تفسير سورة إبراهيم

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم.. ﴾ [ إبراهيم : ٤ ].
إن قلتَ : هذا يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بُعث إلى العرب خاصة، فكيف الجمع بينه وبين قوله :﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ﴾ ؟ [ الأعراف : ١٥٨ ] وقوله :﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ﴾ ؟ [ سبأ : ٢٨ ].
قلتُ : أُرسل إلى الناس كافة بلسان قومه وهم العرب، ونزوله بلسانهم مع الترجمة لباقي الألسن كاف، لحصول الغرض بذلك، ولأنه أبعد عن التحريف والتبديل، وأسلم من التنازع والاختلاف.
قوله تعالى :﴿ يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخّركم إلى أجل مسمى... ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ] " مِنْ " زائدة، إذ الإسلام يُغفر به ما قبله، أو تبعيضية لإخراج حقّ العباد.
قوله تعالى :﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ [ إبراهيم : ١١ ]. قال ذلك هنا، وقال بعده :﴿ وعلى الله فليتوكل المتوكّلون ﴾ [ إبراهيم : ١٢ ]. لأن الإيمان سابق على التوكل.
قوله تعالى :﴿ لا يقدرون مما كسبوا على شيء... ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ].
قدّم " مما كسبوا " على ما بعده، لأن الكسب هو المقصود بالذكر، بقرينة ما قبله، وإن كان القياس عكس ذلك كما في البقرة( ١ )، لأن ﴿ على شيء ﴾( ٢ ) صلة ل ﴿ يقدرون ﴾ و﴿ مما كسبوا ﴾ صفة لشيء.
١ - في البقرة: ﴿لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين﴾ آية (٢٦٤)..
٢ - في المحمودية: "قبله" وهو خطأ، وما أثبتناه هو الصواب كما في مخطوطة الجامعة..
قوله تعالى :﴿ وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم... ﴾ [ إبراهيم : ٣٢ ]. قاله هنا بدون " لكم " وقاله في النمل بذكر " لكم " اكتفاء هنا بذكره بعد، لا سيما وقد ذُكر مكرّرا.
قوله تعالى :﴿ ربّ إنهن أضللن كثيرا من الناس... ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ].
إن قلتَ : كيف جعل الأصنام مضلَّة، والمضِلّ ضارّ، وقد نفى عنهم الضرر بقوله :﴿ ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ﴾ ؟   ! [ يونس : ١٨ ].
قلتُ : نسبة الإضلال إليه مجاز، من باب نسبة الشيء، إلى سببه، كما يُقال : فتنتهم الدنيا، ودواء مُسْهِلٌ، فهي سبب الإضلال، وفاعله حقيقة هو الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ ربّنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ﴾ [ إبراهيم : ٤١ ].
إن قلتَ : كيف استغفر إبراهيم عليه السلام لوالديه وهما كافران، والاستغفار للكافر حرام ؟   !
قلتُ : المعنى : واغفر لوالديّ إن أسلما( ١ )، أو أراد بهما آدم وحواء...
١ - أقول: لا حاجة إلى هذا التقدير، وإنما استغفر إبراهيم لأبيه، لأنه كان قد وعده بالإيمان به كما قال تعالى: ﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إيّاه فلما تبيّن له أنه عدوّ الله تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم﴾ فقد كان استغفاره له قبل أن يتحقق من كفره..
قوله تعالى :﴿ ولا تحسبنّ الله غافلا عما يعمل الظالمون... ﴾ الآية. [ إبراهيم : ٤٢ ].
إن قلتَ : كيف يحسبه النبي صلى الله عليه وسلم غافلا، وهم أعلم الخلق بالله ؟   !
قلتُ : المراد دوام نهيه عن ذلك، كقوله تعالى :﴿ ولا تكونن من المشركين ﴾ [ القصص : ٨٧ ] وقوله :﴿ ولا تدع مع الله إلها آخر ﴾ [ الشعراء : ٢١٣ ].
ونظيره في الأمر قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ﴾ [ النساء : ١٣٦ ].
أو هو نهي لغير( ١ ) النبي صلى الله عليه وسلم ممّن يحسبه غافلا، لجهله بصفاته تعالى.
١ - هذا أسلوب التنبيه والتحذير، يخاطب به القائد والرئيس، والمراد به الأتباع والأعوان..
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).