وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ أكرمنا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ على مَآ آذَيْتُمُونَا﴾ فِي أبداننا بِطَاعَة الله ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون﴾ فليثق الواثقون
﴿وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ﴾ من مدينتنا ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ﴾ تدخلن ﴿فِي مِلَّتِنَا﴾ فِي ديننَا ﴿فَأوحى إِلَيْهِمْ﴾ إِلَى الرُّسُل ﴿رَبُّهُمْ﴾ أَن اصْبِرُوا ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمين﴾ الْكَافرين
﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ﴾ لننزلنكم ﴿الأَرْض﴾ أَرضهم وديارهم ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾ من بعد هلاكهم ﴿ذَلِك﴾ التسكين ﴿لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾ الْقيام بَين يَدي ﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾ عَذَابي
﴿واستفتحوا﴾ استنصر كل قوم على نَبِيّهم ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ﴾ خسر عِنْد الدُّعَاء من النُّصْرَة كل متكبر ختال ﴿عَنِيدٍ﴾ معرض عَن الْحق وَالْهدى
﴿مِّن وَرَآئِهِ﴾ من قُدَّام هَذَا الْجَبَّار بعد الْمَوْت ﴿جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ﴾ مِمَّا يخرج من جُلُودهمْ من الْقَيْح وَالدَّم
﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ يسْتَمْسك الصديد فِي حلقه ﴿وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ يُجِيزهُ ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْت﴾ غم الْمَوْت ﴿مِن كُلِّ مَكَانٍ﴾ من تَحت كل شَعْرَة وَيُقَال تَأْخُذهُ النَّار من كل مَكَان من كل نَاحيَة ﴿وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ من ذَلِك الْعَذَاب ﴿وَمِن وَرَآئِهِ﴾ من بعد الصديد ﴿عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ شَدِيد أَشد من الصديد
﴿مَّثَلُ الَّذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ﴾ يَقُول مثل أَعمال الَّذين كفرُوا برَبهمْ ﴿كَرَمَادٍ اشتدت﴾ ذرت ﴿بِهِ الرّيح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ قاصف شَدِيد من الرّيح ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ﴾ يَقُول لَا يَجدونَ ثَوَاب شَيْء مِمَّا عمِلُوا من الْخَيْر فِي الْكفْر كَمَا لَا يُوجد من الرماد شَيْء إِذا ذرته الرّيح ﴿ذَلِك﴾ الْكفْر وَالْعَمَل لغير الله ﴿هُوَ الضلال الْبعيد﴾ الْخَطَأ الْبعيد عَن الْحق وَالْهدى
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر يَا مُحَمَّد خَاطب بذلك نبيه وَأَرَادَ بِهِ قومه ﴿أَنَّ الله خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال للزوال والفناء ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ يهلككم أَو يمتكم يَا أهل مَكَّة ﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ يخلق خلقا آخر خيرا مِنْكُم وأطوع لله
﴿وَمَا ذَلِك عَلَى الله بِعَزِيزٍ﴾ بشديد يَقُول لَيْسَ على الله بشديد أَن يهلككم ويخلق خلقا آخر
﴿وَبَرَزُواْ لِلَّهِ﴾ خَرجُوا من الْقُبُور بِأَمْر الله ﴿جَمِيعاً﴾ القادة والسفلة ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاء﴾ السفلة ﴿لِلَّذِينَ استكبروا﴾ عَن الْإِيمَان وهم القادة ﴿إِنَّا كُنَّا لكم تبعا﴾
212
مُطِيعِينَ فِيمَا أمرتمونا ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ﴾ حاملون ﴿عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ﴾ شَيْئا من عَذَاب الله ﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي القادة ﴿لَوْ هَدَانَا الله﴾ لدينِهِ ﴿لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ لدعوناكم إِلَى دينه ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ﴾ الْعَذَاب ﴿أَجَزِعْنَآ﴾ أصحنا وتضرعنا ﴿أَمْ صَبَرْنَا﴾ سكتنا ﴿مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ من مغيث وملجأ
213
﴿وَقَالَ الشَّيْطَان﴾ يَقُول الشَّيْطَان وَهُوَ إِبْلِيس ﴿لَمَّا قضي الْأَمر﴾ أَدخل أهل الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار فَيَقُول لأهل النَّار فِي النَّار ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحق﴾ أَن الْجنَّة وَالنَّار والبعث والحساب وَالْمِيزَان والصراط حق ﴿وَوَعَدتُّكُمْ﴾ أَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب وَلَا ميزَان وَلَا صِرَاط ﴿فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ كذبت لكم ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ﴾ من حجَّة وَعذر ومقدرة ﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ﴾ إِلَى طَاعَتي ﴿فاستجبتم لِي﴾ طَاعَتي ﴿فَلاَ تَلُومُونِي﴾ فِي دَعْوَتِي لكم ﴿ولوموا أَنفُسَكُمْ﴾ بإجابتكم إيَّايَ ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ﴾ بمغيثكم ومنجيكم من النَّار ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ بمغيثي ومنجي من النَّار ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ﴾ بِالَّذِي أشركتموني بِهِ ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل أَن أشركتموني بِهِ وَيُقَال إِنِّي كفرت الْيَوْم بِمَا أشركتموني يَقُول تبرأت مِنْكُم وَمن دينكُمْ وإجابتكم من قبل هَذَا من قبل فِي الدُّنْيَا ﴿إِنَّ الظَّالِمين﴾ الْكَافرين ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
﴿وَأدْخل الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿جنَّات﴾ بساتين ﴿تجْرِي من تحتهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فِيهَا ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ بِأَمْر رَبهم ﴿تَحِيَّتُهُمْ﴾ كرامتهم ﴿فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿سَلاَمٌ﴾ يسلم بَعضهم على بعض إِذا تلاقوا
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ يَقُول كَيفَ بَين الله صفة كلمة طيبَة وَهِي لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ﴾ وَهِي الْمُؤمن ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ يَقُول قلب الْمُؤمن المخلص ثَابت بِلَا إِلَه إِلَّا الله ﴿وَفَرْعُهَا فِي السمآء﴾ يَقُول بهَا يقبل عمل الْمُؤمن المخلص
﴿تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾ يَقُول يعْمل الْمُؤمن المخلص كل حِين طَاعَة لله وَخيرا ﴿بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ يَقُول بِأَمْر رَبهَا وَيُقَال صفة كلمة طيبَة فِي النَّفْع والمدحة كشجرة طيبَة وَهِي النَّخْلَة شَجَرَة طيبَة ثَمَرهَا كَذَلِك الْمُؤمن أَصْلهَا ثَابت يَقُول أصل الشَّجَرَة ثَابت فِي الأَرْض بعروقها فَكَذَلِك الْمُؤمن ثَابت بِالْحجَّةِ والبرهان وفرعها فِي السَّمَاء يَقُول أَغْصَان النَّخْلَة ترفع نَحْو السَّمَاء وَكَذَلِكَ عمل الْمُؤمن المخلص يُوقع إِلَى السَّمَاء تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ يَقُول تخرج ثَمَرهَا كل سِتَّة أشهر بِإِذن رَبهَا بِإِرَادَة رَبهَا فَكَذَلِك الْمُؤمن المخلص يعْمل كل حِين طَاعَة وَخير بِأَمْر ربه ﴿وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَال﴾ هَكَذَا يبيّن الله الْأَمْثَال صفة توحيده ﴿لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ لكَي يتعظوا وَيرغبُوا فِي توحيده فِي قَول الله جلّ ذكره
﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ وَهُوَ الشّرك بِاللَّه ﴿كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ وَهُوَ الْمُشرك يَقُول الشّرك مَذْمُوم لَيْسَ لَهُ مِدْحَة كَمَا أَن الْمُشرك مَذْمُوم لَيْسَ لَهُ مِدْحَة وَيُقَال كشجرة خبيثة وَهِي الحنظلة لَيْسَ لَهَا مَنْفَعَة وَلَا حلاوة فَكَذَلِك الشّرك لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة وَلَا مِدْحَة ﴿اجتثت﴾ اقتلعت ﴿مِن فَوْقِ الأَرْض مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾ من ثبات على وَجه الأَرْض كَذَلِك الْمُشرك لَيْسَ لَهُ حجَّة يَأْخُذ بهَا كَمَا أَن لَيْسَ لشَجَرَة الحنظلة أصل تثبت عَلَيْهِ وَلَا يقبل مَعَ الشّرك عمل
﴿يثبت الله الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال آمنُوا يَوْم الْمِيثَاق بِطيبَة الْأَنْفس وهم أهل السَّعَادَة ﴿بالْقَوْل الثَّابِت﴾ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ لكَي لَا يرجِعوا عَنْهَا ﴿وَفِي الْآخِرَة﴾ يَعْنِي فِي الْقَبْر إِذا سُئِلَ عَنْهَا ﴿وَيُضِلُّ الله﴾ يصرف الله ﴿الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين عَن قَول لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الدُّنْيَا لكَي لَا يَقُولُوا بِطيبَة النَّفس وَلَا فِي الْقَبْر وَلَا إِذا أخرجُوا من الْقُبُور وهم أهل الشقاوة ﴿وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَآءُ﴾
213
من الإضلال والتثبت وَيُقَال من صرف مُنكر وَنَكِير
214
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر يَا مُحَمَّد ﴿إِلَى الَّذين﴾ عَن الَّذين ﴿بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله﴾ غيروا منَّة الله بِالْكتاب وَالرسل ﴿كُفْراً﴾ بالْكفْر أَي كفرُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وهم بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة المطعمون يَوْم بدر ﴿وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ﴾ أنزلوا أهل مَكَّة ﴿دَارَ الْبَوَار﴾ دَار الْهَلَاك يَعْنِي دَار بدر وَيُقَال جَهَنَّم
ثمَّ قَالَ ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا﴾ يدْخلُونَهَا يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَبِئْسَ الْقَرار﴾ الْمنزل والمصير جَهَنَّم
﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ﴾ قَالُوا ووصفوا لله ﴿أَندَاداً﴾ أعدالاً من الْأَوْثَان فعبدوها ﴿لِّيُضِلُّواْ﴾ بذلك ﴿عَن سَبِيلِهِ﴾ عَن دينه وطاعته ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿تَمَتَّعُواْ﴾ عيشوا فِي كفركم ﴿فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار﴾ يَوْم الْقِيَامَة
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِّعِبَادِيَ الَّذين آمَنُواْ﴾ بِي وبالكتب وَالرسل ﴿يُقِيمُواْ الصَّلَاة﴾ الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها ﴿وَيُنْفِقُواْ﴾ يتصدقوا ﴿مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ مَا أعطيناهم من الْأَمْوَال ﴿سِرّاً﴾ خفِيا ﴿وَعَلانِيَةً﴾ جَهرا وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿من قبل أَن يَأْتِي يَوْم﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَّ بَيْعٌ فِيهِ﴾ لَا فدَاء فِيهِ ﴿وَلاَ خِلاَلٌ﴾ لَا مخالة للْكَافِرِ والصالح تَنْفَعهُ خلته
ثمَّ وحد نَفسه فَقَالَ ﴿الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ مَطَرا ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ﴾ فأنبت بالمطر ﴿مِنَ الثمرات﴾ من ألوان الثمرات ﴿رِزْقاً لَّكُمْ﴾ طَعَاما لكم ولسائر الْخلق ﴿وَسَخَّرَ﴾ ذلل ﴿لَكُمُ الْفلك﴾ يَعْنِي السفن ﴿لِتَجْرِيَ﴾ الْفلك ﴿فِي الْبَحْر بِأَمْرِهِ﴾ بِإِذْنِهِ وإرادته ﴿وسخر﴾ ذلل ﴿لكم الْأَنْهَار﴾ تجْرِي حَيْثُ تشاءون
﴿وَسَخَّر لَكُمُ﴾ ذلل لكم ﴿الشَّمْس وَالْقَمَر دَآئِبَينَ﴾ دائمين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَسَخَّرَ﴾ ذلل ﴿لَكُمُ اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ يَجِيء وَيذْهب
﴿وَآتَاكُم﴾ أَعْطَاكُم ﴿مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ وَمَا لم تحسنوا أَن تسألوا ﴿وَإِن تعدوا نعْمَة الله﴾ منَّة الله ﴿لاَ تُحْصُوهَا﴾ لَا تحفظوها وَلَا تشكروها ﴿إِنَّ الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي الْكَافِر ﴿لَظَلُومٌ﴾ مُشْرك ﴿كَفَّارٌ﴾ كَافِر بِاللَّه وبنعمته
﴿وَإِذْ قَالَ﴾ وَقد قَالَ ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾ بعد مَا بني الْبَيْت ﴿رَبِّ﴾ يَا رب ﴿اجْعَل هَذَا الْبَلَد﴾ مَكَّة ﴿آمِناً﴾ من أَن يهاج فِيهِ ويأمن فِيهِ الْخَائِف ﴿واجنبني﴾ احفظني ﴿وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَام﴾ من عبَادَة الْأَصْنَام والنيران وَيُقَال اعصمني
﴿رَبِّ﴾ يَا رب ﴿إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاس﴾ أَي أضلّ بِهن كثير من النَّاس وَيُقَال ضل بِهن كثير من النَّاس ﴿فَمَن تَبِعَنِي﴾ تبع ديني وأطاعني ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ على ديني ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ فَخَالف ديني ﴿فَإِنَّكَ غَفُورٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم أَي يَتُوب عَلَيْهِم ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿رَّبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿إِنِّي أَسْكَنتُ﴾ أنزلت ﴿مِن ذُرِّيَّتِي﴾ إِسْمَاعِيل وَأمه هَاجر ﴿بِوَادٍ﴾ فِي وَاد ﴿غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ لَيْسَ بِهِ زرع وَلَا نَبَات ﴿عِندَ بَيْتِكَ الْمحرم﴾ يَعْنِي مَكَّة ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿لِيُقِيمُواْ الصَّلَاة﴾ لكَي يتموا الصَّلَاة نَحْو الْكَعْبَة ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاس﴾ قُلُوب بعض النَّاس ﴿تهوي إِلَيْهِمْ﴾ تشتاق وتنزع إِلَيْهِم كل سنة ﴿وارزقهم مِّنَ الثمرات﴾ من ألوان الثمرات ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ لكَي يشكروا نِعْمَتك ﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا
﴿إِنَّك تعلم مَا نخفي﴾ من حب إِسْمَعِيل ﴿وَمَا نُعْلِنُ﴾ من حب إِسْحَاق وَيُقَال مَا نخفي من وجد إِسْمَاعِيل وَمَا نعلن من الْجفَاء لَهُ ﴿وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ﴾ من عمل خير أَو شَرّ ﴿فَي الأَرْض وَلاَ فِي السمآء﴾
﴿الْحَمد لله﴾
214
الشُّكْر لله ﴿الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكبر﴾ بعد الْكبر ﴿إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ وَكَانَ ابْن مائَة سنة وَامْرَأَته سارة بنت تسع وَتِسْعين سنة حَيْثُ ولدهما ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعآء﴾ مُجيب الدُّعَاء
215
﴿رَبِّ﴾ يَا رب ﴿اجْعَلنِي مُقِيمَ الصَّلَاة﴾ متم الصَّلَاة ﴿وَمِن ذُرِّيَتِي﴾ أَيْضا يَقُول أكرمني وَأكْرم ذريتي بإتمام الصَّلَاة ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾ عبادتي
﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿اغْفِر لِي﴾ ذُنُوبِي ﴿وَلِوَالِدَيَّ﴾ لآبائي الْمُؤمنِينَ ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ولسائر الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ﴿يَوْمَ يَقُومُ الْحساب﴾ يَوْم يكون الْحساب وَتقوم الْحَسَنَة والسيئة فَمن زَادَت لَهُ الْحَسَنَة وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن زَادَت لَهُ السَّيئَة وَجَبت لَهُ النَّار وَمن اسْتَوَت لَهُ حَسَنَة وسيئة فَهُوَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ يَقُول تَارِك عُقُوبَة مَا يعْمل الْمُشْركُونَ ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ﴾ يؤجلهم ﴿لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار﴾ أبصار الْكفَّار وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة
﴿مُهْطِعِينَ﴾ مُسْرِعين قَاصِدين ناظرين إِلَى الدَّاعِي ﴿مُقْنِعِي رؤوسهم﴾ مطأطىء رؤوسهم وَيُقَال رافعي رؤوسهم وَيُقَال مادي أَعْنَاقهم ﴿لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ لَا يرجع إِلَيْهِم أَبْصَارهم من الهول والفزع ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ﴾ قُلُوبهم ﴿هَوَآءٌ﴾ خَالِيَة من كل خير وَيُقَال لَا عَائِدَة وَلَا خَارِجَة
﴿وَأَنذِرِ النَّاس﴾ خوف أهل مَكَّة بِالْقُرْآنِ ﴿يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب﴾ من يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب وَهُوَ يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَيَقُولُ الَّذين ظلمُوا﴾ أشركوا ﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ مثل أجل الدُّنْيَا ﴿نُّجِبْ دَعْوَتَكَ﴾ إِلَى التَّوْحِيد ﴿وَنَتَّبِعِ الرُّسُل﴾ نطع الرُّسُل بالإجابة فَيَقُول الله لَهُم ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ﴾ حلفتم ﴿مِّن قَبْلُ﴾ من قبل هَذَا فِي الدُّنْيَا ﴿مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ﴾ من الدُّنْيَا وَلَا بعث
﴿وَسَكَنتُمْ﴾ نزلتم ﴿فِي مسَاكِن﴾ فِي منَازِل ﴿الَّذين ظلمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ بالشرك والتكذيب فَلم يتعظوا بهلاكهم ﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَضَرَبْنَا﴾ بَينا ﴿لَكُمُ الْأَمْثَال﴾ فِي الْقُرْآن من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد وَالرَّحْمَة وَالْعَذَاب
﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ﴾ صَنَعُوا صنيعهم بالتكذيب بالرسل ﴿وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ﴾ عُقُوبَة صنيعهم ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجبَال﴾ لكَي تَخِر مِنْهُ الْجبَال إِن قَرَأت بخفض اللَّام الأولى وَنصب اللَّام الْأُخْرَى وَيُقَال وَإِن كَانَ مَكْرهمْ وَقد كَانَ مَكْرهمْ مكر نمروذ الْجَبَّار لتزول مِنْهُ الْجبَال لتخر مِنْهُ الْجبَال حَيْثُ سمع دوِي التابوت والنسور إِن قَرَأت بِنصب اللَّام الأولى وَرفع اللَّام الْأُخْرَى
﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ لرسله بنجاتهم وهلاك أعدائهم ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ﴾ فِي ملكه وسلطانه ﴿ذُو انتقام﴾ ذُو نقمة من أعدائه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْض﴾ أَي فِي يَوْم تغير الأَرْض ﴿غَيْرَ الأَرْض﴾ على حَال سوى هَذِه الْحَال وتبديلها أَن يُزَاد فِيهَا وَينْقص مِنْهَا ويسوى جبالها وأوديتها وَيُقَال تبدل الأَرْض غير هَذِه الأَرْض ﴿وَالسَّمَاوَات﴾ مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ ﴿وَبَرَزُواْ لِلَّهِ﴾ خَرجُوا وظهروا لله ﴿الْوَاحِد الْقَهَّارِ﴾ لخلقه بِالْمَوْتِ
﴿وَتَرَى الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿مُّقَرَّنِينَ﴾ مسلسلين وَيُقَال مقيدين ﴿فِي الأصفاد﴾ فِي الْقُيُود مَعَ الشَّيَاطِين
﴿سَرَابِيلُهُم﴾ قمصهم ﴿مِّن قَطِرَانٍ﴾ من نَار سَوْدَاء كالقطران وَيُقَال من قطران من صفر حَار قد انْتهى حره ﴿وتغشى﴾ تعلو ﴿وُجُوهَهُمْ النَّار﴾
﴿لِيَجْزِيَ الله﴾ وَهَذَا مقدم ومؤخر يَقُول وبرزوا لله الْوَاحِد القهار ليجزي الله ﴿كُلَّ نَفْسٍ﴾ برة أَو فاجرة ﴿مَّا كَسَبَتْ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر
215
﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب﴾ شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع
216
﴿هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ﴾ أبلغهم عَن الله وَيُقَال بَيَان لَهُم بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والحلال وَالْحرَام ﴿وَلِيُنذَرُواْ بِهِ﴾ لكَي يخوفوا بِالْقُرْآنِ ﴿وليعلموا﴾ لكَي يعلمُوا ويقروا ﴿أَنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِدٌ﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿وَلِيَذَّكَّرَ﴾ ولكي يتعظ بِالْقُرْآنِ ﴿أُوْلُواْ الْأَلْبَاب﴾ ذَوُو الْعُقُول من النَّاس
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْحجر وَهِي كلهَا مَكِّيَّة وكلماتها سِتّمائَة وَخَمْسُونَ وَأَرْبع وحروفها أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَسَبْعُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).