مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر.
وقال ابن عباس وقتادة إلا آية وهي قوله " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ".
"شيبتني هود وأخواتها". وأخواتها الواقعة والمرسلات والنبأ والتكوير.
و في قول أنها الحاقة والمعارج والقارعة والتكوير، وإنما تشيب هذه السور قارئها لما فيها من االوعيد والهول..
ﰡ
أحدهما : أن كتبت في الكتاب ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾
الثاني : أنه أمر رسوله أن يقول للناس ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾.
﴿ إنَّنِي لَكُم مِنُهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ قال ابن عباس : نذير من النار، وبشير بالجنة١.
أحدهما : استغفروه من سالف١ ذنوبكم ثم توبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم. قال بعض العلماء : الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. الثاني : أنه قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب والتوبة هي السبب إليها، فالمغفرة أوّل في الطلب وآخر في السبب.
ويحتمل ثالثاً : أن المعنى استغفروه من الصغائر وتوبوا إليه من الكبائر ﴿ يُمَتِّعْكُم متَاعاً حَسَناً ﴾ يعني في الدنيا وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه طيب النفس وسعة الرزق.
الثاني : أنه الرضا بالميسور، والصبر على المقدور.
الثالث : أنه ترْك الخلق والإقبال على الحق، قاله سهل بن عبد الله ويحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الحلال الكافي.
الثاني : أنه الذي لا كد فيه ولا طلب.
الثالث : أنه المقترن بالصحة والعافية٢.
﴿ إِلَى أَجَلٍ مسَمًّى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : إلى يوم الموت، قاله الحسن. الثالث : إلى وقت لا يعلمه إلا الله تعالى، قاله ابن عباس.
﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يهديه إلى العمل الصالح، قاله ابن عباس.
الثاني : يجازيه عليه في الآخرة، على قول قتادة. ويجوز أن يجازيه عليه في الدنيا، على قول مجاهد.
﴿ وَإن تَوَلَّوْا ﴾ يعني عما أُمرتم له.
﴿ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ وفيه إضمار وتقدير : فقل لهم إني أخاف عليكم عذاب يوم كبير يعني يوم القيامة وصفه بذلك لكبر الأمور التي هي فيه.
٢ سقط من ق..
(أرعى النجوم وما كُلّفتُ رعيتها | وتارةً أتغشّى فضل أطماري) |
أحدهما : يعني إلى فناء أمة معلومة، ذكره علي بن عيسى.
الثاني : إلى أجل معدود، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين. وتكون الأمة١ عبارة عن المدة، واصلها الجماعة فعبر بها عن المدة لحلولها في مدة.
﴿ ليقولن ما يحبسه ﴾ يعني العذاب. وفي قولهم ذلك وجهان :
أحدهما : أنهم قالوا ذلك تكذيباً للعذاب لتأخره عنهم.
الثاني : أنهم قالوا ذلك استعجالاً للعذاب واستهزاء، بمعنى ما الذي حبسه عنا ؟
(فلا تحبسنّي كافراً لك نعمةً | على شاهدي يا شاهد الله فاشهد.) |
(أوردتموها حياض الموت ضاحيةً | فالنار موعِدُها والموت لاقيها) |
أحدها : أنه القرآن، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثاني : محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد وعكرمة وأبو العالية وأبو صالح وقتادة والسري والضحاك.
الثالث : الحجج الدالة على توحيد الله تعالى ووجوب طاعته، قاله ابن بحر.
وذكر بعض المتصوفة قولاً رابعاً : أن البينة هي الإشراف على القلوب والحكمة على الغيوب.
﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه لسانه يشهد له بتلاوة القرآن، قاله الحسن وقتادة، ومنه قول الأعشى :
فلا تحبسنّي كافراً لك نعمةً | على شاهدي يا شاهد الله فاشهد. |
الثالث : أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس والنخعي وعكرمة والضحاك.
الرابع : أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، روى المنهال عن عباد ابن عبد الله قال : قال عليّ : ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية، قيل له : فما نزل فيك ؟ قال ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنُهُ ﴾
الخامس : أنه ملك يحفظه، قاله مجاهد وأبو العالية.
ويحتمل قولاً سادساً : ويتلوه شاهد من نفسه بمعرفة حججه ودلائله وهو عقله ووحدته، قاله ابن بحر١.
﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة، قاله ابن زيد.
الثاني : ومن قبل محمد كتاب موسى، قاله مجاهد.
﴿ إِمَاماً وَرَحْمَةًً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما يعني متقدماً علينا ورحمة لهم.
الثاني : إماماً للمؤمنين لاقتدائهم بما فيه ورحمة لهم.
﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ يعني من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه.
﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل الأديان كلها لأنهم يتحزبون : قاله سعيد بن جبير.
الثاني : هم المتحزبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمعون على محاربته.
وفي المراد بهم ثلاثة أوجه : أحدها : قريش، قاله السدي، الثاني : اليهود والنصارى، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : أهل الملل كلها. ﴿ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ أي أنها مصيره، قاله حسان بن ثابت :
أوردتموها حياض الموت ضاحيةً | فالنار موعِدُها والموت لاقيها |
أحدهما : في مرية من القرآن، قاله مقاتل.
الثاني : في مرية من أن النار موعد الكفار، قاله الكلبي. وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به جميع المكلفين.
(نَصَبنا رأسه في جذع نخل | بما جَرَمت يداه وما اعتدينا) |
(ولقد طعنت أبا عيينة طعنة | جرمت فزارُة بعدها أن يغضبوا.) |
وفي سبيل الله التي صدوا عنها وجهان :
أحدهما : أنه محمد صلى الله عليه وسلم صدت قريش عنه الناس، قاله السدي.
والثاني : دين الله تعالى، قاله ابن عباس.
﴿ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني يؤمنون بملة غير الإسلام ديناً، قاله أبو مالك.
الثاني : يبغون محمداً هلاكاً، قاله السدي.
الثالث : أن يتأولوا القرآن تأويلا باطلاً، قاله عليّ بن عيسى.
أحدها : أن معنى لا جرم : لا بد.
الثاني : أن ﴿ لا ﴾ عائد على الكفار، أي لا دافع لعذابهم، ثم استأنف فقال : جرم، أي كسب بكفره استحقاق النار، ويكون معنى جرم : كسب، أي بما كسبت يداه، قال الشاعر١ :
نَصَبنا رأسه في جذع نخل | بما جَرَمت يداه وما اعتدينا |
الثالث : أن ﴿ لا ﴾ زائدة دخلت توكيداً، يعني حقاً إنهم في الآخرة هم الأخسرون. قال الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة | جرمت فزارُة بعدها أن يغضبوا. |
أحدها : إنك تعمل بأول١ الرأي من غير فكر، قاله الزجاج.
الثاني : أن ما في نفسك من الرأي ظاهر، تعجيزاً له، قاله ابن شجرة. الثالث : يعني أن أراذلنا اتبعوك بأقل الرأي وهم إذا فكروا رجعوا عن إتباعك، حكاه٢ ابن الأنباري.
﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنا مِن فَضْلٍ ﴾ يحتمل وجهين.
أحدهما : من فضل تفضلون به علينا من دنياكم. والثاني : من فضل تفضلون به علينا في أنفسكم.
٢ هذا على قراءة من قرأ بادئ بالهمزة من بدأ بمعنى فعل أولا..
(يباعده الصديق وتزدريه | حليلته وينهره الصغير.) |
(طريد عشيرةٍ ورهين جرم | بما جرمت يدي وجنى لساني.) |
(فارسُ الخيل إذا ما ولولت | ربّهُ الخِدر بصوتٍ مبتئس) |
(وكم من خليلٍ أو حميم رُزئته | فلم أبتئس والرزءُ فيه جَليلُ) |
أحدهما : بحيث نراك، فعبر عن الرؤية بالأعين لأن بها تكون الرؤية.
الثاني : بحفظنا إياك حفظ من يراك.
الثالث : بأعين أوليائنا من الملائكة.
ويحتمل وجهاً رابعاً : بمعونتنا لك على صنعها. ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وأمرنا لك أن تصنعها.
الثاني : تعليمنا لك كيف تصنعها.
﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظلَمُواْ إِنَّهُمْ مُغْرَقونَ ﴾ نهاه الله عن المراجعة فيهم فاحتمل نهيه أمرين :
أحدهما : ليصرفه عن سؤال ما لا يجاب إليه.
الثاني : ليصرف عنه مأثم الممالأة للطغاة.
أحدها : ما قاله الحسن كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت مطبقة.
الثاني : ما قاله ابن عباس : كان طولها أربعمائة ذراع، وعلوها ثلاثون ذراعاً. وقال خصيف١ : كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعاً، وكان في أعلاها الطير، وفي وسطها الناس وفي أسفلها السباع. ودفعت من عين وردة في يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ورست بباقردي٢ على الجودي يوم عاشوراء. قال قتادة وكان بابها في عرضها.
﴿ وكلّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ منْ قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ﴾ وفي سخريتهم منه قولان :
أحدهما : أنهم كانوا يرونه يبني في البر سفينة فيسخرون منه ويستهزئون به ويقولون : يا نوح صرت بعد النبوة نجاراً.
الثاني : أنهم لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا يا نوح : ما تصنع ؟ قال : أبني بيتاً يمشي على الماء فعجبوا من قوله وسخروا منه.
﴿ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إن تسخروا من قولنا فسنسخر من غفلتكم.
الثاني : إن تسخروا من فِعلنا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق.
والمراد بالسخرية ها هنا الاستجهال. ومعناه إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم.
قال ابن عباس : ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر فلذلك سخروا منه. قال : ومياه البحار بقية الطوفان.
فإن قيل : فلم جاز أن يقول فإنا نسخر منكم مع قبح السخرية ؟ قيل : لأنه ذمٌّ جعله مجازاة على السخرية فجاء به على مزاوجة الكلام، وكان الزجاج لأجل هذا الاعتراض يتأوله على معنى إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلوننا.
٢ بباقردي: هكذا بالأصل ولعل باقردي اسم على جبل الجودي والله أعلم وسيأتي مزيد بيان..
(فار تنورهم وجاش بماءٍ | صار فوق الجبال حتى علاها) |
﴿ قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا من رحم الله وهم أهل السفينة.
الثاني : إلا من رحم نوح فحمله في سفينته وقوله :﴿ لا عاصم ﴾ يعني لا معصوم. ﴿ من أمر الله ﴾ يعني الغرق.
(سبحانه ثم سُبحاناً يعود له | وقبلنا سبح الجوديُّ والجمد) |
(وقفنا فقلنا إيه سِلْم فسَلّمَتْ | كما اكتلَّ بالبرْقِ الغمامُ اللوائحُ) |
(اذا ما اعتبطنا اللحم للطالب القِرى | حنذناه حتى عَين اللحم آكله) |
(لهم راحٌ وكافور ومسكٌ | وعِقر الوحش شائله حنوذ) |
(وأنكَرَتْني وما كان الذي نكرت | من الحوادث إلا الشيب والصّلَعا) |
(جاء البريد بقرطاس يُخَبُّ به | فأوجس القلبُ من قرطاسه جزعا) |
(وضحك الأرانب فوق الصفا | كمثل دم الخوف يوم اللّقا) |
(فجاء بمزجٍ لم ير الناس مثله | هو الضحك إلاّ انه عمل النحل) |
(حلفت فلم أترك لنفسك ريبة | وليس وراءَ اللهِ للمرء مذهبُ) |
(حاسري الديباج عن أذرعهم | عند بعل حازم الرأي بَطل) |
أحدهما : أن معناهما مختلف، فنكرهم إذا لم يعرفهم ونكرهم إذا وجدهم على منكر.
الثاني :[ أنهما ] بمعنى واحد، قال الأعشى :
وأنكَرَتْني وما كان الذي نكرت | من الحوادث إلا الشيب والصّلَعا |
أحدهما : أنهم لم يطعموا، ومن شأن العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ظنوا به سوءاً وخافوا منه شراً، فنكرهم إبراهيم لذلك، قاله قتادة. والثاني : لأنه لم تكن لهم أيدي فنكرهم، قاله يزيد بن أبي حبيب. وامتنعوا من طعامه لأنهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون.
﴿ وَأَْوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أضمر في نفسه خوفاً منهم.
والثاني : أحسّ من نفسه تخوفاً منهم، كما قال يزيد بن معاوية :
جاء البريد بقرطاس يُخَبُّ به | فأوجس القلبُ من قرطاسه جزعا |
أحدهما : ليزول خوفه منهم.
والثاني : لأن إبراهيم قد كان يأتي قوم لوط فيقول : ويحكم أنهاكم عن الله أن تتعرضوا لعقوبته فلا يطيعونه.
أحدها : أنها كانت قائمة من وراء الستر تسمع كلامهم، قاله وهب.
الثاني : أنها كانت قائمة تخدمهم، قاله مجاهد.
الثالث : أنها كانت قائمة تُصَلّي، قاله محمد بن إسحاق. ﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني حاضت، قاله مجاهد والعرب تقول ضحكت المرأة إذا حاضت، والضحك الحيض في كلامهم، قال الشاعر :
وضحك الأرانب فوق الصفا | كمثل دم الخوف يوم اللّقاء١ |
فجاء بمزجٍ لم ير الناس مثله | هو الضحك٢ إلاّ أنه عمل النحل |
فإن حمل تأويله على الحيض ففي سبب حيضها وجهان : أحدهما : أنه وافق وقت عادتها فخافت ظهور دمها وأرادت شداده فتحيرت مع حضور الرسل.
والقول الثاني : ذعرت وخافت فتعجل حيضها قبل وقته، وقد تتغير عادة الحيض باختلاف الأحوال وتغير الطباع.
ويحتمل قولاً ثالثاً : أن يكون الحيض بشيراً بالولادة لأن من لم تحض لا تلد.
وإن حمل تأويله على التعجب ففيما تعجب منه أربعة أقاويل :
أحدها : أنها تعجبت من أنها وزوجها يخدمان الأضياف تكرمة لهم وهم لا يأكلون، قاله السدي.
الثاني : تعجبت من أن قوم لوط قد أتاهم العذاب وهم غافلون، قاله قتادة.
الثالث : أنها عجبت من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها، قاله وهب بن منبه.
الرابع : أنها تعجبت من إحياء العجل الحنيذ لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار، قاله عون بن أبي شداد.
وإن حمل تأويله على ضحك الوجه ففيما ضحكت منه أربعة أقاويل :
أحدها : ضحكت سروراً بالسلامة.
الثاني : سروراً بالولد. الثالث : لما رأت ما بزوجها من الورع، قاله الكلبي.
الرابع : أنها ضحكت ظناً بأن الرسل يعملون عمل قوم لوط، قاله محمد بن عيسى.
﴿ فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ وفي ﴿ وراء ﴾ هاهنا قولان :
أحدهما : أن الوراء ولد الولد، قاله ابن عباس والشعبي.
الثاني : أنه بمعنى بعد، قاله مقاتل، وقال النابغة الذبياني :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة | وليس وراءَ اللهِ للمرء مذهبُ |
فإن قيل : فلم خصت سارة بالبشرى من دون إبراهيم ؟ قيل عن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنها لما اختصت بالضحك خصت بالبشرى.
الثاني : أنهم كافؤوها بالبشرى مقابلة على استعظام خدمتها.
الثالث : لأن النساء في البشرى بالولد أعظم سروراً وأكثر فرحاً.
قال ابن عباس : سمي إسحاق لأن سارة سحقت بالضحك حين بشرت به.
٢ فسر الضحك هنا بالعسل. انظر مادة ضحك لسان العرب..
واختلف في سنها وسن إبراهيم حينئذ، فقال مجاهد : كان لسارة تسع وتسعون سنة وكان لإبراهيم مائة سنة.
وقال محمد بن إسحاق : كانت سارة بنت تسعين سنة وكان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة.
وقال قتادة : كان كل واحد منهما ابن تسعين سنة. وقيل أنها عرّضت بقولها ﴿ وهذا بعلي شيخاً ﴾ عن ترك غشيانه لها، والبعل هو الزوج في هذا الموضع، ومنه قوله تعالى :﴿ وبعولتهن أحق بردّهن في ذلك١ ﴾.
والبعل : المعبود، ومنه قوله تعالى :﴿ أتدعون بعلاً ﴾٢ أي إليها معبوداً.
والبعل السيد، ومنه قول لبيد.
حاسري الديباج عن أذرعهم | عند بعل حازم الرأي بَطل |
﴿ إن هذا لشيء عجيب ﴾ أي منكر، ومنه قوله تعالى :﴿ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ﴾ [ ق : ٢ ] أي أنكروا. ولم يكن ذلك منها تكذيباً ولكن استغراباً له.
٢ الصافات، الآية ١٢٥..
(وإنك إلاّ ترض بكر بن وائل | يكن لك يومٌ بالعراق عصيب.) |
(من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت | بها مِرطها أو زايل الحلي جيدها) |
(لا تعدمي الدهر شفار الجازر | للضيف والضيف أحق زائر) |
وكان سبب إسراعهم إليه أن امرأة لوط أعلمتهم بأضيافه وجَمالهم فأسرعوا إليه طلباً للفاحشة منهم.
﴿ ومن قبل كانوا يعملون السيئات ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من قبل إسراعهم إليه كان ينكحون الذكور، قاله السدي.
الثاني : أنه كانت اللوطية في قوم لوط في النساء قبل الرجال بأربعين سنة، قاله عمر بن أبي زائدة.
﴿ قال يا قوم هؤلاء بناتي هُنَّ أطهر لكم ﴾ قال لهم لوط ذلك ليفتدي أضيافه منهم.
﴿ هؤلاء بناتي ﴾ فيهن قولان :
أحدهما : أنه أراد نساء أمته ولم يرد بنات نفسه. قال مجاهد وكل نبي أبو أمّته وهم أولاده. وقال سعيد بن جبير : كان في بعض القرآن : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم.
الثاني : أنه أراد بنات نفسه وأولاد صلبه لأن أمره فيهن أنفذ من أمره في غيرهن، وهو معنى قول حذيفة بن اليمان.
فإن قيل : كيف يزوجهم ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته ؟
قيل : عن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة، وكان هذا في صدر الإسلام جائزاً حتى نسخ، قاله الحسن.
الثاني : أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.
الثالث : أنه قال ذلك ترغيباً في الحلال وتنبيهاً على المباح ودفعاً للبادرة من غير بذل نكاحهن ولا بخطبتهن، قاله ابن أبي نجيح٢.
﴿ هن أطهر لكم ﴾ أي أحل لكم بالنكاح الصحيح.
﴿ فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تذلوني بعار الفضيحة، ويكون الخزي بمعنى الذل. الثاني : لا تهلكوني بعواقب فسادكم، ويكون الخزي بمعنى الهلاك. الثالث : أن معنى الخزي هاهنا الاستحياء، يقال خزي الرجل إذا استحي، قال الشاعر :
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت | بها مِرطها أو زايل الحلي جيدها |
لا تعدمي الدهر شفار الجازر | للضيف والضيف أحق زائر |
فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف.
٢ والأرجح من هذه الأقوال كلها أن لوطا عرض بناته عرضا غير جاد اعتمادا على أنهم يستحيون منه ويكفوا كما نقول لرجل يضرب آخر وأنت تحجزه عنه: دعه واضربني أنا، وقد أورد ذلك الفخر الرازي وأبو السعود والاصفهاني وغيرهم من المفسرين..
أحدهما : ما لنا فيهن حاجة، قاله الكلبي.
الثاني : ليس١ لنا بأزواج، قاله محمد بن إسحاق.
﴿ وإنك لتعلم ما نريد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعلم أننا لا نتزوج إلا بامرأة واحدة وليس منا رجل إلا له امرأة، قاله الكلبي.
الثاني : أننا نريد الرجال.
(عند الصباح يحمد القوم السُرَى | وتنجلي عنهم غيابات الكرى) |
(إذا المرءُ أسرى ليلة ظن أنه | قضى عملاً، والمرءُ ما عاش عامِلُ) |
(ونائحةٍ تنوح بقطع ليل | على رجلٍ بقارعة الصّعيد) |
أحدهما : أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثرين. الثاني : أنه اسم عربي مأخوذ من قولهم : لطتُ الحوض إذا ملسته بالطين. وقيل إن لوطاً كان قائماً على بابه يمنع قومه من أضيافه، فلما أعلموه أنهم رسل ربه مكّن قومه من الدخول فطمس١ جبريل عليه السلام على أعينهم فعميت، وعلى أيديهم فجفت.
﴿ فأسْرِ بأهلك ﴾ أي فسِرْ بأهلك ليلاً، والسُري سير الليل، قال عبد الله بن رواحة :
عند الصباح يحمد القوم السُرَى | وتنجلي عنهم غيابات الكرى |
أحدهما : أن معناهما في سير الليل واحد.
الثاني : أن معناهما مختلف، فأسرى إذا سار من أول الليل، وسرى إذا سار في آخره، ولا يقال في النهار إلا سار، قال لبيد :
إذا المرءُ أسرى ليلة ظن أنه | قضى عملاً، والمرءُ ما عاش عامِلُ |
أحدها : معناه سواد الليل، قاله قتادة.
الثاني : أنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين، ومنه قول الشاعر٢ :
ونائحةٍ تنوح بقطع ليل | على رجلٍ بقارعة الصّعيد |
أحدها : لا ينظر وراءه منكم أحد، قاله مجاهد. الثاني : يعني لا يتخلف منك أحد، قاله ابن عباس :
الثالث : يعني لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو امتناع، حكاه علي بن عيسى.
﴿ إلا امرأتك إنّه مُصيبها ما أصابهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن قوله :﴿ إلا امرأتك ﴾ استثناء من قوله :﴿ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك ﴾ وهذا قول من قرأ :﴿ إلا امرأتك ﴾ بالنصب.
الثاني : أنه استثناء من قوله :﴿ ولا يلتفت منك أحد إلا امرأتك ﴾ وهو على معنى البدل إذا قرئ بالرفع.
﴿ إنه مصيبها ما أصابهم ﴾ فذكر قتادة أنها خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت، فأرسل الله عليهم حجراً فأهلكها. ﴿ إنّ موعدهم الصبح أليْسَ الصُّبحُ بقريبٍ ﴾ فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن لوطاً لما علم أنهم رسل ربه قال : فالآن إذن فقال له جبريل عليه السلام :{ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب " ويجوز أن يكون قد جعل الصبح ميقاتاً لهلاكهم لأن النفوس فيه أودع والناس فيه أجمع.
٢ هو مالك بن كنانة..
(ورحلة يضربون البيض عن عَرَضٍ | ضربا تواصى به الأبطال سجّينا) |
(غُلامٌ رماه الله بالحُسْن يافعا | له سيمياءٌ لا تشقُ على البصر) |
غُلامٌ رماه الله بالحُسْن يافعا | له سيمياءٌ لا تشقُ على البصر١ |
أحدهما : أنها كانت مختمة، على كل حجر منها اسم صاحبه.
الثاني : معلمة ببياض في حمرة، على قول ابن عباس، وقال قتادة : مطوقة بسواد في حمرة.
﴿ عند ربك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في علم ربك، قاله ابن بحر.
الثاني : في خزائن ربك لا يملكها غيره ولا يتصرف فيها أحد إلا بأمره. ﴿ وما هي من الظالمين ببعيد ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه ذكر ذلك وعيداً لظالمي قريش، قاله مجاهد.
الثاني : وعيد لظالمي العرب، قاله عكرمة.
الثالث : وعيد لظالمي هذه الأمة، قاله قتادة.
الرابع : وعيد لكل ظالم، قاله الربيع. وفي الحجارة التي أمطرت قولان :
أحدهما : أنه أمطرت على المدن حين رفعها. الثاني : أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجاً عنها.
ومعنى لا تشق على البصر أي يفرح به من ينظر إليه..
أحدها : يعني طاعة الله تعالى خير لكم، قاله مجاهد.
الثاني : وصية من الله، قاله الربيع.
الثالث : رحمة الله، قاله ابن زيد.
الرابع : حظكم من ربكم خير لكم، قاله قتادة.
الخامس : رزق الله خير لكم، قاله ابن عباس.
السادس : ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان خير لكم، قاله ابن جرير الطبري.
﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : حفيظ من عذاب الله تعالى أن ينالكم.
الثاني : حفيظ لنعم الله تعالى أن تزول عنكم.
الثالث : حفيظ من البخس والتطفيف إن لم تطيعوا فيه ربكم.
(ألا من مبلغ قيساً رسولاً | فكيف وجدتم طعمَ الشقاق) |
(تراجمنا بمُرِّ القول حتى | نصير كأننا فَرسَا رِهان) |
(............ وجَدْنا بني البرصاءِ من وَلَدِ الظّهْرِ)
أي ممن لا يلتفت إليهم ولا يعتد بهم. الثاني: يعني أنكم حملتم أوزار مخالفته على ظهوركم، قاله السدي، من قولهم حملت فلاناً على ظهري اذا أظهرت عناده. الثالث: يعني أنكم جعلتم الله ظهرياً إن احتجتم استعنتم به، وإن اكتفيتم تركتموه. كالذي يتخذه الجمَّال من جماله ظهرياً إن احتاج إليها حمل عليها وإن استغنى عنها تركها، قاله عبد الرحمن بن زيد. الرابع: إن الله تعالى جعلهم وراء ظهورهم ظهرياً، قاله مجاهد. ﴿إنّ ربي بما تعملون محيط﴾ فيه ثلاثة أوجه:
﴿ واتخذتموه وراءَكم ظهرياً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أطرحتم أمره وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تعملون به، قاله السدي، ومنه قول الشاعر١ :
. . . . . . . . . | وجَدْنا بني البرصاءِ من وَلَدِ الظّهْرِ |
الثاني : يعني أنكم حملتم أوزار مخالفته على ظهوركم، قاله السدي، من قولهم حملت فلاناً على ظهري إذا أظهرت عناده.
الثالث : يعني أنكم جعلتم الله ظهرياً إن احتجتم استعنتم به، وإن اكتفيتم تركتموه. كالذي يتخذه الجمَّال من جماله ظهرياً إن احتاج إليها حمل عليها وإن استغنى عنها تركها، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الرابع : إن الله تعالى جعلهم وراء ظهورهم ظهرياً، قاله مجاهد.
﴿ إنّ ربي بما تعملون محيط ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حفيظ.
الثاني : خبير.
الثالث : مُجَازٍ.
وصدره: فمن مبلغ أبناء مرة أننا...
انظر اللسان مادة ظهر..
أحدهما : أن اللعنة في الدنيا من المؤمنين وفي الآخرة من الملائكة.
الثاني : أنه عنى بلعنة الدنيا الغرق، وبلعنة الآخرة النار، قاله الكلبي ومقاتل.
﴿ بئس الرِّفد المرفود ﴾ فيه ثلاث أوجه :
أحدها : بئس العون المعان، قاله أبو عبيدة.
الثاني : أن الرَّفد بفتح الراء : القدح، والرفد بكسرها ما في القدح من الشراب، حكي ذلك عن الأصمعي فكأنه ذم بذلك ما يُسقونه في النار.
الثالث : أن الرفد الزيادة، ومعناه بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار، قاله الكلبي١.
(والناس في قسم المنية بينهم | كالزرع منه قائم وحصيد) |
(فلقد بَليتُ وكلُّ صاحب جِدّةٍ | لبِلىً يعودُ وذاكم التتبيب) |
(عرابة من بقية قوم لوطٍ | ألا تباً لما فعلوا تبابا) |
أحدها : أن التتبيب الشر، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه الهلكة، قاله قتاة. قال لبيد :
فلقد بَليتُ وكلُّ صاحب جِدّةٍ | لبِلىً يعودُ وذاكم التتبيب |
عرابة من بقية قوم لوطٍ | ألا تباً لما فعلوا تبابا |
(فمنهم سعيد آخذٌ بنصيبه | ومنهم شقي بالمعيشة قانعُ) |
أحدها : لا تشفع إلا بإذنه.
الثاني : لا تتكلم إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام لأنهم ملجؤون إلى ترك القبيح.
الثالث : أن لهم في القيامة وقت يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه.
﴿ فمنهم شقيٌ وسعيد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : محروم ومرزوق، قاله ابن بحر.
الثاني : معذب ومكرم، قال لبيد.
فمنهم سعيد آخذٌ بنصيبه | ومنهم شقي بالمعيشة قانعُ |
الثاني : أن الله ابتدأهما بالشقاوة والسعادة من غير جزاء. وروى عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : لما نزلت ﴿ فمنهم شقي وسعيد ﴾ قلت : يا رسول الله فعلام نعمل ؟ أعلى شيء قد فرغ منه أم على ما لم يفرغ منه ؟ فقال :" بلى على شيء قد فرغ منه يا عمر، وجرت به الأقلام ولكن كل شيء ميسور لما خلق له١ ".
(حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق | حتى يقال ناهق وما نهق) |
(ألا لا أرى على الحوادث باقيا | ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا) |
أحدها : خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها حكاه ابن عيسى.
الثاني : ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة، قاله بعض المتأخرين.
الثالث : ما دامت السماوات والأرض، أي مدة لبثهم في الدنيا، قاله ابن قتيبة.
الرابع : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها، قاله قتادة، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة، حكاه الضحاك عن ابن عباس، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون "
الخامس : إلا ما شاء من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها، قاله أبو نضرة يرويه مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس : إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء، قاله ابن عباس.
السابع : أن الاستثناء راجع إلى قولهم :﴿ لهم فيها زفير وشهيق ﴾ إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما لم يسم ولم يوصف ومما قد سمّي ووصف، ثم استأنف ﴿ ما دامت السماوات والأرض ﴾ حكاه ابن الأنباري.
الثامن : أن الاستثناء واقع على معنى لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل ولكن الذي يريده ويشاؤه ويحكم به تخليدُهم وفي تقدير خلودهم بمدة السماوات والأرض وجهان :
أحدهما : أنها سماوات الدنيا وأرضها، ولئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد فذكر ذلك على عادتهم وعرفهم كما قال زهير :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا | ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا |
(وكلُّ أخٍ مفارقُهُ أخوه | لعمر أبيك إلا الفرقدان.) |
أحدها : لا تميلوا، قاله ابن عباس.
الثاني : لا تدنوا، قاله سفيان.
الثالث : لا ترضوا أعمالهم، قاله أبو العالية.
الرابع : لا تدهنوا لهم في القول وهو أن يوافقهم في السر ولا ينكر عليهم في الجهر.
ومنه قوله تعالى :﴿ ودّوا لو تدهن فيدهنون ﴾ [ القلم : ٩ ]، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ فتمسكم النار ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فيمسكم عذاب النار لركونكم إليهم.
الثاني : فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها، ويكون ذكر النار على هذا الوجه استعارة وتشبيهاً، وعلى الوجه الأول خبراً ووعيداً.
(ناجٍ طواه الأين مما وجفا | طيَّ الليالي زُلَفاً فزلفا) |
أحدهما : على ملة الإسلام وحدها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أهل دين واحد، أهل ضلالة وأهل هدى، قاله الضحاك.
﴿ ولا يزالون مختلفين إلا من رَحِمَ ربّك ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : مختلفين في الأديان إلا من رحم ربك من أهل الحق، قاله مجاهد وعطاء.
الثاني : مختلفين في الحق والباطل إلا من رحم ربك من أهل الطاعة، قاله ابن عباس.
الثالث : مختلفين في الرزق فهذا غني وهذا فقير إلا من رحم ربك من أهل القناعة، قاله الحسن.
الرابع : مختلفين بالشقاء والسعادة إلا من رحم ربك بالتوفيق.
الخامس : مختلفين في المغفرة والعذاب إلا من رحم ربك بالجنة.
السادس : أنه معنى مختلفين أي يخلف بعضهم بعضاً، فيكون من يأتي خلفاً للماضي لأن سوءاً في كل منهم خلف بعضهم بعضاً، فاقتتلوا ومنه قولهم : ما اختلف الجديدان، أي جاء هذا بعد ذاك، قاله ابن بحر.
﴿ ولذلك خلقهم ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : للاختلاف خلقهم، قاله الحسن وعطاء.
الثاني : للرحمة خلقهم، قاله مجاهد.
الثالث : للشقاء والسعادة خلقهم، قاله ابن عباس.
الرابع : للجنة والنار خلقهم، قاله منصور بن عبد الرحمن.
مكية كلها. وقال ابن عباس وقتادة إلاّ أربع آيات منها. بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود
سورةُ (هُودٍ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتِحت بتعظيمِ الكتاب ووصفِه بالإحكام والتفصيل، واشتملت على حقائقِ العقيدة وأصولِ الدعوة إلى الله، مرغِّبةً ومرهِّبةً، واصفةً أهوالَ ومشاهد يوم القيامة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في الأثر، وقد جاء في السورةِ كثيرٌ من قصص الأنبياء؛ تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأخذِ العِبَر من حال الأنبياء، ودعوتِهم مع أقوامهم.
ترتيبها المصحفي
11نوعها
مكيةألفاظها
1946ترتيب نزولها
52العد المدني الأول
122العد المدني الأخير
121العد البصري
121العد الكوفي
123العد الشامي
122
* قوله تعالى: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اْلصُّدُورِ} [هود: 5]:
عن محمَّدِ بن عبَّادِ بن جعفرٍ: أنَّه سَمِعَ ابنَ عباسٍ يَقرأُ: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5]، قال: سألتُه عنها، فقال: «أناسٌ كانوا يَستحيُون أن يَتخلَّوْا فيُفضُوا إلى السماءِ، وأن يُجامِعوا نساءَهم فيُفضُوا إلى السماءِ؛ فنزَلَ ذلك فيهم». أخرجه البخاري (4681).
* قوله تعالى: {وَأَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ} [هود: 114]:
عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أصابَ مِن امرأةٍ قُبْلةً، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبَرَه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]، فقال الرَّجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أَلِي هذا؟ قال: «لجميعِ أُمَّتي كلِّهم»». أخرجه البخاري (526).
وفي روايةٍ عنه رضي الله عنه، قال: «جاء رجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أصَبْتُ مِن امرأةٍ كلَّ شيءٍ، إلا أنِّي لم أُجامِعْها، قال: فأنزَلَ اللهُ: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]». أخرجه أحمد (3854).
سُمِّيتْ سورةُ (هُودٍ) بهذا الاسمِ؛ لتكرُّرِ اسمه فيها خمسَ مرَّات، ولأنَّ ما حُكِي عنه فيها أطوَلُ مما حُكِي عنه في غيرها.
جاء في فضلِ سورة (هُودٍ): أنها السُّورة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ وأخواتُها». أخرجه البزار (٩٢).
جاءت موضوعاتُ سورةِ (هُودٍ) على النحو الآتي:
1. حقائق العقيدة (١-٢٤).
2. أصول الدعوة الإسلامية (١-٤).
3. مشهدٌ فريد ترجُفُ له القلوب (٥-٦).
4. اضطراب نفوس الكافرين (٧-١١).
5. تسلية الرسول (١٢-١٧).
6. حال الفريقين: الكافرين، والمؤمنين (١٨-٢٤).
7. حركة حقائقِ العقيدة (٢٥-٩٩).
8. قصة نوح مع قومه (٢٥-٤٩).
9. قصة هود مع قومه (٥٠-٦٠).
10. قصة صالح مع قومه (٦١-٦٨).
11. تبشير الملائكةِ لإبراهيم عليه السلام (٦٩-٧٦).
12. إجرام قوم لوط (٧٧-٨٣).
13. قصة شُعَيب مع قومه (٨٤-٩٥).
14. مُوجَز قصة موسى مع فِرْعون (٩٦-٩٩).
15. التعقيب على حقيقة العقيدة (١٠٠-١٢٣).
16. العِبْرة فيما قص الله علينا دنيا وآخرة (١٠٠-١٠٩).
17. الاختلاف في الحق، والركون إلى الظَّلمة (١١٠- ١١٥).
18. الفتنة تعُمُّ بسكوت الصالحين (١١٦-١١٩).
19. في القصص تثبيتٌ وتسلية للقلب (١٢٠-١٢٣).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /445).
أشارت بدايةُ السُّورة بافتتاحها بـ(الأحرُفِ المقطَّعة: {الٓر}) إلى أن مقصدَها تعظيمُ هذا الكتاب، ووصفُ الكتاب بالإحكامِ والتفصيل، في حالتَيِ البِشارة والنِّذارة، المقتضي لوضعِ كلِّ شيء في أتَمِّ مَحالِّه، وإنفاذه - مهما أريدَ -، المُوجِب للقدرة على كل شيء، وفي ذلك تسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتٌ له على الحق: {فَاْصْبِرْۖ إِنَّ اْلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /175).