ﰡ
الثاني: أنَّه مضمرٌ تقديرُه: فَعَلْنا ذلك، أي: إهلاكَ أصحابِ الفيل لإِيلافِ قريش. وقيل: تقديرُه اعْجَبوا. الثالث: أنه قولُه «فَلْيَعْبُدوا».
وقرأ ابن عامر «لإِلافِ» دونَ ياءٍ قبل اللامِ الثانيةِ، والباقون «لإِيلافِ» بياءٍ قبلَها، وأَجْمَعَ الكلُّ على إثبات الياءِ في الثاني، وهو «إيلافِهِمْ» ومِنْ غريبِ ما اتَّفَق في هذَيْن الحرفَيْنِ أنَّ القرَّاءَ اختلفوا في سقوطِ الياءِ وثبوتِها في الأولِ، مع اتفاقِ المصاحفِ على إثباتِها خَطَّاً، واتفقوا على إثباتِ الياءِ في الثاني مع اتفاقِ المصاحفِ على سقوطِها فيه خَطَّاً، فهو أَدَلُّ دليلٍ على أنَّ القُرَّاءَ مُتَّبِعون الأثَر والروايةَ لا مجرَّدَ الخطِّ.
فأمَّا قراءةُ ابنِ عامرٍ ففيها وجهان، أحدُهما: أنه مصدرٌ ل أَلِف ثلاثياً يُقال: أَلِفْتُه إلافاً، نحو: كتبتُه كِتاباً، يُقال: أَلِفْتُه إلْفاً وإلافاً. وقد جَمَعَ الشاعرُ بينَهما في قولِه:
٤٦٤٧ - زَعَمْتُمْ أنَّ إخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ | لهم إلْفٌ وليس لكُمْ إلافُ |
وأمَّا قراءةُ الباقين فمصدرُ آلَفَ رباعياً بزنةِ أَكْرَم يقال: آلَفْتُه أُوْلِفُه إيْلافاً. قال الشاعر:
٤٦٤٨ - مِنَ المُؤْلِفاتِ الرَّمْلِ أَدْماءُ حُرَّةٍ | شعاعُ الضُّحى في مَتْنِها يَتَوضَّحُ |
﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة: ٦].
٤٦٤٩ -................. | لهم إلْفٌ وليس لكم إلافُ |
وقُرَيْش اسمٌ لقبيلةٍ. قيل: هم وَلَدُ النَّضْرِ بنِ كِنانَةَ، وكلُّ مَنْ وَلَدُه النَّضْرُ فهو قُرَشِيٌّ دونَ كِنانةَ، وهو الصحيحُ وقيل: هم وَلَدُ فِهْرِ بن مالك ابن النَّضْر بنِ كِنانةَ. فَمَنْ لم يَلِدْه فِهْرٌ فليس بقُرَشيٍّ، فوقع الوِفاقُ على أنَّ بني فِهْرٍ قرشيُّون. وعلى أنًَّ كنانةَ ليسوا بقرشيين. ووقع الخلافُ في النَّضْر ومالكٍ.
واخْتُلِفَ في اشتقاقِه على أوجه، أحدها: أنه من التَّقَرُّشِ وهو التجمُّعُ سُمُّوا بذلك لاجتماعِهم بعد افتراقِهم. قال الشاعر:
٤٦٥٠ - أبونا قُصَيُّ كان يدعى مُجَمِّعاً | به جَمَّعَ اللَّهُ القبائلَ مِنْ فِهْرِ |
٤٦٥١ - أيُّها الشامِتُ المُقَرِّشُ عنا | عند عمروٍ فهَلْ له إبْقاءُ |
٤٦٥٢ - وَقُرَيْشٌ هي التي تَسْكُنُ البَحْ | رَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا |
تأكلُ الغَثَّ والسَّمينَ ولا تَتْ | رُكُ فيها لذي جناحَيْنِ رِيشا |
هكذا في البلادِ حَيُّ قُرَيْشٍ | يأكلونَ البلادَ أكْلاً كَميشا |
ولهم آخِرَ الزمان نَبيٌّ | يُكْثِرُ القَتْلَ فيهمُ والخُموشا |
٤٦٥ - ٣- غَلَبَ المَساميحَ الوليدُ سَماحةً | وكفى قُرَيْشَ المُعْضِلاتِ وسادَها |
قوله: ﴿إِيلاَفِهِمْ﴾ مُؤَكِّدٌ للأولِ تأكيداً لفظياً؛ ولذلك اتّصَلَ بضميرِ ما أُضيف إليه الأولُ كما تقولَ: لِقيامِ زيدٍ لقيامِه أكرمْتُه «وأعربه أبو البقاء بدلاً والأول أولى.
قوله: ﴿رِحْلَةَ﴾ معفولٌ به بالمصدرِ، والمصدرُ مضافٌ لفاعِله، أي: لأَنْ أَلِفوا رحلةَ. والأصلُ: رحلَتْي الشتاءِ والصيفِ، ولكنه أُفْرِدَ لأَمْنِ اللَّبْسِ كقولِه:
٤٦٥٤ - كُلوا في بَعْضِ بطنِكُمُ تَعِفُّوا | ........................... |
٤٦٥٥ - حَمامةً بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمي | ....................... |
والشتاءُ لامُه واوٌ لقولِهم: الشَّتْوَةُ وشتا يَشْتُو. وشَذُّوا في النسبِ إليه فقالوا فيه: شَتَوِيّ. والقياس: شِتائيّ أو شِتاويّ ككِسائيّ وكِساوِيّ.
سورة قريش
سورة (قُرَيش) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (التِّين)، وقد افتُتحت بتذكير قُرَيش بنِعَمِ الله عليهم؛ من التجارة، وجلبِ الخير لهم عن طريق رحلتَيِ الشِّتاء والصيف، وأن الله أطعَمهم بعد جوع، وأمَّنهم بعد خوف، ولَمَّ شملهم، وفي ذلك طلبٌ منهم أن يُوحِّدوا اللهَ ويُفرِدوه بالعبادة؛ لأنه - وحده - المستحِقُّ لذلك، لا أصنامُهم التي صنعوها بأيديهم.
ترتيبها المصحفي
106نوعها
مكيةألفاظها
17ترتيب نزولها
29العد المدني الأول
5العد المدني الأخير
5العد البصري
4العد الكوفي
4العد الشامي
4* سورة (قُرَيش):
سُمِّيت سورة (قُرَيش) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (قُرَيش) في مطلعها؛ قال تعالى: {لِإِيلَٰفِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1].
نِعَمُ الله على قُرَيش، ودعوتُه لعبادته (١-٤).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /369).
أمرُ قُرَيشِ بتوحيد الله عزَّ وجلَّ وحده بعدما أنعَمَ عليهم بنِعَمٍ كثيرة، وأطعمهم بعد جوعٍ، وآمَنهم بعد خوفٍ .
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /554).