تفسير سورة إبراهيم

معاني القرآن

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال ﴿ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ ﴾( ٣ ) فأوصل الفعل ب " على " كما قالوا " ضَرَبُوهُ في السيف " يريدون " بالسيف ". وذلك أن هذه الحروف يوصل بها كلها وتحذف نحو قول العرب : " نَزَلْتُ زيداً " تريد " نَزَلْتُ عَلَيْهِ ".
وقال ﴿ مِّن وَرَائِهِ ﴾ ( ١٦ ) أي : من أمامه. وإنما قال ﴿ وراء ﴾ أي : أنه وراء ما هو فيه كما تقول للرجل : " هذا مِن ورائِكَ " أي : " سيأتي عَلَيْكَ " و " هُوَ مِنْ وَراءِ ما أَنْتَ فيه " لأَنَّ ما أَنْتَ فيه قد كان مثل ذلك فهو وراؤه. وقال ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ ﴾ في هذا المعنى. أي : كانَ وراءَ ما هُمْ فيه.
وقال :﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ ( ١٨ ) كأنه قال : " وَمِمَّا نَقُصُّ عليكم مثلُ الذينَ كَفَرُوا " ثم اقبل يفسر كما قال ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ وهذا كثير.
وقال ﴿ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ ﴾ ( ٢٢ ) وهذا استثناء خارج كما تقول : " ما ضَرَبْتُهُ إلّا أَنَّهُ أَحْمَقُ " وهو الذي في معنى " لكنّ ".
وقال ﴿ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ ( ٢٢ ) فتحت ياء الإضافة لأن قبلها ياء الجميع الساكنة التي كانت في " مُصْرِخِيَّ " فلم يكنْ منْ حَرَكَتِها بدٌّ لأَنْ الكسر من الياء. وبلغنا أن الأعمش قال ( بِمُصْرِخيِّ ) [ ١٤١ ب ] فكسرو هذه لحن لم نسمع بها من أحد من العرب ولا أَهل النحو.
وقال ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ ( ٢٤ ) منصوبة على ( ضَرَبَ ) كأنه قال " وَضَربَ اللهُ كَلِمَةً طَيِّبَةً مَثَلاً ".
وقال :﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا ﴾ ( ٢٥ ) ومثل ذلك ﴿ أُكُلُهَا دَآئِمٌ ﴾ و " الأُكُلُ " هو : الطَعامُ و " الأَكْلُ " هو : " الفِعْل ".
وقال ﴿ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ﴾ ( ٣١ ) وفي موضع آخر ( ولا خَلَّةٌ ) وإِنَّما " الخِلالُ " لجماعة " الخُلَّةِ " كما تقول : " جُلّة " و " جِلال "، و " قُلَّة " و " قِلال ". وقال الشاعر :[ من المتقارب وهو الشاهد الخامس والعشرون ] :
وكيفَ تُواصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ خَلاَلَتُهُ كَأَبي مَرْحَبِ
ولو شيت جعلت " الخِلال " مصدراً لأَنها من " خَاللْتُ " مثل " قَاتَلْتُ " ومصدر هذا لا يكون إلا " الفِعال " أو " المُفاعَلَة ".
وقال ﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ ( ٣٤ ) أي : آتاكم من كُلِّ شَيُءٍ سَأَلْتُمُوهُ شَيْئاً " وأَضمر الشيء كما قال ﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أيْ : " أُوتِيَتْ من كلِّ شَيءٍ في زمانِها شَيْئاً " قال بعضُهم : " إِنما ذا على التكثير " نحو قولك : " هُوَ يَعْلَمُ كُلَّ شيء " و " أتاه كلُّ الناسِ " وهو يعني بعضهم : وكذلك ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾. وقال بعضهم : " لَيْسَ من شَيْءٍ إِلاّ وَقَدْ سأله بعضُ الناس فقال ﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ أي : " مِن كل ما سألتُمُوهُ قد آتى بعضَكُم منهُ شيئا وآتى آخَر شَيْئاً مما قد سأَل ".
ونون بضعهم ﴿ مِّن كُلٍّ ﴾ ( ٣٤ ) يقول ﴿ مِّن كُلٍّ ﴾ ثم قال " لَمْ تَسْأَلُوهُ إيّاه " كما تقول : " قَدْ سَأَلْتُك مِنْ كُلٍّ " و " قَدْ جَاءَنِي مِنْ كُلٍّ " لأنَّ " كُلّ " قد تفرد وحدها.
وكذلك قال ﴿ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ ﴾ ( ٣٧ ) يقول : " أَسْكَنْتُ منْ ذُرِّيَّتِي أُنَاساً " [ ١٤٢ ء ] ودخلت الباء على " وادٍ " كما تقول : " هو بِالبَصّرَةِ " و " هو في البصرة ".
وقال ﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ ( ٣٧ ) زعموا انه في التفسير " تَهْواهُم ".
ونصب ﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ ( ٤٣ ) على الحال وكذلك ﴿ مُقْنِعِي ﴾ ( ٤٣ ) كأنه قال : " تَشْخَصُ أَبْصَارُهُمْ مُهْطِعِين " وجعل " الطَرْفَ " للجماعة كما قال ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾.
وقال ﴿ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ﴾ ( ٤٧ ) فأضاف إلى الأول ونصب الآخر على الفعل، ولا يحسن أن نضيف إلى الآخر لأنه يفرق بين المضاف والمضاف إليه وهذا لا يحسن. ولا بد من إضافته لأنه قد ألقى الألف ولو كانت " مخلفا " نصبهما جميعا وذلك جائز في الكلام. ومثله " هذا مُعْطي زَيْدٍ دِرْهَما " و " مُعْطٍ زيداً دِرْهَما ".
وواحد ﴿ الأَصْفَادِ ﴾ صَفَد.
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).