سورة هود مكية، إلا قوله تعالى :( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) ( ١ ) إلى آخر الآية ؛ فإنها مدنية.
ﰡ
وَقَوله: ﴿أحكمت آيَاته﴾ فِيهِ أَقْوَال:
قَالَ قَتَادَة: مَعْنَاهُ: أحكمها الله فَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف وَلَا تنَاقض.
وَالثَّانِي: أَن معنى قَوْله: (أحكمت آيَاته) يَعْنِي: هِيَ محكمَة غير مَنْسُوخَة.
وَالثَّالِث: ﴿أحكمت أياته﴾ يَعْنِي: بِالْأَمر وَالنَّهْي، والحلال وَالْحرَام.
وَقَوله: ﴿ثمَّ فصلت﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: ثمَّ فصلت بالوعد والوعيد. وَقَالَ مُجَاهِد: فصلت أَي: فسرت وبينت. وَالثَّالِث: ثمَّ فصلت أَي: أنزلهَا الله شَيْئا فَشَيْئًا.
وَقيل: أحكمت آيَاته للمعتبرين، ثمَّ فصلت أَحْكَامه لِلْمُتقين.
وَقيل: أحكمت آيَاته للقلوب، ثمَّ فصلت أَحْكَامه على الْأَبدَان.
وَقُرِئَ فِي الشاذ: " ثمَّ فصلت " وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا جَاءَت.
﴿من لدن حَكِيم خَبِير﴾ أَي: من عِنْد حَكِيم خَبِير.
أَحدهمَا: بِأَن لَا تعبدوا إِلَّا الله.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَمركُم أَن لَا تعبدوا إِلَّا الله.
وَقَوله: ﴿إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير وَبشير﴾ مَعْنَاهُ: نَذِير للعاصين، وَبشير للمطيعين.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: " مَا أصر من اسْتغْفر وَإِن عَاد سبعين مرّة ". وَفِي بعض الْأَخْبَار: " لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار، وَلَا كَبِيرَة مَعَ الاسْتِغْفَار ".
وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن معنى قَوْله: ﴿وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم﴾ يَعْنِي: فِي الْمَاضِي ﴿ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ يَعْنِي: فِي المستأنف.
قَوْله: ﴿يمتعكم مَتَاعا حسنا﴾ مَعْنَاهُ: يعيشكم عَيْشًا حسنا. وَقيل: يعمركم عمرا حسنا. وَأما الْعَيْش الْحسن: قَالَ بَعضهم: هُوَ الرِّضَا بالميسور، وَالصَّبْر على (الْمُقدر). وَقيل: الْعَيْش الْحسن: هُوَ طيب النَّفس وسعة الرزق. وَيُقَال: الْعَيْش الْحسن: هُوَ الْكِفَايَة بالحلال. وَقَوله ﴿إِلَى أجل مُسَمّى﴾ أَي: إِلَى حِين الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله﴾ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَن مَعْنَاهُ يُؤْت كل ذِي عمل حسن فِي الدُّنْيَا ثَوَابه فِي الْآخِرَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿يُؤْت كل ذِي فضل فَضله﴾ يَعْنِي: من عمل لله تَعَالَى وَفقه الله تَعَالَى فِيمَا يسْتَقْبل على طَاعَته ويهديه إِلَيْهَا.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَالَ: كل مَا يحْتَسب الْإِنْسَان فِيهِ من قَول أَو عمل هُوَ دَاخل فِيهَا، حَتَّى الْكَلِمَة الْوَاحِدَة يَقُولهَا.
قَوْله: (وَإِن توَلّوا) أَي: فَإِن أَعرضُوا. قَوْله: ﴿فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير﴾ أَي: يَوْم الْقِيَامَة.
وَمعنى قَوْله: ﴿يثنون صُدُورهمْ﴾ أَي: يعطفون ويطوون، وَمِنْه ثني الثَّوْب، قَالَ الشَّاعِر فِي التغشي:
(أرعى النُّجُوم وَلم أُؤمر برعيتها | وَتارَة أتغشى فضل أطمار) |
﴿أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ﴾ يَعْنِي: يتغشون بثيابهم. قَوْله تَعَالَى: {يعلم مَا
قَالَ أهل الْمعَانِي: هَذَا على الْمَشِيئَة، لِأَنَّهُ قد يرْزق وَقد لَا يرْزق. وَقَوله: ﴿وَيعلم مستقرها ومستودعها﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال:
روى مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: المستقر: هُوَ الْمَكَان الَّذِي يأوي إِلَيْهِ، والمستودع: هُوَ الْمَكَان الَّذِي يدْفن فِيهِ.
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: المستقر: هُوَ أَرْحَام الْأُمَّهَات، والمستودع: هُوَ الْموضع الَّذِي يدْفن فِيهِ.
وَقَالَ بَعضهم: المستقر: هُوَ الَّذِي يسْتَقرّ عَلَيْهِ عمله، والمستودع: هُوَ الَّذِي يصير إِلَيْهِ أمره فِي الْعَاقِبَة.
وَيُقَال: المستقر: أَرْحَام الْأُمَّهَات، والمستودع: هُوَ أصلاب الْآبَاء. وَهَذَا مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا.
وَقَوله: ﴿كل فِي كتاب مُبين﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ عَرْشه على المَاء﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ الْعَرْش على المَاء، وَالْمَاء على متن الرّيح، أَي: صلب الرّيح. وروى يزِيد بن هَارُون، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن وَكِيع ابْن حدس، عَن أبي رزين الْعقيلِيّ أَنه قَالَ: " يَا رَسُول الله، أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق خلقه؟ قَالَ: فِي عماء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء، وَكَانَ عَرْشه على المَاء ". قَالَ يزِيد بن هَارُون: معنى قَوْله: " فِي عماء " أَي: لَيْسَ مَعَه غَيره. أوردهُ ابو عِيسَى فِي كِتَابه على هَذَا الْوَجْه.
قَوْله: ﴿ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا﴾ مَعْنَاهُ: ليختبركم أَيّكُم أعمل بِطَاعَة الله تَعَالَى، وأسرع إِلَى طلب مرضات الله، وَأَوْرَع عَن محارم الله، وَمَعْنَاهُ: الِابْتِلَاء من الله وَقد بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿وَلَئِن قلت إِنَّكُم مبعوثون من بعد الْمَوْت ليَقُولن الَّذين كفرُوا إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين﴾ أَي: إِلَّا خدع ظَاهر.
وَقَوله ﴿وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون﴾ مَعْنَاهُ: وَنزل بهم جَزَاء استهزائهم.
وَقَوله: ﴿ثمَّ نزعناها مِنْهُ﴾ يَعْنِي أخذناها مِنْهُ، قَوْله: ﴿إِنَّه ليئوس كفور﴾ أَي: قنوط من رَحْمَة الله تَعَالَى، كفور بِنِعْمَة الله.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لفرح فخور﴾ الْفَرح: لَذَّة فِي الْقلب بنيل المشتهى، وَالْفَخْر: هُوَ التطاول على النَّاس بتعديد المناقب، وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ فِي الْقُرْآن فِي مواضغ كَثِيرَة.
وَقَوله ﴿وَالله على كل شَيْء وَكيل﴾ أَي: حَافظ.
قَالَ عَليّ بن عِيسَى النَّحْوِيّ: البلاغة على ثَلَاث مَرَاتِب: الْمرتبَة الْعليا: معْجزَة، وَالْوُسْطَى والأدنى ممكنه. وَالْقُرْآن فِي الْمرتبَة الْعليا من البلاغة.
فَإِن قيل: قد قَالَ فِي سُورَة يُونُس: ﴿فَأتوا بِسُورَة مثله﴾ وَقد عجزوا عَن أَن يَأْتُوا بِسُورَة، فَكيف يَصح أَن يَقُول لَهُم ﴿فَأتوا بِعشر سور مثله﴾، وَمَا هَذَا إِلَّا كَرجل يَقُول لغيره: أَعْطِنِي درهما، فيعجز عَنهُ فَيَقُول: أَعْطِنِي عشرَة دَرَاهِم، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿مفتريات﴾ وَهل يجوز أَن يَأْمر الله تَعَالَى أَن يَأْتُوا بالافتراء؟
الْجَواب عَنهُ: عَنهُ مِنْهُم من قَالَ: إِن سُورَة هود نزلت أَولا وَإِن كَانَت فِي التَّرْتِيب آخرا، وَأنكر الْمبرد هَذَا، وَقَالَ: لَا، بل نزلت سُورَة يُونُس أَولا. وَأجَاب عَن السُّؤَال وَقَالَ: معنى قَوْله: ﴿فَأتوا بِسُورَة مثله﴾ فِي سُورَة يُونُس يَعْنِي مثله فِي الْخَبَر عَن الْغَيْب وَالْأَحْكَام. والوعد والوعيد، فعجزوا، فَقَالَ لَهُم فِي سُورَة هود: إِن عجزتم عَن الْإِتْيَان بِسُورَة مثل الْقُرْآن فِي أخباره وَأَحْكَامه ووعده ووعيده، فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات يَعْنِي: مختلقات من غير خبر عَن غيب وَلَا حكم وَلَا وعد وَلَا وَعِيد، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرّد البلاغة. وَهَذَا جَوَاب صَحِيح.
وَأما السُّؤَال الثَّانِي فَالْجَوَاب: قُلْنَا: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يَأْمُرهُم بالإفتراء، وَإِنَّمَا تحدى، وَمَعْنَاهُ: أَن إصراركم فِي تَكْذِيب مُحَمَّد وزعمكم أَنه افترى الْقُرْآن يُوجب عَلَيْكُم أَن تَأْتُوا بِمثلِهِ افتراء، ليظْهر كذب مُحَمَّد كَمَا زعمتموه، فَلَمَّا عجزتم دلّ أَنه صَادِق.
وَقَوله: ﴿وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله﴾ مَعْنَاهُ: وَاسْتَعِينُوا بِمن اسْتَطَعْتُم من دون الله ﴿إِن كُنْتُم صَادِقين﴾.
وَقَوله: ﴿وَأَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ﴾ يَعْنِي: فاعلموا أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ؟ أَي: مخلصون.
وَقَوله: ﴿على بَيِّنَة من ربه﴾ أَي: على بَيَان من ربه. وَقَوله ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ فِيهِ أَقْوَال:
الأول: عَلَيْهِ أَكثر أهل التَّفْسِير: أَن المُرَاد مِنْهُ: جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - وَهَذَا قَول
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ يَعْنِي: لِسَان مُحَمَّد. حكى هَذَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن [الْحُسَيْن] بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَالثَّالِث: أَن قَوْله ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ هُوَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - رُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: مَا من قرشي إِلَّا وَنزلت فِيهِ آيَة من الْقُرْآن، فَقيل لَهُ: وَهل نزل فِيك شَيْء؟ فَقَالَ: ﴿وتيلوه شَاهد مِنْهُ﴾.
وَالرَّابِع: ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ ملك من الْمَلَائِكَة نزل يحفظه ويسدده وَيشْهد لَهُ.
وَقيل: إِن قَوْله: ﴿شَاهد مِنْهُ﴾ هُوَ الْإِنْجِيل، وَمَعْنَاهُ: يتبعهُ مُصدقا لَهُ، يَعْنِي: وَهُوَ مصدقه. وَقَوله: ﴿وَمن قبله كتاب مُوسَى إِمَامًا﴾ أَرَادَ بِهِ: التَّوْرَاة، وَقَوله ﴿إِمَامًا وَرَحْمَة﴾ يَعْنِي: كَانَت إِمَامًا وَرَحْمَة لمن اتبعها، وَهِي مصدقة لِلْقُرْآنِ، شاهدة للنَّبِي. وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ﴾ قَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الَّذين أَسْلمُوا من أهل الْكتاب. وَقَوله: ﴿وَمن يكفر بِهِ﴾ يَعْنِي: بالرسول ﴿من الأخزاب﴾ وهم تحزبوا على النَّبِي أَي: تفَرقُوا من قبائلهم واجتمعوا عَلَيْهِ من قُرَيْش وَغَيرهم. وَفِي بعض التفاسير: أَنهم بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة وبنوأبي طَلْحَة بن عبد الْعُزَّى، وَالْمرَاد هُوَ: الْكفَّار مِنْهُم دون الْمُسلمين.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن الْأَحْزَاب أهل الْملَل كلهَا. روى أَبُو موس الْأَشْعَرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي قَالَ: " مَا من أحد يسمع بِي فَلَا يُؤمن إِلَّا أدخلهُ الله النَّار ". قَالَ سعيد بن جُبَير: طلبت مصداق هَذَا من الْقُرْآن فَوَجَدته فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده﴾.
وَقَوله: ﴿فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ﴾ يَعْنِي: فَلَا تَكُ فِي شكّ مِنْهُ. وَقيل مَعْنَاهُ: فَلَا تَكُ فِي شَيْء مِنْهُ أَيهَا الشاك. قَوْله: ﴿إِنَّه الْحق من رَبك وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يُؤمنُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وروى ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي قَالَ: " يدنى الْمُؤمن ربه يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يضع كنفه عَلَيْهِ، فيقرره بذنوبه وَيَقُول: هَل تعرف كَذَا؟ فَيَقُول: أعرف. هَل تعرف كَذَا؟ فَيَقُول: أعرف. فيسأله مَا سَأَلَهُ، ثمَّ يَقُول: سترته عَلَيْك فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أغفره لَك الْيَوْم، ثمَّ يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ، وَأما الْكفَّار فينادى على رُءُوس الأشهاد: هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم، أَلا لعنة الله على الظَّالِمين ".
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ حَدِيث النَّجْوَى، اتَّفقُوا على صِحَّته عَن النَّبِي.
وَقَوله: ﴿ويبغونها عوجا﴾ يَعْنِي: وَيطْلبُونَ الأعوجاج فِي دين الله. وَقَوله {وهم
الْجَواب من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن مضاعفة الْعَذَاب بمضاعفة الجرم.
وَالْآخر: أَن الْآيَة فِي رُؤَسَاء أهل الشّرك، وتضعيف الْعَذَاب عَلَيْهِم بتضليل الإتباع ودعائهم إيَّاهُم إِلَى شركهم.
وَقَوله: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: حَال الله بَينهم وَبَين اإيمان. وَذكر الْفراء عَن بعض أهل الْمعَانِي: أَن معنى الْآيَة: يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع فَلَا يَسْتَمِعُون.
وَسَائِر النُّحَاة أَنْكَرُوا تَقْدِير " الْبَاء " هَاهُنَا. والاستطاعة: قُوَّة تنطاع بهَا الْجَوَارِح للْعَمَل.
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَنهم لما يسمعوا اسْتِمَاع (التفهم) وَالِانْتِفَاع بِهِ، وَلم يبصروا بصر الْحَقِيقَة؛ جعلهم كمن لَا يَسْتَطِيع السّمع وَالْبَصَر.
أَحدهمَا: لاجرم يَعْنِي: حَقًا ﴿أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿لَا﴾ رد لما قَالُوا، وَقَوله: ﴿جرم﴾ ابْتِدَاء كَلَام، وجرم بِمَعْنى: كسب، قَالَ الشَّاعِر:
(وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنة | جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا) |
(نصبنا رَأسه فِي رَأس جذع | بِمَا جرمت يَدَاهُ وَمَا اعتدينا.) |
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
أَحدهمَا: أَن " الْوَاو " صلَة، وَمَعْنَاهُ: كالأعمى الْأَصَم، كَمَا يَقُول الْقَائِل: رَأَيْت الْعَاقِل والظريف أَي: رَأَيْت الْعَاقِل الظريف.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن " الْوَاو " لتعميم التَّشْبِيه، وَمَعْنَاهُ: حَال الْكَافِر كَحال الْأَعْمَى، وحاله كَحال الْأَصَم، وحاله كَحال الْأَعْمَى والأصم.
وَقَوله: ﴿والبصير والسميع﴾ الْكَلَام فِيهِ مثل هَذَا، وَالْمرَاد مِنْهُ: حَالَة الْمُؤمن. وَقَوله ﴿هَل يستويان مثلا﴾ رُوِيَ أَن الْكفَّار لما سمعُوا هَذَا قَالُوا: لَا يستويان، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ يَعْنِي: أَفلا تتعظون؟ !
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم أَلِيم﴾ أَي: مؤلم، والمؤلم: الموجع.
وَقَوله: ﴿مَا نرَاك إِلَّا بشرا مثلنَا﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَقَوله: ﴿وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي﴾ والأراذل: جمع الرذل، والرذل: الخسيس الدون. وَقيل: الأراذل: الأسافل، والرذل: السفلة، وَفِي السفلة أَقْوَال كَثِيرَة لأهل الْعلم.
قَالَ مَالك بن أنس: السفلة: هُوَ الَّذِي يسب أَصْحَاب النَّبِي. وروى عَن الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي أَنه قَالَ: السفلة: الَّذِي لَا دين لَهُ.
وَعَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: السفلة: الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ وَمَا قيل لَهُ.
وَعَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: هم الَّذين يتقلسون ويأتون أَبْوَاب الْقُضَاة يطْلبُونَ الشَّهَادَات.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السفلة: هُوَ الَّذِي يَأْكُل بِدِينِهِ، وسفلة السفلة هُوَ
الَّذِي يُسَوِّي دنيا غَيره بِدِينِهِ. وَفِي بعض الْآثَار: أَشْقَى الأشقياء من بَاعَ دينه بدنيا غَيره. وَقيل: إِن السفلة هم أَصْحَاب الصناعات الدنية مثل: الكناسين، والدباغين، والسماكين، والحجامين، والحاكة، وَغَيرهم. وَرُوِيَ أَن بعض الْعلمَاء بِبَغْدَاد سُئِلَ عَن امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا: يَا سفلَة، فَقَالَ: إِن كنت سفلَة فَأَنت طَالِق، فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم: مَا صناعتك؟ فَقَالَ: سماك، فَقَالَ: سفلَة وَالله سفلَة.
وَرُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: هم الَّذين إِذا اجْتَمعُوا غلبوا، وَإِذا تفَرقُوا لم يعرفوا.
وَقَوله: ﴿بَادِي الرَّأْي﴾ قرئَ بقراءتين: بِالْهَمْز، وَترك الْهَمْز فَأَما بِالْهَمْز فَمَعْنَاه: أول الرَّأْي؛ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُم اتبعوك فِي أول الرَّأْي وَلم يتفكروا وَلَو تَفَكَّرُوا، لم يتبعوك. وَأما بَادِي الرَّأْي بترك الْهَمْز فَمَعْنَاه: ظَاهر الرَّأْي. قَالَ الزّجاج: يَعْنِي: اتبعوك ظَاهرا لَا بَاطِنا.
وَقَوله: ﴿وَمَا نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله ﴿لن يُؤْتِيهم الله خيرا﴾ أَي: لن يُؤْتِيهم أجرا ﴿الله أعلم بِمَا فِي أنفسهم﴾. [يَعْنِي: فِي صُدُورهمْ، فِي أَن يَأْتِيهم الله خيرا]
وَقَوله: ﴿إِنِّي إِذا لمن الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: إِنِّي إِذا لمن الظَّالِمين لَو قلت هَذَا أَو طردتهم.
وَالْفرق بَين الْحجَّاج والمجادلة: أَن الْمَطْلُوب من الْحجَّاج ظُهُور الْحق فِي الْمَطْلُوب، وَمن المجادلة هُوَ رُجُوع الْخصم إِلَى قَوْله.
وَالْفرق بَين المراء والمجادلة: أَن الْمَرْء مَذْمُوم؛ لِأَنَّهُ خُصُومَة بعد ظُهُور الْحق، والجدال غير مَذْمُوم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُبَالغ فِيهِ من غير قصد طلب الْحق.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين﴾ هَذَا دَلِيل على أَنه كَانَ وعدهم الْعَذَاب إِن لم يُؤمنُوا.
وَقَوله: ﴿هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَفِي الْآيَة رد على الْقَدَرِيَّة.
مَاتَ، فَيخرج فِي الْيَوْم الثَّانِي ويدعوهم إِلَى الله؛ فَروِيَ أَن شَيخا جَاءَ يتَوَكَّأ على عَصا وَمَعَهُ ابْنه فَقَالَ: يَا بني لَا يغرنك هَذَا الشَّيْخ الْمَجْنُون، فَقَالَ: يَا ابة، أمكني من الْعَصَا، فَدفع إِلَيْهِ الْعَصَا، فَضرب نوحًا على رَأسه وشجمة شجة مُنكرَة حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاء مِنْهُ، وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الْإِيمَان، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن﴾ فَحِينَئِذٍ استجار بِالدُّعَاءِ وَقَالَ: ﴿رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا﴾. وَقَوله: ﴿فَلَا تبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة: فَلَا تحزن. قَالَ أهل اللُّغَة: الابتئاس: حزن مَعَ استكانة، قَالَ الشَّاعِر:
(مَا يقسم الله فاقبل غير مبتئس | مِنْهُ واقعد كَرِيمًا ناعم الْبَالِي) |
(أَتَيْتُك عَارِيا خلقا ثِيَابِي | على خوف تظن بِي الظنونا) |
(إِنِّي لشيخ لَا أُطِيق العندا | وَلَا أُطِيق البكرات الشردا) |
(فأنكرتني وَمَا كَانَ الَّذِي نكرت | من الْحَوَادِث إِلَّا الشيب والصلعا) |
قَوْله: ﴿فَضَحكت﴾ الْأَكْثَرُونَ على أَن الضحك هَاهُنَا هُوَ الضحك الْمَعْرُوف، وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة: فَضَحكت، أَي: حَاضَت. يُقَال: ضحِكت الأرنب، إِذا حَاضَت.
وَأما الضحك الْمَعْرُوف فَاخْتلف القَوْل فِي أَنَّهَا لم ضحِكت؟
فالأكثرون على أَنَّهَا ضحِكت سُرُورًا بِمَا زَالَ من الْخَوْف عَنْهَا وَعَن إِبْرَاهِيم. وَقيل: بِبِشَارَة إِسْحَاق. وعَلى هَذَا القَوْل: الْآيَة على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَامْرَأَته قَائِمَة فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب فَضَحكت.
وَالْقَوْل الثَّالِث: ضحِكت تَعَجبا من غَفلَة قوم لوط، وَقد نزلت الْمَلَائِكَة بعذابهم.
وَقَوله ﴿فبشرناها بِإسْحَاق﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَقَوله ﴿وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب﴾ أَي: من بعد إِسْحَاق يَعْقُوب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الوراء: ولد الْوَلَد.
وَقَوله ﴿يَعْقُوب﴾ قرئَ بقراءتين: " يَعْقُوب " و " يَعْقُوب " بِالرَّفْع وَالنّصب أما الرّفْع مَعْنَاهُ: وَيحدث يَعْقُوب من بعد إِسْحَاق. وَأما النصب فَمَعْنَاه: بشرناها بِإسْحَاق وبشرناها بِيَعْقُوب. وَأنْشد الشَّاعِر فِي الوراء:
(حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة | وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مَذْهَب) |
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أألد وَأَنا عَجُوز﴾ اخْتلفُوا فِي سنّ إِبْرَاهِيم وَسَارة فِي ذَلِك الْوَقْت.
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: كَانَ سنّ إِبْرَاهِيم مائَة وَعشْرين سنة، وَسن سارة تسعين سنة. وَقَالَ بَعضهم: كَانَ سنّ إِبْرَاهِيم مائَة سنة، وَسن سارة تِسْعَة وَتِسْعين سنة. وَقيل غير هَذَا، وَالله أعلم.
قَوْله تَعَالَى ﴿وَهَذَا بعلي﴾ يَعْنِي: هَذَا زَوجي ﴿شَيخا﴾ نصب على الْقطع، وَقيل: على الْحَال.
وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " وَهَذَا بعلي شيخ " على الْخَبَر. قَوْله تَعَالَى ﴿إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب﴾ يَعْنِي: إِن هَذَا لشَيْء مستعجب بِخِلَاف الْعَادة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت﴾ فِيهِ مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: أَن هَذَا على معنى الدُّعَاء من الْمَلَائِكَة.
وَالْآخر: أَنه على معنى الْخَبَر، و ﴿رَحْمَة الله﴾ أَي: نعْمَة الله ﴿وَبَرَكَاته﴾ والبركات: جمع الْبركَة، وَالْبركَة: ثُبُوت الْخَيْر. وَقيل: وَبَرَكَاته: سعاداته.
وَقَوله: ﴿عَلَيْكُم أهل الْبَيْت﴾ هَذَا دَلِيل على أَن الْأزْوَاج يجوز أَن يسمين أهل الْبَيْت.
وَزَعَمت الشِّيعَة فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت﴾ أَن الْأزْوَاج لَا يدخلن فِي هَذَا. وَهَذِه الْآيَة دَلِيل على أَنَّهُنَّ يدخلن فِيهَا.
قَوْله: ﴿إِنَّه حميد مجيد﴾ الحميد: هُوَ الْمَحْمُود فِي أَفعاله، والمجيد: هُوَ الْكَرِيم، وأصل الْمجد هُوَ الرّفْعَة والشرف.
الْجَواب: أَن هَذِه المجادلة كَانَت مَعَ اللائكة لَا مَعَ الرب، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿يجادلنا﴾ على توسع الْكَلَام. وَفِي التَّفْسِير: أَن مجادلته كَانَت أَنه قَالَ للْمَلَائكَة: أَرَأَيْتُم لَو كَانَ فِي مَدَائِن قوم لوط خَمْسُونَ من الْمُؤمنِينَ أتهلكونهم؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُم إِن كَانَ فيهم أَرْبَعُونَ أتهلكونهم؟ قَالُوا: لَا، فَمَا زَالَ ينقص عشرَة عشرَة حَتَّى بلغ خَمْسَة نفر وَكَانَ عِنْد إِبْرَاهِيم أَن امْرَأَة لوط مُؤمنَة. وَكَانَت هِيَ الْخَامِسَة، وَلم يعلم أَنَّهَا كَافِرَة، فَمَا بلغ عدد الْمُؤمنِينَ خَمْسَة ﴿فِي قوم لوط﴾.
قَوْله: ﴿إِنَّه قد جَاءَ أَمر رَبك﴾ أَي: قَضَاء رَبك وَحكم رَبك. وَقَوله: {وَإِنَّهُم
وَفِي الْقِصَّة: أَنهم لقوا لوطا وَهُوَ يحتطب واستضافوه، فَحمل الْحَطب وَتَبعهُ الْمَلَائِكَة، فَمر مَعَهم على جمَاعَة من قومه فغمزوا فِيمَا بَينهم، فَقَالَ لوط لَهُم: إِن قومِي شَرّ خلق الله، ثمَّ إِنَّه مر مَعَهم على قوم آخَرين مِنْهُم، فغمزوا - أَيْضا - فِيمَا بَينهم، فَقَالَ لوط - ثَانِيًا -: إِن قومِي شَرّ خلق الله تَعَالَى، ثمَّ إِنَّه مر مَعَهم على قوم آخَرين، فتغامزوا فِيمَا بَينهم - أَيْضا - فَقَالَ لوط - ثَالِثا -: إِن قومِي شَرّ خلق الله، وَكَانَ الله تَعَالَى قَالَ لجبريل: لَا تهلكهم حَتَّى يشْهد لوط عَلَيْهِم ثَلَاث مَرَّات، فَكَانَ كلما قَالَ لوط هَذَا القَوْل قَالَ جِبْرِيل للْمَلَائكَة الَّذين مَعَه: اشْهَدُوا.
وَقَوله: ﴿سيء بهم﴾ مَعْنَاهُ: سَاءَهُ مجيئهم. وَقَوله: ﴿وضاق بهم ذرعا﴾ يُقَال: ضَاقَ ذرعاً فلَان بِكَذَا إِذا وَقع فِي مَكْرُوه لَا يُطيق الْخَلَاص عَنهُ.
وَمعنى الْآيَة هَاهُنَا: أَنه ضَاقَ ذرعا فِي حفظهم وَمنع القَوْل مِنْهُم.
قَوْله تَعَالَى ﴿وَقَالَ هَذَا يَوْم عصيب﴾ أَي: شَدِيد. قَالَ الشَّاعِر:
(فَإنَّك إِن لم ترض بكر بن وَائِل | يكن لَك يَوْم بالعراق عصيب) |
(يَوْم عصيب يعصب الأبطالا | عصب القوى السّلم الطوالا) |
(عِنْد الصَّباح يحمد الْقَوْم السرى | وتنجلي عني غيابات الْكرَى) |
(ونائحة تنوح بِقطع ليل | على ميت بقارعة الصَّعِيد) |
(وَأَنا الْأَخْضَر من يعرفنِي | أَخْضَر الْجلْدَة من بَيت الْعَرَب) |
(من يساجلني يساجل ماجدا | يمْلَأ الدَّلْو إِلَى عقد الكرب) |
وَقَوله: ﴿منضود﴾ مَعْنَاهُ: يتبع بَعْضهَا بَعْضًا.
وَالْقَوْل الثَّانِي: " مسومة " أَي: عَلَيْهَا أَسمَاء الْقَوْم. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَنه كَانَ عَلَيْهَا شبه الخواتيم.
قَوْله: ﴿عِنْد رَبك﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد﴾ يَعْنِي: من ظالمي أهل مَكَّة بِبَعِيد.
وَقد رُوِيَ فِي بعض الْآثَار: أَن على رَأس كل ظَالِم حجرا مُعَلّقا فِي السَّمَاء ينْتَظر أَمر الله تَعَالَى. وَهَذَا من الغرائب، وَالله أعلم.
وَفِي بعض الْقَصَص: أَنه كَانَ مِنْهُم رجل فِي الْحرم، فَبَقيَ الْحجر مُعَلّقا فِي السَّمَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى خرج الرجل [وأصابه الْحجر]. وَرُوِيَ أَن الْحجر اتبع شرادهم ومسافريهم أَيْن كَانُوا فِي الْبِلَاد حَتَّى هَلَكُوا.
وَأورد بَعضهم أَن الله تَعَالَى أهلك مَدَائِن لوط سوى زعر، فَإِنَّهُ أبقاها للوط وَأَهله.
وَقَوله: ﴿قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره﴾ ظَاهر الْمَعْنى. قَول: ﴿وَلَا تنقصوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان﴾ مَعْنَاهُ: وَلَا تبخسوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان. وَكَانُوا مَعَ شركهم يُطَفِّفُونَ فِي الْمِكْيَال وَالْمِيزَان. وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عمر أَنه كَانَ إِذا مر بِالسوقِ قَالَ: أَيهَا الباعة، أَوْفوا الْكَيْل وأوفوا الْوَزْن، وَقد سَمِعْتُمْ مَا فعل الله بِقوم شُعَيْب.
وَعَن ابْن عَبَّاس قريب من هَذَا.
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَرَاكُم بِخَير﴾ قَالَ مُجَاهِد: أَي: بخصب وسعة.
وَقَوله: ﴿وَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم مُحِيط﴾ أَي: مُحِيط بكم فيهلككم.
وَقيل: تَقْوِيم لِسَان الْمِيزَان. وَقَوله: ﴿وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم﴾ أَي: لَا تنقصوا النَّاس أشياءهم. وَقَوله: ﴿وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين﴾.
قَوْله: ﴿وَمَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ﴾ قيل مَعْنَاهُ: لم أُؤمر بقتالكم. وَقيل: مَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ أَي: بوكيل.
أَحدهمَا: أدينك يَأْمُرك؟، وَالثَّانِي: أقرآنك يَأْمُرك أَن نَتْرُك {مَا يعبد آبَاؤُنَا أَو أَن
وَقَوله: ﴿إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد﴾ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد فِي زعمك؛ قَالُوا ذَلِك استهزاء.
وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: إِنَّك لأَنْت السَّفِيه الأحمق.
وَقَوله: ﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا﴾ مَعْنَاهُ: رزقا حَلَالا. وَفِي الْقِصَّة: أَن شعيبا كَانَ كثير المَال. وَقيل: الرزق الْحسن هَاهُنَا: هُوَ النُّبُوَّة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ﴾ مَعْنَاهُ: مَا أُرِيد أَن آمركُم بِشَيْء وأعمل خِلَافه.
وَقَوله: ﴿إِن أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اسْتَطَعْت﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه﴾ دَلِيل على أَن الطَّاعَة لَا يُؤْتى بهَا إِلَّا بِتَوْفِيق الله، والتوفيق من الله: هُوَ التسهيل والتيسير والمعونة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿عَلَيْهِ توكلت﴾ أَي: عَلَيْهِ اعتمدت.
وَقَوله: ﴿وَإِلَيْهِ أنيب﴾ مَعْنَاهُ: إِلَيْهِ أرجع.
أَحدهمَا: أَن الْوَدُود هُوَ الْمُحب لِعِبَادِهِ.
وَالثَّانِي: أَو الْوَدُود بِمَعْنى المودود أَي: يُحِبهُ الْعباد لفضله وإحسانه.
وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف أَن النَّبِي قَالَ: " أَحبُّوا الله بِمَا يغذوكم بِهِ مِنْهُ نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي ".
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي قَالَ: " كَانَ شُعَيْب خطيب الْأَنْبِيَاء ".
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الضَّعِيف هُوَ الضَّعِيف فِي الْبدن.
وَالثَّالِث: أَنه قَلِيل الأتباع.
وَقَوله: ﴿وَلَوْلَا رهطك لرجمناك﴾ أَي: وَلَوْلَا عشيرتك لرجمناك، وَالرَّجم أقبح القتلات. وَقَوله: ﴿وَمَا أَنْت علينا بعزيز﴾ يَعْنِي: مَا أَنْت عندنَا بعزيز، وَإِنَّمَا نَتْرُكك لمَكَان رهطك.
وَقَوله: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريا﴾ مَعْنَاهُ: وألقيتم أَمر الله تَعَالَى وَرَاء ظهوركم. يُقَال: فلَان جعل كَذَا مِنْهُ ظهريا أَي: أَلْقَاهُ وَرَاء ظَهره.
وَقَوله: ﴿إِن رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيط﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَذكر الْأَزْهَرِي فِي تَقْدِير الْآيَة وَمَعْنَاهَا قَالَ: إِنَّكُم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ تتركون قَتْلِي لكرامة رهطي، فَأولى أَن تكرموا أَمر الله وتتبعوه؛ وَحَقِيقَة الْمَعْنى: هُوَ الْإِنْكَار على من اتَّقى النَّاس وَلم يتق الله. قَالَ: وَقَوله: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريا﴾ تَقول الْعَرَب: فلَان جعل كَذَا بِظهْر إِذا تَركه وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ. قَالَ الشَّاعِر:
(تَمِيم بن قيس لَا تكونن حَاجَتي | بِظهْر فَلَا يعيا على جوابها) |
(فدع عَنْك نهبا صِيحَ فِي حجراته | وَلَكِن حَدِيثا مَا حَدِيث الرَّوَاحِل) |
وَيُقَال: إِن الصَّيْحَة هَاهُنَا صَيْحَة جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - صَاح بهم صَيْحَة وَاحِدَة فماتوا عَن آخِرهم، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿فَأَصْبحُوا فِي دِيَارهمْ جاثمين﴾ أَي: ميتين خامدين، لَا يتحركون.
وَقَوله: ﴿أَلا بعدا لمدين كَمَا بَعدت ثَمُود﴾ مَعْنَاهُ: أَلا خيبة وهلاكا لمدين كَمَا خابت وَهَلَكت ثَمُود.
السُّلْطَان مَأْخُوذ من السليط، وَهُوَ الزَّيْت الَّذِي يستضاء بِهِ.
وَفِي بعض المسانيد: عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله الْخَلَائق فِي صَعِيد وَاحِد، ثمَّ يرفع لكل قوم آلِهَتهم الَّتِي كَانُوا يعبدونها من دون الله، فيوردونهم النَّار، وَيبقى الْمُؤْمِنُونَ، فَيَقُول الله عز وَعلا لَهُم: مَاذَا تنتظرون؟ فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِر رَبًّا كُنَّا نعبده بِالْغَيْبِ، فَيَقُول لَهُم: هَل تعرفونه؟ فَيَقُولُونَ: إِن شَاءَ عرفنَا نَفسه. قَالَ: فيتجلى لَهُم، فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا، فَيَقُول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أهل التَّوْحِيد، ارْفَعُوا رءوسكم؛ فقد أوجبت لكم الْجنَّة، وَجعلت مَكَان كل وَاحِد مِنْكُم يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا ".
وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِن الله بمهل الظَّالِم - أَو يملي الظَّالِم - حَتَّى إِذا أَخذه لم يفلته " ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة﴾ وَالْخَبَر فِي " الصَّحِيحَيْنِ " بِرِوَايَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: مُدَّة الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سنة، لَا يدْرِي أحدكُم مَا مضى مِنْهَا وَكم بَقِي.
الْجَواب: قد ذكرنَا أَن فِي الْقِيَامَة مَوَاقِف؛ فَفِي موقف يَتَكَلَّمُونَ ويتساءلون، وَفِي مَوضِع يسكتون وَلَا يَتَكَلَّمُونَ، وَفِي موقف يخْتم على أَفْوَاههم وتتكلم جوارحهم، وَقيل غير هَذَا، وَقد بَينا.
وَقَوله: ﴿فَمنهمْ شقي وَسَعِيد﴾ الشقاوة: قُوَّة أَسبَاب الْبلَاء، والسعادة: قُوَّة أَسبَاب النِّعْمَة. وَمعنى الْآيَة هَاهُنَا عِنْد أهل السّنة: فَمنهمْ شقي سبقت لَهُ الشقاوة، وَمِنْهُم سعيد سبقت لَهُ السَّعَادَة.
وَفِي الْأَخْبَار المسندة: أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لما حَضرته الْوَفَاة أُغمي عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: أَتَانِي ملكان فظان غليظان وجراني وَقَالا: تعال نحاكمك إِلَى الْعَزِيز الْأمين، قَالَ: فلقيهما ملك وَقَالَ: أَيْن تريدان بِهِ؟ قَالَا: نحاكمه إِلَى الْعَزِيز الْأمين، فَقَالَ لَهما: خليا عَنهُ، فَإِنَّهُ مِمَّن سبقت لَهُ السَّعَادَة فِي الذّكر الأول.
وَقد صَحَّ عَن النَّبِي أَنه قَالَ فِي خبر ملك الْأَرْحَام: " إِنَّه إِذا كتب أَجله وَعَمله ورزقه يَقُول: يَا رب، أشقي أم سعيد؟ فَيَقُول الله تَعَالَى، وَيكْتب الْملك ". خرجه مُسلم.
وروى ابْن عمر عَن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - " أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمنهمْ شقي وَسَعِيد﴾ قَالَ عمر: يَا رَسُول الله: فيمَ الْعَمَل؟ أنعمل فِي أَمر قد فرغ مِنْهُ وَجَرت بِهِ الأقلام، أَو فِي أَمر لم يفرغ مِنْهُ؟ فَقَالَ: بل فِي أَمر قد فرغ مِنْهُ وَجَرت بِهِ الأقلام يَا عمر، وَلَكِن كل ميسر لما خلق لَهُ ". أوردهُ أَبُو عِيسَى فِي جَامعه.
وَقَالَ بَعضهم: إِن السَّعَادَة والشقاوة هَاهُنَا فِي الرزق والحرمان. وَقَالَ بَعضهم: الشقاوة: بِالْعَمَلِ السيء، والسعادة: بِالْعَمَلِ الْحسن. والمأثور الصَّحِيح هُوَ الأول.
أما الزَّفِير: قيل: إِنَّه صَوت فِي الْحلق، والشهيق: صَوت فِي الْجوف. وَيُقَال: إِن الزَّفِير: أول نهاق الْحمير، والشهيق: آخر نهاق الْحمير.
وَفِي الْبَاب أَخْبَار كَثِيرَة.
فعلى هَذَا القَوْل معنى الْآيَة: فَأَما الَّذين شَقوا: هَؤُلَاءِ الَّذين أدخلهم النَّار ﴿لَهُم فِيهَا زفير وشهيق﴾ ظَاهر الْمَعْنى ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِيهَا ﴿مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ عبر بِهَذَا عَن طول الْمكْث.
وَقَوله: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبك إِن رَبك فعال لما يُرِيد﴾ الِاسْتِثْنَاء وَقع على مَا بعد الْإِخْرَاج من النَّار بشفاعة الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ.
وَفِي الْآيَة قَولَانِ آخرَانِ معروفان سوى هَذَا عِنْد أهل الْمعَانِي:
أَحدهمَا: أَن معنى قَوْله: ﴿خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ هُوَ على ظَاهره، أَي: مُدَّة بَقَاء السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَقَوله: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبك﴾ مَعْنَاهُ: سوى مَا شَاءَ رَبك من الزِّيَادَة على مُدَّة بقائهما. وَحكى الْفراء عَن الْعَرَب أَنهم يَقُولُونَ: لَك عَليّ ألف إِلَّا الْأَلفَيْنِ يَعْنِي: سوى الْأَلفَيْنِ الَّذين تقدما.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى قَوْله: ﴿خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ أَي: مَا دَامَ سموات الْجنَّة وأرضها. وَقَوله: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبك﴾ الِاسْتِثْنَاء وَاقِف على زمَان الْوُقُوف فِي الْقِيَامَة وَمُدَّة الْمكْث فِي الْقَبْر.
وَقيل فِي الِاسْتِثْنَاء قَول ثَالِث وَهُوَ: أَنه قَالَ: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبك﴾ مَعْنَاهُ: وَلَو شَاءَ لقطع التخليد عَلَيْهِم، وَلَكِن لَا يَشَاء، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا [يكون] لنا ان نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين، وَلَكِن لَا يَشَاء الله. وَقَوله: {إِن رَبك فعال لما يرد﴾ يَعْنِي: لَا يمْتَنع عَلَيْهِ شَيْء، وَقَالَ فِي الْآيَة الثَّانِيَة: ﴿عَطاء غير مجذوذ﴾ غير مَقْطُوع.
وَفِي بعض التفاسير عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: يَأْتِي على جَهَنَّم زمَان لَا يبْقى فِيهَا أحد. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَرِيبا من هَذَا.
وَمعنى هَذَا عِنْد أهل السّنة - إِن ثَبت - أَن المُرَاد مِنْهُ الْموضع الَّذِي فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ من النَّار، ثمَّ يخرجُون عَنهُ فَلَا يبْقى فِيهَا أحد، وَأما مَوَاضِع الْكفَّار فَهِيَ ممتلئة بهم أَبَد الْأَبَد على مَا نطق بِهِ الْكتاب وَالسّنة، نَعُوذ بِاللَّه من النَّار.
((وَوجه) حسن النَّحْر... كَأَن ثدييه حقان)
مَعْنَاهُ: كَأَن ثدييه حقان.
وَقَوله: ﴿لما﴾ بِالتَّخْفِيفِ قيل: " لما " بِمَعْنى " لمن "، وَيُقَال: إِن اللَّام للقسم، كَأَن الله تَعَالَى قَالَ: وَإِن كلا لمن الله ليوفينهم رَبك أَعْمَالهم. وَأما قَوْله: " لما " بِالتَّشْدِيدِ قيل: معنى " لما " بِالتَّشْدِيدِ هُوَ مَعْنَاهَا بِالتَّخْفِيفِ. ذكره الْمَازِني.
وَقَالَ الْأَزْهَرِي: أصح الْمعَانِي أَن " لما " بِمَعْنى " إِلَّا " أَي: وَإِلَّا ليوفينهم رَبك أَعْمَالهم ﴿إِنَّه بِمَا يعْملُونَ خَبِير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف: أَن النَّبِي قَالَ: " اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا، وَلنْ يحافظ على الْوضُوء إِلَّا مُؤمن ". وَعَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: الاسْتقَامَة: أَن تستقيم على الْأَمر وَالنَّهْي، وَلَا تروغ روغان الثعالب. وَهَذَا أثر مَشْهُور.
وَقد رُوِيَ غير هَذَا فِي الاسْتقَامَة، يذكر فِي موضعهَا.
وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف أَيْضا: أَن النَّبِي قَالَ: " شيبتني هود " وَفِيه مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: قَالَ هَذَا لِكَثْرَة مَا ذكر الله تَعَالَى فِي هَذِه السُّورَة من إهلاك الْقُرُون الْمَاضِيَة (و) الْأُمَم السالفة.
وَالْمعْنَى الثَّانِي: أَنه قَالَ؛ لقَوْله تَعَالَى ﴿فاستقم كَمَا أمرت﴾.
وَقَوله: ﴿وَمن تَابَ مَعَك﴾ مَعْنَاهُ: وَمن أسلم مَعَك. وَقَوله: ﴿وَلَا تطغوا﴾ فِيهِ مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: وَلَا تطغوا فِي الاسْتقَامَة يَعْنِي: لَا تَزِيدُوا على مَا أمرت ونهيت، فتحرموا مَا أحل الله، وتكلفوا أَنفسكُم مَا لم يشرعه الله وَلم يَفْعَله الرَّسُول وَأَصْحَابه.
وَالْمعْنَى الثَّانِي: الطغيان هُوَ البطر لزِيَادَة النِّعْمَة. وَقيل: الطغيان وَالْبَغي بِمَعْنى وَاحِد.
﴿إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَمَا لكم من دون الله من أَوْلِيَاء ثمَّ لَا تنْصرُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَالَ مُجَاهِد: طرفِي النَّهَار: الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر، وَزلفًا من اللَّيْل: الْمغرب وَالْعشَاء.
وعَلى هَذَا القَوْل: الْآيَة جَامِعَة للصلوات الْخمس. وَعَن بَعضهم: طرفا النَّهَار: الصُّبْح وَالْمغْرب، وَزلفًا من اللَّيْل: الْعَتَمَة.
وَمعنى قَوْله: ﴿زلفا من اللَّيْل﴾ سَاعَات اللَّيْل. وَقيل: سَاعَة من اللَّيْل. وَقَرَأَ مُجَاهِد: " وزلفى من اللَّيْل " وَقَرَأَ ابْن مُحَيْصِن: " وَزلفًا من اللَّيْل ". وَالْمَعْرُوف: زلفا من اللَّيْل. قَالَ الشَّاعِر:
(طي اللَّيَالِي زلفا فزلفا | سماوة الْهلَال حَتَّى احقوقفا) |