بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة طهوهي مكية
وفي بعض الغرائب من الأخبار برواية أبي هريرة، أن النبي : قال :«إن الله تعالى قرأ سورة طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فقالت الملائكة : طوبى لأمة نزل عليهم هذا، وطوبى لقلوب حملت هذه، وطوبى لألسن تكلمت بهذا »( ١ ).
ﰡ
وَاخْتلفت الْأَقَاوِيل فِي معنى طه، فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: هُوَ بالسُّرْيَانيَّة: يَا رجل. وَنقل الْكَلْبِيّ: أَنه يَا إِنْسَان بلغَة عك. قَالَ الشَّاعِر:
(إِن السفاهة طه من خليقتكم | لَا قدس الله أَرْوَاح الملاعين) |
(هَتَفت بطه فِي الْقِتَال فَلم يجب | فَخفت عَلَيْهِ أَن يكون مواليا) |
(تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت | فَتلك سَبِيل لست فِيهَا بأوحد) |
وَالْقَوْل الْخَامِس: يعلم السِّرّ وأخفى، أَي: أخْفى سره من عباده، وَهَذَا قَول ابْن زيد.
وَقَوله: ﴿إِنِّي آنست نَارا﴾ أَي: أَبْصرت نَارا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لعَلي آتيكم مِنْهَا بقبس﴾ القبس: كل مَا فِي رَأسه نَار من شعلة أَو فَتِيلَة.
وَقَوله: ﴿أَو أجد على النَّار هدى﴾ أَو أجد عِنْد النَّار من يهديني، ويدلني على الطَّرِيق، فَروِيَ أَنه لما توجه إِلَى النَّار رأى شَجَرَة خضراء، أطافت بِهِ النَّار، وَالنَّار كأضوء مَا يكون، والشجرة كأخضر مَا يكون، فَلَا ضوء النَّار يُغير خضرَة الشَّجَرَة، وَلَا خضرَة الشَّجَرَة تغير ضوء النَّار.
وَيُقَال: إِن الشَّجَرَة كَانَت شَجَرَة الْعنَّاب، وَيُقَال: شَجَرَة من عوسج، وَقيل: من العليق.
وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى أَخذ شَيْئا من الْحَشِيش الْيَابِس، ودنا من الشَّجَرَة، فَكَانَ كلما دنا من الشَّجَرَة نأت مِنْهُ النَّار، وَإِذا نأى هُوَ دنت النَّار، فَبَقيَ وَاقِفًا متحيرا،
فَإِن قيل: بِمَ عرف كَلَام الله عز وَعلا؟ قُلْنَا: سمع كلَاما لَا يشبه كَلَام المخلوقين، وَرُوِيَ أَنه سمع من جَمِيع جوانبه.
وَقَوله: ﴿فاخلع نعليك﴾ اخْتلف القَوْل أَنه لم أمره بخلع نَعْلَيْه؟ وَرُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: كَانَتَا من جلد حمَار ميت، وَهَذَا قَول كَعْب.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه أمره بخلع نَعْلَيْه: ليباشر الْوَادي بقدميه، وَهَذَا قَول مُجَاهِد، وَقد جرت عَادَة الْمُسلمين أَنهم يخلعون نعَالهمْ إِذا بلغُوا الْمَسْجِد الْحَرَام لِلْحَجِّ، ويطوفون حُفَاة.
وَقَوله: ﴿إِنَّك بالوادي الْمُقَدّس﴾ أَي: المطهر، قَالَ الشَّاعِر:
(وَأَنت وُصُول للأقارب مَدَرَة | ترَاءى من الْآفَات إِنِّي مقدس) |
وَقيل: معنى الْمُقَدّس، أَي: الْمُبَارك فِيهِ.
وَقَوله: ﴿طوى﴾ عَامَّة الْمُفَسّرين أَنه اسْم الْوَادي، وَقيل: طوى أَي: قدس مرَّتَيْنِ.
وَقَوله: ﴿فاستمع لما يُوحى﴾ أَي: لما يُوحى إِلَيْك.
وَقَوله: ﴿وأقم الصَّلَاة لذكري﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: لتذكرني فِيهَا. وَالْآخر: تذكرني، وَهُوَ قَوْله: الله أكبر. وَالثَّالِث: أقِم الصَّلَاة لذكري أَي: صل إِذا ذكرت الصَّلَاة، وَهَذَا قَول مَعْرُوف. روى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس، أَن النَّبِي قَالَ: " من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا؛ فَإِن ذَلِك وَقتهَا، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وأقم الصَّلَاة لذكري﴾ ".
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْحُسَيْن بن النقور، قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن حبابة، قَالَ: حَدثنَا ابْن بنت منيع، قَالَ: حَدثنَا هدبة، عَن حَمَّاد بن سَلمَة.. الحَدِيث. خرجه مُسلم فِي الصَّحِيح عَن هدبة.
رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَأبي بن كَعْب أَنَّهُمَا قرآ: " أكاد أخفيها من نَفسِي ". وَبَعْضهمْ نقل: " فَكيف أظهرها لكم " فَهَذَا هُوَ أحد الْأَقْوَال فِي معنى الْآيَة.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم قَوْله " أكاد أخفيها من نَفسِي "؟ قُلْنَا: هَذَا على عَادَة الْعَرَب، وَالْعرب إِذا بالغت فِي الْإِخْبَار عَن إخفاء الشَّيْء، قَالَت: كتمته حَتَّى من نَفسِي. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿أكاد﴾ أَي: أُرِيد، وَمَعْنَاهُ: إِن السَّاعَة آتِيَة أُرِيد أخفيها. وَهَذَا قَول الْأَخْفَش. وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن قَوْله: ﴿أكاد﴾ صلَة، وَمَعْنَاهُ: إِن السَّاعَة آتِيَة أخفيها. وَالْقَوْل الرَّابِع: إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد، وَمعنى أكاد: تقريب الْوُرُود والإتيان، كَمَا قَالَ ضبائي البرجمي:
(هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني | تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله) |
وَالْقَوْل الْخَامِس: ﴿أكاد أخفيها﴾ أَي: أظهرها، وَقُرِئَ: " أخفيها " بِفَتْح الْألف. وَمعنى الْإِظْهَار فِي هَذِه الْقِرَاءَة أظهر فِي اللُّغَة. قَالَ الشَّاعِر:
(فَإِن تدفنوا الدَّاء لم نخفه | وَإِن تأذنوا بِحَرب لَا نقعد) |
وَقَوله: ﴿وَاتبع هَوَاهُ فتردى﴾ أَي: تهْلك.
وَقَوله: ﴿وأهش بهَا على غنمي﴾ أَي: أخبط بهَا (ورق الشّجر؛ لترعاه غنمي، وَقَرَأَ عِكْرِمَة: " وأهش بهَا) على غنمي " بِالسِّين غير الْمُعْجَمَة، وَالْفرق بَين الهش والهس؛ أَن الهش هُوَ خبط الشّجر، وإلقاء الْوَرق عَنهُ، والهس زجر الْغنم.
وَقَوله: ﴿ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى﴾ أَي: حاجات أخر، وَمن تِلْكَ الْحَاجَات؛ قَالَ
(أهش بالعصا على أغنامي | من ناعم الْأَرَاك والبشام) |
(خفضت لَهُم مني جنَاح مَوَدَّة | على كتف عطفاه أهل ومرحب) |
وَقَالَ قَتَادَة: كَانَت الْيَد لَهَا نور سَاطِع كضوء الشَّمْس وَالْقَمَر، تضئ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار.
وَقَوله: ﴿آيَة أُخْرَى﴾ أَي: دلَالَة أُخْرَى.
وَقَوله: ﴿إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى﴾ أَي: ألهمنا أمك مَا يُوحى، أَي: مَا يلهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِي التابوت﴾ هُوَ شَيْء يتَّخذ من الْخشب.
وَقَوله: ﴿فاقذفيه فِي اليم﴾ اليم: هُوَ الْبَحْر، وَيُقَال: إِن اليم هَا هُنَا هُوَ النّيل، وَالْعرب تسمي المَاء الْكثير بحرا.
رُوِيَ أَن الْمُسلمين لما وصلوا إِلَى دجلة يَوْم فتحُوا الْمَدَائِن، فَقَالُوا: كَيفَ نَفْعل، وَهَذَا الْبَحْر بَيْننَا وَبينهمْ؟ ثمَّ إِنَّهُم ارتطموا دجلة بخيولهم، وخاضوا الْقِصَّة إِلَى آخرهَا.
وَقَوله: ﴿فليلقه اليم بالسَّاحل﴾ فِي الْقِصَّة: أَن المَاء أَلْقَاهُ إِلَى مشرعة دَار فِرْعَوْن، وَرُوِيَ أَنَّهَا ألقته فِي النّيل، وألقاه النّيل فِي الْبَحْر، ثمَّ إِن الْبَحْر أَلْقَاهُ بالسَّاحل.
وَقَوله: ﴿وألقيت عَلَيْك محبَّة مني﴾ قَالَ عِكْرِمَة: لم يره أحد إِلَّا أحبه، وَقَالَ قَتَادَة: ملاحة فِي عَيْنَيْهِ تَأْخُذ (بالقلوب).
وَقَوله: ﴿ولتصنع على عَيْني﴾ أَي: تربى وتغذى على نظر مني، وَهُوَ مثل قَوْله
وَقَوله: ﴿فَتَقول هَل أدلكم على من يكفله﴾ يَعْنِي: على امْرَأَة ترْضِعه، وتضمه إِلَيْهَا.
وَقَوله: ﴿فرجعناك إِلَى أمك﴾ أَي: فرددناك.
وَقَوله: ﴿إِلَى أمك كي تقر عينهَا﴾ قد بَينا معنى قُرَّة الْعين، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى فرحها وسرورها بِوُجُودِهِ.
وَقَوله: ﴿وَلَا تحزن﴾ أَي: يذهب عَنْهَا الْحزن.
وَقَوله: ﴿وَقتلت نفسا﴾ أَي: القبطي، وسنذكره من بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿فنجيناك من الْغم﴾ أَي: من الْقَتْل، وَقيل: من غم التابوت، وغم الْبَحْر.
وَقَوله: ﴿وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ أَي: ابتليناك مرّة بعد مرّة، وَقيل: بلَاء بعد بلَاء، وَيُقَال: أخلصناك إخلاصا. من الْمَشْهُور الْمَعْرُوف أَن سعيد بن جُبَير، سَأَلَ عبد الله بن عَبَّاس عَن قَوْله: ﴿وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ فَقَالَ: تَغْدُو على غَدا، فَلَمَّا جَاءَهُ من الْغَد، أَخذ مَعَه فِي قصَّة مُوسَى من أَولهَا، وَجعل يعد عَلَيْهِ شَيْئا فَشَيْئًا من وِلَادَته فِي سنة قتل الْأَبْنَاء، وَمن إلقائه فِي المَاء، وَجعله فِي التابوت، ووقوعه فِي يَد فِرْعَوْن، ولطمه وَجهه، وَأَخذه
وَقَوله: ﴿فَلَبثت سِنِين فِي أهل مَدين﴾ يَعْنِي: تراعي الأغنام.
وَقَوله: ﴿ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى﴾ أَي: على قدر النُّبُوَّة والرسالة. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا على رَأس أَرْبَعِينَ سنة، وَجَاء مُوسَى ربه، وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة؛ فنبأه الله وأرسله، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى﴾. وَقيل مَعْنَاهُ: جِئْت على موعد يَا مُوسَى، وَلم يكن هَذَا الْموعد مَعَ مُوسَى، وَإِنَّمَا كَانَ موعدا فِي تَقْدِير الله تَعَالَى. وَيُقَال: وافيت فِي الْوَقْت الَّذِي قدرت أَي: توافى فِيهِ، قَالَ الشَّاعِر:
(نَالَ الْخلَافَة إِذْ كَانَت لَهُ قدرا | كَمثل مُوسَى الَّذِي وافى على قدر) |
(وعض زمَان يَا بن مَرْوَان لم يدع | من المَال إِلَّا مسحتا أَو مجلف) |
وَقَوله: ﴿وَقد خَابَ من افترى﴾ أَي: خسر وَهلك من افترى.
قَرَأَ أَبُو عَمْرو: " إِن هذَيْن لساحران "، وَقَرَأَ حَفْص: " إِن هَذَانِ لساحران "، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " إِن هَذَانِ لساحران ".
أما قِرَاءَة أبي عَمْرو: فَهِيَ المستقيمة على ظَاهر الْعَرَبيَّة، وَزعم أَبُو عَمْرو أَن " هَذَانِ " غلط من الْكَاتِب فِي الْمُصحف.
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد)، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه)
أَي: نعم
وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عبد الله بن الزبير يطْمع شَيْئا، فَلم (يحصل) لَهُ طمعه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، فَقَالَ ابْن الزبير: إِن، وصاحبها، أَي: نعم. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِن ذَاك إِلَّا ساحران "، وَهِي شَاذَّة.
وَقَوله: ﴿يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿ويذهبا بطريقتكم المثلى﴾ أَي: بالطريقة المستقيمة الَّتِي أَنْتُم عَلَيْهَا، وَكَانُوا يظنون أَنهم على دين مُسْتَقِيم، والمثلى تَأْنِيث الأمثل. وَأما ابْن عَبَّاس قَالَ: بطريقتكم المثلى أَي: الرِّجَال الْأَشْرَاف.
وَقَالَ قَتَادَة: أَرَادَ بِهِ بني إِسْرَائِيل، وَكَانُوا أهل يسَار (وَعزة).
فَقَالُوا: يُريدَان أَن يذهبا بهؤلاء. وَالْعرب تَقول: هَؤُلَاءِ طَريقَة الْقَوْم أَي: أَشْرَافهم.
وَمِنْهُم من قَالَ: مَعْنَاهُ أهل طريقتكم المثلى.
وَقَوله: ﴿ثمَّ ائْتُوا صفا﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مصطفين، وَقَالَ غَيره: الصَّفّ هُوَ
وَقَوله: {وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى﴾ أَي: سعد وفاز من كَانَت لَهُ الْغَلَبَة فِي الْيَوْم.
وَقَوله: ﴿فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى﴾ وقرىء بِالْيَاءِ وَالتَّاء " تخيل "، فَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ، فَهُوَ رَاجع إِلَى العصي والحبال، فأنثت لِأَنَّهَا جمع، وَأما بِالْيَاءِ فَيَنْصَرِف إِلَى الْإِلْقَاء. وَفِي الْقِصَّة: أَنهم لما ألقوا الحبال والعصي رأى مُوسَى وَالْقَوْم كَأَن الأَرْض امْتَلَأت حيات، وَهِي تسْعَى أَي: تذْهب وتجيء. وَاعْلَم أَن التخايل مَا لَا أصل لَهُ. وَيُقَال: إِنَّهُم أخذُوا بأعين النَّاس، فظنوا وَحَسبُوا أَنَّهَا حيات، وَقيل: إِن حبالهم وعصيهم أخذت ميلًا من هَذَا الْجَانِب، وميلا من ذَلِك الْجَانِب.
أَحدهمَا: أَنه خوف البشرية، وَالْآخر: خَافَ على الْقَوْم أَن يلتبس عَلَيْهِم الْأَمر، فَلَا يُؤمنُوا، وَيُقَال: خَافَ على قومه أَن يشكوا، فيرجعوا عَن الْإِيمَان.
وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا فتحت فاها، فابتلعت كل مَا كَانَ يمر من العصي والحبال، وَفرْعَوْن يضْحك ويظن أَنه سحر، ثمَّ قصدت قبَّة فِرْعَوْن، وَكَانَ طولهَا فِي الْهَوَاء [أَرْبَعِينَ] ذِرَاعا، ففتحت فاها على قدر ثَمَانِينَ ذِرَاعا، وأرادت أَن تلتقم الْقبَّة، فَنَادَى فِرْعَوْن: يَا مُوسَى، بِحَق التربية، قَالَ: فجَاء فَأَخذهَا، فَعَادَت عَصا على مَا كَانَت.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر﴾ قرىء " سَاحر "، وقرىء " سحر "، فَقَوله: ﴿كيد سَاحر﴾ أَي: حِيلَة سَاحر.
وَقَوله: ﴿كيد سحر﴾ أَي: حِيلَة من سحر.
وَقَوله: ﴿وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾ فِي التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: أَيْن وجد قتل.
وَفِي بعض المسانيد عَن جُنْدُب بن عبد الله، أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا أَخَذْتُم السَّاحر فَاقْتُلُوهُ، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾ ".
وَقَوله: ﴿قَالُوا آمنا بِرَبّ هَارُون ومُوسَى﴾ أَي: بإله هَارُون ومُوسَى، وَقدم هَارُون على مُوسَى على وفْق رُءُوس الْآي.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر﴾ أَي: معلمكم الَّذِي علمكُم السحر. وَحكى الْكسَائي أَن الْعَرَب تَقول: رجعت من عِنْد كبيري أَي: معلمي.
وَقَوله: ﴿فلأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل﴾ مَعْنَاهُ: على جُذُوع النّخل، وَذكر كلمة فِي؛ لِأَن المصلوب يصلب مستطيلا على الْجذع؛ فالجذع يشْتَمل عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا وَأبقى﴾ أَي: أَنا أقوى أَو رب مُوسَى؟ وَذكر الْكَلْبِيّ: أَن فِرْعَوْن قطع أَيْديهم وأرجلهم وصلبهم، وَذكر غَيره: أَنه لم يقدر عَلَيْهِم، وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى: ﴿لَا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون﴾.
وَقَوله: ﴿وَالَّذِي فطرنا﴾. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: (وَقَوله) وَلنْ نؤثرك على الَّذِي فطرنا، وَالْآخر: أَنه قسم.
وَقَوله: ﴿فَاقْض مَا أَنْت قَاض﴾ أَي: فَاصْنَعْ مَا أَنْت صانع.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: أَمرك وسلطانك فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا، وسيزول عَن قريب.
وَقَوله: ﴿وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر﴾ فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا وَقد جَاءُوا مختارين، وحلفوا بعزة فِرْعَوْن أَن لَهُم الْغَلَبَة على مَا ذكر فِي مَوضِع آخر؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن يجْبر قوما على تعلم السحر؛ لكيلا يذهب أَصله، وَكَانَ قد أكرههم فِي الِابْتِدَاء على تعلمه، فأرادوا بذلك.
وَقَوله: ﴿وَالله خير وَأبقى﴾ قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب مَعْنَاهُ: وَالله خير ثَوابًا إِن أطيع، وَأبقى عقَابا إِن عصي. يُقَال: إِن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه؛ فَلهَذَا قَالُوا: وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر، لما سجدوا أَرَاهُم الله تَعَالَى مواضعهم فِي الْجنَّة، وَمَا أعد لَهُم من الثَّوَاب والكرامة، فَلَمَّا رفعوا رُءُوسهم وَقد [رَأَوْا] قَالُوا مَا قَالُوا.
وَعَن عِكْرِمَة: أَصْبحُوا وهم سحرة، وأمسوا وهم شُهَدَاء.
وَرُوِيَ أَن الْحسن كَانَ إِذا بلغ إِلَى هَذِه الْآيَة قَالَ: عجبا لقوم كَافِرين سحرة من أَشد النَّاس كفرا، رسخ الْإِيمَان فِي قُلُوبهم حِين قَالُوا مَا قَالُوا، وَلم يبالوا بِعَذَاب فِرْعَوْن، وَترى الرجل من هَؤُلَاءِ يصحب الْإِيمَان سِتِّينَ سنة، ثمَّ يَبِيعهُ بِثمن يسير.
وَفِي الْقِصَّة: أَن امْرَأَة فِرْعَوْن كَانَت تستخبر فِي ذَلِك الْيَوْم لمن الْغَلَبَة، فَلَمَّا أخْبرت أَن الْغَلَبَة كَانَت لمُوسَى، أظهرت الْإِيمَان لله، فَذكر ذَلِك لفرعون، فَبعث قوما، وَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى أعظم صَخْرَة، فَإِن أصرت على قَوْلهَا، فَألْقوا عَلَيْهَا الصَّخْرَة، فأراها الله تَعَالَى موضعهَا من الْجنَّة، وَقبض روحها، فَجَاءُوا وألقوا الصَّخْرَة على جَسَد ميت.
وَقَوله: ﴿فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى﴾ أَي: لَا يحيا حَيَاة ينْتَفع بهَا،
(أَلا من لنَفس تَمُوت فينقضي | شقاها وَلَا تحيا حَيَاة لَهَا طعم) |
(وأعددت للحرب أَوزَارهَا | رماحا طوَالًا وخيلا ذُكُورا) |
وَقَوله: ﴿فَكَذَلِك ألْقى السامري﴾ يَعْنِي: ألْقى السامري أَيْضا مَا عِنْده من الْحلِيّ.
وَقَوله: ﴿جسدا﴾ قيل: جسدا لَا رَأس لَهُ، وَقيل: جسدا لَا يضر وَلَا ينفع، وَقَالَ الْخَلِيل: الْعَرَب تسمي كل مَا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب جسدا، وَكَانَ الْعجل لَا يَأْكُل وَلَا يشرب ويصيح، وَالْقَوْل الأول أَضْعَف الْأَقْوَال، وَاخْتلفُوا فِي الخوار: فالأكثرون أَنه صَوت عجل حَيّ، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَالْحسن، وَقَتَادَة وَجَمَاعَة، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ صَوت حفيف الرّيح، كَانَت تدخل فِي جَوْفه وَتخرج، وَهُوَ قَول ضَعِيف.
وَقَوله: ﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى، تَركه مُوسَى هَاهُنَا، وَذهب يَطْلُبهُ.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ: فنسي السامري الْإِيمَان بِاللَّه، أَي: ترك. وَقيل: فنسي مُوسَى أَن يذكر لكم أَن هَذَا هُوَ الْإِلَه.
وَقَوله: ﴿وَلَا يملك لَهُم ضرا وَلَا نفعا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
فَإِن قيل: السامري كَانَ كَافِرًا، وَهَذَا الَّذِي ظهر على يَده معْجزَة، فَكيف يجوز أَن تظهر المعجزة على يَد كَافِر؟ وَالْجَوَاب: أَن ذَلِك كَانَ لفتنة بني إِسْرَائِيل وابتلائهم.
وَعند أهل السّنة هَذَا جَائِز، وَلَا نقُول: هُوَ معْجزَة، وَلكنه محنة وفتنة.
وَفِي بعض الْآثَار: أَن هَارُون مر على السامري، وَهُوَ يصوغ الْعجل، فَقَالَ لَهُ:
وَقد قَالَ أهل الْعلم: إِنَّه لَيْسَ من عجل من ذهب يخور بِشُبْهَة تقع فِي أَنه إِلَه ومعبود.
﴿وَإِن ربكُم الرَّحْمَن﴾ أَي: معبودكم الرَّحْمَن، لَا مَا اتخذتموه معبودا.
وَقَوله: ﴿فَاتبعُوني﴾ أَي: اتبعوني فِي عبَادَة الله. ﴿وَأَطيعُوا أَمْرِي﴾ فِي ترك عبَادَة الْعجل.
وَقَوله: ﴿مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا أَلا تتبعن﴾ لَا زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أَن تتبعني.
وَقَوله: ﴿أفعصيت أَمْرِي﴾ أَي: خَالَفت أَمْرِي. فَإِن قَالَ قَائِل: هَل تَقولُونَ إِن هَارُون خَالف مُوسَى فِيمَا طلب مِنْهُ، وَأَنه داهن عَبدة الْعجل، وَلم يشدد فِي مَنعهم عَنْهَا؟ وَالْجَوَاب: أَن مُوسَى لم يطْلب من هَارُون إِلَّا أَن يخلفه فِي قومه، وَأَن يرفق بهم، فَرَأى هَارُون أَن لَا يقاتلهم، وَأَن الْإِمْسَاك عَن قِتَالهمْ أصلح، وَرَأى مُوسَى أَن يقاتلهم، وَرَأى أَن الْقِتَال أصلح، فَهَذَا رَأْي مُجْتَهد خَالف رَأْي مُجْتَهد، وَلَا عيب فِيهِ، وَإِنَّمَا
وقوله :( أفعصيت أمري ) أي : خالفت أمري. فإن قال قائل : هل تقولون إن هارون خالف موسى فيما طلب منه، وأنه داهن عبدة العجل، ولم يشدد في منعهم عنها ؟ والجواب : أن موسى لم يطلب من هارون إلا أن يخلفه في قومه، وأن يرفق بهم، فرأى هارون أن لا يقاتلهم، وأن الإمساك عن قتالهم أصلح، ورأى موسى أن يقاتلهم، ورأى أن القتال أصلح، فهذا رأي مجتهد خالف رأي مجتهد، ولا عيب فيه، وإنما عاتبه موسى في تركه القتال، يعني : لو كنت أنا مكانك كنت أقاتلهم، فهلا فعلت مثل ذلك.
وَقَوله: ﴿لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أَخذ رَأسه بِيَمِينِهِ، وَأخذ لحيته بيساره، وَيُقَال: إِن المُرَاد من الرَّأْس شعر الرَّأْس، وَيُقَال: أَرَادَ بِالرَّأْسِ الْأذن، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا تهاون بِنَبِي من أَنْبيَاء الله، فَتكون كَبِيرَة من الْكَبَائِر، فَكيف وَجه فعل هَذَا من مُوسَى؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه يحْتَمل أَنه لم يكن مثل هَذَا الْفِعْل تهاونا فِي عَادَتهم، فَكَانَ الْأَخْذ باللحية شبه الْأَخْذ بالكف عِنْدهم، وَقَالَ بَعضهم: أَنه أَخذ بلحيته كَمَا يَأْخُذ الْإِنْسَان بلحية نَفسه عِنْد الْغَضَب فَجعله كنفسه، وَقد رُوِيَ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ إِذا غضب جعل يفتل شَاربه، وَأولى الْأَجْوِبَة أَن هَذَا فعل الْإِنْسَان بِمثلِهِ وشكله عِنْد الْغَضَب، فَتكون صَغِيرَة لَا كَبِيرَة، والصغائر جَائِزَة على الْأَنْبِيَاء، وَإِنَّمَا ذكر هَارُون " الْأُم "، وَلم يذكر " الْأَب "، ليرققه على نَفسه.
وَقَوله: ﴿إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بني إِسْرَائِيل﴾ هَذَا بَيَان مَا رَأْي من الرَّأْي، يَعْنِي: خشيت أَن تَقول: جعلتهم أحزابا، فحزب عبدُوا الْعجل، وحزب قَاتلُوا، وحزب أَمْسكُوا عَن الْقِتَال، والتبس عَلَيْهِم أَنه هَل يجوز الْقِتَال أَو لَا؟، وحزب أَنْكَرُوا لم يُقَاتلُون؟ فَكل هَذَا التَّفَرُّق كَانَ جَائِزا لَو قَاتل هَارُون.
وَقَوله: ﴿وَلم ترقب قولي﴾ أَي: لم تحفظ قولي، وَهَذَا منصرف إِلَى قَوْله: ﴿واخلفني فِي قومِي وَأصْلح﴾ (وَقد بَينا أَن معنى قَوْله: ﴿وَأصْلح﴾ ) أَي: ارْفُقْ، فَرَأى أَن الرِّفْق أَن يكف يَده.
وَقَوله: ﴿فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول﴾ الْمَعْرُوف: بالضاد الْمُعْجَمَة، وَقَرَأَ الْحسن الْبَصْرِيّ: " فقبصت " بالصَّاد غير الْمُعْجَمَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن الْقَبْض: هُوَ الْأَخْذ بملء الْكَفّ، والقبص هُوَ الْأَخْذ بأطراف الْأَصَابِع.
وَقَوله: ﴿من أثر الرَّسُول﴾ يَعْنِي: من تُرَاب حافر فرس جِبْرِيل، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ عرف هَذَا؟ وَكَيف رأى جِبْرِيل من بَين سَائِر النَّاس؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن أمه لما وَلدته فِي السّنة الَّتِي كَانَ يقتل فِيهَا الْأَنْبِيَاء، وَضعته فِي كَهْف حذرا عَلَيْهِ، فَبعث الله جِبْرِيل ليربيه ويغذيه لما قضى الله على يَده من الْفِتْنَة، فَلَمَّا رَآهُ عرفه وَأخذ التُّرَاب، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن جِبْرِيل كَانَ على فرس حصان أبلق، وَكَانَ ذَلِك الْفرس تسمى فرس الْحَيَاة، وَكَانَ كلما وضع (الْفرس) حَافره على مَوضِع أَخْضَر مَا تَحت حَافره، فَعرف أَنه فرس الْحَيَاة، وَكَانَ سمع بِذكرِهِ، وَأَن الَّذِي عَلَيْهِ جِبْرِيل، فَأخذ القبضة.
وَقَوله: ﴿فنبذتها﴾ أَي: ألقيتها فِي فَم الْعجل، وَقد قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا خار الْعجل لهَذَا؟ وَهُوَ أَن التُّرَاب كَانَ مأخوذا من تَحت فرس الْحَيَاة.
وَقَوله: ﴿وَكَذَلِكَ سَوَّلت لي نَفسِي﴾ أَي: زينت لي نَفسِي.
﴿تَمِيم كرهط السامري وَقَوله | أَلا لَا يُرِيد السامري مساسا﴾ |
وَقَوله: ﴿وَإِن لَك موعدا لن تخلفه﴾ أَي: لن تكذبه، وَمَعْنَاهُ: أَن الله يكافئك على فعلك وَلَا تفوته، وَقُرِئَ: " لن تخلفه " بِكَسْر اللَّام أَي: توافى يَوْم الْقِيَامَة لميعاد الْعَذَاب وَلَا تخلف.
وَقَوله: ﴿وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا﴾ أَي: ظلت عَلَيْهِ مُقيما.
وَقَوله: ﴿لنحرقنه﴾ وَقُرِئَ: " لنحرقنه " من الإحراق، وهما فِي الْمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ التحريق بالنَّار، وَعَن عَليّ وَابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قرآ: " لنحرقنه " وَهِي قِرَاءَة أبي جَعْفَر، وَمَعْنَاهُ: لنبردنه بالمبرد، وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " لنذبحنه ثمَّ لنحرقنه ".
وَقَوله: ﴿ثمَّ لننسفنه فِي اليم نسفا﴾ يَعْنِي: لنذرينه فِي الْبَحْر تذرية.
وَقَوله: ﴿وَقد آتيناك من لدنا ذكرا﴾ الذّكر هَا هُنَا هُوَ: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿فَإِنَّهُ يحمل يَوْم الْقِيَامَة وزرا﴾ أَي: ثقلا، وَمَعْنَاهُ: إِثْمًا يثقله.
وَقَوله: ﴿وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا﴾ أَي: بئس الْوزر حملهمْ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا﴾ قَالَ الْحسن وَقَتَادَة وَجَمَاعَة: عميا. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة﴾ وَالله تَعَالَى إِنَّمَا خلقهمْ بصرا؛ وَالْجَوَاب: أَنه حُكيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن فِي الْقِيَامَة تارات وحالات فيحشرون بصرا ثمَّ يعمون. وَالْقَوْل الثَّانِي فِي قَوْله: ﴿زرقا﴾ : أَنه خضرَة الْعين، فيحشر الْكفَّار زرق الْأَعْين سود الْوُجُوه، وَالْقَوْل الثَّالِث: عطاشا، وَمَعْنَاهُ: وَقد تَغَيَّرت أَعينهم من شدَّة الْعَطش، وَالْقَوْل الرَّابِع: ﴿زرقا﴾ أَي: شاخصة أَبْصَارهم من عظم الْخَوْف، قَالَ الشَّاعِر:
(لقد زرقت عَيْنَاك يَابْنَ مكعبر | كَذَا كل ضبي من اللؤم أَزْرَق) |
وَقَوله: ﴿إِن لبثتم إِلَّا عشرا﴾ أَي: مَا لبثتم إِلَّا عشرا، وَقد قَالَ بَعضهم: هَذَا فِي " الْقَبْر "، وَقَالَ بَعضهم: فِي الدُّنْيَا، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا كذب صَرِيح، وَقد لَبِثُوا فِي الدُّنْيَا والقبر سِنِين كَثِيرَة!، وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن من شدَّة هول الْقِيَامَة يظنون أَنهم مَا
وَقَوله: ﴿إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة﴾ تَقول الْعَرَب: فلَان أمثل قومه أَي: أعدل قومه، وَمعنى الْآيَة هَا هُنَا: أعقلهم وَخَيرهمْ طَريقَة فِي نَفسه.
وَقَوله: ﴿إِن لبثتم إِلَّا يَوْمًا﴾ أَي: مَا لبثتم إِلَّا يَوْمًا.
وَقَوله: ﴿فَقل ينسفها رَبِّي نسفا﴾ النسف هُوَ الْقلع من الأَصْل، وَمعنى النسف فِي الْآيَة: هُوَ تسيير الْجبَال أَو جعلهَا هباء جعلهَا رملا سَائِلًا.
وَقَوله: ﴿لَا عوج لَهُ﴾ أَي: لَا يزيغون يَمِينا وَلَا شمالا، وَقيل: لَا يُمكنهُم أَلا يتبعوه.
وَقَوله: ﴿وخشعت الْأَصْوَات للرحمن﴾ أَي: سكنت وخضعت، وَقَالَ قَتَادَة:
((فَمَا) أَتَى خبر الزبير تصدعت | سور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الخشع) |
(فَبَاتُوا يذبحون وَبَات يسري | بَصِير بالدجى هار هموس) |
(رَأَتْ رجلا أما إِذا الشَّمْس عارضت | فيضحى وَأما بالْعَشي فيخصر) |