ﰡ
مكية، أربع آيات، سبع عشرة كلمة، ثلاثة وسبعون حرفا
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) واللام إما متعلقة بالسورة التي قبل هذه السورة، وإما متعلقة بالآية التي بعد هذه اللام، وإما متعلقة بمحذوف فعلى الأول، فإن التقدير فجعلهم كعصف مأكول لحب قريش إلخ أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف.
روي أن عمر رضي الله عنه قرأ في صلاة المغرب في الركعة الأولى والتين، وفي الثانية ألم تر، ولإيلاف قريش معا من غير فصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وإن أبي بن كعب جعلهما في مصحفه سورة واحدة، وعلى الثاني فالتقدير فليعبدوا رب هذا البيت الذي قصده أصحاب الفيل، ثم إن رب البيت دفعهم عن مقصودهم لأجل إيلاف قريش ونفعهم أي ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعمة، وعلى الثالث فإن هذه اللام لام التعجب فكأن المعنى: أعجبوا لإيلاف قريش، وذلك لأنهم كل يوم يزدادون غيا وانغماسا في عبادة الأوثان، والله تعالى يؤلف شملهم ويدفع الآفات عنهم وينظم أسباب معايشهم وذلك لا شك أنه في غاية التعجب من عظيم حلم الله وكرمه. إِيلافِهِمْ بدل من إيلاف الأول لأن المبدل منه مطلق والبدل مقيد بالمفعول به، أو توكيد لفظي ف «رحلة» مفعول لإيلاف الأول.
وقرأ ابن عامر «لإلاف» قريش بغير ياء بعد الهمزة، والباقون بياء بعدها، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني أي لمؤالفتهم. قال ابن عادل: ومن غريب ما اتفق في
هذين الحرفين أن القراء اختلفوا في سقوط الياء وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطا، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منه خطا، فهذا أدل دليل على أن القراء متبعون الأثر والرواية لا مجرد الخط، وقرأ أبو جعفر «لإلف قريش إلفهم» بكسر الهمزة وسكون اللام بزنة حمل وعن ابن عامر «الافهم» بزنة كتابهم كما روي عن ابن كثير أيضا وروي عن ابن عامر أيضا، كما روي عن عكرمة «ليلاف» قريش بياء ساكنة بعد اللام، وقرأ عكرمة «ليألف» قريش فعلا مضارعا وعنه أيضا «ليألف» على الأمر رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) أي انتقالهما أي كانت لقريش رحلتان رحلة بالشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ وبالصيف إلى الشام فكانت أشراف أهل
وقرئ «رحلة» بضم الراء وهي الجهة التي يرحل إليها، لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
(٣) قال الخليل وسيبويه: إن اللام في «لإيلاف» متعلقة بقوله: لْيَعْبُدُوا
ودخول الفاء فيه لما في الكلام من معنى الشرط وذلك لأن نعم الله عليهم لا تحصى، فكأنه قيل: إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة وهي إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف والمعنى لجعلهم محبين لهما مسترزقين بهما لتيسيرهما عليهم فليعبدوه تعالى الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ أي من بعد جوع بحمل الميرة إليهم من البلاد في البر والبحر بواسطة كونهم جيران البيت وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤) أي من خوف دخول العدو عليهم، ومن خوف زحمة أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم، وقال الضحاك والربيع: أي آمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدتهم جذام، وقيل: آمنهم من خوف الضلال بالإسلام، فقد كانوا في الكفر يتفكرون فيعلمون أن الدين الذي هم عليه ليس بشيء إلا أنهم ما كانوا يعرفون الدين الذي يجب على العاقل أن يتمسك به فكانت نعمة الأمانة دينية فلا تحصل إلا لمن كان تقيا أما نعمة الدنيا فهي تصل إلى البر والفاجر والصالح والطالح.