تفسير سورة هود

أحكام القرآن للجصاص

تفسير سورة سورة هود من كتاب أحكام القرآن المعروف بـأحكام القرآن للجصاص.
لمؤلفه الجصَّاص . المتوفي سنة 370 هـ

عَلَى أَنَّ آمِينَ دُعَاءٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ دُعَاءٌ فَإِخْفَاؤُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَهْرِ بِهِ لِقَوْلِهِ تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية آخِرَ سُورَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
سُورَةُ هُودٍ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النار فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نصيب وَمِثْلُهُ
مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ بَشِّرْ أُمَّتِي بِالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلًا لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا فَمَتَى أَخَذَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَصِلَ الْكَافِرُ رَحِمًا أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا أَوْ يَرْحَمَ مُضْطَرًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ جَزَاءَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ فِيمَا خُوِّلَ وَدَفْعِ مَكَارِهِ الدُّنْيَا روى عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْغَزْوِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَنِيمَةِ دُونَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ وَسَهْمَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ هُوَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا شَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ نَصِيبًا وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ فِي قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانُوا مَتَى غُلِبُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْجَارِيَ عَلَيْهِمْ دُونَ حُكْمِ الْكُفْرِ وَمَتَى حَضَرُوا رَضَخَ لَهُمْ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْكَافِرُ بِحُضُورِ الْقِتَالِ هُوَ السَّهْمُ أَوْ الرَّضْخُ
قَوْله تَعَالَى وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أن يغويكم يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ الشَّرْطَ الْمُعْتَرَضَ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَبْدِي حَرٌّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَ ثُمَّ يَدْخُلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ كَلَّمْت شَرْطٌ مُعْتَرِضٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ جَوَابِهِ كَقَوْلِهِ إِنْ كَانَ اللَّهُ يريد أن يغويكم شَرْطٌ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ
إن أردت أن أنصح لكم قَبْلَ اسْتِتْمَامِ الْجَوَابِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وَهَذَا الْمَعْنَى فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْفَرَّاءِ فِي مَسَائِلَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الكبير وقوله يريد أن يغويكم أَيْ يُخَيِّبَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يُقَالُ غَوَى يَغْوِي غيا ومنه فسوف يلقون غيا وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدْ النَّاسُ أمره ومن يغو لا يعدم من الْغَيِّ لَائِمَا
وَحَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ يُقَالُ غَوَى الرَّجُلُ يَغْوِي غَيًّا إذَا فَسَدَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ أَوْ فَسَدَ هُوَ فِي نَفْسِهِ قَالَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ آدَمَ وَعَصَى آدم ربه فغوى أَيْ فَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ فِي الْجَنَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا يُؤَوَّلُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَيْبَةَ فِيهَا فَسَادُ الْعَيْشِ فَقَوْلُهُ يغويكم يُفْسِدُ عَلَيْكُمْ عَيْشَكُمْ وَأَمْرَكُمْ بِأَنْ يُخَيِّبَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ
قَوْله تَعَالَى وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا يَعْنِي بِحَيْثُ نَرَاهَا فَكَأَنَّهَا تُرَى بِأَعْيُنٍ عَلَى طَرِيقِ الْبَلَاغَةِ وَالْمَعْنَى بِحِفْظِنَا إيَّاكَ حِفْظَ مَنْ يَرَاك وَيَمْلِكُ دَفْعَ السُّوءِ عَنْك وَقِيلَ بِأَعْيُنِ أو أَوْلِيَائِنَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِك وَقَوْلُهُ وَوَحْيِنَا يَعْنِي عَلَى مَا أَوْحَيْنَا إلَيْك مِنْ صِفَتِهَا وَحَالِهَا وَيَجُوزُ بِوَحْيِنَا إلَيْك أَنْ اصْنَعْهَا
وقَوْله تعالى فإنا نسخر منكم كما تسخرون مَجَازٌ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ لِأَنَّ جَزَاءَ الذَّمِّ عَلَى السُّخْرِيَةِ بِالْمِقْدَارِ الْمُسْتَحَقِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سيئة سيئة مثلها وقَوْله تَعَالَى قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن الله يستهزى بهم وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ فَإِنَّا نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَ
قَوْله تَعَالَى وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إن ابنى من أهلى سَمَّى ابْنَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَنَّهُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ ابْنًا كَانَ أَوْ زَوْجَةً أَوْ أَخًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ فَجَعَلَهُ لِجَمِيعِ مَنْ تَضَمَّنَهُ مَنْزِلُهُ وهو في عيال وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم فَسَمَّى جَمِيعَ مَنْ ضَمَّهُ مَنْزِلُهُ وَسَفِينَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ ابْنِي من أهلى يعنى من أهلى الذي وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَهُمْ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك الَّذِينَ وَعَدْتُك أَنْ أُنْجِيَهُمْ
قوله تعالى إنه عمل غير صالح قِيلَ فِيهِ مَعْنَاهُ ذُو عَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ فَجَاءَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ كَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءِ:
تَعْنِي ذَاتَ إقْبَالٍ وَإِدْبَارٍ أَوْ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَ سُؤَالُك هَذَا عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ إنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ عَلَى الْفِعْلِ وَنَصْبِ غَيْرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُ كَانَ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ لِأَنَّهُ قال تعالى ونادى نوح ابنه وقال إنه ليس من أهلك يَعْنِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِك وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ وَكَانَ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ وَقَالَ الْحَسَنُ وَكَانَ مُنَافِقًا يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ نُوحٌ يَدْعُوهُ إلَى الرُّكُوبِ مَعَ نَهْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُ أَنْ يَرْكَبَ فِيهَا كَافِرٌ لِأَنَّهُ كَانَ يُنَافِقُ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ إنَّهُ دَعَاهُ عَلَى شَرِيطَةِ الْإِيمَانِ كَأَنَّهُ قَالَ آمِنْ وَارْكَبْ مَعَنَا
قَوْله تَعَالَى هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا نَسَبَهُمْ إلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ أَصْلَهُمْ وَهُوَ آدَم خُلِقَ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خلقكم في الأرض وقوله واستعمركم فيها يَعْنِي أَمَرَكُمْ مِنْ عِمَارَتِهَا بِمَا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ عِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَالْغِرَاسِ وَالْأَبْنِيَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ مَعْنَاهُ أَعْمَرَكُمْ بِأَنْ جَعَلَهَا لَكُمْ طُولَ أَعْمَارِكُمْ وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ أَعَمَرْتُك دَارِي هَذِهِ يَعْنِي مَلَّكْتُك طُولَ عُمْرِك
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ
وَالْعُمْرَى هِيَ الْعَطِيَّةُ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهَا رَاجِعٌ إلَى تَمْلِيكِهِ طُولَ عُمْرِهِ فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُمْرَى وَالْهِبَةَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي تَمْلِيكِهِ عُمْرَهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِدُونَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْوَاهِبِ
قَوْله تَعَالَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ مَعْنَى الْأَوَّلِ سَلَّمْت سَلَامًا وَلِذَلِكَ نَصَبَهُ وَالثَّانِي جوابه عليكم سلام وكذلك رَفَعَهُ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ خُولِفَ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ الْحِكَايَةَ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ قَدْ كَانَ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ
وقَوْله تَعَالَى قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إن هذا لشىء عجيب فَإِنَّهَا مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَقْدُورِ الله تعجبت بِطَبْعِ الْبَشَرِيَّةِ قَبْلَ الْفِكْرِ وَالرَّوِيَّةِ كَمَا وَلَّى موسى عليه السلام مدبرا حين صارت العصاحية حَتَّى قِيلَ لَهُ أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ من الآمنين وَإِنَّمَا تَعَجَّبَتْ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَلِسَارَةَ تِسْعُونَ سَنَةً
قَوْله تَعَالَى أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عليكم أهل البيت يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ سَمَّتْ امْرَأَةَ إبْرَاهِيمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُخَاطَبَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا- إلَى قَوْلِهِ- وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت قَدْ دَخَلَ فِيهِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم لأن ابتداء الخطاب لهن
قوله تَعَالَى فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ البشرى يجادلنا في قوم لوط يَعْنِي لَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ الْفَزَعُ جَادَلَ الْمَلَائِكَةَ حَتَّى قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمِ لُوطٍ لِنُهْلِكَهُمْ فَقَالَ إنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَقِيلَ إنَّهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ أَتُهْلِكُونَهُمْ إنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لَا ثُمَّ نَزَّلَهُمْ إلَى عَشَرَةٍ فَقَالُوا لَا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ وَيُقَالُ جَادَلَهُمْ لِيَعْلَمَ بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَقُّوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ وَهَلْ ذَلِكَ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ أَمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِخَافَةِ لِيُقْبِلُوا إلَى الطَّاعَةِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِذَلِكَ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَخْبَرَتْ أَنَّهَا تُهْلِكُ قَوْمَ لُوطٍ وَلَمْ تُبَيِّنْ الْمُنْجَيْنَ مِنْهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَادَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ أَتُهْلِكُونَهُمْ وَفِيهِمْ كَذَا رَجُلًا فَيَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ سَأَلَهُمْ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ اسْتَحَقُّوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ وَهَلْ ذَلِكَ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ لِيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ
قَوْله تَعَالَى أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نشؤا وإنما قيل أصلوتك تَأْمُرُك لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآمِرِ بِالْخَيْرِ وَالنَّاهِي عَنْ الشَّرِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فِي حَالِ الصلاة فقال أصلوتك تَأْمُرُك بِمَا ذَكَرْت وَعَنْ الْحَسَنِ أَدِينُك يَأْمُرُك أَيْ فِيهِ الْأَمْرُ بِهَذَا
قَوْله تَعَالَى وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فتمسكم النار وَالرُّكُونُ إلَى الشَّيْءِ هُوَ السُّكُونُ إلَيْهِ بِالْأُنْسِ والمحبة فاقتضى ذلك النهى عن مجانسة الظَّالِمِينَ وَمُؤَانَسَتِهِمْ وَالْإِنْصَاتِ إلَيْهِمْ وَهُوَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظالمين
وقَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بظلم وأهلها مصلحون قِيلَ فِيهِ لَا يُهْلِكُهُمْ بِظُلْمٍ صَغِيرٍ يَكُونُ مِنْهُمْ وَقِيلَ بِظُلْمٍ كَبِيرٍ يَكُونُ مِنْ قَلِيلٍ مِنْهُمْ كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَا يُهْلِكُ الْعَامَّةَ بِذُنُوبِ الْخَاصَّةِ
وَقِيلَ لَا يُهْلِكُهُمْ وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُمْ كَقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وفيه إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُهْلِكُ الْقُرَى وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ إلَى غَايَةِ الْفَسَادِ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَلِذَلِكَ يُهْلِكُهُمْ اللَّهُ وَهُوَ مِصْدَاقُ
قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ
قَوْله تَعَالَى
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً قَالَ قَتَادَةُ يَجْعَلُهُمْ مُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بِالْإِلْجَاءِ إلَى الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِلْجَاءُ بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُمْ لَوْ رَامُوا خِلَافَهُ مُنِعُوا مِنْهُ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَى حُسْنِهِ وَعِظَمِ الْمَنْفَعَةِ بِهِ قَوْله تَعَالَى وَلا يزالون مختلفين قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَالْأَعْمَشُ أَيْ مُخْتَلِفِينَ فِي الْأَدْيَانِ يَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ وَمَجُوسِيٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْأَحْوَالِ مِنْ تَسْخِيرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ
قوله تعالى إلا من رحم ربك إنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ بِالْبَاطِلِ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْإِيمَانِ الْمُؤَدِّي إلَى الثَّوَابِ فَإِنَّهُ نَاجٍ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالْبَاطِلِ قَوْله تَعَالَى وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ خَلَقَهُمْ لِلرَّحْمَةِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ خَلَقَهُمْ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِاخْتِلَافِهِمْ وَهِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ قَالُوا وَقَدْ تَكُونُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِك أَكْرَمْتُك عَلَى بِرِّك وَلِبِرِّك بِي آخِرُ سُورَةِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
سُورَةُ يُوسُفَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رأيتهم لى ساجدين فِيهِ بَيَانُ صِحَّةِ الرُّؤْيَا مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَلْ كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ تَأْوِيلُ الْكَوَاكِبِ إخْوَتَهُ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَبَوَيْهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ
قَوْله تَعَالَى لا تَقْصُصْ رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا عَلِمَ أَنَّهُ إنْ قَصَّهَا عَلَيْهِمْ حَسَدُوهُ وَطَلَبُوا كَيْدَهُ وَهُوَ أَصْلٌ فِي جَوَازِ تَرْكِ إظْهَارِ النِّعْمَةِ وَكِتْمَانِهِ عِنْدَ مَنْ يُخْشَى حَسَدُهُ وَكَيْدُهُ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِإِظْهَارِهِ بِقَوْلِهِ تعالى وأما بنعمة ربك فحدث
قوله تعالى ويعلمك من تأويل الأحاديث فإن التأويل ما يؤول إليه بمعنى وَيَرْجِعُ إلَيْهِ وَتَأْوِيلُ الشَّيْءِ هُوَ مَرْجِعُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ عِبَارَةُ الرُّؤْيَا وَقِيلَ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَدَلَائِلِهِ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ
قَوْله تَعَالَى إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أبينا منا الْآيَةَ تَفَاوَضُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَأَظْهَرُوا الْحَسَدَ الَّذِي كَانُوا يُضْمِرُونَهُ لِقُرْبِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ أَبِيهِمْ دُونَهُمْ وقالوا إن أبانا لفى ضلال مبين يَعْنُونَ عَنْ صَوَابِ الرَّأْيِ لِأَنَّهُ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُمْ وَكَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَكْبَرَ أَوْلَى بِتَقْدِيمِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ الْأَصْغَرِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الْبَنِينَ أَوْلَى بِالْمَحَبَّةِ
سورة هود
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (هُودٍ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتِحت بتعظيمِ الكتاب ووصفِه بالإحكام والتفصيل، واشتملت على حقائقِ العقيدة وأصولِ الدعوة إلى الله، مرغِّبةً ومرهِّبةً، واصفةً أهوالَ ومشاهد يوم القيامة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في الأثر، وقد جاء في السورةِ كثيرٌ من قصص الأنبياء؛ تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأخذِ العِبَر من حال الأنبياء، ودعوتِهم مع أقوامهم.

ترتيبها المصحفي
11
نوعها
مكية
ألفاظها
1946
ترتيب نزولها
52
العد المدني الأول
122
العد المدني الأخير
121
العد البصري
121
العد الكوفي
123
العد الشامي
122

* قوله تعالى: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اْلصُّدُورِ} [هود: 5]:

عن محمَّدِ بن عبَّادِ بن جعفرٍ: أنَّه سَمِعَ ابنَ عباسٍ يَقرأُ: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5]، قال: سألتُه عنها، فقال: «أناسٌ كانوا يَستحيُون أن يَتخلَّوْا فيُفضُوا إلى السماءِ، وأن يُجامِعوا نساءَهم فيُفضُوا إلى السماءِ؛ فنزَلَ ذلك فيهم». أخرجه البخاري (4681).

* قوله تعالى: {وَأَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ} [هود: 114]:

عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أصابَ مِن امرأةٍ قُبْلةً، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبَرَه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]، فقال الرَّجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أَلِي هذا؟ قال: «لجميعِ أُمَّتي كلِّهم»». أخرجه البخاري (526).

وفي روايةٍ عنه رضي الله عنه، قال: «جاء رجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أصَبْتُ مِن امرأةٍ كلَّ شيءٍ، إلا أنِّي لم أُجامِعْها، قال: فأنزَلَ اللهُ: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]». أخرجه أحمد (3854).

سُمِّيتْ سورةُ (هُودٍ) بهذا الاسمِ؛ لتكرُّرِ اسمه فيها خمسَ مرَّات، ولأنَّ ما حُكِي عنه فيها أطوَلُ مما حُكِي عنه في غيرها.

جاء في فضلِ سورة (هُودٍ): أنها السُّورة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ وأخواتُها». أخرجه البزار (٩٢).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (هُودٍ) على النحو الآتي:

1. حقائق العقيدة (١-٢٤).

2. أصول الدعوة الإسلامية (١-٤).

3. مشهدٌ فريد ترجُفُ له القلوب (٥-٦).

4. اضطراب نفوس الكافرين (٧-١١).

5. تسلية الرسول (١٢-١٧).

6. حال الفريقين: الكافرين، والمؤمنين (١٨-٢٤).

7. حركة حقائقِ العقيدة (٢٥-٩٩).

8. قصة نوح مع قومه (٢٥-٤٩).

9. قصة هود مع قومه (٥٠-٦٠).

10. قصة صالح مع قومه (٦١-٦٨).

11. تبشير الملائكةِ لإبراهيم عليه السلام (٦٩-٧٦).

12. إجرام قوم لوط (٧٧-٨٣).

13. قصة شُعَيب مع قومه (٨٤-٩٥).

14. مُوجَز قصة موسى مع فِرْعون (٩٦-٩٩).

15. التعقيب على حقيقة العقيدة (١٠٠-١٢٣).

16. العِبْرة فيما قص الله علينا دنيا وآخرة (١٠٠-١٠٩).

17. الاختلاف في الحق، والركون إلى الظَّلمة (١١٠- ١١٥).

18. الفتنة تعُمُّ بسكوت الصالحين (١١٦-١١٩).

19. في القصص تثبيتٌ وتسلية للقلب (١٢٠-١٢٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /445).

أشارت بدايةُ السُّورة بافتتاحها بـ(الأحرُفِ المقطَّعة: {الٓر}) إلى أن مقصدَها تعظيمُ هذا الكتاب، ووصفُ الكتاب بالإحكامِ والتفصيل، في حالتَيِ البِشارة والنِّذارة، المقتضي لوضعِ كلِّ شيء في أتَمِّ مَحالِّه، وإنفاذه - مهما أريدَ -، المُوجِب للقدرة على كل شيء، وفي ذلك تسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتٌ له على الحق: {فَاْصْبِرْۖ إِنَّ اْلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /175).

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إذَا ادَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ