ﰡ
قوله: (وهو مصدر آلف بالمد) أي أن ايلاف الثاني، وكذا الأول على قراءة اثبات الياء مصدر آلف بالمد كأكرم، يقال: آلفته أؤلفه ايلافاً، وأما على قراءة حذف الياء، فهو صدر لألف ثلاثياً، ككتب كتاباً. قوله: ﴿ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ ﴾ مفعول به بالمصدر، والمصدر مضاف لفاعله، أي لأن ألفوا رحلة، والأصل رحلتي الشتاء والصيف، وإنما أفرد لأمن اللبس، وأول من سن لهم الرحلة هاشم بن عبد المناف، وكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير، حتى كان فقيرهم كغنيهم، واتبع هاشماً على ذلك إخوته، فكان هاشم يؤالف إلى الشام، وعبد شمس إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس، وكانت تجار قريش يختلفون إلى هذه الأمصار، بجاه هؤلاء الإخوة، أي بأمانهم الذي أخذوه من ملك كل ناحية من هذه النواحي، والرحلة بالكسر اسم مصدر بمعنى الارتحال وهو الانتقال، وأما بالضم فهو الشيء الذي يرتحل إليه مكاناً أو شخصاً. قوله: (وهم ولد النضر بن كنانة) أي فكل من ولده النضر فهو قرشي، دون من لم يلده النضر وإن ولده كنانة، وهذا هو الصحيح، وقيل: هم ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، فمن يلده فهر فليس بقرشي وإن ولده النضر قال العراقي: أما قريش فالأصح فهر جماعها والأكثرون النضرفالحاصل أن بني فهو قرشيون اتفاقاً، وبنو كنانة الذين يلدهم النضر ليسوا بقرشيين، واختلف في بن النضر وبني مالك، وفهر هو الجد الحادي ع شر من أجداده صلى الله عليه وسلم، والنضر هو الثالث عشر، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عوف بن مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، إلى آخر النسب الشريف. قوله: (والفاء زائدة) أي ولهذا جاز تقديم معمول ما بعده عليها، وقيل: إنها ليست زائدة، بل هي واقعة في جواب شرط مقدر تقديره: إن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لإيلافهم، فإنها أظهر نعمة عليهم. قوله: (أي من أجله) أشار بذلك إلى أن ﴿ مِّنْ ﴾ تعليلية، والكلام على حذف مضاف، والتقدير: أطعمهم من أجل إزالة الجوع عنهم، وآمنهم من أجل إزالة الخوف عنهم، وقيل: إن ﴿ مِّنْ ﴾ بمعنى بدل، ولا يحتاج لتقدير مضاف. والمعنى: فأطعمهم بدل الجوع، وآمنهم بدل الخوف، نظير قوله تعالى:﴿ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ ﴾[التوبة: ٣٨] وقيل: ﴿ مِّنْ ﴾ بمعنى بعد، وقيل في معنى الآية: أنهم لما كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال:" اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسني يوسف "فاشتد عليهم القحط، وأصابهم الجهد والجوع، فقالوا: يا محمد ادع لنا فإنا مؤمنون، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخصبت البلاد، وأخصب بأهل مكة بعد القحط والجهد، وهذا حجة من يقول: إن السورة مدنية. قوله: (وخافوا جيش الفيل) أي وهذا وجه مناسبتها لما قبلها، وذلك أنه بعد أن ذكر لهم أسباب خوفهم، امتن عليهم بإزالتها كأنه قال: قد أزلنا عنكم ما تكرهون من الخوف والجوع، فالواجب عليكم أن تشكروا تلك النعم، وتصرفوها في مصارفها، وقيل: آمنهم من خوف الجذام، لا يصيبهم ببلدهم الجذام، وقيل: آمنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام، وكل حاصل.