ﰡ
﴿ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أحكمت آياته بالأمر والنهي ثم فصلت بالثواب والعقاب، قاله الحسن.
الثاني : أحكمت آياته من الباطل ثم فصلت بالحلال والحرام والطاعة والمعصية، وهذا قول قتادة.
الثالث : أحكمت آياته بأن جعلت آيات هذه السورة كلها محكمة ثم فصلت بأن فسرت، وهذا معنى قول مجاهد.
الرابع : أحكمت آياته للمعتبرين، وفصلت آياته للمتقين. الخامس : أحكمت آياته في القلوب، وفصلت أحكامه على الأبدان.
﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من عند حكيم في أفعاله، خبير بمصالح عباده.
الثاني : حكيم بما أنزل، خبير بمن يتقبل.
قوله تعالى ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن كتبت في الكتاب ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾
الثاني : أنه أمر رسوله أن يقول للناس ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾.
﴿ إنَّنِي لَكُم مِّنُهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ قال ابن عباس : نذير من النار، وبشير بالجنة.
قوله تعالى :﴿ وَأَنِ اسْتَغفْفِرُواْ رَبَّكمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : استغفروه من سالف ذنوبكم ثم توبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم. قال بعض العلماء : الإٍستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. الثاني : أنه قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب والتوبة هي السبب إليها، فالمغفرة أولٌ في الطلب وآخر في السبب.
ويحتمل ثالثاً : أن المعنى استغفروه من الصغائر وتوبوا إليه من الكبائر ﴿ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً ﴾ يعني في الدنيا وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه طيب النفس وسعة الرزق.
الثاني : أنه الرضا بالميسور، والصبر على المقدور.
الثالث : أنه ترْك الخلق والإقبال على الحق، قاله سهل بن عبد الله ويحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الحلال الكافي.
الثاني : أنه الذي لا كد فيه ولا طلب.
الثالث : أنه المقترن بالصحة والعافية.
﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : إلى يوم الموت، قاله الحسن. الثالث : إلى وقت لا يعلمه إلا الله تعالى، قاله ابن عباس.
﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يهديه إلىلعمل الصالح، قاله ابن عباس.
الثاني : يجازيه عليه في الآخرة، على قول قتادة. ويجوز أن يجازيه عليه في الدنيا، على قول مجاهد.
﴿ وَإن تَوَلَّوْا ﴾ يعني عما أُمرتم له.
﴿ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ وفيه إضمار وتقدير : فقل لهم إني أخاف عليكم عذاب يوم كبير يعني يوم القيامة وصفه بذلك لكبر الأمور التي هي فيه.
أحدها : يثنون صدورهم على الكفر ليستخفوا من الله تعالى، قاله مجاهد. الثاني : يثنونها على عداوة النبي ﷺ ليخفوها عنه، قاله الفراء والزجاج.
الثالث : يثنونها على ما أضمروه من حديث النفس ليخفوه عن الناس، قاله الحسن. الرابع : أن المنافقين كانوا إذا مرّوا بالنبي ﷺ غطوا رؤوسهم وثنوا صدورهم ليستخفوا منه فلا يعرفهم، قاله أبو رزين.
الخامس : أن رجلاً قال إذا أغلقت بابي وضربت ستري وتغشيت ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي؟ فأعلمهم الله تعالى أنه يعلم ما يسرون وما يعلنون.
﴿ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمُ ﴾ يعني يلبسون ثيابهم ويتغطون بها، ومنه قول الخنساء :
أرعى النجوم وما كُلّفتُ رعيتها | وتارةً أتغشّى فضل أطماري |
أحدها : الليل يقصدون فيه إخفاء أسرارهم فيما يثنون صدورهم عليه. والله تعالى لا يخفى عليه ما يسرونه في الليل ولا ما يخفونه في صدروهم، فكنى عن الليل باستغشاء ثيابهم لأنهم يتغطون بظلمته كما يتغطون إذا استغشوا ثيابهم.
الثاني : أن قوماً من الكفار كانوا لشدة بغضتهم لرسول الله ﷺ يستغشون ثيابهم يغطون بها وجوههم ويصمون بها آذنهم حتى لا يروا شخصه ولا يسمعوا كلامه، وهو معنى قول قتادة.
الثالث : أن قوماً من المنافقين كانوا يظهرون لرسول الله ﷺ بألسنتهم أنهم على طاعته ومحبته، وتشتمل قلوبهم على بغضه ومعصيته، فجعل ما تشتمل عليه قلوبهم كالمستغشي بثيابه.
الرابع : أن قوماً من المسلمين كانوا يتنسكون بستر أبدانهم ولا يكشفونها تحت السماء، فبين الله تعالى أن المنسك ما اشتملت قلوبهم عليه من معتقد وما أظهروه من قول وعمل.
ثم بيَّن ذلك فقال :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ما يسرون في قلوبهم وما يعلنون بأفواههم.
الثاني : ما يسرون من الإيمان وما يعلنون من العبادات.
الثالث : ما يسرون من عمل الليل وما يعلنون من عمل النهار، قاله ابن عباس.
﴿ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ قيل بأسرار الصدور. قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق الثقفي.
أحدها : مستقرها حيث تأوي، ومستودعها حيث تموت.
الثاني : مستقرها في الرحم، ومستودعها في الصلب، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : مستقرها في الدنيا، ومستودعها في الآخرة.
ويحتمل رابعاً : أن مستقرها في الآخرة من جنة أو نار، ومستودعها في القلب من كفر أو إيمان.
أحدها : يعني أيكم أتم عقلاً، قاله قتادة.
الثاني : أيكم أزهد في الدنيا، وهو قول سفيان.
الثالث : أيكم أكثر شكراً، قاله الضحاك.
الرابع : ما روى كليب بن وائل عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال :« أَيُكُم أَحْسَنُ عَمَلاً » أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلاً وَأَوْرَعُ عَن مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَسَرَعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ «. قوله تعالى :﴿ ولئن أخْرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني إلى فناء أمة معلومة، ذكره علي بن عيسى.
الثاني : إلى أجل معدود، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين. وتكون الأمة عبارة عن المدة، واصلها الجماعة فعبر بها عن المدة لحلولها في مدة.
﴿ ليقولن ما يحبسه ﴾ يعني العذاب. وفي قولهم ذلك وجهان :
أحدهما : أنهم قالوا ذلك تكذيباً للعذاب لتأخره عنهم.
الثاني : أنهم قالوا ذلك استعجالاً للعذاب واستهزاء، بمعنى ما الذي حبسه عنا؟
أحدها : أنه القرآن، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثاني : محمد ﷺ، قاله مجاهد وعكرمة وأبو العالية وأبو صالح وقتادة والسري والضحاك.
الثالث : الحجج الدالة على توحيد الله تعالى ووجوب طاعته، قاله ابن بحر.
وذكر بعض المتصوفة قولاً رابعاً : أن البينة هي الإشراف على القلوب والحكمة على الغيوب.
﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه لسانه يشهد له بتلاوة القرآن، قاله الحسن وقتادة، ومنه قول الأعشى :
فلا تحبسنّي كافراً لك نعمةً | على شاهدي يا شاهد الله فاشهد. |
الثالث : أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس والنخعي وعكرمة والضحاك.
الرابع : أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، روى المنهال عن عباد بن عبد الله قال : قال عليّ : ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية، قيل له : فما نزل فيك؟ قال ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنُهُ ﴾
الخامس : أنه ملك يحفظه، قاله مجاهد وأبو العالية.
ويحتمل قولاً سادساً : ويتلوه شاهد من نفسه بمعرفة حججه ودلائله وهو عقله ووحدته، قال ابن بحر.
﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة، قاله ابن زيد.
الثاني : ومن قبل محمد كتاب موسى، قاله مجاهد.
﴿ إِمَاماً وَرَحْمَةًً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما يعني متقدماً علينا ورحمة لهم.
الثاني : إماماً للمؤمنين لاقتدائهم بما فيه ورحمة لهم.
﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ يعني من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه.
﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل الأديان كلها لأنهم يتحزبون : قاله سعيد بن جبير.
الثاني : هم المتخزبون على رسول الله ﷺ المجتمعون على محاربته.
وفي المراد بهم ثلاثة أوجه : أحدها : قريش، قال السدي.
الثاني : اليهود والنصارى، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : أهل الملل كلها. ﴿ فَالْنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ أي أنها مصيره، قال حسان بن ثابت :
أوردتموها حياض الموت ضاحيةً | فالنار موعِدُها والموت لاقيها |
أحدهما : في مرية من القرآن قاله مقاتل.
الثاني : في مرية من أن النار موعد الكفار، قاله الكلبي، وهذا خطاب للنبي ﷺ والمراد به جميع المكلفين.
﴿ أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ وهو حشرهم إلى موقف الحساب كعرض الأمير لجيشه، إلا أن الأمير يعرضهم ليراهم وهذا لا يجوز على الله تعلى لرؤيته لهم قبل الحشر.
﴿ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هؤلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ والأشهاد جمع، وفيما هو جمع له وجهان :
أحدهما : أنه جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب.
والثاني : جمع شهيد مثل شريف وأشراف.
وفي الأشهاد أربعة أقاويل :
احدها : أنه الأنبياء، قاله الضحاك.
الثاني : أنهم الملائكة، قاله مجاهد.
الثالث : الخلائق، قاله قتادة.
الرابع : أن الأشهاد أربعة : الملائكة والأنبياء والمؤمنون والأجساد، قاله زيد بن أسلم.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَصُّدُونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يعني قريشاً.
وفي سبيل الله التي صدوا عنها وجهان :
أحدهما : أنه محمد ﷺ صدت قريش عنه الناس، قاله السدي.
والثاني : دين الله تعالى، قاله ابن عباس.
﴿ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني يؤمنون بملة غير الإسلام ديناً، قاله أبو مالك.
الثاني : يبغون محمداً هلاكاً، قاله السدي.
الثالث : أن يتأولوا القرآن تاويلاً باطلاً، قاله عليّ بن عيسى.
قوله تعالى :﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن معنى لا جرم : لا بد.
الثاني : أن ﴿ لا ﴾ عائد على الكفار، أي لا دافع لعذابهم، ثم استأنف فقال : جرم، أي كسب بكفره استحقاق النار، ويكون معنى جرم : كسب، أي بما كسبت يداه، قال الشاعر :
نَصَبنا رأسه في جذع نخل | بما جَرَمت يداه وما اعتدينا |
الثالث : أن ﴿ لا ﴾ زائدة دخلت توكيداً، يعني حقاً إنهم في الآخرة هم الأخسرون. قال الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة | جرمت فزارُة بعدها أن يغضبوا. |
أحدها : يعني خافوا ربهم، قاله ابن عباس.
الثاني : يعني اطمأنوا، قاله مجاهد.
الثالث : أنابوا، قاله قتادة.
الرابع : خشعوا وتواضعوا لربهم، رواه معمر.
الخامس : أخلصوا إلى ربهم، قاله مقاتل.
احدها : إنك تعمل بأول الرأي من غير فكر، قاله الزجاج.
الثاني : أن ما في نفسك من الرأي ظاهر، تعجيزاً له، قال ابن شجرة. الثالث : يعني ان أراذلنا اتبعوك بأقل الرأي وهم إذا فكروا رجعوا عن اتباعك، حكاه ابن الأنباري.
﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنا مِن فَضْلٍ ﴾ يحتمل وجهين.
أحدهما : من فضل تفضلون به علينا من دنياكم. والثاني : من فضل تفضلون به علينا في أنفسكم.
أحدهما : يعني على ثقة من ربي، قاله أبو عمران الجوني.
الثاني : على حجة من ربي، قاله عليّ بن عيسى.
﴿ وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْدِهِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : الإيمان.
والثاني : النبوة، قاله ابن عباس.
﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ يعني البينة في قوله ﴿ إنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةِ مِن رَبِّي ﴾ وإنما قال ﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ وهم الذين عموا عنها، لأنها خفيت عليهم بترك النظر فأعماهم الله عنها.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص ﴿ فعميت عليكم ﴾ بضم العين وتشديد الميم، وفي قراءة أُبي ﴿ فعمّاها ﴾ وهي موافقة لقراءة من قرأ بالضم على ما لم يسم فاعله.
وفي الذي عماها على هاتين القراءتين وجهان :
أحدهما : أن الله تعالى عماها عليهم.
الثاني : بوسوسة الشيطان. وما زينه لهم من الباطل حتى انصرفوا عن الحق. وإنما قصد نبي الله نوح بهذا القول لقومه أن يرد عيهم قولهم ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ ليظهر فضله عليهم بأنه على بينة من ربه وآتاه رحمة من عنده وهم قد سلبوا ذلك، فأي فضل أعظم منه.
ثم قال تعالى :﴿ أَنُلْزِمْكَمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ فيها وجهان : أنلزمكم الرحمة، قاله مقاتل.
الثاني : أنلزمكم البينة وأنتم لها كارهون، وقبولكم لها لا يصح مع الكراهة عليها.
قال قتادة والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك.
﴿ إِنَّهُم مُّلاَقُوْا رَبِّهِم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون قال ذلك على وجه الإعظام لهم بلقاء الله تعالى.
الثاني : على وجه الاختصام، بأني لو فعلت ذلك لخاصموني عند الله. ﴿ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تجهلون في استرذالكم لهم وسؤالكم طردهم.
الثاني : تجلون في أنهم خير منكم لإيمانهم وكفركم.
أحدهما : أن يكون جواباً لقومه على قولهم ﴿ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا ﴾
الثاني : أن يكون جواباً لهم على قولهم ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ فقال الله تعالى له قل :﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِن اللَّهِ ﴾ وفيها وجهان :
أحدهما : أنها الرحمة أي ليس بيدي الرحمة فأسوقها إليكم، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها الأموال، أي ليس بيدي أموال فأعطيكم منها على إيمانكم. ﴿ وَلاَ أعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ فأخبركم بما في انفسكم. ﴿ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ يعني فأباين جنسكم. ﴿ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً ﴾ والازدراء الإحتقار. يقال ازدريت عليه إذاعبته، وزريت عليه إذا حقرته.
وأنشد المبرد :
يباعده الصديق وتزدريه | حليلته وينهره الصغير. |
﴿ اللَّهَ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ يعني أنه يجازيهم عليه ويؤاخذهم به. ﴿ إِني إذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ يعني إن قلت هذا الذي تقدم ذكره.
﴿ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَليَّ إجرامي ﴾ وفي الإجرام وجهان :
أحدهما : أنه الذنوب المكتسبة. حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنها الجنايات المقصودة، قاله ابن عباس ومنه قول الشاعر :
طريد عشيرةٍ ورهين جرم | بما جرمت يدي وجنى لساني. |
﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فلا تأسف ومنه قول يزيد بن عبد المدان :
فارسُ الخيل إذا ما ولولت | ربّهُ الخِدر بصوتٍ مبتئس |
وكم من خليلٍ او حميم رُزئته | فلم أبتئس والرزءُ فيه جَليلُ |
أحدهما : فلا تحزن لهلاكهم.
الثاني : فلا تحزن لكفرهم المفضي إلى هلاكهم.
قوله تعالى :﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : بحيث نراك، فعبر عن الرؤية بالأعين لأن بها تكون الرؤية.
الثاني : بحفظنا إياك حفظ من يراك.
الثالث : بأعين أوليائنا من الملائكة.
ويحتمل وجهاً رابعاً : بمعونتنا لك على صنعها. ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وأمرنا لك أن تصنعها.
الثاني : تعليمنا لك كيف تصنعها.
﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظلَمُواْ إِنَّهُمْ مُغْرَقونَ ﴾ نهاه الله عن المراجعة فيهم فاحتمل نهيه أمرين :
أحدهما : ليصرفه عن سؤال ما لا يجاب إليه.
الثاني : ليصرف عنه مأثم الممالأة للطغاة.
قوله تعالى :﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ﴾ قال زيد بن أسلم : مكث نوح عليه السلام مائة سنة يغرس الشجر ويقطعها وييبسها، ومائة سنة يعملها، واختلف في طولها على ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما قاله الحسن كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت مطبقة.
الثاني : ما قاله ابن عباس : كان طولها أربعمائة ذراع، وعلوها ثلاثون ذراعاً. وقال خصيف : كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعاً، وكان في أعلاها الطير، وفي وسطها الناس وفي أسفلها السباع. ودفعت من عين وردة في يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ورست بباقردي على الجودي يوم عاشوراء. قال قتادة وكان بابها في عرضها.
﴿ وكلّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِّنْ قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ﴾ وفي سخريتهم منه قولان :
أحدهما : أنهم كانوا يرونه يبني في البر سفينة فيسخرون منه ويستهزئون به ويقولون : يا نوح صرت بعد النبوة نجاراً.
الثاني : أنهم لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا يا نوح : ما تصنع؟ قال : أبني بيتاً يمشي علىلماء فعجبوا من قوله وسخروا منه.
﴿ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إن تسخروا من قولنا فسنسخر من غفلتكم.
الثاني : إن تسخروا من فِعلنا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق.
والمراد بالسخرية ها هنا الاستجهال. ومعناه إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم.
قال ابن عباس : ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر فلذلك سخروا منه. قال : ومياه البحار بقية الطوفان.
فإن قيل : فلم جاز أن يقول فإنا نسخر منكم مع قبح السخرية؟ قيل : لأنه ذمٌّ جعله مجازاة على السخرية فجاء به على مزاوجة الكلام، وكان الزجاج لأجل هذا الاعتراض يتأوله على معنى إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلوننا.
أحدها : وجه الأرض، والعرب تسمي وجه الأرض تَنُّوراً، قاله ابن عباس وقيل لنوح عليه السلام : إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك.
الثاني : أن التنور العين التي بالجزيرة « عين وردة »، رواه عكرمة. الثالث : أنه مسجد بالكوفة من قبل أبواب كندة، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الرابع : أن التنور ما زاد على وجه الأرض فأشرف منها، قاله قتادة.
الخامس : أنه التنور الذي يخبز فيه، قيل له : إذا رأيت الماء يفور منه فاركب أنت ومن معك، قاله مجاهد.
قال الحسن : كان تنوراً من حجارة وكان لحواء ثم صار لنوح، وقال مقاتل : فارَ من أقصى دار نوح بعين وردة من أرض الشام، قال أمية بن الصلت :
فار تنورهم وجاش بماءٍ | صار فوق الجبال حتى علاها |
﴿ قُلْنَا احِملْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجِيْن اثْنَينِ ﴾ يعني من الآدميين والبهائم ذكراً وأنثى.
﴿ وَأهْلَكَ ﴾ أي احمل أهلك.
﴿ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ من الله تعالى أنه يهلكهم وهو ابنه كنعان وامرأته كانا كافرين : قاله الضحاك وابن جريج.
﴿ وَمَن آمَنَ ﴾ أي احمل من آمن.
﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيْلٌ ﴾ واختلف في عددهم على ثلاثة أقاويل : أحدها : ثمانون رجلاً منهم جرهم، قاله ابن عباس. الثاني : ثمانين، قاله ابن جريج.
الثالث : سبعة، قاله الأعمش ومطر، وكان فيهم ثلاثة بنين : سام وحام ويافث، وثلاث بنات له ونوح معهم فصاروا سبعة.
وعلى القول الثاني : كانت فيهم امرأة نوح فصاروا ثمانية. قال محمد بن عباد بن جعفر : فأصاب حام امرأته في السفينة، فدعا نوح أن يغير الله نطفته فجاء السودان.
وقوله ﴿ بسم الله مجريها ﴾ أي مسيرها، ﴿ ومُرساها ﴾ أي مثبتها، فكان إذا أراد السير قال : بسم الله مجريها، فتجري، وإذا أراد الوقوف قال : بسم الله مرساها. فتثبت واقفة.
قوله تعالى :﴿ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ﴾ قال ذلك لبقائه على كفره تكذيباً لأبيه، وقيل إن الجبل الذي أوى إليه طور زيتا.
﴿ قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا من رحم الله وهم أهل السفينة.
الثاني : إلا من رحم نوح فحمله في سفينته وقوله ﴿ لا عاصم ﴾ يعني لا معصوم. ﴿ من أمر الله ﴾ يعني الغرق.
﴿ ويا سماء أقلعي ﴾ أي لا تمطري، من قولهم أقلع عن الشيء إذا تركه.
﴿ وغيض الماء ﴾ أي نقص حتى ذهبت زيادته عن الأرض. ﴿ وَقضي الأمر ﴾ يعني بهلاك من غرق من قوم نوح.
﴿ وَاستوت ﴾ يعني السفينة.
﴿ على الجودي ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه جبل بالموصل، قاله الضحاك.
الثاني : أنه جبل بالجزيرة، قاله مجاهد. قال قتادة. هو بباقردى من أرض الجزيرة.
الثالث : أن الجودي اسم لكل جبل، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل.
سبحانه ثم سُبحاناً يعود له | وقبلنا سبح الجوديُّ والجمد |
وقفنا فقلنا إيه سِلْم فسَلّمَتْ | كما اكتلَّ بالبرْقِ الغمامُ اللوائحُ |
أحدهما : أنه الحار، حكاه أبان بن تغلب عن علقمة النحوي.
الثاني : هو المشوي نضيجاً وهو المحنوذ مثل طبيخ ومطبوخ وفيه قولان :
أحدهما : هو الذي حُفر له في الأرض ثم غُمَّ فيها، قال الشاعر :
اذا ما اعتبطنا اللحم للطالب القِرى | حنذناه حتى عَين اللحم آكله |
لهم راحٌ وكافور ومسكٌ | وعِقر الوحش شائله حنوذ |
أحدهما : أن معناهما مخلتف، فنكرهم إذا لم يعرفهم ونكرهم إذا وجدهم على منكر.
الثاني : أنهما بمعنى واحد، قال الأعشى :
وأنكَرَتْني وما كان الذي نكرت | من الحوادث إلا الشيب والصّلَعا |
أحدهما : أنهم لم يطعموا، ومن شأن العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ظنوا به سوءاً وخافوا منه شراً، فنكرهم إبراهيم لذلك، قاله قتادة. والثاني : لأنه لم تكن لهم أيدي فنكرهم، قاله يزيد بن أبي حبيب. وامتنعوا من طعامه لأنهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون.
﴿ وَأَْوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أضمر في نفسه خوفاً منهم.
جاء البريد بقرطاس يُخَبُّ به | فأوجس القلبُ من قرطاسه جزعا |
أحدهما : ليزول خوفه منهم.
والثاني : لأن إبراهيم قد كان يأتي قوم لوط فيقول : ويحكم أينهاكم عن الله أن تتعرضوا لعقوبته فلا يطيعونه. ﴿ وَامْرأَتُهُ قَائِمَتٌ فَضَحِكَتْ ﴾ وفي قيامها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها كانت قائمة من وراء الستر تسمع كلامهم، قاله وهب.
الثاني : أنها كانت قائمة تخدمهم، قاله مجاهد.
الثالث : أنها كانت قائمة تُصَلّي، قاله محمد بن إسحاق. ﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني حاضت، قاله مجاهد والعرب تقول ضحكت المرأة إذا حاضت، والضحك الحيض في كلامهم، قال الشاعر :
وضحك الأرانب فوق الصفا | كمثل دم الخوف يوم اللّقا |
فجاء بمزجٍ لم ير الناس مثله | هو الضحك إلاّ انه عمل النحل |
فإن حمل تأويله على الحيض ففي سبب حيضها وجهان : أحدهما : أنه وافق وقت عاتها فخافت ظهور دمها وأرادت شداده فتحيرت مع حضور الرسل.
والقول الثاني : ذعرت وخافت فتعجل حيضها قبل وقته، وقد تتغير عادة الحيض باختلاف الأحوال وتغير الطباع.
ويحتمل قولاً ثالثاً : أن يكون الحيض بشيراً بالولادة لأن من لم تحض لا تلد.
وإن حمل تأويله على التعجب ففيما تعجب منه أربعة أقاويل :
أحدها : أنها تعجبت من أنها وزوجها يخدمان الأضياف تكرمة لهم وهم لا يأكلون، قاله السدي.
الثاني : تعجبت من أن قوم لوط قد أتاهم العذاب وهم غافلون، قاله قتادة.
الثالث : أنها عجبت من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها، قاله وهب بن منبه.
الرابع : أنها تعجبت من إحياء العجل الحنيذ لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار، قاله عون بن أبي شداد.
وإن حمل تأويله على ضحك الوجه ففيما ضحكت منه أربعة أقاويل :
أحدها : ضحكت سروراً بالسلامة.
الثاني : سروراً بالولد. الثالث : لما رأت ما بزوجها من الورع، قاله الكلبي.
الرابع : أنها ضحكت ظناً بأن الرسل يعملون عمل قوم لوط، قاله محمد بن عيسى.
﴿ فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ وفي ﴿ وراء ﴾ ها هنا قولان :
أحدهما : أن الوراء ولد الولد، قاله ابن عباس والشعبي.
الثاني : أنه بمعنى بعد، قاله مقاتل، وقال النابغة الذبياني :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة | وليس وراءَ اللهِ للمرء مذهبُ |
أحدها : أنها لما اختصت بالضحك خصت بالبشرى.
الثاني : أنهم كافأُوها بالبشرى مقابلة على استعظام خدمتها.
الثالث : لأن النساء في البشرى بالولد أعظم سروراً وأكثر فرحاً.
قال ابن عباس : سمي إسحاق لأن سارة سحقت بالضحك حين بشرت به.
قوله تعالى :﴿ قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوزٌ وهذا بَعْلي شيخا ﴾ لم تقصد بقولها يا ويلتا الدعاء على نفسها بالويل ولكنها كلمة تخفُّ على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه، وعجبت من ولادتها وهي عجوز وكون بعلها شيخاً لخروجه عن العادة، وما خرج عن العادة مستغرب ومستنكر.
واختلف في سنها وسن إبراهيم حينئذ، فقال مجاهد : كان لسارة تسع وتسعون سنة وكان لإبراهيم مائة سنة.
وقال محمد بن إسحاق : كانت سارة بنت تسعين سنة وكان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة.
وقال قتادة : كان كل واحد منهما ابن تسعين سنة. وقيل انها عرّضت بقولها ﴿ وهذا بعلي شيخاً ﴾ عن ترك غشيانه لها، والبعل هو الزوج في هذا الموضع، ومنه قوله تعالى ﴿ وبعولتهن أحق بردّهن في ذلك ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ].
والبعل : المعبود، ومنه قوله تعالى ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ [ الصافات : ١٢٥ ] أي اليها معبوداً.
والبعل السيد، ومنه قول لبيد.
حاسري الديباج عن أذرعهم | عند بعل حازم الرأي بَطل |
﴿ إن هذا لشيء عجيب ﴾ أي منكر، ومنه قوله تعالى ﴿ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ﴾ [ ق : ٢ ] أي أنكروا. ولم يكن ذلك منها تكذيباً ولكن استغراباً له.
﴿ وجاءتْهُ البشرى ﴾ أي بإسحاق ويعقوب.
﴿ يجادلنا في قوم لوط ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه جادل الملائكة بقوله ﴿ إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينة وأهله ﴾ [ العنكبوت : ٣٢ ] قاله الحسن.
الثاني : أنه سألهم أتعذبونهم إن كان فيها خمسون من المؤمنين؟ قالوا لا، قال : فإن كان فيها أربعون؟ قالوا : لا، إلى أن أنزلهم إلى عشرة، فقالوا : لا، قاله قتادة. الثالث : أنه سألهم عن عذابهم هل هو عذاب الاستئصال فيقع بهم لا محالة على سبيل التخويف ليؤمنوا، فكان هذا هو جداله لهم وإن كان سؤالاً لأنه خرج مخرج الكشف عن أمر غامض.
قال أبو مالك : ولم يؤمن بلوط إلا ابنتاه رقية وهي الكبرى وعروبة وهي الصغرى.
ويحتمل وجهاً آخر أنه ساء ظنه برسل ربه، وضاق ذراعاً بخلاص نفسه لأنه نكرهم قبل معرفتهم.
﴿ وقال هذا يومٌ عصيب ﴾ أي شديد لأنه خاف على الرسل من قومه أن يفضحوهم على قول ابن عباس، وعلى الاحتمال الذي ذكرته خافهم على نفسه فوصف يومه بالعصيب وهو الشديد، قال الشاعر :
وإنك إلاّ ترض بكر بن وائل | يكن لك يومٌ بالعراق عصيب. |
قوله تعالى :﴿ وجاءه قومُه يهرعون إليه ﴾ أي يسرعون، والإهراع بين الهرولة والحجزى. قال الكسائي والفراء : لا يكون الإهراع إلا سراعاً مع رعدة.
وكان سبب إسراعهم إليه أن أمرأة لوط أعلمتهم بأضيافه وجَمالهم فأسرعوا إليه طلباً للفاحشة منهم.
﴿ ومن قبل كانوا يعملون السيئات ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من قبل إسراعهم اليه كان ينكحون الذكور، قاله السدي.
الثاني : أنه كانت اللوطية في قوم لوط في النساء قبل الرجال بأربعين سنة، قاله عمر بن أبي زائدة.
﴿ قال يا قوم هؤلاء بناتي هُنَّ أطهر لكم ﴾ قال لهم لوط ذلك ليفتدي أضيافه منهم.
﴿ هؤلاء بناتي ﴾ فيهن قولان :
أحدهما : أنه أراد نساء أمته ولم يرد بنات نفسه. قال مجاهد وكل نبي أبو أمّته وهم أولاده. وقال سعيد بن جبير : كان في بعض القرآن : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزاجه أمهاتهم وهوأب لهم.
الثاني : أنه أراد بنات نفسه وأولاد صلبه لأن أمره فيهن أنفذ من أمره في غيرهن، وهو معنى قول حذيفة بن اليمان.
فإن قيل : كيف يزوجهم ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته؟
قيل عن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة، وكان هذا في صدر الإسلام جائزاً حتى نسخ، قاله الحسن.
الثاني : أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.
الثالث : أنه قال ذلك ترغيباً في الحلال وتنبيهاً على المباح ودفعاً للبادرة من غير بذل نكاحهن ولا بخطبتهن، قاله ابن أبي نجيح.
﴿ هن أطهر لكم ﴾ أي أحل لكم بالنكاح الصحيح.
﴿ فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تذلوني بعار الفضيحة، ويكون الخزي بمعنى الذل. الثاني : لا تهلكوني بعواقب فسادكم، ويكون الخزي بمعنى الهلاك. الثالث : أن معنى الخزي ها هنا الاستحياء، يقال خزي الرجل إذا استحى، قال الشاعر :
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت | بها مِرطها أو زايل الحلي جيدها |
لا تعدمي الدهر شفار الجازر | للضيف والضيف أحق زائر |
أحدهما : ما لنا فيهن حاجة، قاله الكلبي.
الثاني : ليس لنا بأزواج، قاله محمد بن إٍسحاق.
﴿ وإنك لتعلم ما نريد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعلم أننا لا نتزوج إلا بامرأة واحدة وليس منا رجل إلا له امرأة، قاله الكلبي.
الثاني : أننا نريد الرجال.
». قال وهب بن منبه : لقد وجدت الرسل على لوط وقالوا : إن ركنك لشديد.
قوله تعالى :﴿ قالوا يا لوط إنا رُسُل ربِّك لن يصلوا إليك ﴾ وفي اسمه وجهان :
أحدهما : أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثيرين. الثاني : أنه اسم عربي مأخوذ من قولهم : لطتُ الحوض إذا ملسته بالطين. وقيل إن لوطاً كان قائماً على بابه يمنع قومه من أضيافه، فلما أعلموه أنهم رسل ربه مكّن قومه من الدخول فطمس جبريل عليه السلام على أعينهم فعميت، وعلى أيديهم فجفت.
﴿ فأسْرِ بأهلك ﴾ أي فسِرْ بأهلك ليلاً، والسُري سير الليل، قال عبد الله بن رواحة :
عند الصباح يحمد القوم السُرَى | وتنجلي عنهم غيابات الكرى |
أحدهما : أن معناهما في سير الليل واحد.
الثاني : أن معناهما مختلف، فأسرى إذا سار من أول الليل، وسرى إذا سار في آخره، ولا يقال في النهار إلا سار، قال لبيد :
إذا المرءُ أسرى ليلة ظن أنه | قضى عملاً، والمرءُ ما عاش عامِلُ |
أحدها : معناه سواد الليل، قاله قتادة.
الثاني : أنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين، ومنه قول الشاعر :
ونائحةٍ تنوح بقطع ليل | على رجلٍ بقارعة الصّعيد |
أحدها : لا ينظر وراءه منكم أحد، قاله مجاهد. الثاني : يعني لا يتخلف منك أحد، قاله ابن عباس :
الثالث : يعني لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو امتناع، حكاه علي بن عيسى.
﴿ إلا امرأتك إنّه مُصيبها ما أصابهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن قوله ﴿ إلا امرأتك ﴾ استثناء من قوله ﴿ فأسر بأهلك بقطع من الليل الا امرأتك ﴾ وهذا قول من قرأ ﴿ إلا امرأتك ﴾ بالنصب.
الثاني : أنه استثناء من قوله ﴿ ولا يلتفت منك أحد إلا امرأتك ﴾ وهو على معنى البدل إذا قرىء بالرفع.
﴿ إنه مصيبها ما أصابهم ﴾ فذكره قتادة أنها خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت، فأرسل الله عليهم حجراً فأهلكها. ﴿ إنّ موعدهم الصبح أليْسَ الصُّبحُ بقريبٍ ﴾ فروي عن النبي ﷺ أنه قال :« إن لوطاً لما علم أنهم رسل ربه قال : فالآن إذن فقال له جبريل عليه السلام { إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب » ويجوز أن يكون قد جعل الصبح ميقاتاً لهلاكهم لأن النفوس فيه أودع والناس فيه أجمع.
أحدها : أنه أمر الله تعالى للملائكة. الثاني : أنه وقوع العذاب بهم.
الثالث : أنه القضاء بعذابهم.
﴿ جعلنا عاليَها سافلَها ﴾ قال محمد بن كعب القرظي إن الله تعالى بعث جبريل إلى مؤتفكات قوم لوط فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى إن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعها بحجارة من سجّيل حتى أهلكها وما حولها، وكن خمساً : صبغة ومقرة وعمرة ودوما وسدوم وهي القرية العظمى.
وقال قتادة : كانوا في ثلاث قرى يقال لها سدوم بين المدينة والشام وكان فيها أربعة آلاف ألف.
﴿ وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل ﴾ فيه ثمانية تأويلات : أحدها : أنه فارسي معرب وهو « سنك وكيل » فالسنك : الحجر، والكيل الطين، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه طين قد طبخ حتى صار كالأرحاء، ذكره ابن عيسى.
الثالث : أنه الحجارة الصلبة الشديدة، قاله أبو عبيدة وأنشد قول ابن مقبل :
ورحلة يضربون البيض عن عَرَضٍ | ضربا تواصى به الأبطال سجّينا |
الرابع : من سجيل يعني من سماء اسمها سجيل، قاله ابن زيد.
الخامس : من سجيل من جهنم واسمها سجين فقلبت النون لاماً.
السادس : أن السجيل من السجل وهو الكتاب وتقديره من مكتوب الحجارة التي كتب الله تعالى أن يعذب بها أو كتب عليها، وفي التنزيل ﴿ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين. كتاب مرقوم ﴾ [ المطففين : ٧-٩ ] السابع : أنه فِعِّيل من السجل وهو الإرسال، يقال أسجلته أي أرسلته، ومنه سمي الدلو سجلاً لإرساله فكان السجل هو المرسل عليهم.
الثامن : أنه مأخوذ من السجل الذي هو العطاء، يقال سجلت له سجلاً من العطاء، فكأنه قال سُجلوا البلاء أي أعطوه.
﴿ منضود ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : قد نُضَّد بعضه على بعض، قال الربيع.
الثاني : مصفوف، قاله قتادة.
قوله تعالى :﴿ مسومة عند ربك ﴾ والمسومة : المعلّمة، مأخوذ من السيماء وهي العلامة، قال الشاعر :
غُلامٌ رماه الله بالحُسْن يافعا | له سيمياءٌ لا تشقُ على البصر |
أحدهما : أنها كانت مختمة، على كل حجر منها اسم صاحبه.
الثاني : معلمة ببياض في حمرة، على قول ابن عباس، وقال قتادة : مطوقة بسواد في حمرة.
﴿ عند ربك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في علم ربك، قال ابن بحر.
الثاني : في خزائن ربك لا يملكها غيره ولا يتصرف فيها أحد إلا بأمره. ﴿ وما هي من الظالمين ببعيد ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه ذكر ذلك وعيداً لظالمي قريش، قاله مجاهد.
الثاني : وعيد لظالمي العرب، قال عكرمة.
الثالث : وعيد لظالمي هذه الأمة، قاله قتادة.
الرابع : وعيد لكل ظالم، قاله الربيع. وفي الحجارة التي أمطرت قولان :
أحدهما : أنه أمطرت على المدن حين رفعها. الثاني : أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجاً عنها.
أحدهما : لأنهم بنو مدين بن إبراهيم، فقيل مدين والمراد بنو مدين، كما يقال مضر والمراد بنو مضر.
الثاني : أن مدين اسم مدينتهم فنسبوا إليها ثم اقتصر على اسم المدينة تخفيفاً.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أنه اسم أعجمي.
الثاني : أنه اسم عربي وفي اشتقاقه وجهان :
أحدهما : أنه من قولهم مدن بالمكان إذا أقام فيه، والياء زائدة، وهذا قول من زعم أنه اسم مدينة.
الثاني : أنه مشتق من قولهم دَيَنْت أي ملكت والميم زائدمة، وهذا قول من زعم أنه اسم رجل. وأما شعيب فتصغير شعب وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه الطريق في الجبل.
الثاني : أنه القبيلة العظيمة.
الثالث : أنه مأخوذ من شَعْب الإناء المكسور.
﴿ ولا تنقصوا المكيال والميزان ﴾ كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف فأمروا بالإيمان إقلاعاً عن الشرك، وبالوفاء نهياً عن التطفيف.
﴿ إني أراكم بخير ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه رخص السعر، قاله ابن عباس والحسن. الثاني : أنه المال وزينة الدنيا، قال قتادة وابن زيد. ويحتمل تأويلاً ثالثاً : أنه الخصب والكسب.
﴿ إني أخافُ عليكم عذاب يومٍ محيط ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : غلاء السعر، وهو مقتضى قول ابن عباس والحسن. الثاني : عذاب الاستصال في الدنيا.
الثالث : عذاب النار بالآخرة.
أحدها : يعني طاعة الله تعالى خير لكم، قاله مجاهد.
الثاني : وصية من الله، قاله الربيع.
الثالث : رحمة الله، قاله ابن زيد.
الرابع : حظكم من ربكم خير لكم، قاله قتادة.
الخامس : رزق الله خير لكم، قاله ابن عباس.
السادس : ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان خير لكم، قاله ابن جرير الطبري.
﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : حفيظ من عذاب الله تعالى أن ينالكم.
الثاني : حفيظ لنعم الله تعالى أن تزول عنكم.
الثالث : حفيظ من البخس والتطفيف إن لم تطيعوا فيه ربكم.
أحدها : قراءتك، قاله الأعمش.
الثاني : صلاتك التي تصليها لله تعبّداً.
الثالث : دينك الذي تدين به وأمرت باتباعه لأن أصل الصلاة الاتباع، ومنه أخذ المصلي في الخيل. ﴿ تأمرك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تدعوك إلى أمرنا.
الثاني : فيها أن تأمرنا أن نترك ما يعبد آباؤنا يعني من الأوثان والأصنام.
﴿ أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما كانوا عليه من البخس والتطفيف.
الثاني : الزكاة، كان يأمرهم بها فيمتنعون منها، قاله زيد بن أسلم وسفيان الثوري.
الثالث : قطع الدراهم والدنانير لأنه كان ينهاهم عنه، قال زيد بن أسلم. ﴿ إنك لأنت الحليم الرشيد ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم قالوا ذلك استهزاء به، قاله قتادة.
الثاني : معناه أنك لست بحليم ولا رشيد على وجه النفي، قاله ابن عباس.
الثالث : أنهم اعترفوا له بالحلم والرشد على وجه والحقيقة وقالوا أنت حليم رشيد فلِم تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ والحلم والرشد لا يقتضي منع المالك من فعل ما يشاء في ماله، قال ابن بحر.
أحدهما : أنه المال الحلال، قاله الضحاك.
قال ابن عباس وكان شعيب كثير المال.
الثاني : أنه النبوة، ذكره ابن عيسى، وفي الكلام محذوف وتقديره، أفأعدل مع ذلك عن عبادته.
ثم قال
﴿ وما أريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ أي لا أفعل ما نهيتكم عنه كما لا أترك ما أمرتكم به.
﴿ إنْ أريد إلا الإصلاح ما استطعت ﴾ ومعناه ما أريد إلا فعل الصلاح ما استطعت، لأن الاستطاعة من شرط الفعل دون الإرادة.
﴿ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلْتُ وإليه أُنيب ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنّ الإنابة الرجوع ومعناه وإليه أرجع، قاله مجاهد.
الثاني : أن الإنابة الدعاء، ومعناه وإليه أدعو، عبيد الله بن يعلى.
أحدهما : معناه لا يحملنكم، قاله الحسن وقتادة.
والثاني : معناه لا يكسبنكم، قاله الزجاج.
وفي قوله ﴿ شقاقي ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : إضراري، قاله الحسن.
الثاني : عداوتي، قاله السدي ومنه قول الأخطل :
ألا من مبلغ قيساً رسولاً | فكيف وجدتم طعمَ الشقاق |
﴿ أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوحٍ ﴾ وهم أول أمة أهلكوا بالعذاب.
﴿ أو قوم هودٍ أو قوم صالحٍ وما قوم لوطٍ منكم ببعيدٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني بعد الدار لقربهم منهم، قاله قتادة.
الثاني : بعد العهد لقرب الزمان.
ويحتمل أن يكون مراداً به قرب الدار وقرب العهد.
وقد أهلك قوم هود بالريح العاصف، وقوم صالح بالرجفة والصيحة، وقوم لوط بالرجم.
أحدهما : ما نفقه صحة ما تقول من العبث والجزاء.
الثاني : أنهم قالوا ذلك إعراضاً عن سماعه واحتقاراً لكلامه.
﴿ وإنا لنراك ضعيفاً ﴾ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : ضعيف البصر، قاله سفيان.
الثاني : ضعيف البدن، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أعمى، قاله سعيد بن جبير وقتادة.
الرابع : قليل المعرفة وحيداً، قاله السدي.
الخامس : ذليلاً مهيناً، قاله الحسن.
السادس : قليل العقل.
السابع : قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.
﴿ ولولا رهطك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عشيرتك، وهو قول الجمهور.
الثاني : لولا شيعتك، حكاه النقاش.
﴿ لرجمناك ﴾ فيه وجهان : أحدهما : لقتلناك بالرجم.
الثاني : لشتمناك بالكلام، ومنه قول الجعدي.
تراجمنا بمُرِّ القول حتى... نصير كأننا فَرسَا رِهان
﴿ وما أنت علينا بعزيز ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بكريم.
الثاني : بممتنع لولا رهطك.
قوله تعالى :﴿ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ﴾ أي تراعون رهطي فيّ ولا تراعون الله فيّ.
﴿ واتخذتموه وراءَكم ظهرياً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : اطرحتم أمره وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تعملون به، قاله السدي، ومنه قول الشاعر :
............ وجَدْنا بني البرصاءِ من وَلَدِ الظّهْرِ
أي ممن لا يلتفت إليهم ولا يعتد بهم.
الثاني : يعني أنكم حملتم أوزار مخالفته على ظهوركم، قاله السدي، من قولهم حملت فلاناً على ظهري اذا أظهرت عناده.
الثالث : يعني أنكم جعلتم الله ظهرياً إن احتجتم استعنتم به، وإن اكتفيتم تركتموه. كالذي يتخذه الجمَّال من جماله ظهرياً إن احتاج إليها حمل عليها وإن استغنى عنها تركها، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الرابع : إن الله تعالى جعلهم وراء ظهورهم ظهرياً، قاله مجاهد.
﴿ إنّ ربي بما تعملون محيط ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حفيظ.
الثاني : خبير.
الثالث : مُجَازٍ.
أحدهما : على ناحيتكم، قاله ابن عباس.
الثاني : على تمكنكم، قاله ابن عيسى.
وقوله ﴿ اعملوا ﴾ يريد ما وعدوه من إهلاكه، قال ذلك ثقة بربة.
ثم قال جواباً لهم فيه تهديد ووعيد ﴿ إني عاملٌ سوف تعلمون ﴾ فيه وجهان : أحدهما : تعلمون الإجابة. الثاني : عامل في أمر من يأتي بهلاككم ليطهر الأرض منكم، وسترون حلول العذاب بكم.
﴿ من يأتيه عذابٌ يخزيه ﴾ قال عكرمة : الغرق.
وفي ﴿ يخزيه ﴾ وجهان :
أحدهما : يذله.
الثاني : يفضحه.
﴿ ومن هو كاذب ﴾ فيه مضمر محذوف تقديره : ومن هو كاذب يخزى بعذاب الله، فحذفه اكتفاء بفحوى الكلام.
﴿ وارتقبوا ﴾ أي انتظروا العذاب.
﴿ إني معكم رقيب ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إني معكم شاهد.
الثاني : إني معكم كفيل.
وفيه وجه ثالث : إني منتظر، قاله الكلبي.
أحدهما : أن اللعنة في الدنيا من المؤمنين وفي الآخرة من الملائكة.
الثاني : أنه عنى بلعنة الدنيا الغرق، وبلعنة الآخرة النار، قاله الكلبي ومقاتل.
﴿ بئس الرِّفد المرفود ﴾ فيه ثلاث أوجه :
أحدها : بئس العون المعان، قاله أبو عبيدة.
الثاني : أن الرَّفد بفتح الراء : القدح، والرفد بكسرها ما في القدح من الشراب، حكي ذلك عن الأصمعي فكأنه ذم بذلك ما يُسقونه في النار.
الثالث : أن الرفد الزيادة، ومعناه بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار، قاله الكلبي.
أحدهما : نخبرك.
الثاني : نتبع بعضه بعضاً.
﴿ منها قائمٌ وحصيدٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن القائم : العامرة، والحصيد : الخاوية قاله ابن عباس.
الثاني : أن القائم : الآثار، والحصيد : الدارس، قاله قتادة، قال الشاعر :
والناس في قسم المنية بينهم | كالزرع منه قائم وحصيد |
أحدها : أن التتبيب الشر، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه الهلكة، قاله قتاة. قال لبيد :
فلقد بَليتُ وكلُّ صاحب جِدّةٍ | لبِلىً يعودُ وذاكم التتبيب |
عرابة من بقية قوم لوطٍ | ألا تباً لما فعلوا تبابا |
أحدها : لا تشفع إلا بإذنه.
الثاني : لا تتكلم إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام لأنهم ملجؤون إلى ترك القبيح.
الثالث : أن لهم في القيامة وقت يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه.
﴿ فمنهم شقيٌ وسعيد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : محروم ومرزوق، قاله ابن بحر.
الثاني : معذب ومكرم، قال لبيد.
فمنهم سعيد آخذٌ بنصيبه | ومنهم شقي بالمعيشة قانعُ |
الثاني : أن الله ابتدأهما بالشقاوة والسعادة من غير جزاء. وروى عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : لما نزلت ﴿ فمنهم شقي وسعيد ﴾ قلت : يا رسول الله فعلام نعمل؟ أعلى شيء قد فرغ منه أم على ما لم يفرغ منه؟ فقال :« بلى على شيء قد فرغ منه يا عمر، وجرت به الأقلام ولكن كل شيء ميسور لما خلق له
».
أحدها : أن الزفير الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف، قاله ابن عباس.
الثاني : أن الزفير في الحلق من شدة الحزن، مأخوذ من الزفير، والشهيق في الصدر، قاله الربيع بن أنس.
الثالث : أن الزفير تردد النفس من شدة الحزن، مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر الشدته، والشهيق النفس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم جبل شاهق أي طويل، قاله ابن عيسى.
الرابع : أن الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخر نهيقه، قال الشاعر :
حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق | حتى يقال ناهق وما نهق |
أحدها : خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها حكاه ابن عيسى.
الثاني : ما دامت سموات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة، قاله بعض المتأخرين.
الثالث : ما دامت السموات والأرض، أي مدة لبثهم في الدنيا، قاله ابن قتيبة.
الرابع : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها، قاله قتادة، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة، حكاه الضحاك عن ابن عباس، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ :« يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون
» الخامس : إلا ما شاء من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها، قاله أبو نضرة يرويه مأثوراً عن النبي ﷺ.
السادس : إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء، قاله ابن عباس.
السابع : أن الاستثناء راجع إلى قولهم ﴿ لهم فيها زفير وشهيق ﴾ إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما لم يسم ولم يوصف ومما قد سمّي ووصف، ثم استأنف ﴿ ما دامت السموات والأرض ﴾ حكاه ابن الأنباري.
الثامن : أن الاستثناء واقع على معنى لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل ولكن الذي يريده ويشاؤه ويحكم به تخليدُهم وفي تقدير خلودهم بمدة السموات والأرض وجهان :
أحدهما : أنها سموات الدنيا وأرضها، ولئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد فذكر ذلك على عادتهم وعرفهم كما قال زهير :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا | ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا |
أحدها : دامت سموات الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها في الخلود فيها :
الثاني : إلا ما شاء ربك من مدة يوم القيامة.
الثالث : إلا ما شاء ربك من مدة مكثهم في النار إلى أن يخرجوا منها، قاله الضحاك.
الرابع : خالدين فيها يعني أهل التوحيد، إلا ما شاء ربك يعني أهل الشرك، وهو يشبه قول أبي نضرة.
الخامس : خالدين فيها إلا ما شاء ربك أي ما شاء من عطاء غير مجذوذ، فتكون ﴿ إلا ﴾ هنا بمعنى الواو كقول الشاعر :
وكلُّ أخٍ مفارقُهُ أخوه | لعمر أبيك إلا الفرقدان. |
﴿ عطاءً غير مجذوذ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : غير مقطوع.
الثاني : غير ممنوع.
أحدها : نصيبهم من الرزق، قاله أبو العالية.
الثاني : نصيبهم من العذاب، قاله ابن زيد.
الثالث : ما وعدوا به من خير أو شر، قاله ابن عباس.
أحدها : لا تميلوا، قاله ابن عباس.
الثاني : لا تدنوا، قاله سفيان.
الثالث : لا ترضوا أعمالهم، قاله أبو العالية.
الرابع : لا تدهنوا لهم في القول وهو أن يوافقهم في السر ولا ينكر عليهم في الجهر.
ومنه قوله تعالى ﴿ ودّوا لو تدهن فيدهنون ﴾ [ القلم : ٩ ]، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ فتمسكم النار ﴾ يحتمل وجيهن :
أحدهما : فيمسكم عذاب النار لركونكم إليهم.
الثاني : فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها، ويكون ذكر النار على هذا الوجه استعارة وتشبيهاً، وعلى الوجه الأول خبراً ووعيداً.
أحدها : أنه عنى صلاة الظهر والعصر، قاله مجاهد.
الثاني : صلاة العصر وحدها، قاله الحسن.
الثالث : صلاة المغرب، قاله ابن عباس.
﴿ وزلفاً من الليل ﴾ والزلف جمع زلفة، والزلفة المنزلة، فكأنه قال ومنازل من الليل، أي ساعات من الليل، وقيل إنما سميت مزدلفة من ذلك لأنها منزل بعد عرفة، وقيل سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلى حواء وهي بها، ومنه قول العجاج في صفة بعير :
ناجٍ طواه الأين مما وجفا | طيَّ الليالي زُلَفاً فزلفا |
أحدهما : صلاة العشاء الآخرة، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثانية : صلاة المغرب والعشاء والآخرة، قاله الضحاك ولحسن ورواه مرفوعاً.
﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾ في هذا الحسنات أربعة أقاويل :
أحدها : الصلوات الخمس، قاله ابن عباس والحسن وابن مسعود والضحاك.
الثاني : هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قاله مجاهد قال عطاء : وهن الباقيات الصالحات.
الثالث : أن الحسنات المقبولة يذهبن السيئات المغفورة.
الرابع : أن الثواب الطاعات يذهبن عقاب المعاصي.
﴿ ذلك ذكرى للذاكرين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : توبة للتائبين، قاله الكلبي.
الثاني : بيان للمتعظين، وروي عن النبي ﷺ أنه قال :« واتبع السيئة الحسنة تمحها
» وسبب نزول هذه الآية ما روى الأسود عن ابن مسعود قال : جاء رجل الى النبي ﷺ فقال يا رسول الله إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة فأصبت منها دون أن أمسّها وأنا هذا فاقض فيّ ما شئت. فقال له عمر : لقد سترك الله لو سترت على نفسك. ولم يردّ عليه النبي صلى الله عيله وسلم شيئاً. فنزلت هذه الآية :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذركى للذاكرين ﴾ فدعاه رسول الله ﷺ فقرأها عليه فقال عمر : يا رسول الله أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال :« بل للناس كافة » قال أبو موسى طمحان : إن هذا الرجل أبو اليسر الأنصاري وقال ابن عابس هو عمرو بن غزية الأنصاري، وقال مقاتل : هو عامر بن قيس الأنصاري.
أحدها : أولو طاعة
الثاني : أولو تمييز.
الثالث : أولو حذر من الله تعالى.
﴿ ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكان مجرمين ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنهم اتبعوا على ظلمهم ما أترفوا فيه من استدامة نعمهم استدراجاً لهم.
الثاني : أنهم أخذوا بظلمهم فيما أترفوا فيه من نعمهم. والمترف : المنعّم. وقال ابن عباس : أترفوا فيه : معناه انظروا فيه.
أحدهما : على ملة الإسلام وحدها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أهل دين واحد، أهل ضلالة وأهل هدى، قاله الضحاك.
﴿ ولا يزالون مختلفين إلا من رَحِمَ ربّك ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : مختلفين في الأديان إلا من رحم ربك من أهل الحق، قاله مجاهد وعطاء.
الثاني : مختلفين في الحق والباطل إلا من رحم ربك من أهل الطاعة، قاله ابن عباس.
الثالث : مختلفين في الرزق فهذا غني وهذا فقير إلا من رحم ربك من أهل القناعة. قاله الحسن.
الرابع : مختلفين بالشقاء والسعادة إلا من رحم ربك بالتوفيق.
الخامس : مختلفين في المغفرة والعذاب إلا من رحم ربك بالجنة.
السادس : أنه معنى مختلفين أي يخلف بعضهم بعضاً، فيكون من يأتي خلفاً للماضي لأن سوءاً في كل منهم خلف بعضهم بعضاً، فاقتتلوا ومنه قولهم : ما اختلف الجديدان، أي جاء هذا بعد ذاك، قاله ابن بحر.
﴿ ولذلك خلقهم ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : للاختلاف خلقهم، قاله الحسن وعطاء.
الثاني : للرحمة خلقهم، قاله مجاهد.
الثالث : للشقاء والسعادة خلقهم، قاله ابن عباس.
الرابع : للجنة والنار خلقهم، قاله منصور بن عبد الرحمن.
﴿ وجاءَك في هذه الحقُّ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في هذه السورة، قاله ابن عباس وأبو موسى.
الثاني : في هذه الدنيا، قاله الحسن وقتادة. الثالث : في هذه الأنباء، حكاه ابن عيسى.
أحدهما : صدق القصص وصحة الأنباء وهذا تأويل من جعل المراد السورة.
الثاني : النبوة، وهذا تأويل من جعل المراد الدنيا.
﴿ وموعظةُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : القرآن الذي هو وعظ الله تعالى لخلقه.
الثاني : الاعتبار بأنباء من سلف من الأنبياء ولذلك قال النبي ﷺ « والسعيد من وعظ بغيره
».
سورة هود
سورةُ (هُودٍ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتِحت بتعظيمِ الكتاب ووصفِه بالإحكام والتفصيل، واشتملت على حقائقِ العقيدة وأصولِ الدعوة إلى الله، مرغِّبةً ومرهِّبةً، واصفةً أهوالَ ومشاهد يوم القيامة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في الأثر، وقد جاء في السورةِ كثيرٌ من قصص الأنبياء؛ تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأخذِ العِبَر من حال الأنبياء، ودعوتِهم مع أقوامهم.
ترتيبها المصحفي
11نوعها
مكيةألفاظها
1946ترتيب نزولها
52العد المدني الأول
122العد المدني الأخير
121العد البصري
121العد الكوفي
123العد الشامي
122
* قوله تعالى: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اْلصُّدُورِ} [هود: 5]:
عن محمَّدِ بن عبَّادِ بن جعفرٍ: أنَّه سَمِعَ ابنَ عباسٍ يَقرأُ: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5]، قال: سألتُه عنها، فقال: «أناسٌ كانوا يَستحيُون أن يَتخلَّوْا فيُفضُوا إلى السماءِ، وأن يُجامِعوا نساءَهم فيُفضُوا إلى السماءِ؛ فنزَلَ ذلك فيهم». أخرجه البخاري (4681).
* قوله تعالى: {وَأَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ} [هود: 114]:
عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أصابَ مِن امرأةٍ قُبْلةً، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبَرَه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]، فقال الرَّجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أَلِي هذا؟ قال: «لجميعِ أُمَّتي كلِّهم»». أخرجه البخاري (526).
وفي روايةٍ عنه رضي الله عنه، قال: «جاء رجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أصَبْتُ مِن امرأةٍ كلَّ شيءٍ، إلا أنِّي لم أُجامِعْها، قال: فأنزَلَ اللهُ: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]». أخرجه أحمد (3854).
سُمِّيتْ سورةُ (هُودٍ) بهذا الاسمِ؛ لتكرُّرِ اسمه فيها خمسَ مرَّات، ولأنَّ ما حُكِي عنه فيها أطوَلُ مما حُكِي عنه في غيرها.
جاء في فضلِ سورة (هُودٍ): أنها السُّورة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ وأخواتُها». أخرجه البزار (٩٢).
جاءت موضوعاتُ سورةِ (هُودٍ) على النحو الآتي:
1. حقائق العقيدة (١-٢٤).
2. أصول الدعوة الإسلامية (١-٤).
3. مشهدٌ فريد ترجُفُ له القلوب (٥-٦).
4. اضطراب نفوس الكافرين (٧-١١).
5. تسلية الرسول (١٢-١٧).
6. حال الفريقين: الكافرين، والمؤمنين (١٨-٢٤).
7. حركة حقائقِ العقيدة (٢٥-٩٩).
8. قصة نوح مع قومه (٢٥-٤٩).
9. قصة هود مع قومه (٥٠-٦٠).
10. قصة صالح مع قومه (٦١-٦٨).
11. تبشير الملائكةِ لإبراهيم عليه السلام (٦٩-٧٦).
12. إجرام قوم لوط (٧٧-٨٣).
13. قصة شُعَيب مع قومه (٨٤-٩٥).
14. مُوجَز قصة موسى مع فِرْعون (٩٦-٩٩).
15. التعقيب على حقيقة العقيدة (١٠٠-١٢٣).
16. العِبْرة فيما قص الله علينا دنيا وآخرة (١٠٠-١٠٩).
17. الاختلاف في الحق، والركون إلى الظَّلمة (١١٠- ١١٥).
18. الفتنة تعُمُّ بسكوت الصالحين (١١٦-١١٩).
19. في القصص تثبيتٌ وتسلية للقلب (١٢٠-١٢٣).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /445).
أشارت بدايةُ السُّورة بافتتاحها بـ(الأحرُفِ المقطَّعة: {الٓر}) إلى أن مقصدَها تعظيمُ هذا الكتاب، ووصفُ الكتاب بالإحكامِ والتفصيل، في حالتَيِ البِشارة والنِّذارة، المقتضي لوضعِ كلِّ شيء في أتَمِّ مَحالِّه، وإنفاذه - مهما أريدَ -، المُوجِب للقدرة على كل شيء، وفي ذلك تسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتٌ له على الحق: {فَاْصْبِرْۖ إِنَّ اْلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /175).