بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلموهي مدنية، وهذه السورة تسمى سورة القتال، وسورة الأنفال تسمى سورة الجهاد، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قاتلوا العجم وغيرهم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قرءوا هاتين السورتين بين الصفين ؛ ليحرضوا المسلمين على القتال.
ﰡ
وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْحق من رَبهم﴾ أَي: آمنُوا بِمَا هُوَ الْحق من رَبهم.
وَقَوله: ﴿كفر عَنْهُم سيئاتهم وَأصْلح بالهم﴾ أَي: حَالهم، [يُقَال] : مَا بالك وَمَا حالك بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله: ﴿كَذَلِك يضْرب الله للنَّاس أمثالهم﴾ أَي: أَمْثَال سيئات الْكفَّار وحسنات الْمُؤمنِينَ، يُقَال: ضربت لفُلَان مثلا أَي: ذكرت لَهُ نوعا من الْكَلَام لِمَعْنى مَعْلُوم.
وَفِي التَّفْسِير: " أَن قوما من الْمُسلمين كَانَ بَعثهمْ النَّبِي لقِتَال قوم من الْكفَّار، فأحرقوا بعض الْكفَّار؛ فَبلغ النَّبِي فَأنكرهُ، وَقَالَ: " إِنِّي مَا بعثت لأعذب بِعَذَاب الله أحدا ". فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وعلمهم كَيْفيَّة الْقَتْل.
وَقَوله: ﴿حَتَّى إِذا أثخنتموهم﴾ الْإِثْخَان: بُلُوغ الْغَايَة فِي النكاية، وَيُقَال: الاستكثار من الْقَتْل.
وَقَوله: ﴿فشدوا الوثاق﴾ أَي: فأسروهم وشدوهم. وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ كَيفَ نَشد الْأَسير؟ قَالَ: بِحَبل، قيل: هَل نَشد بالقد؟ قَالَ: ذَاك عَظِيم، وَقيل لَهُ: نَشد الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم.
وَقَوله: ﴿فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا محكمَة، وَهُوَ الْمَعْرُوف. قَالَ مُجَاهِد وَغَيره: وَالْإِمَام بِالْخِيَارِ فِي الأسرى؛ إِن شَاءَ قتل، وَإِن شَاءَ فَادى، وَإِن شَاءَ من، وَإِن شَاءَ اسْترق، وَحكى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وَالَّذِي ذَكرْنَاهُ قَول الشَّافِعِي وَكثير من الْأَئِمَّة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ قَالَه قَتَادَة والسدى وَغَيرهمَا.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْآيَة ناسخة لقَوْله تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْركين﴾ ذكره الضَّحَّاك، وَلَا يجوز فِي الْأسر الْقَتْل. وَالْأول أولى الْأَقَاوِيل؛ لِأَنَّهُ قد ثَبت بروايات كَثِيرَة " أَن النَّبِي فَادى كثيرا من الْأُسَارَى، وَمن على كثير من الْأُسَارَى " على مَا ذكر فِي الْكتب الصَّحِيحَة.
وَقَوله: ﴿حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا﴾ قَالَ قَتَادَة: حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا مُسلم أَو مسالم وَقَالَ سعيد بن جُبَير: حَتَّى ينزل عِيسَى [ابْن مَرْيَم] من السَّمَاء، وَيكسر الصَّلِيب، وَيسلم كل كَافِر. وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة ". وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: " حَتَّى يكون آخر من يُقَاتلُون الدَّجَّال ". وَفِي الْجُمْلَة لَا تضع الْحَرْب أَوزَارهَا مَا بَقِي فِي الْعَالم كَافِر حَرْبِيّ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم﴾ أَي: فانتصر مِنْهُم بجند من الْمَلَائِكَة، أَو بِأَيّ جند أَرَادَ، والانتصار هَاهُنَا هُوَ الانتقام، وَمَعْنَاهُ: أَنه لَو يَشَاء لم يَأْمُركُمْ بِقِتَال الْكفَّار، وانتقم بِنَفسِهِ مِنْهُم ﴿وَلَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض﴾ أَي: ليبلو الْمُسلمين بالكافرين، والكافرين بِالْمُسْلِمين، مرّة تكون النُّصْرَة للْمُؤْمِنين، وَمرَّة تكون النُّصْرَة للْكَافِرِينَ مثل مَا كَانَ ببدر وَأحد، وَهُوَ تبلية الله كَيفَ يَشَاء لمن يَشَاء.
وَقَوله: ﴿وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله﴾ أَي: الشُّهَدَاء.
وَقَوله: ﴿فَلَنْ يضل أَعْمَالهم﴾ أَي: يثيبهم على أَعْمَالهم.
وَعَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: لَا يحْتَاج الْمُؤمن إِلَى دَلِيل إِلَى قصوره ومنازله، بل يكون عَارِفًا بهَا كَمَا يكون عَالما بمنزله فِي الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿وَيثبت أقدامكم﴾ أَي: فِي الْقِتَال. وَيُقَال: يثبت أقدامكم على الصِّرَاط، وَقد حكى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس.
قَالَ ابْن السّكيت: التعس أَن [يخر] على وَجهه، والنكس أَن يخر على رَأسه.
وَيُقَال: فتعسا لَهُم أَي: شرا لَهُم وتبا لَهُم. وَالَّذِي جَاءَ فِي الْخَبَر " تعس وانتكس "، قد بَينا معنى تعس. وَأما معنى قَوْله: انتكس أَي: انْقَلب أمره وَفَسَد، وَهَذَا على معنى الدُّعَاء.
وَقَوله: ﴿وأضل أَعْمَالهم﴾ أَي: أضلّ الله أَعْمَالهم بِمَعْنى: أحبطها، فَإِن قيل: وَأي عمل للْكفَّار حَتَّى يحبطه الله تَعَالَى؟ وَالْجَوَاب: أَنهم كَانُوا يعْملُونَ أعمالا على فضل الْخَيْر والتقرب إِلَى الله تَعَالَى مثل: الصَّدَقَة، وصلَة الرَّحِم، وَالْحج، وَالطّواف، وَمَا أشبه ذَلِك، ويظنون أَن الله تَعَالَى يثيبهم عَلَيْهَا، فَأخْبر الله تَعَالَى أَنه يحبطها بكفرهم.
وَقَوله: ﴿وللكافرين أَمْثَالهَا﴾ أَي: لهَؤُلَاء الْكَافرين من سوء الْعَاقِبَة مثل مَا لأولئك الْكفَّار.
وَقَوله: ﴿ذَلِك بِأَن الله مولى الَّذين أمنُوا﴾ أَي: ولي الَّذين آمنُوا، وَهُوَ كَذَا فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود.
وَقَوله: ﴿وَأَن الْكَافرين لَا مولى لَهُم﴾ أَي: لَا يتولاهم الله تَعَالَى، بِمَعْنى: أَنه لَا يهْدِيهم وَلَا ينصرهم. وَفِي بعض الْآثَار: أَن عليا رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ ابْن الكوا فَقَالَ: من رب الْعَالمين؟ قَالَ: الله. قَالَ: صدقت قَالَ من مولى النَّاس قَالَ الله قَالَ كذبت، وتلا
وَقَوله: ﴿وَالنَّار مثوى لَهُم﴾ أَي: منزل لَهُم.
وَأنْشد الْأَخْفَش قَول لبيد:
(وكائن رَأينَا من مُلُوك وسوقة | ومفتاح قيد للأسير المكبل) |
وَقَوله: ﴿أهلكناهم فَلَا نَاصِر لَهُم﴾ أَي: لم يكن لَهُم أحد يمنعهُم من عذابنا.
وَيُقَال: المُرَاد من الْآيَة مُحَمَّد.
وَقَوله: ﴿كمن زين لَهُ سوء عمله﴾ هُوَ أَبُو جهل، وَقيل: الْآيَة فِي جَمِيع الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار. وَمعنى الْآيَة: أَن الْفَرِيقَيْنِ لَا يستويان، فَحذف هَذَا لفهم الْمُخَاطب، وَهَذَا كَالرّجلِ يَقُول: من فعل الْخِيَار سعد، وَمن فعل السَّيِّئَات شقي. ثمَّ يَقُول: أَفَمَن سعد كمن [شقي]، يَعْنِي: لايكون، وَحذف لفهم الْمُخَاطب. وَقيل: الْألف فِي قَوْله: ﴿أَفَمَن﴾ ألف تَوْقِيف وَتَقْرِير لما علم الْمُخَاطب مِنْهُ.
وَقَوله: ﴿وَاتبعُوا أهواءهم﴾ أَي: اتبعُوا أهواءهم فِي اتِّبَاع الْكفْر.
وَقَوله: ﴿فِيهَا أَنهَار من مَاء غير الْخَيْر آسن﴾ أَي: غير متغير. يُقَال: أسن المَاء يأسن إِذا تغير، وأجن يأجن إِذا تغير أَيْضا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن المَاء يتَغَيَّر بطول الْمكْث، وَمَاء الْجنَّة لَا يتَغَيَّر بطول الْمكْث.
وَقَوله: ﴿وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه﴾ أَي: يحمض. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن اللَّبن إِذا مر عَلَيْهِ الزَّمَان يتَغَيَّر ويحمض، وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " أُوتيت بإناءين لَيْلَة الْمِعْرَاج فِي أَحدهمَا خمر، وَفِي الآخر لبن، فَأخذت اللَّبن وشربته، فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أصبت الْفطْرَة ".
وَمن الْمَعْرُوف أَيْضا " أَن النَّبِي كَانَ إِذا أكل طَعَاما شكر الله تَعَالَى، وَسَأَلَ [الله] أَن يرزقه خيرا مِنْهُ إِلَّا اللَّبن، فَإِنَّهُ كَانَ إِذا شرب اللَّبن شكر الله تَعَالَى وَلم يقل وارزقنا خيرا مِنْهُ ".
وَقَوله: ﴿وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين﴾ واللذة: طيبَة النَّفس فِي الشّرْب، وَقد بَينا وصف خمر الْجنَّة قبل هَذَا.
وَقَوله: ﴿وأنهار من عسل مصفى﴾ أَي: منقى من الكدر والعكر.
وَيُقَال: مصفى من الشمع أَلا يكون فِيهِ شمع.
وَقَوله: ﴿وَلَهُم فِيهَا من كل الثمرات﴾ أَي: الْفَوَاكِه.
وَقَوله: ﴿ومغفرة من رَبهم﴾ أَي: الْعَفو من رَبهم.
وَقَوله: ﴿كمن هُوَ خَالِد فِي النَّار﴾ أَي: من يُعْطي مثل هَذِه النعم يكون حَاله كَحال من هُوَ خَالِد فِي النَّار.
وَقَوله: ﴿وَسقوا مَاء حميما﴾ الْحَمِيم: هُوَ المَاء الَّذِي تناهى فِي الْحر، وَفِي التَّفْسِير: أَنه مَاء سعرت عَلَيْهِ نيران جَهَنَّم مُنْذُ خلقت، فَإِذا قربه الْكَافِر إِلَى وَجهه للشُّرْب شوى وَجهه، وَسَقَطت جلدَة وَجهه وفروة رَأسه.
وَفِي بعض المسانيد بِرِوَايَة أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا شرب الْكَافِر الْحَمِيم؛ قطع أمعاءه فَخرجت من دبره، ثمَّ تَلا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم﴾.
وَفِي بعض الحكايات عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الْكَاتِب قَالَ: رجعت من مَكَّة فمررت بطيزناباد وَهُوَ مَوضِع بَين الْكُوفَة وبغداد فَرَأَيْت كرما فِيهِ عِنَب كثير، فَذكرت قَول أبي نواس:
(بطيزناباد كرم مَا مَرَرْت بِهِ | إِلَّا تعجبت (مِمَّن) يشرب المَاء) |
(وَفِي الْجَحِيم حميم مَا تجرعه | خلق فأبقى لَهُ فِي الْبَطن أمعاء) |
(منطق صائب ويلحن أَحْيَانًا | وَخير القَوْل مَا كَانَ لحا) |
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَالله يعلم أَعمالكُم﴾ يَعْنِي: الَّتِي تعملونها.
وَقَوله: ﴿وَالصَّابِرِينَ ونبلوا أخباركم﴾ أَي: نعلم الصابرين، ونعلم أخباركم. وَكَانَ مُجَاهِد إِذا بلغ إِلَى هَذِه الْآيَة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك أَن لَا تبلو أخبارنا فَإنَّا نفتضح.
وَقَوله: ﴿وشاقوا الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُم الْهدى﴾ أَي: خالفوا الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُم الْهدى.
وَقَوله: ﴿لن يضروا الله شَيْئا﴾ أَي: ينقصوا الله شَيْئا.
وَقَوله: ﴿وسيحبط أَعْمَالهم﴾ أَي: يبطل أَعْمَالهم.
وَقَوله: ﴿وَتَدعُوا إِلَى السّلم﴾ أَي: إِلَى الصُّلْح، نهى الله تَعَالَى الْمُسلمين أَن يطلبوا الصُّلْح مَعَ الْكفَّار إِذا أمكنهم الْقِتَال.
وَقَوله: ﴿وَأَنْتُم الأعلون﴾ أَي: الغالبون القاهرون.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَالله مَعكُمْ﴾ أَي: بالنصرة وَالْحِفْظ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلنْ يتركم أَعمالكُم﴾ أَي: لن ينقصكم من ثَوَاب أَعمالكُم شَيْئا، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " مامن سَاعَة تمر على العَبْد الْمُسلم لَا يذكر الله فِيهَا إِلَّا كَانَت عَلَيْهِ ترة يَوْم الْقِيَامَة " أَي: نقص.
وَقَوله: ﴿وَإِن تؤمنوا وتتقوا يُؤْتكُم أجوركم وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: وَلَا يسألكم جَمِيع أَمْوَالكُم، إِنَّمَا يسألكم قدر الزَّكَاة، وَهُوَ الْمَعْرُوف. وَالْقَوْل الثَّانِي: لَا يسألكم أَمْوَالكُم لنَفسِهِ، إِنَّمَا يسألكم لكم. وَالْقَوْل الثَّالِث: وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم؛ لِأَنَّهَا لَيست لكم فِي الْحَقِيقَة، إِنَّمَا هِيَ لَهُ.
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي: " إِن الله يحب الْحَيِي الْمُتَعَفِّف، وَيبغض السَّائِل الْمُلْحِف ".
قَوْله ﴿تبخلوا﴾ أَي: تمنعوا ١٨٥٠
وَقَوله: ﴿وَيخرج أضغانكم﴾ أَي: وَيخرج الإحفاء أضغانكم، وَيظْهر مَا فِي بواطنكم من الْبُخْل والإمساك والنفاق وَالشَّكّ. وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أخبر تقله " أَي: أخبر الْإِنْسَان ببغضه، وَعَن بَعضهم أَنه قَالَ: " أَقَله بِخَبَر، يَعْنِي: ابغضه، فَهُوَ المختبر. وَفِي بعض الحكايات أَن مخارقا غَنِي لِلْمَأْمُونِ.
(إِنِّي لمشتاق إِلَى ظلّ صَاحب | يرق ويصفو إِن كدرت عَلَيْهِ) |
وَقَوله: ﴿فمنكم من يبخل﴾ أى يمْنَع. وَقَوله ﴿وَمن يبخل فإنماعن نَفسه﴾ أَي: يفوت حَظّ نَفسه.
وَقَوله: ﴿وَالله الْغَنِيّ وَأَنْتُم الْفُقَرَاء﴾ أَي: الْغَنِيّ عَنْكُم، وَأَنْتُم الْفُقَرَاء إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ﴾ أَي: إِن تعرضوا.
وَقَوله: ﴿قوما غَيْركُمْ﴾ فِيهِ أَقْوَال أَحدهَا: مَلَائِكَة السَّمَاء، وَهَذَا أَشد الْأَقْوَال. وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن تَتَوَلَّوْا يامعشر قُرَيْش يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ أَي: أهل الْيمن، وَقد كَانَ الْأَنْصَار مِنْهُم، فَإِن الْأَوْس والخزرج حَيَّان من الْيمن، وَقد قَالَ الشَّاعِر:
(وَللَّه أَوْس آخَرُونَ وخزرج... )
وَالْقَوْل الثَّالِث: وَهُوَ الْمَعْرُوف، وَإِن تَتَوَلَّوْا يَا معشر الْعَرَب يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ أَي: الْعَجم. وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف: أَن قوما سَأَلُوا النَّبِي عَن معنى هَذِه الْآيَة وَقَالُوا: من الَّذين يستبدلهم بِنَا؟ وَكَانَ سالما جَالِسا بجنبه فَقَالَ: هَذَا وَقَومه ثمَّ قَالَ: " لَو كَانَ الدّين مُعَلّقا بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رجال من فَارس ".
وَقَوله: ﴿ثمَّ لَا يَكُونُوا أمثالكم﴾ أَي: يَكُونُوا خيرا مِنْكُم وأطوع لي، وَمَعْنَاهُ: لايكونوا أمثالكم فِي مُخَالفَة الْأَوَامِر، وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا (١) ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته﴾تَفْسِير سُورَة الْفَتْح
وَهِي مَدَنِيَّة فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَعَن بَعضهم: انها نزلت بَين مَكَّة وَالْمَدينَة عِنْد مُنْصَرفه من الْحُدَيْبِيَة، قَالَه مسور بن مخرمَة ومروان وَغَيرهمَا. وروى مَالك عَن زيد بن أسلم، عَن ابيه، عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله فِي سفر فَقَالَ: " لقد انزلت البارحة عَليّ سُورَة هِيَ أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ثمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا﴾ أخرجه البُخَارِيّ عَن (القعْنبِي) عَن مَالك.
وَرُوِيَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لما انصرفنا من مَكَّة وَقد منعنَا من نسكنا، وبنا من الْحزن والكآبة شَيْء عَظِيم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة، فَقَالَ النَّبِي: " هِيَ أحب إِلَيّ من جَمِيع الدُّنْيَا ".
سورة محمد
سورة (مُحمَّد) أو سورة (القِتال) من السُّوَر المدنية، وقد نزلت بعد سورة (الحديد)، وحثَّتْ على الجهاد؛ لحفظِ بيضة هذا الدِّين، ولإعلاء كلمة الله بهذه الوسيلة المشروعة، وقد بيَّنتْ حقيقةَ الصراع بين الكفر والإيمان، وبين مَن يُقِيم العدلَ والطُّمأنينة ومن يُقِيم الجَوْرَ والخوف، ولا يكون ذلك إلا بما شرعه اللهُ من الوسائل.
ترتيبها المصحفي
47نوعها
مدنيةألفاظها
542ترتيب نزولها
96العد المدني الأول
39العد المدني الأخير
39العد البصري
40العد الكوفي
38العد الشامي
39* سورة (مُحمَّد):
سُمِّيت سورة (مُحمَّد) بهذا الاسم؛ لأنَّه جاء فيها اسمُ النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية منها؛ قال تعالى: {وَاْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ اْلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّـَٔاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد: 2].
* سورة (القِتال):
سُمِّيت بهذا الاسم؛ لأنه جاء فيها هذا اللفظُ؛ قال تعالى: {وَيَقُولُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٞ مُّحْكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا اْلْقِتَالُ رَأَيْتَ اْلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ اْلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ اْلْمَوْتِۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ} [محمد: 20]، ولأنها بيَّنتْ أحكامَ قتالِ الكفار ومشروعيَّتَه.
1. تعريف لطرَفَيِ الصراع، وحثُّ المؤمنين على القتال (١-٦).
2. سُنَّة الله التي لا تتبدل في المؤمنين والكافرين (٧-١٥).
3. التعريف بالمنافقين، والموازنة بينهم وبين المؤمنين (١٦-٣٠).
4. تهديد الضالِّين، ودفعُ المؤمنين لتحمُّل تكاليف الإيمان (٢٩-٣٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /234).
مقصدُ هذه السورة هو دعوةُ المؤمنين إلى حفظِ حظيرة الدِّين؛ بإقامة الجهاد وإدامته؛ فلا بد من الاستعداد الجيد، والتضحية لنشر هذا الدِّين بكل الوسائل المشروعة المطلوبة؛ ومن ذلك: الجهاد في سبيل الله؛ دفعًا للشر، ودعوة إلى الخير، ومن ذلك: تسميتُها بسورة (القِتال).
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /487).