تفسير سورة الحج

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة الحج من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٣٢٩- الذي يدل عليه ظاهر القرآن أن الصابئين١ غير اليهود. وغير النصارى وغير المجوس، قال الله تبارك وتعالى :﴿ إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ﴾. ( س : ١٥/٢٩٨ )
١ أخرج ابن جرير بسنده إلى قتادة أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرؤون الزبور. انظر جامع البيان: ١٧/١٢٩..
٣٣٠- روى ابن جريج، عن مجاهد في قوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾، قال : قام إبراهيم على مقامه، قال : أيها الناس أجيبوا ربكم، فقالوا : اللهم لبيك فمن حج البيت فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ. ١ ( س : ١١/٩٣ )
١ أخرجه ابن جرير بسنده إلى مجاهد، انظر تفسيره: ١٧/١٤٥..
٣٣١- أما وقت الأضحى، فإن العلماء مجمعون على أن يوم النحر يوم أضحى، وأجمعوا على أن قوله- عز وجل :﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة النعام ﴾، إنما قصد به أيام الذبح والنحر. ( ت : ٢٣/١٩٥ )
٣٣٢- روى ابن وهب قال : أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب في قوله :﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾، قال : رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وحلق الرأس، والأخذ من الشارب واللحية والأظفار، والطواف بالبيت وبالصفا والمروة. ( ت : ٢٤/١٤٦ )
٣٣٣- قرن الله – عز وجل-شهادة الزور بالكفر فقال :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ﴾. ( الكافي : ٤٧٦ )
٣٣٤- اختلف العلماء في قوله- عز وجل- :﴿ حنفاء ﴾ فروي عن الضحاك، والسدي في قوله :﴿ حنفاء ﴾، قالا : حجاجا.
وروي عن الحسن قال : الحنيفية١ : حج البيت، وعن مجاهد :﴿ حنفاء ﴾، قال : مسلمين متبعين، وهذا كله يدل على أن الحنيفية : الإسلام. ويشهد لذلك قول الله- عز وجل- :﴿ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ﴾٢، وقال :﴿ هو سماكم المسلمين ﴾٣. ( ت : ١٨/٧٥ )
٣٣٥- قيل : الحنيف : من كان على دين إبراهيم، ثم سمي من كان يختتن ويحج البيت في الجاهلية حنيفا، والحنيف اليوم المسلم، ويقال : إنما سمي إبراهيم حنيفا، لأنه كان حنف عما كان يعبد أبوه وقومه من الآلهة إلى عبادة الله، أي عدل عن ذلك، ومال وأصل الحنف ميل من إبهامي القدمين كل واحدة منهما على صاحبتها٤. ( ت : ١٨/٧٦ )
١ في أصل النسخة المطبوعة من التمهيد (الحنفية) وهو تصحيف..
٢ سورة آل عمران: ٦٦..
٣ سورة الحج: ٧٦..
٤ في النسخة المطبوعة "صاحبها" والأنسب ما أثبته..
٣٣٦- أما استسمان الضحايا والهدايا والغلو في ثمنها واختيارها، فداخل –عندي- تحت عموم قول الله- عز وجل :﴿ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ﴾. ( ت : ١٧/٤١٥ )
٣٣٧- أجمعوا١ أن قوله – عز وجل- :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾، لم يرد به الذبح ولا النحر في البيت العتيق، لأن البيت ليس بموضع للدماء، لأن الله تعالى قد أمر بتطهيره، وإنما أراد بذكره البيت العتيق : مكة ومنى. ( س : ١٢/٢٨٦ )
١ أي العلماء..
٣٣٨- تنحر البدن قياما لقول الله – عز وجل- :﴿ فاذكروا اسم الله عليها صواف ﴾، والصواف : التي قد صفت قوائمها، ومن قرأ ( صوافنا ) فإنه يريد : قائمة على ثلاث قوائم، ومن قرأ ( صوافي )، أراد : خالصة لله. ١ ( س : ١٢/٢٥٨ )
١ قال ابن جرير: والصواب من القراءة في ذلك- عندي- قراءة من قرأه بتشديد الفاء ونصبها. لإجماع الحجة من القراء عليه. جامع البيان: ١٧/١٦٣..
٣٣٩- قد لزم النهي عن المنكر كل مستطيع بقوله- عز وجل- :﴿ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ﴾، ومن مكن في الأرض، لم يضعف عن ذلك، ومن ضعف لزمه التغيير بقلبه، فإن لم يغير بقلبه، فقد رضي وتابع. ( ت : ٢٤/٣١١ )
٣٤٠- أما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كثير من ذلك، وهذا يبين لك أن المراء الذي هو كفر هو الجحود والشك كما قال عز وجل :﴿ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ﴾، ونهى السلف- رحمهم الله- عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائه. ( جامع بيان العلم وفضله : ٢/١١٣ )
٣٤١- قد سوى الله تعالى في كتابه بين المقتول والميت في سبيل الله :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ﴾-الآية. ( س : ١٤/٢٨٩ )
٣٤٢- روي عن ابن عباس والحسن البصري في قول الله – عز وجل :﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾، قالا : هذا في تقديم الأهلة وتأخيرها في الفطر والأضحى والصوم. ( الكافي : ١٦٢ )
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).