تفسير سورة هود

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة هود من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿الر﴾ اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ هَذَا ﴿كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته﴾ بِعَجِيبِ النَّظْم وَبَدِيع الْمَعَانِي ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ بُيِّنَتْ بِالْأَحْكَامِ وَالْقَصَص وَالْمَوَاعِظ ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير﴾ أَيّ اللَّه
﴿أَ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير﴾ بِالْعَذَابِ إنْ كَفَرْتُمْ ﴿وَبَشِير﴾ بِالثَّوَابِ إنْ آمَنْتُمْ
﴿وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ﴾ مِنْ الشِّرْك ﴿ثُمَّ تُوبُوا﴾ ارْجِعُوا ﴿إلَيْهِ﴾ بِالطَّاعَةِ ﴿يُمَتِّعكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿مَتَاعًا حَسَنًا﴾ بِطِيبِ عَيْش وَسِعَة رِزْق ﴿إلَى أَجَل مُسَمًّى﴾ هُوَ الْمَوْت ﴿وَيُؤْتِ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿كُلّ ذِي فَضْل﴾ فِي الْعَمَل ﴿فَضْله﴾ جَزَاءَهُ ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تُعْرِضُوا ﴿فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير﴾ هُوَ يوم القيامة
﴿إلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ وَمِنْهُ الثَّوَاب وَالْعَذَاب
ونزل كما رواه البخاري عن بن عباس فيمن كان يستحيي أَنْ يَتَخَلَّى أَوْ يُجَامِع فَيُفْضِي إلَى السَّمَاء وَقِيلَ فِي الْمُنَافِقِينَ ﴿أَلَا إنَّهُمْ يُثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ أَيْ اللَّه ﴿أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ﴾ يَتَغَطَّوْنَ بِهَا ﴿يَعْلَم﴾ تَعَالَى ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ فَلَا يُغْنِي اسْتِخْفَاؤُهُمْ ﴿إنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور﴾ أَيْ بِمَا فِي الْقُلُوب
﴿وَمَا مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿دَابَّة فِي الْأَرْض﴾ هِيَ مَا دَبَّ عَلَيْهَا ﴿إلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا﴾ تَكَفَّلَ بِهِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى ﴿وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا﴾ مَسْكَنهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ الصُّلْب ﴿وَمُسْتَوْدَعهَا﴾ بَعْد الْمَوْت أَوْ فِي الرَّحِم ﴿كُلّ﴾ مِمَّا ذُكِرَ ﴿فِي كِتَاب مُبِين﴾ بَيِّن هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام﴾ أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة ﴿وَكَانَ عَرْشه﴾ قَبْل خَلْقهمَا ﴿عَلَى الْمَاء﴾ وَهُوَ عَلَى مَتْن الرِّيح ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ مُتَعَلِّق بِخَلَقَ أَيْ خَلَقَهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِع لَكُمْ وَمَصَالِح لِيَخْتَبِركُمْ ﴿أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا﴾ أَيْ أَطْوَع لِلَّهِ ﴿وَلَئِنْ قُلْت﴾ يَا مُحَمَّد لَهُمْ ﴿إنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد الْمَوْت لَيَقُولَن الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ﴾ مَا ﴿هَذَا﴾ الْقُرْآن النَّاطِق بِالْبَعْثِ أَوْ الَّذِي تَقُولهُ ﴿إلَّا سِحْر مُبِين﴾ بَيِّن وَفِي قِرَاءَة سَاحِر وَالْمُشَار إلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إلَى﴾ مَجِيء ﴿أُمَّة﴾ أَوْقَات ﴿مَعْدُودَة لَيَقُولُنَّ﴾ اسْتِهْزَاء ﴿مَا يَحْبِسهُ﴾ مَا يمنعه من النزول قال تعالى ﴿أَلَا يَوْم يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا﴾ مَدْفُوعًا ﴿عَنْهُمْ وَحَاقَ﴾ نَزَلَ ﴿بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ من العذاب
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان﴾ الْكَافِر ﴿مِنَّا رَحْمَة﴾ غِنًى وَصِحَّة ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوس﴾ قَنُوط مِنْ رَحْمَة اللَّه ﴿كَفُور﴾ شَدِيد الْكُفْر به
١ -
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْد ضَرَّاء﴾ فَقْر وَشِدَّة ﴿مسته ليقولن ذهب السيئات﴾ المصائب ﴿عني﴾ وَلَمْ يَتَوَقَّع زَوَالهَا وَلَا شُكْر عَلَيْهَا ﴿إنَّهُ لَفَرِح﴾ بَطِر ﴿فَخُور﴾ عَلَى النَّاس بِمَا أُوتِيَ
١ -
﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ عَلَى الضَّرَّاء ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَات﴾ فِي النَّعْمَاء ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر كَبِير﴾ هُوَ الْجَنَّة
١ -
﴿فَلَعَلَّك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إلَيْك﴾ فَلَا تُبَلِّغهُمْ إيَّاهُ لِتَهَاوُنِهِمْ بِهِ ﴿وَضَائِق بِهِ صَدْرك﴾ بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ ﴿أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَك﴾ يُصَدِّقهُ كَمَا اقْتَرَحْنَا ﴿إنَّمَا أَنْت نَذِير﴾ فَمَا عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغ لَا الْإِتْيَان بِمَا اقْتَرَحُوهُ ﴿وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل﴾ حفيظ فيجازيهم
285
١ -
286
﴿أَمْ﴾ بَلْ أَ ﴿يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله﴾ فِي الْفَصَاحَة وَالْبَلَاغَة ﴿مُفْتَرَيَات﴾ فَإِنَّكُمْ عَرَبِيُّونَ فُصَحَاء مِثْلِي تَحَدَّاهُمْ بِهَا أَوَّلًا ثُمَّ بِسُورَةٍ وَادْعُوا} لِلْمُعَاوَنَةِ عَلَى ذَلِكَ ﴿مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي أَنَّهُ افْتِرَاء
١ -
﴿فَإِ﴾ نْ ﴿لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ أَيْ مَنْ دَعَوْتُمُوهُمْ لِلْمُعَاوَنَةِ ﴿فَاعْلَمُوا﴾ خِطَاب لِلْمُشْرِكِينَ ﴿أَنَّمَا أُنْزِلَ﴾ مُلْتَبِسًا ﴿بِعِلْمِ اللَّه﴾ وَلَيْسَ افْتِرَاء عَلَيْهِ ﴿وَأَنْ﴾ مُخَفَّفَة أَيْ أَنَّهُ ﴿لَا إلَه إلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ بَعْد هَذِهِ الْحُجَّة الْقَاطِعَة أي أسلموا
١ -
﴿مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا﴾ بِأَنْ أَصَرَّ عَلَى الشِّرْك وَقِيلَ هِيَ فِي الْمُرَائِينَ ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ﴾ أَيْ جَزَاء مَا عَمِلُوهُ مِنْ خَيْر كَصَدَقَةٍ وَصِلَة رَحِم ﴿فِيهَا﴾ بِأَنْ نُوَسِّع عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ أَيْ الدُّنْيَا ﴿لَا يُبْخَسُونَ﴾ يُنْقَصُونَ شَيْئًا
١ -
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إلَّا النار وحبط﴾ بطل ﴿ما صنعو﴾ هـ ﴿فيها﴾ أي الآخرة فلا ثواب له {وباطل ما كانوا يعملون
286
١ -
287
﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة﴾ بَيَان ﴿مِنْ رَبّه﴾ وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمُؤْمِنُونَ وَهِيَ الْقُرْآن ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ يَتْبَعهُ ﴿شَاهِد﴾ لَهُ بِصِدْقِهِ ﴿مِنْهُ﴾ أَيْ مِنْ اللَّه وَهُوَ جِبْرِيل ﴿وَمِنْ قَبْله﴾ الْقُرْآن ﴿كِتَاب مُوسَى﴾ التَّوْرَاة شَاهِد لَهُ أَيْضًا ﴿إمَامًا وَرَحْمَة﴾ حَال كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا ﴿أُولَئِكَ﴾ أَيْ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أَيْ بِالْقُرْآنِ فَلَهُمْ الْجَنَّة ﴿وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب﴾ جَمِيع الْكُفَّار ﴿فَالنَّار مَوْعِده فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة﴾ شَكّ ﴿مِنْهُ﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿إنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّك وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿لَا يؤمنون﴾
١ -
﴿وَمَنْ﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا﴾ بِنِسْبَةِ الشَّرِيك وَالْوَلَد إلَيْهِ ﴿أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهمْ﴾ يَوْم الْقِيَامَة فِي جُمْلَة الْخَلْق ﴿وَيَقُول الْأَشْهَاد﴾ جَمْع شَاهِد وَهُمْ الْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالْبَلَاغِ وَعَلَى الْكُفَّار بِالتَّكْذِيبِ ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ الْمُشْرِكِينَ
١ -
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه﴾ دِين الْإِسْلَام ﴿وَيَبْغُونَهَا﴾ يَطْلُبُونَ السَّبِيل ﴿عِوَجًا﴾ مُعْوَجَّة ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هم﴾ تأكيد ﴿كافرون﴾
٢ -
﴿أولئك لم يكونوا معجزين﴾ الله ﴿فِي الْأَرْض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مِنْ أَوْلِيَاء﴾ أَنْصَار يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابه ﴿يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب﴾ بِإِضْلَالِهِمْ غَيْرهمْ ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع﴾ لِلْحَقِّ ﴿وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ هُ أَيْ لِفَرْطِ كَرَاهَتهمْ لَهُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ
٢ -
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ﴾ لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ ﴿وَضَلَّ﴾ غَابَ ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ عَلَى اللَّه مِنْ دَعْوَى الشَّرِيك
٢ -
﴿لَا جَرَم﴾ حَقًّا ﴿أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمْ الأخسرون﴾
٢ -
إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَأَخْبَتُوا} سَكَنُوا واطمأنوا أو أنابوا {إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون
287
٢ -
288
﴿مَثَل﴾ صِفَة ﴿الْفَرِيقَيْنِ﴾ الْكُفَّار وَالْمُؤْمِنِينَ ﴿كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ﴾ هَذَا مَثَل الْكَافِر ﴿وَالْبَصِير وَالسَّمِيع﴾ هَذَا مَثَل الْمُؤْمِن ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ لَا ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال تتعظون
٢ -
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه إِنِّي﴾ أَيْ بِأَنِّي وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ عَلَى حَذْف الْقَوْل ﴿لَكُمْ نَذِير مُبِين﴾ بَيِّن الْإِنْذَار
٢ -
﴿أَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه إني أخاف عليكم﴾ إن عبدتم غيره ﴿عذاب يَوْم أَلِيم﴾ مُؤْلِم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
٢ -
﴿فَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه﴾ وَهُمْ الْأَشْرَاف ﴿مَا نَرَاك إلَّا بَشَرًا مِثْلنَا﴾ وَلَا فَضْل لَك عَلَيْنَا ﴿وَمَا نَرَاك اتَّبَعَك إلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا﴾ أَسَافِلنَا كَالْحَاكَةِ وَالْأَسَاكِفَة ﴿بَادِئ الرَّأْي﴾ بِالْهَمْزِ وَتَرْكه أَيْ ابْتِدَاء مِنْ غَيْر تَفَكُّر فِيك وَنَصْبه عَلَى الظَّرْف أَيْ وَقْت حُدُوث أَوَّل رَأْيهمْ ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل﴾ فَتَسْتَحِقُّونَ بِهِ الِاتِّبَاع مِنَّا ﴿بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ فِي دَعْوَى الرِّسَالَة أَدْرَجُوا قَوْمه مَعَهُ فِي الْخِطَاب
٢ -
﴿قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ﴾ أَخْبِرُونِي ﴿إنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة﴾ بَيَان ﴿مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَة﴾ نُبُوَّة ﴿مِنْ عِنْده فَعَمِيَتْ﴾ خَفِيَتْ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وَفِي قِرَاءَة بِتَشْدِيدِ الْمِيم وَالْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ أَنُجْبِرُكُمْ عَلَى قَبُولهَا ﴿وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ لَا نَقْدِر على ذلك
٢ -
﴿وَيَا قَوْم لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ﴾ عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة ﴿مَالًا﴾ تُعْطُونِيهِ ﴿إنْ﴾ مَا ﴿أَجْرِي﴾ ثَوَابِي ﴿إلَّا عَلَى اللَّه وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمنوا﴾ كما أمرتموني ﴿إنهم ملاقوا رَبّهمْ﴾ بِالْبَعْثِ فَيُجَازِيهِمْ وَيَأْخُذ لَهُمْ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَطَرَدَهُمْ ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ عَاقِبَة أَمْركُمْ
288
٣ -
289
﴿وَيَا قَوْم مَنْ يَنْصُرنِي﴾ يَمْنَعنِي ﴿مِنْ اللَّه﴾ أَيْ عَذَابه ﴿إنْ طَرَدْتهمْ﴾ أَيْ لَا نَاصِر لِي ﴿أَفَلَا﴾ فَهَلَّا ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِي الذَّال تَتَّعِظُونَ
٣ -
﴿وَلَا أَقُول لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن اللَّه وَلَا﴾ إنِّي ﴿أَعْلَم الْغَيْب وَلَا أَقُول إنِّي مَلَك﴾ بَلْ أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ ﴿وَلَا أَقُول لِلَّذِينَ تَزْدَرِي﴾ تَحْتَقِر ﴿أَعْيُنكُمْ لَنْ يُؤْتِيهِمْ اللَّه خَيْرًا اللَّه أَعْلَم بِمَا فِي أَنْفُسهمْ﴾ قُلُوبهمْ ﴿إنِّي إذا﴾ إن قلت ذلك ﴿لمن الظالمين﴾
٣ -
﴿قَالُوا يَا نُوح قَدْ جَادَلْتنَا﴾ خَاصَمْتنَا ﴿فَأَكْثَرْت جِدَالنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا﴾ بِهِ مِنْ الْعَذَاب ﴿إنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ﴾ فِيهِ
٣ -
﴿قَالَ إنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّه إنْ شَاءَ﴾ تَعْجِيله لَكُمْ فَإِنَّ أَمْره إلَيْهِ لَا إلَيَّ ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ بِفَائَتِينَ اللَّه
٣ -
﴿وَلَا يَنْفَعكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَح لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ﴾ أَيْ إغْوَاءَكُمْ وَجَوَاب الشَّرْط دَلَّ عَلَيْهِ ﴿وَلَا ينفعكم نصحي﴾ ﴿هو ربكم وإليه ترجعون﴾ قال تعالى
٣ -
﴿أم﴾ بل أ ﴿يَقُولُونَ﴾ أَيْ كُفَّار مَكَّة ﴿افْتَرَاهُ﴾ اخْتَلَقَ مُحَمَّد الْقُرْآن ﴿قُلْ إنْ افْتَرَيْته فَعَلَيَّ إجْرَامِي﴾ إثْمِي أَيْ عُقُوبَته ﴿وَأَنَا بَرِيء مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾ مِنْ إجْرَامكُمْ فِي نِسْبَة الِافْتِرَاء إلَيَّ
٣ -
﴿وَأُوحِيَ إلَى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِس﴾ تَحْزَن ﴿بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ مِنْ الشِّرْك فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿رَبّ لَا تَذَر عَلَى الْأَرْض﴾ إلخ فأجاب الله دعاءه فقال
٣ -
﴿وَاصْنَعْ الْفُلْك﴾ السَّفِينَة ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ بِمَرْأَى مِنَّا وَحِفْظنَا ﴿وَوَحْينَا﴾ أَمْرنَا ﴿وَلَا تُخَاطِبنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ كَفَرُوا بِتَرْكِ إهلاكهم {إنهم مغرقون
289
٣ -
290
﴿وَيَصْنَع الْفُلْك﴾ حِكَايَة حَال مَاضِيَة ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأ﴾ جَمَاعَة ﴿مِنْ قَوْمه سَخِرُوا مِنْهُ﴾ استهزؤوا بِهِ ﴿قَالَ إنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَر مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ إذَا نَجَوْنَا وَغَرِقْتُمْ
٣ -
﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ﴾ مَوْصُولَة مَفْعُول الْعِلْم ﴿يَأْتِيه عَذَاب يُخْزِيه ويحل﴾ ينزل ﴿عليه عذاب مقيم﴾
٤ -
﴿حَتَّى﴾ غَايَة لِلصُّنْعِ ﴿إذَا جَاءَ أَمْرنَا﴾ بِإِهْلَاكِهِمْ ﴿وَفَارَ التَّنُّور﴾ لِلْخَبَّازِ بِالْمَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَة لِنُوحٍ ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا﴾ فِي السَّفِينَة ﴿مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ﴾ ذَكَرًا وَأُنْثَى أَيْ مِنْ كُلّ أَنْوَاعهمَا ﴿اثْنَيْنِ﴾ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَهُوَ مَفْعُول وَفِي الْقِصَّة أَنَّ اللَّه حَشَرَ لِنُوحٍ السِّبَاع وَالطَّيْر وَغَيْرهَا فَجَعَلَ يَضْرِب بِيَدَيْهِ فِي كُلّ نَوْع فَتَقَع يَده الْيُمْنَى عَلَى الذَّكَر وَالْيُسْرَى عَلَى الْأُنْثَى فَيَحْمِلهُمَا فِي السَّفِينَة ﴿وَأَهْلك﴾ أَيْ زَوْجَته وَأَوْلَاده ﴿إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل﴾ أَيْ مِنْهُمْ بِالْإِهْلَاكِ وَهُوَ زَوْجَته وَوَلَده كَنْعَان بِخِلَافِ سَام وَحَام وَيَافِث فَحَمَلَهُمْ وَزَوْجَاتهمْ الثَّلَاثَة ﴿وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلَّا قَلِيل﴾ قِيلَ كَانُوا سِتَّة رِجَال وَنِسَاءَهُمْ وَقِيلَ جَمِيع مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَة ثَمَانُونَ نِصْفهمْ رِجَال وَنِصْفهمْ نساء
٤ -
﴿وَقَالَ﴾ نُوح ﴿ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا﴾ بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ وَضَمّهمَا مَصْدَرَانِ أَيْ جَرْيهَا وَرَسْوهَا أَيْ مُنْتَهَى سَيْرهَا ﴿إنَّ رَبِّي لَغَفُور رَحِيم﴾ حَيْثُ لَمْ يُهْلِكنَا
٤ -
﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْج كَالْجِبَالِ﴾ فِي الِارْتِفَاع وَالْعِظَم ﴿وَنَادَى نُوح ابْنه﴾ كَنْعَان ﴿وَكَانَ في معزل﴾ عن السفينة {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين
290
٤ -
291
﴿قَالَ سَآوِي إلَى جَبَل يَعْصِمنِي﴾ يَمْنَعنِي ﴿مِنْ الماء قال لَا عَاصِم الْيَوْم مِنْ أَمْر اللَّه﴾ عَذَابه ﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿مَنْ رَحِمَ﴾ اللَّه فَهُوَ الْمَعْصُوم قال تعالى ﴿وحال بينهما الموج فكان من المغرقين﴾
٤ -
﴿وَقِيلَ يَا أَرْض ابْلَعِي مَاءَك﴾ الَّذِي نَبَعَ مِنْك فَشَرِبَتْهُ دُون مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاء فَصَارَ أَنْهَارًا وَبِحَارًا ﴿وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي﴾ أَمْسِكِي عَنْ الْمَطَر فَأَمْسَكَتْ ﴿وَغِيض﴾ نَقَصَ ﴿الْمَاء وَقُضِيَ الْأَمْر﴾ تَمَّ أَمْر هَلَاك قَوْم نُوح ﴿وَاسْتَوَتْ﴾ وَقَفَتْ السَّفِينَة ﴿عَلَى الْجُودِيّ﴾ جَبَل بِالْجَزِيرَةِ بِقُرْبِ الْمُوصِل ﴿وَقِيلَ بُعْدًا﴾ هَلَاكًا ﴿لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الْكَافِرِينَ
٤ -
﴿وَنَادَى نُوح رَبّه فَقَالَ رَبّ إنَّ ابْنِي﴾ كَنْعَان ﴿مِنْ أَهْلِي﴾ وَقَدْ وَعَدْتنِي بِنَجَاتِهِمْ ﴿وَإِنَّ وَعْدك الْحَقّ﴾ الَّذِي لَا خُلْف فِيهِ ﴿وَأَنْت أَحْكَم الْحَاكِمِينَ﴾ أَعْلَمهمْ وَأَعْدَلهمْ
٤ -
﴿قَالَ﴾ تَعَالَى ﴿يَا نُوح إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلك﴾ النَّاجِينَ أَوْ مِنْ أَهْل دِينك ﴿إنَّهُ﴾ أَيْ سُؤَالك إيَّايَ بِنَجَاتِهِ ﴿عَمَل غَيْر صَالِح﴾ فَإِنَّهُ كَافِر وَلَا نَجَاة لِلْكَافِرِينَ وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ مِيم عَمِلَ فِعْل وَنَصْب غَيْر فَالضَّمِير لابنه ﴿فلا تسألن﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف ﴿مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم﴾ مِنْ إنْجَاء ابْنك ﴿إنِّي أَعِظك أَنْ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ بِسُؤَالِك مَا لَمْ تَعْلَم
٤ -
﴿قَالَ رَبّ إنِّي أَعُوذ بِك﴾ مِنْ ﴿أَنْ أَسْأَلك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإِلَّا تغفر لي﴾ ما فرط مني ﴿وترحمني أكن من الخاسرين﴾
٤ -
﴿قِيلَ يَا نُوح اهْبِطْ﴾ انْزِلْ مِنْ السَّفِينَة ﴿بِسَلَامٍ﴾ بِسَلَامَةٍ أَوْ بِتَحِيَّةٍ ﴿مِنَّا وَبَرَكَات﴾ خَيْرَات ﴿عَلَيْك وَعَلَى أُمَم مِمَّنْ مَعَك﴾ فِي السَّفِينَة أَيْ مِنْ أَوْلَادهمْ وَذُرِّيَّتهمْ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ ﴿وَأُمَم﴾ بِالرَّفْعِ مِمَّنْ مَعَك ﴿سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا} ثُمَّ يَمَسّهُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم} فِي الْآخِرَة وَهُمْ الكفار
291
٤ -
292
﴿تِلْكَ﴾ أَيْ هَذِهِ الْآيَات الْمُتَضَمِّنَة قِصَّة نُوح ﴿مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب﴾ أَخْبَار مَا غَابَ عَنْك ﴿نُوحِيهَا إلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَا كُنْت تَعْلَمهَا أَنْت وَلَا قَوْمك مِنْ قَبْل هَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿فَاصْبِرْ﴾ عَلَى التَّبْلِيغ وَأَذَى قَوْمك كَمَا صَبَرَ نوح ﴿إن العاقبة﴾ المحمودة ﴿للمتقين﴾
٥ -
﴿و﴾ أَرْسَلْنَا ﴿إلَى عَادٍ أَخَاهُمْ﴾ مِنْ الْقَبِيلَة ﴿هُودًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه﴾ وَحِّدُوهُ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿إلَه غَيْره إنْ﴾ مَا ﴿أَنْتُمْ﴾ فِي عِبَادَتكُمْ الْأَوْثَان ﴿إلَّا مُفْتَرُونَ﴾ كَاذِبُونَ على الله
٥ -
﴿يَا قَوْم لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ﴾ عَلَى التَّوْحِيد ﴿أَجْرًا إنْ﴾ مَا ﴿أَجْرِي إلَّا عَلَى الَّذِي فطرني﴾ خلقني ﴿أفلا تعقلون﴾
٥ -
﴿وَيَا قَوْم اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ﴾ مِنْ الشِّرْك ﴿ثُمَّ تُوبُوا﴾ ارْجِعُوا ﴿إلَيْهِ﴾ بِالطَّاعَةِ ﴿يُرْسِل السَّمَاء﴾ الْمَطَر وَكَانُوا قَدْ مَنَعُوهُ ﴿عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ كَثِير الدُّرُور ﴿وَيُزِدْكُمْ قُوَّة إلَى﴾ مَعَ ﴿قُوَّتكُمْ﴾ بِالْمَالِ وَالْوَلَد ﴿وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ مُشْرِكِينَ
٥ -
﴿قَالُوا يَا هُود مَا جِئْتنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ بُرْهَان عَلَى قَوْلك ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتنَا عَنْ قولك﴾ أي لقولك ﴿وما نحن لك بمؤمنين﴾
٥ -
﴿إنْ﴾ مَا ﴿نَقُول﴾ فِي شَأْنك ﴿إلَّا اعْتَرَاك﴾ أَصَابَك ﴿بَعْض آلِهَتنَا بِسُوءٍ﴾ فَخَبَلَك لِسَبِّك إيَّاهَا فَأَنْت تَهْذِي ﴿قَالَ إنِّي أُشْهِد اللَّه﴾ عَلَيَّ ﴿واشهدوا أني بريء مما تشركون﴾ هـ به
٥ -
﴿مِنْ دُونه فَكِيدُونِي﴾ احْتَالُوا فِي هَلَاكِي ﴿جَمِيعًا﴾ أنتم وأوثانكم ﴿ثم لا تنظرون﴾ تمهلون
292
٥ -
293
﴿إنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿دَابَّة﴾ نَسَمَة تَدِبّ عَلَى الْأَرْض ﴿إلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا﴾ أَيْ مَالِكهَا وَقَاهِرهَا فَلَا نَفْع وَلَا ضَرَر إلَّا بِإِذْنِهِ وَخَصَّ الناصبة بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ بِنَاصِيَتِهِ يَكُون فِي غَايَة الذُّلّ ﴿إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ أَيْ طَرِيق الْحَقّ وَالْعَدْل
٥ -
﴿فإن تولوا﴾ فيه حذف إحدى التائين أَيْ تُعْرِضُوا ﴿فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِف رَبِّي قَوْمًا غَيْركُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا﴾ بِإِشْرَاكِكُمْ ﴿إنَّ رَبِّي عَلَى كُلّ شَيْء حفيظ﴾ رقيب
٥ -
﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا﴾ عَذَابنَا ﴿نَجَّيْنَا هُودًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ﴾ هِدَايَة ﴿مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَاب غَلِيظ﴾ شَدِيد
٥ -
﴿وَتِلْكَ عَاد﴾ إشَارَة إلَى آثَارهمْ أَيْ فَسِيحُوا فِي الْأَرْض وَانْظُرُوا إلَيْهَا ثُمَّ وَصَفَ أَحْوَالهمْ فَقَالَ ﴿جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ وَعَصَوْا رُسُله﴾ جُمِعَ لِأَنَّ مَنْ عَصَى رَسُولًا عَصَى جَمِيع الرُّسُل لاشتراكهم في أصل ما جاؤوا بِهِ وَهُوَ التَّوْحِيد ﴿وَاتَّبَعُوا﴾ أَيْ السَّفَلَة ﴿أَمْر كُلّ جُبَار عَنِيد﴾ مُعَانِد لِلْحَقِّ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ
٦ -
﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَة﴾ مِنْ النَّاس ﴿ويوم القيامة﴾ لعنة على رؤوس الْخَلَائِق ﴿أَلَا إنَّ عَادًا كَفَرُوا﴾ جَحَدُوا ﴿رَبّهمْ ألا بعدا﴾ من رحمة الله ﴿لعاد قوم هود﴾
٦ -
﴿و﴾ أَرْسَلْنَا ﴿إلَى ثَمُود أَخَاهُمْ﴾ مِنْ الْقَبِيلَة ﴿صَالِحًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه﴾ وَحِّدُوهُ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره هُوَ أَنْشَأَكُمْ﴾ ابْتَدَأَ خَلْقكُمْ ﴿مِنْ الْأَرْض﴾ بِخَلْقِ أَبِيكُمْ آدَم مِنْهَا ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ جَعَلَكُمْ عُمَّارًا تَسْكُنُونَ بِهَا ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ مِنْ الشِّرْك ﴿ثُمَّ تُوبُوا﴾ ارْجِعُوا ﴿إلَيْهِ﴾ بِالطَّاعَةِ ﴿إنَّ رَبِّي قَرِيب﴾ مِنْ خَلْقه بِعِلْمِهِ ﴿مُجِيب﴾ لِمَنْ سَأَلَهُ
293
٦ -
294
﴿قَالُوا يَا صَالِح قَدْ كُنْت فِينَا مَرْجُوًّا﴾ نَرْجُو أَنْ تَكُون سَيِّدًا ﴿قَبْل هَذَا﴾ الَّذِي صَدَرَ مِنْك ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُد مَا يَعْبُد آبَاؤُنَا﴾ مِنْ الْأَوْثَان ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكّ مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ﴾ مِنْ التَّوْحِيد ﴿مُرِيب﴾ مُوقِع فِي الريب
٦ -
﴿قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة﴾ بَيَان ﴿مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَة﴾ نُبُوَّة ﴿فَمَنْ يَنْصُرنِي﴾ يَمْنَعنِي ﴿مِنْ اللَّه﴾ أَيْ عَذَابه ﴿إنْ عَصَيْته فَمَا تَزِيدُونَنِي﴾ بِأَمْرِكُمْ لِي بِذَلِكَ ﴿غَيْر تَخْسِير﴾ تَضْلِيل
٦ -
﴿وَيَا قَوْم هَذِهِ نَاقَة اللَّه لَكُمْ آيَة﴾ حَال عَامِله الْإِشَارَة ﴿فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْض اللَّه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ عَقْر ﴿فَيَأْخُذكُمْ عَذَاب قَرِيب﴾ إنْ عَقَرْتُمُوهَا
٦ -
﴿فَعَقَرُوهَا﴾ عَقَرَهَا قِدَار بِأَمْرِهِمْ ﴿فَقَالَ﴾ صَالِح ﴿تَمَتَّعُوا﴾ عِيشُوا ﴿فِي دَاركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام﴾ ثُمَّ تَهْلَكُونَ ﴿ذَلِكَ وَعْد غَيْر مَكْذُوب﴾ فِيهِ
٦ -
﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا﴾ بِإِهْلَاكِهِمْ ﴿نَجَّيْنَا صَالِحًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ وَهُمْ أَرْبَعَة آلَاف ﴿بِرَحْمَةٍ مِنَّا و﴾ نجيناهم ﴿من خِزْي يَوْمئِذٍ﴾ بِكَسْرِ الْمِيم إعْرَابًا وَفَتْحهَا بِنَاء لِإِضَافَتِهِ إلَى مَبْنِيّ وَهُوَ الْأَكْثَر ﴿إنَّ رَبّك هُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيز﴾ الْغَالِب
٦ -
﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ﴾ بَارِكِينَ عَلَى الرُّكَب مَيِّتِينَ
٦ -
﴿كَأَنْ﴾ مُخَفَّفَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ كَأَنَّهُمْ ﴿لَمْ يَغْنَوْا﴾ يُقِيمُوا ﴿فِيهَا﴾ فِي دَارهمْ ﴿أَلَا إنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبّهمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودٍ﴾ بِالصَّرْفِ وَتَرْكه عَلَى مَعْنَى الْحَيّ وَالْقَبِيلَة
294
٦ -
295
﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلنَا إبْرَاهِيم بِالْبُشْرَى﴾ بِإسْحَاق وَيَعْقُوب بَعْده ﴿قَالُوا سَلَامًا﴾ مَصْدَر ﴿قَالَ سَلَام﴾ عَلَيْكُمْ ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذ﴾ مَشْوِيّ
٧ -
﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيهمْ لَا تَصِل إلَيْهِ نَكِرهمْ﴾ بِمَعْنَى أَنْكَرَهُمْ ﴿وَأَوْجَسَ﴾ أَضْمَرَ فِي نَفْسه ﴿مِنْهُمْ خِيفَة﴾ خَوْفًا ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ إنَّا أُرْسِلنَا إلَى قَوْم لُوط﴾ لِنُهْلِكهُمْ
٧ -
﴿وَامْرَأَته﴾ أَيْ امْرَأَة إبْرَاهِيم سَارَّة ﴿قَائِمَة﴾ تَخْدُمهُمْ ﴿فَضَحِكَتْ﴾ اسْتِبْشَارًا بِهَلَاكِهِمْ ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإسْحَاق وَمِنْ وَرَاء﴾ بَعْد ﴿إسْحَاق يَعْقُوب﴾ وَلَده تَعِيش إلَى أَنْ تراه
٧ -
﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى﴾ كَلِمَة تُقَال عِنْد أَمْر عَظِيم وَالْأَلِف مُبْدَلَة مِنْ يَاء الْإِضَافَة ﴿أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز﴾ لِي تِسْع وَتِسْعُونَ سَنَة ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ لَهُ مِائَة أَوْ وَعِشْرُونَ سَنَة وَنَصْبه عَلَى الْحَال وَالْعَامِل فِيهِ مَا فِي ذَا مِنْ الْإِشَارَة ﴿إنَّ هَذَا لَشَيْء عَجِيب﴾ أَنْ يُولَد وَلَد لِهَرَمَيْنِ
٧ -
﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْر اللَّه﴾ قُدْرَته ﴿رَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ﴾ يَا ﴿أَهْل الْبَيْت﴾ بَيْت إبْرَاهِيم ﴿إنَّهُ حَمِيد﴾ مَحْمُود ﴿مَجِيد﴾ كَرِيم
٧ -
﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيم الرَّوْع﴾ الْخَوْف ﴿وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى﴾ بِالْوَلَدِ أَخَذَ ﴿يُجَادِلنَا﴾ يُجَادِل رُسُلنَا ﴿فِي﴾ شأن {قوم لوط
295
٧ -
296
﴿إنَّ إبْرَاهِيم لَحَلِيم﴾ كَثِير الْأَنَاة ﴿أَوَّاه مُنِيب﴾ رَجَّاع فَقَالَ لَهُمْ أَتُهْلِكُونَ قَرْيَة فِيهَا ثَلَاثمِائَةِ مُؤْمِن قَالُوا لَا قَالَ أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَة فِيهَا مائتا مؤمن قالوا لا قال أفتهلكون قراية فِيهَا أَرْبَعُونَ مُؤْمِنًا قَالُوا لَا قَالَ أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَة فِيهَا أَرْبَعَة عَشَرَ مُؤْمِنًا قَالُوا لَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ كَانَ فِيهَا مُؤْمِن وَاحِد قَالُوا لَا قَالَ إنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَم بِمَنْ فِيهَا إلَخْ
٧ -
فَلَمَّا أَطَالَ مُجَادَلَتهمْ قَالُوا ﴿يَا إبْرَاهِيم أَعْرِض عَنْ هَذَا﴾ الْجِدَال ﴿إنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْر ربك﴾ بهلاكهم ﴿وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾
٧ -
﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ﴾ حَزِنَ بِسَبَبِهِمْ ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ صَدْرًا لِأَنَّهُمْ حِسَان الْوُجُوه فِي صُورَة أَضْيَاف فَخَافَ عَلَيْهِمْ قَوْمه ﴿وَقَالَ هَذَا يَوْم عَصِيب﴾ شَدِيد
٧ -
﴿وَجَاءَهُ قَوْمه﴾ لَمَّا عَلِمُوا بِهِمْ ﴿يُهْرَعُونَ﴾ يُسْرِعُونَ ﴿إلَيْهِ وَمِنْ قَبْل﴾ قَبْل مَجِيئِهِمْ ﴿كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات﴾ وَهِيَ إتْيَان الرِّجَال فِي الْأَدْبَار ﴿قَالَ﴾ لُوط ﴿يَا قَوْم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ فَتَزَوَّجُوهُنَّ ﴿هُنَّ أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون﴾ تَفْضَحُونِ ﴿فِي ضَيْفِي﴾ أَضْيَافِي ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُل رَشِيد﴾ يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر
٧ -
﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْت مَا لَنَا فِي بَنَاتك مِنْ حَقّ﴾ حَاجَة ﴿وَإِنَّك لَتَعْلَم مَا نُرِيد﴾ مِنْ إتْيَان الرِّجَال
٨ -
﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّة﴾ طَاقَة ﴿أَوْ آوِي إلَى رُكْن شَدِيد﴾ عَشِيرَة تَنْصُرنِي لَبَطَشْت بِكُمْ فَلَمَّا رَأَتْ الْمَلَائِكَة ذَلِكَ
296
٨ -
297
﴿قَالُوا يَا لُوط إنَّا رُسُل رَبّك لَنْ يَصِلُوا إلَيْك﴾ بِسُوءٍ ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِك بِقِطَعٍ﴾ طَائِفَة ﴿مِنْ اللَّيْل وَلَا يَلْتَفِت مِنْكُمْ أَحَد﴾ لِئَلَّا يَرَى عَظِيم مَا يَنْزِل بِهِمْ ﴿إلَّا امْرَأَتك﴾ بِالرَّفْعِ بَدَل مِنْ أَحَد وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ اسْتِثْنَاء مِنْ الْأَهْل أَيْ فَلَا تَسِرْ بِهَا ﴿إنَّهُ مُصِيبهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ فَقِيلَ لَمْ يَخْرُج بِهَا وَقِيلَ خَرَجَتْ وَالْتَفَتَتْ فَقَالَتْ وَاقَوْمَاه فَجَاءَهَا حَجَر فَقَتَلَهَا وَسَأَلَهُمْ عَنْ وَقْت هَلَاكهمْ فَقَالُوا ﴿إنَّ مَوْعِدهمْ الصُّبْح﴾ فَقَالَ أُرِيد أَعْجَل مِنْ ذَلِكَ قَالُوا ﴿أَلَيْسَ الصُّبْح بِقَرِيبٍ﴾
٨ -
﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا﴾ بِإِهْلَاكِهِمْ ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا﴾ أَيْ قُرَاهُمْ ﴿سَافِلهَا﴾ أَيْ بِأَنْ رَفَعَهَا جِبْرِيل إلَى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض ﴿وأمطرنا عليها حِجَارَة مِنْ سِجِّيل﴾ طِين طُبِخَ بِالنَّارِ ﴿مَنْضُود﴾ متتابع
٨ -
﴿مُسَوَّمَة﴾ مُعَلَّمَة عَلَيْهَا اسْم مَنْ يُرْمَى بِهَا ﴿عِنْد رَبّك﴾ ظَرْف لَهَا ﴿وَمَا هِيَ﴾ الْحِجَارَة أَوْ بِلَادهمْ ﴿مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿ببعيد﴾
٨ -
﴿و﴾ أَرْسَلْنَا ﴿إلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه﴾ وَحِّدُوهُ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ نِعْمَة تُغْنِيكُمْ عَنْ التَّطْفِيف ﴿وَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ﴾ إنْ لَمْ تُؤْمِنُوا ﴿عَذَاب يَوْم مُحِيط﴾ بِكُمْ يُهْلِككُمْ وَوَصْف الْيَوْم بِهِ مَجَاز لِوُقُوعِهِ فِيهِ
٨ -
﴿وَيَا قَوْم أَوْفُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان﴾ أَتِمُّوهُمَا ﴿بِالْقِسْطِ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ﴾ لَا تُنْقِصُوهُمْ مِنْ حَقّهمْ شَيْئًا ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ﴾ بِالْقَتْلِ وَغَيْره مِنْ عَثِيَ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَة أَفْسَدَ وَمُفْسِدِينَ حَال مُؤَكِّدَة لِمَعْنَى عَامِلهَا تَعْثَوْا
٨ -
﴿بقيت اللَّه﴾ رِزْقه الْبَاقِي لَكُمْ بَعْد إيفَاء الْكَيْل والوزن ﴿خير لكم﴾ من البخس ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ رَقِيب أُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ إنَّمَا بُعِثْت نَذِيرًا
297
٨ -
298
﴿قَالُوا﴾ لَهُ اسْتِهْزَاء ﴿يَا شُعَيْب أَصَلَاتك تَأْمُرك﴾ بِتَكْلِيفِ ﴿أَنْ نَتْرُك مَا يَعْبُد آبَاؤُنَا﴾ مِنْ الْأَصْنَام ﴿أَوْ﴾ نَتْرُك ﴿أَنْ نَفْعَل فِي أَمْوَالنَا مَا نَشَاء﴾ الْمَعْنَى هَذَا أَمْر بَاطِل لَا يَدْعُو إلَيْهِ دَاعٍ بِخَيْرٍ ﴿إنَّك لَأَنْت الْحَلِيم الرَّشِيد﴾ قَالُوا ذَلِكَ اسْتِهْزَاء
٨ -
﴿قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إنْ كُنْت عَلَى بينة من ربي ورزقني منه رِزْقًا حَسَنًا﴾ حَلَالًا أَفَأُشَوِّبهُ بِالْحَرَامِ مِنْ الْبَخْس وَالتَّطْفِيف ﴿وَمَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفكُمْ﴾ وَأَذْهَب ﴿إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ فَأَرْتَكِبهُ ﴿إنْ﴾ مَا ﴿أُرِيد إلَّا الْإِصْلَاح﴾ لَكُمْ بِالْعَدْلِ ﴿مَا اسْتَطَعْت وَمَا تَوْفِيقِي﴾ قُدْرَتِي عَلَى ذَلِكَ وَغَيْره مِنْ الطَّاعَات ﴿إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيب﴾ أَرْجِع
٨ -
﴿وَيَا قَوْم لَا يَجْرِمَنكُمْ﴾ يَكْسِبَنكُمْ ﴿شِقَاقِي﴾ خِلَافِي فَاعِل يَجْرِم وَالضَّمِير مَفْعُول أَوَّل وَالثَّانِي ﴿أَنْ يُصِيبكُمْ مِثْل مَا أَصَابَ قَوْم نُوح أَوْ قَوْم هُود أَوْ قَوْم صَالِح﴾ مِنْ الْعَذَاب ﴿وَمَا قَوْم لُوط﴾ أَيْ مَنَازِلهمْ أَوْ زَمَن هَلَاكهمْ ﴿مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ فَاعْتَبِرُوا
٩ -
﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي رَحِيم﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿وَدُود﴾ مُحِبّ لَهُمْ
٩ -
﴿قَالُوا﴾ إيذَانًا بِقِلَّةِ الْمُبَالَاة ﴿يَا شُعَيْب مَا نَفْقَه﴾ نَفْهَم ﴿كَثِيرًا مِمَّا تَقُول وَإِنَّا لَنَرَاك فِينَا ضَعِيفًا﴾ ذَلِيلًا ﴿وَلَوْلَا رَهْطك﴾ عَشِيرَتك ﴿لَرَجَمْنَاك﴾ بِالْحِجَارَةِ ﴿وَمَا أَنْت عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ كَرِيم عَنْ الرَّجْم وَإِنَّمَا رَهْطك هُمْ الْأَعِزَّة
٩ -
﴿قَالَ يَا قَوْم أَرَهْطِي أَعَزّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّه﴾ فَتَتْرُكُوا قَتْلِي لِأَجْلِهِمْ وَلَا تَحْفَظُونِي لِلَّهِ ﴿وَاِتَّخَذْتُمُوهُ﴾ أَيْ اللَّه ﴿وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ مَنْبُوذًا خَلْف ظُهُوركُمْ لَا تُرَاقِبُونَهُ ﴿إنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيط﴾ عِلْمًا فَيُجَازِيكُمْ
٩ -
﴿وَيَا قَوْم اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ﴾ حَالَتكُمْ ﴿إنِّي عَامِل﴾ عَلَى حَالَتِي ﴿سَوْف تَعْلَمُونَ مَنْ﴾ مَوْصُولَة مَفْعُول الْعِلْم ﴿يَأْتِيه عَذَاب يُخْزِيه وَمَنْ هُوَ كَاذِب وَارْتَقِبُوا﴾ انْتَظِرُوا عَاقِبَة أَمْركُمْ ﴿إنِّي مَعَكُمْ رقيب﴾ منتظر
298
٩ -
299
﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا﴾ بِإِهْلَاكِهِمْ ﴿نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة﴾ صَاحَ بِهِمْ جِبْرِيل ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ﴾ بَارِكِينَ عَلَى الرُّكَب مَيِّتِينَ
٩ -
﴿كَأَنْ﴾ مُخَفَّفَة أَيْ كَأَنَّهُمْ ﴿لَمْ يَغْنَوْا﴾ يُقِيمُوا ﴿فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود﴾
٩ -
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَان مُبِين﴾ بُرْهَان بين ظاهر
٩ -
﴿إلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْر فِرْعَوْن وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ﴾ سَدِيد
٩ -
﴿يَقْدُم﴾ يَتَقَدَّم ﴿قَوْمه يَوْم الْقِيَامَة﴾ فَيَتَّبِعُونَهُ كَمَا اتَّبَعُوهُ فِي الدُّنْيَا ﴿فَأَوْرَدَهُمْ﴾ أَدْخَلَهُمْ ﴿النَّار وَبِئْسَ الْوِرْد الْمَوْرُود﴾ هِيَ
٩ -
﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ﴾ أَيْ الدُّنْيَا ﴿لَعْنَة وَيَوْم الْقِيَامَة﴾ لَعْنَة ﴿بِئْسَ الرِّفْد﴾ الْعَوْن ﴿الْمَرْفُود﴾ رِفْدهمْ
١٠ -
﴿ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور مُبْتَدَأ خَبَره ﴿مِنْ أَنْبَاء الْقُرَى نَقُصّهُ عَلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مِنْهَا﴾ أَيْ الْقُرَى ﴿قائم﴾ هلك أهله دونه ﴿و﴾ مِنْهَا ﴿حَصِيد﴾ هَلَكَ بِأَهْلِهِ فَلَا أَثَر لَهُ كَالزَّرْعِ الْمَحْصُود بِالْمَنَاجِلِ
١٠ -
﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ بِإِهْلَاكِهِمْ بِغَيْرِ ذَنْب ﴿وَلَكِنْ ظَلَمُوا أنفسهم﴾ بالشرك ﴿فما أغنت﴾ دفعت ﴿ {عنهم آلهتهم الَّتِي يَدْعُونَ﴾ يَعْبُدُونَ ﴿مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿شَيْء لَمَّا جَاءَ أَمْر رَبّك﴾ عَذَابه ﴿وَمَا زَادُوهُمْ﴾ بِعِبَادَتِهِمْ لَهَا ﴿غَيْر تتبيب﴾ تخسير
١٠ -
﴿وَكَذَلِكَ﴾ مِثْل ذَلِكَ الْأَخْذ ﴿أَخْذ رَبّك إذَا أَخَذَ الْقُرَى﴾ أُرِيد أَهْلهَا ﴿وَهِيَ ظَالِمَة﴾ بِالذُّنُوبِ أَيْ فَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ أَخْذه شَيْء ﴿إنَّ أَخْذه أَلِيم شَدِيد﴾ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذ رَبّك﴾ الْآيَة
299
١٠ -
300
﴿إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور مِنْ الْقَصَص ﴿لَآيَة﴾ لَعِبْرَة ﴿لِمِنْ خَافَ عَذَاب الْآخِرَة ذَلِكَ﴾ أَيْ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَوْم مَجْمُوع لَهُ﴾ فِيهِ ﴿النَّاس وذلكم يوم مشهود﴾ يشهده جميع الخلائق
١٠ -
﴿وما نؤخر إلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُود﴾ لِوَقْتٍ مَعْلُوم عِنْد اللَّه
١٠ -
﴿يَوْم يَأْتِ﴾ ذَلِكَ الْيَوْم ﴿لَا تَكَلَّم﴾ فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ ﴿نَفْس إلَّا بِإِذْنِهِ﴾ تَعَالَى ﴿فَمِنْهُمْ﴾ أَيْ الْخَلْق ﴿شَقِيّ و﴾ مِنْهُمْ ﴿سَعِيد﴾ كُتِبَ كُلّ فِي الْأَزَل
١٠ -
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا﴾ فِي عِلْمه تَعَالَى ﴿فَفِي النَّار لَهُمْ فِيهَا زَفِير﴾ صَوْت شَدِيد ﴿وَشَهِيق﴾ صوت ضعيف
١٠ -
﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ أَيْ مُدَّة دَوَامهمَا فِي الدُّنْيَا ﴿إلَّا﴾ غَيْر ﴿مَا شَاءَ رَبّك﴾ مِنْ الزِّيَادَة عَلَى مُدَّتهمَا مِمَّا لَا مُنْتَهَى لَهُ وَالْمَعْنَى خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴿إن ربك فعال لما يريد﴾
١٠ -
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا﴾ بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا ﴿فَفِي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات وَالْأَرْض إلَّا﴾ غَيْر ﴿مَا شَاءَ رَبّك﴾ كَمَا تَقَدَّمَ وَدَلَّ عَلَيْهِ فِيهِمْ قَوْله ﴿عَطَاء غَيْر مَجْذُوذ﴾ مَقْطُوع وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّأْوِيل هُوَ الَّذِي ظَهَرَ وَهُوَ خَال مِنْ التَّكَلُّف وَاَللَّه أعلم بمراده
١٠ -
﴿فَلَا تَكُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿فِي مِرْيَة﴾ شَكّ ﴿مِمَّا يَعْبُد هَؤُلَاءِ﴾ مِنْ الْأَصْنَام إنَّا نُعَذِّبهُمْ كَمَا عَذَّبْنَا مَنْ قَبْلهمْ وَهَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿مَا يَعْبُدُونَ إلَّا كَمَا يَعْبُد آبَاؤُهُمْ﴾ أَيْ كَعِبَادَتِهِمْ ﴿مِنْ قَبْل﴾ وَقَدْ عَذَّبْنَاهُمْ ﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ﴾ مِثْلهمْ ﴿نَصِيبهمْ﴾ حَظّهمْ مِنْ الْعَذَاب ﴿غَيْر مَنْقُوص﴾ أَيْ تَامًّا
١١ -
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ بِالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيب كَالْقُرْآنِ ﴿وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك﴾ بِتَأْخِيرِ الْحِسَاب وَالْجَزَاء لِلْخَلَائِقِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿لَقُضِيَ بَيْنهمْ﴾ فِي الدُّنْيَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أَيْ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ ﴿لَفِي شَكّ مِنْهُ مُرِيب﴾ مُوقِع فِي الرِّيبَة
300
١١ -
301
﴿وَإِنْ﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿كُلًّا أَيْ﴾ كُلّ الْخَلَائِق ﴿لَمَّا﴾ مَا زَائِدَة وَاللَّام مُوَطِّئَة لِقَسَمٍ مُقَدَّر أَوْ فَارِقَة وَفِي قِرَاءَة بِتَشْدِيدِ لَمَّا بِمَعْنَى إلَّا فَإِنْ نَافِيَة ﴿لَيُوَفِّيَنهمْ رَبّك أَعْمَالهمْ﴾ أَيْ جَزَاءَهَا ﴿إنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِير﴾ عَالِم بِبَوَاطِنِهِ كظواهره
١١ -
﴿فَاسْتَقِمْ﴾ عَلَى الْعَمَل بِأَمْرِ رَبّك وَالدُّعَاء إلَيْهِ ﴿كَمَا أُمِرْت و﴾ لِيَسْتَقِمْ ﴿مَنْ تَابَ﴾ آمَنَ ﴿مَعَك وَلَا تَطْغَوْا﴾ تُجَاوِزُوا حُدُود اللَّه ﴿إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
١١ -
﴿وَلَا تَرْكَنُوا﴾ تَمِيلُوا ﴿إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ بِمَوَدَّةٍ أَوْ مُدَاهَنَة أَوْ رِضَا بِأَعْمَالِهِمْ ﴿فَتَمَسّكُمْ﴾ تُصِيبكُمْ ﴿النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿أَوْلِيَاء﴾ يَحْفَظُونَكُمْ مِنْهُ ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ تُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابه
١١ -
﴿وَأَقِمْ الصَّلَاة طَرَفَيْ النَّهَار﴾ الْغَدَاة وَالْعَشِيّ أَيْ الصُّبْح وَالظُّهْر وَالْعَصْر ﴿وَزُلَفًا﴾ جَمْع زُلْفَة أَيْ طَائِفَة ﴿مِنْ اللَّيْل﴾ الْمَغْرِب وَالْعِشَاء ﴿إنَّ الْحَسَنَات﴾ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْس ﴿يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات﴾ الذُّنُوب الصَّغَائِر نَزَلَتْ فِيمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّة فَأَخْبَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلِي هَذَا فَقَالَ لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلّهمْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ﴿ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ عظة للمتعظين
١١ -
﴿وَاصْبِرْ﴾ يَا مُحَمَّد عَلَى أَذَى قَوْمك أَوْ عَلَى الصَّلَاة ﴿فَإِنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ﴾ بِالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَة
١١ -
﴿فَلَوْلَا﴾ فَهَلَّا ﴿كَانَ مِنْ الْقُرُون﴾ الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿مِنْ قَبْلكُمْ أُولُو بَقِيَّة﴾ أَصْحَاب دِين وَفَضْل ﴿يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَاد فِي الْأَرْض﴾ الْمُرَاد بِهِ النَّفْي أَيْ مَا كَانَ فِيهِمْ ذَلِكَ ﴿إلَّا﴾ لَكِنَّ ﴿قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ نَهَوْا فَنَجَوْا وَمِنْ لِلْبَيَانِ ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ بِالْفَسَادِ وَتَرْك النهي ﴿ما أترفوا﴾ نعموا {فيه وكانوا مجرمين
301
١١ -
302
﴿وَمَا كَانَ رَبّك لِيُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ مِنْهُ لها ﴿وَأَهْلهَا مُصْلِحُونَ﴾ مُؤْمِنُونَ
١١ -
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبّك لَجَعَلَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة﴾ أهل دين واحد ﴿ولا يزالون مختلفين﴾ في الدين
١١ -
﴿إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبّك﴾ أَرَادَ لَهُمْ الْخَيْر فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ أَيْ أَهْل الِاخْتِلَاف لَهُ وَأَهْل الرَّحْمَة لَهَا ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَة ربك﴾ وهي ﴿لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾
١٢ -
﴿وكلا﴾ نصب بنقص وتنوينه عوض عن الْمُضَاف إلَيْهِ أَيْ كُلّ مَا يَحْتَاج إلَيْهِ ﴿نَقُصّ عَلَيْك مِنْ أَنْبَاء الرُّسُل مَا﴾ بَدَل مِنْ كُلًّا ﴿نُثَبِّت﴾ نُطَمِّنُ ﴿بِهِ فُؤَادك﴾ قَلْبك ﴿وَجَاءَك فِي هَذِهِ﴾ الْأَنْبَاء أَوْ الْآيَات ﴿الْحَقّ وَمَوْعِظَة وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِانْتِفَاعِهِمْ بِهَا فِي الْإِيمَان بِخِلَافِ الْكُفَّار
١٢ -
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ﴾ حَالَتكُمْ ﴿إنَّا عَامِلُونَ﴾ عَلَى حَالَتنَا تَهْدِيد لَهُمْ
١٢ -
﴿وَانْتَظِرُوا﴾ عَاقِبَة أَمْركُمْ ﴿إنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ ذَلِكَ
١٢ -
﴿وَلِلَّهِ غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ أَيْ عِلْم مَا غَابَ فِيهِمَا ﴿وَإِلَيْهِ يَرْجِع﴾ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ يَعُود وَلِلْمَفْعُولِ يُرَدّ ﴿الْأَمْر كُلّه﴾ فَيَنْتَقِم مِمَّنْ عَصَى ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ وَحْده ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ ثِقْ بِهِ فَإِنَّهُ كَافِيك ﴿وما ربك بغافل عما يعملون﴾ وإنما يؤخرهم وفي قراءة بالفوقانية = ١٢ سورة يوسف

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة هود
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (هُودٍ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتِحت بتعظيمِ الكتاب ووصفِه بالإحكام والتفصيل، واشتملت على حقائقِ العقيدة وأصولِ الدعوة إلى الله، مرغِّبةً ومرهِّبةً، واصفةً أهوالَ ومشاهد يوم القيامة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في الأثر، وقد جاء في السورةِ كثيرٌ من قصص الأنبياء؛ تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأخذِ العِبَر من حال الأنبياء، ودعوتِهم مع أقوامهم.

ترتيبها المصحفي
11
نوعها
مكية
ألفاظها
1946
ترتيب نزولها
52
العد المدني الأول
122
العد المدني الأخير
121
العد البصري
121
العد الكوفي
123
العد الشامي
122

* قوله تعالى: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اْلصُّدُورِ} [هود: 5]:

عن محمَّدِ بن عبَّادِ بن جعفرٍ: أنَّه سَمِعَ ابنَ عباسٍ يَقرأُ: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5]، قال: سألتُه عنها، فقال: «أناسٌ كانوا يَستحيُون أن يَتخلَّوْا فيُفضُوا إلى السماءِ، وأن يُجامِعوا نساءَهم فيُفضُوا إلى السماءِ؛ فنزَلَ ذلك فيهم». أخرجه البخاري (4681).

* قوله تعالى: {وَأَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ} [هود: 114]:

عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أصابَ مِن امرأةٍ قُبْلةً، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبَرَه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]، فقال الرَّجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أَلِي هذا؟ قال: «لجميعِ أُمَّتي كلِّهم»». أخرجه البخاري (526).

وفي روايةٍ عنه رضي الله عنه، قال: «جاء رجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أصَبْتُ مِن امرأةٍ كلَّ شيءٍ، إلا أنِّي لم أُجامِعْها، قال: فأنزَلَ اللهُ: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]». أخرجه أحمد (3854).

سُمِّيتْ سورةُ (هُودٍ) بهذا الاسمِ؛ لتكرُّرِ اسمه فيها خمسَ مرَّات، ولأنَّ ما حُكِي عنه فيها أطوَلُ مما حُكِي عنه في غيرها.

جاء في فضلِ سورة (هُودٍ): أنها السُّورة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ وأخواتُها». أخرجه البزار (٩٢).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (هُودٍ) على النحو الآتي:

1. حقائق العقيدة (١-٢٤).

2. أصول الدعوة الإسلامية (١-٤).

3. مشهدٌ فريد ترجُفُ له القلوب (٥-٦).

4. اضطراب نفوس الكافرين (٧-١١).

5. تسلية الرسول (١٢-١٧).

6. حال الفريقين: الكافرين، والمؤمنين (١٨-٢٤).

7. حركة حقائقِ العقيدة (٢٥-٩٩).

8. قصة نوح مع قومه (٢٥-٤٩).

9. قصة هود مع قومه (٥٠-٦٠).

10. قصة صالح مع قومه (٦١-٦٨).

11. تبشير الملائكةِ لإبراهيم عليه السلام (٦٩-٧٦).

12. إجرام قوم لوط (٧٧-٨٣).

13. قصة شُعَيب مع قومه (٨٤-٩٥).

14. مُوجَز قصة موسى مع فِرْعون (٩٦-٩٩).

15. التعقيب على حقيقة العقيدة (١٠٠-١٢٣).

16. العِبْرة فيما قص الله علينا دنيا وآخرة (١٠٠-١٠٩).

17. الاختلاف في الحق، والركون إلى الظَّلمة (١١٠- ١١٥).

18. الفتنة تعُمُّ بسكوت الصالحين (١١٦-١١٩).

19. في القصص تثبيتٌ وتسلية للقلب (١٢٠-١٢٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /445).

أشارت بدايةُ السُّورة بافتتاحها بـ(الأحرُفِ المقطَّعة: {الٓر}) إلى أن مقصدَها تعظيمُ هذا الكتاب، ووصفُ الكتاب بالإحكامِ والتفصيل، في حالتَيِ البِشارة والنِّذارة، المقتضي لوضعِ كلِّ شيء في أتَمِّ مَحالِّه، وإنفاذه - مهما أريدَ -، المُوجِب للقدرة على كل شيء، وفي ذلك تسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتٌ له على الحق: {فَاْصْبِرْۖ إِنَّ اْلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /175).