مدنية كلها، وقال ابن عباس إلا أربع آيات مكيات، من قوله سبحانه }وما أرسلنا من قبلك من رسول﴿ إلى آخر الأربع. وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية إلا آيتين ومن قوله تعالى ﴾ومن الناس من يعبد الله على حرف﴿ وما بعدها، لأن ﴾يا أيها الذين آمنوا﴿ مدني و ﴾يا أيها الناس{ مكي.
ﰡ
(ضرباً يزيل الهام عن مقيله | ويذهل الخليل عن خليله) |
(أذاهِلٌ أنت عن سَلْماك لا برحت | أم لست ناسيها ما حنّت النيبُ) |
(تطاولت الأيام حتى نسيتها | كأنك عن يوم القيامة ذاهل) |
﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ﴾ وفيه أربعة أوجه :
أحدها : تسلو كل مرضعة عن ولدها، قاله الأخفش.
والثاني : تشتغل عنه، قاله قطرب، ومنه قول١ عبد الله بن رواحة :
ضرباً يزيل الهام عن مقيله | ويذهل الخليل عن خليله |
أذاهِلٌ أنت عن سَلْماك لا برحت | أم لست ناسيها ما حنّت النيبُ |
تطاولت الأيام حتى نسيتها | كأنك عن يوم القيامة ذاهل |
﴿ وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ قال ابن جريج : هم سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب.
(أفي غير المخلقة البكاءُ | فأين العزم ويحك والحَياءُ) |
(قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً | وأرى ثيابك باليات همَّدا) |
(تثني إذا قامت وتهتز إن مشت | كما اهتز غُصْن البان في ورق خضرِ) |
أحدهما : لاَوِي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله، وهذا قول مجاهد وقتادة.
الثاني : معناه لاَوِي عنقه كِبْرا عن الإِجابة١، وهذا قول ابن عباس.
قال المفضل : والعِطف الجانب، ومنه قولهم فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه. قال الكلبي : نزلت في النضر بن الحارث.
﴿ لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تكذيبه للرسول وإعراضه عن أقواله.
والثاني٢ : فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال : هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد، حكاه الضحاك.
٢ ثلاث كلمات مطموسة بالأصل..
أحدهما : أن المولى الناصر، والعشير الصاحب، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : المولى المعبود، والعشير الخليط، ومنه قيل للزوج عشير لخلطته مأخوذ من المعاشرة.
(أبوك الذي أجرى عليّ بنصره | فأنصب عني بعده كل قابل) |
(إني وأسطار سطران سطرا | لقائل يا نصرَ نصرٍ نصرا) |
أحدها : أن يرزقه الله، وهو قول مجاهد. والنصر الرزق، ومنه قول الأعشى :
أبوك الذي أجرى عليّ بنصره | فأنصب عني بعده كل قابل |
إني وأسطار سطرن سطرا | لقائل يا نصرَ نصرٍ نصرا |
﴿ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ والنصر في الدنيا بالغلبة، وفي الآخرة بظهور الحجة.
ويحتمل وجهاً آخر أن يكون النصر في الدنيا علو الكلمة، وفي الآخرة علو المنزلة.
﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : فليمدد بحبل إلى سماء الدنيا ليقطع الوحي عن محمد ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي يذهب الكيد منه ما يغيظه من نزول الوحي عليه، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : فليمدد بحبل إلى سماء بيته وهو سقفه، ثم لِيخْنقَ به [ نفسه ] فلينظر هل يذهب ذلك بغيظه من أن لا يرزقه الله تعالى، وهذا قول السدي.
(كأن الحميم على متنها | إذا اغترفته بأطساسها) |
(جُمان يحل على وجنةٍ | علته حدائد دوّاسها) |
٨٩ (شك السفافيد الشواء المصطهرْ} ٩
والرابع: يذاب به، وهو قول مجاهد، مأخوذ من قولهم: صهرت الألية إذا أذبتها، ومنه قول ابن أحمر:
(تروي لقى ألقى في صفصفٍ | تصهره الشمس فما ينْصهِر) |
أحدها : يحرق به وهو قول يحيى بن سلام.
والثاني : يقطع به، وهو قول الحسن.
والثالث : ينضج به، وهو قول الكلبي ومنه قول العجاج :
شك السفافيد الشواء المصطهرْ ***
والرابع : يذاب به، وهو قول مجاهد، مأخوذ من قولهم : صهرت الألية إذا أذبتها، ومنه قول ابن أحمر :
تروي لقى ألقى في صفصفٍ | تصهره الشمس فما ينْصهِر١ |
أحدها : أنه قول لا إله إلا الله، وهو قول الكلبي.
والثاني : أنه الإِيمان، وهو قول الحسن.
والثالث : القرآن، وهو قول قطرب.
والرابع : هو الأمر بالمعروف.
ويحتمل عندي تأويلاً خامساً : أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق.
﴿ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : الإِسلام، وهو قول قطرب.
والثاني : الجنة.
ويحتمل عندي تأويلاً ثالثاً : أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته.
(نحن بنو جعدة أصحاب الفلج | نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَجِ) |
(تلعب لديهن بالحريق | مدى نياط بارح عميق) |
(قضوا تفثاً ونحباً ثم سارواْ | إلى نجدٍ وما انتظروا علياً) |
أحدها : مناسك الحج، وهو قول ابن عباس وابن عمر.
والثاني : حلق الرأس وهو قول قتادة، قال أمية بن أبي الصلت.
حفوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثاً١ | . . . . . . . . . . . . . . |
والرابع : إزالة قشف الإِحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال الطيب، وهو قول الحسن.
وقيل لبعض الصلحاء : ما المعنى في شعث المحرم ؟ قال : ليشهد الله تعالى منك الإِعراض عن العناية بنفسك فيعلم صدقك في بذلها لطاعته.
وسئل الحسن عن التجرد في الحج فقال : جرّد قلبك من السهو، ونفسك من اللهو، ولسانك من اللغو، ثم يجوز كيف شئت.
وقال الشاعر :
قضوا تفثاً ونحباً ثم ساروا | إلى نجدٍ وما انتظروا علياً |
﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ يعني طواف الإِفاضة، وهو الواجب في الحج والعمرة، ولا يجوز في الحج إلا بعد عرفة، وإن جاز السعي.
وفي تسمية البيت عتيقاً أربعة أوجه :
أحدها : أن الله أعتقه من الجبابرة، وهو قول ابن عباس.
الثاني : لأنه عتيق لم يملكه أحد من الناس، وهو قول مجاهد.
والثالث : لأنه أعتق من الغرق في الطوفان، وهذا قول ابن زيد٢.
٢ لم يذكر الوجه الرابع، وقد ذكر القرطبي هذه الوجوه، ومنها أنه سمي عقيقا لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب..
(إذا حول الظل العشي رأيته | حنيفاً وفي قرن الضحى يتنصر) |
أحدها : يعني مسلمين لله، وهو قول الضحاك، قال ذو الرمة :
إذا حول الظلّ العشيّ رأيته | حنيفاً وفي قرن الضّحى يتنصّر١ |
والثالث : مستقيمين لله، وهو قول عليّ بن عيسى.
والرابع : حجّاجاً إلى الله، وهو قول قطرب.
﴿ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : غير مرائين بعبادته أحداً من خلقه.
والثاني : غير مشركين في تلبية الحج به أحداً لأنهم كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، قاله الكلبي.
(نقتلهم جيلاً فجيلاً نراهم | شعائر قربان بهم يتقرب) |
أحدها : أن المنافع التجارة، وهذا قول من تأول الشعائر بأنها مناسك الحج، والأجل المسمى العود.
والثاني : أن المنافع الأجر، والأجل المسمى القيامة، وهذا تأويل من تأولها بأنها الدين.
والثالث : أن المنافع الركوب والدر والنسل، وهذا قول من تأولها بأنها الهَدْي. فعلى هذا في الأجل المسمى وجهان :
أحدهما : أن المنافع قبل الإِيجاب وبعده، والأجل المسمى هو النحر، وهذا قول عطاء١.
﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعتِيقِ ﴾ إن قيل إن الشعائر هي مناسك الحج ففي تأويل قوله :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ وجهان :
أحدهما : مكة، وهو قول عطاء.
والثاني : الحرم كله محل لها، وهو قول الشافعي.
وإن قيل إن الشعائر هي الدين كله فيحتمل تأويل قوله :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾ أن محل ما اختص منها بالأجر له هو البيت العتيق.
(الف الصفون مما يزال كأنه | مما يقوم على الثلاث كسيراً) |
(ألم تكسف الشمس ضوء النهار | والبدر للجبل الواجب) |
(لمالُ المرء يصلحه فيغني | مفاقِرَه أعف من القُنُوع) |
(على مكثريهم رزق من يعتريهم | وعند المقلين السماحةُ والبذلُ) |
٨٩ (إما اعتياداً وإما اعتراراً} ٩
والرابع: أن القانع الطامع، والمعتر الذي يعتري البُدْنَ ويتعرض للحم لأنه
(على الطارق المعتر يا أم مالك | إذا ما اعتراني بين قدري وصخرتي) |
(وتيماء لم يترك بها جذع نخلةٍ | ولا أطماً إلا مشيراً بجندل) |
(شاده مرمراً وجلله كل | ساً فللطير في ذراه وُكورُ) |
٨٩ (كحية الماء بين الطين والشيد} ٩
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره: وقصر مشيد مثلها معطل، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا
أحدها : يعني خالية من أهلها لهلاكهم.
والثاني : غائرة الماء.
والثالث : معطلة من دلائها وأرشيتها١.
﴿ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المشيد الحصين وهو قول الكلبي، ومنه قول امرئ القيس :
وتيماء لم يترك بها جذع نخلةٍ | ولا أطماً إلا مشيداً بجندل |
شاده٢ مرمراً وجلّله كل | ساً فللطير في ذراه وُكورُ |
كحية الماء بين الطين والشيد٣ ***
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : وقصر مشيد مثلها معطل، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا يرتقى إليه بحال، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته، وأصحاب القصور ملوك الحضر، وأصحاب الآبار ملوك البوادي، أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء.
٢ شاده: رفعه..
٣ صدره: لا تحسبنّي وإن كنت امرأ غمرا. وهو في اللسان منسوب إلى الشماخ بن ضرار. والغمر بفتح الغين وكسر الميم لغة في الغمر بضم الغين وسكون الميم وهو الغر الذي لم يجرب الأمور..
وفي قوله :﴿ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : يعلمون بها، لأن الأعين تبصر والقلوب تصبر.
﴿ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ أي يفقهون بها ما سمعوه من أخبار القرون السالفة.
﴿ فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدورِ ﴾ يحتمل عندي وجهين :
أحدهما : أنها لا تعمى الأبصار عن الهدى ولكن تعمى القلوب عن الاهتداء.
والثاني : فإنها لا تعمى الأبصار عن الاعتبار ولكن تعمى القلوب عن الادّكار.
قال مجاهد : لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه نظره شيئاً.
قال قتادة : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى وهو عبد الله بن زائدة.
أحدهما : أنه تكذيبهم بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه عنادهم في الدين، قاله الحسن.
﴿ مُعَجِزِينَ ﴾ قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مثبطين لمن أراد إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي.
الثاني : مثبطين في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد.
والثالث : مكذبين، حكاه ابن شجرة.
الرابع : مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزه في إيمانه١.
ومن قرأ ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مشاققين، قاله ابن عباس.
والثاني : متسارعين، حكاه ابن شجرة.
والثالث : معاندين، قاله قطرب.
والرابع : مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ الله هرباً، قاله السدي.
(تمنى كتاب الله أول ليله | وآخره لاقى حمام المقادِرِ) |