تفسير سورة طه

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة طه من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآن لتشقى﴾ لتتعب بِالْقُرْآنِ نزلت هَذِه الْآيَة والنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قبل ذَلِك يجْتَهد بِصَلَاة اللَّيْل حَتَّى تورمت قدماه فَخفف الله عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة فَقَالَ طه يَا رجل هَذِه بِلِسَان مَكَّة أَي يَا مُحَمَّد مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ
﴿إِلاَّ تَذْكِرَةً﴾ عظة ﴿لِّمَن يخْشَى﴾ لمن يسلم وَلم أنزلهُ لتشقى لتتعب نَفسك مقدم ومؤخر
﴿تَنزِيلاً﴾ يَقُول الْقُرْآن تكليماً ﴿مِّمَّنْ خَلَق الأَرْض وَالسَّمَاوَات العلى﴾ رفع بَعْضهَا فَوق بعض
﴿الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى﴾ اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ وَيُقَال هُوَ من المكتوم الَّذِي لَا يُفَسر
﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الْخلق والعجائب ﴿وَمَا تَحْتَ الثرى﴾ الَّذِي تَحت الْأَرْضين السَّابِعَة السُّفْلى لِأَن الْأَرْضين على المَاء وَالْمَاء على الْحُوت والحوت على الصَّخْرَة والصخرة على قَرْني الثور والثور على الثرى هُوَ التُّرَاب الندي يعلم الله مَا تَحْتَهُ
﴿وَإِن تَجْهَرْ بالْقَوْل﴾ تعلن بالْقَوْل الْفِعْل ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ﴾ من القَوْل وَالْفِعْل ﴿وَأَخْفَى﴾ من السِّرّ مَا هُوَ كَائِن مِنْك لم يَك بعد أَو يكون يعلم الله ذَلِك كُله
﴿الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ﴾ وَحده لَا شريك لَهُ ﴿لَهُ الأسمآء الْحسنى﴾ الصِّفَات الْعليا فَادعوهُ بهَا
﴿وَهَلْ أَتَاكَ﴾ مَا أَتَاك يَا مُحَمَّد ثمَّ أَتَاك ﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾ خبر مُوسَى
﴿إِذْ رَأَى نَاراً﴾ عَن يسَاره ﴿فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا﴾ انزلوا مَكَانكُمْ ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَاراً﴾ إِنِّي رَأَيْت نَارا ﴿لعَلي آتِيكُمْ مِّنْهَا﴾ من النَّار ﴿بِقَبَسٍ﴾ بشعلة مقتبسة وَكَانَ فِي برد شَدِيد من الشتَاء ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّار﴾ عِنْد النَّار ﴿هُدًى﴾ من يدلني على الطَّرِيق
﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا﴾ فَإِذا هِيَ شَجَرَة خضراء تتوقد مِنْهَا نَار بَيْضَاء ﴿نُودي يَا مُوسَى﴾
﴿إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ وَكَانَت نعلاه من جلد حمَار ميت ﴿إِنَّكَ بالواد الْمُقَدّس﴾ المطهر ﴿طُوىً﴾ اسْم الْوَادي وَيُقَال قد طوته الْأَنْبِيَاء قبلك وَيُقَال طوى بِئْر قد طويت بالصخر فِي ذَلِك الْوَادي للَّذي كَانَت فِيهِ الشَّجَرَة
﴿وَأَنَا اخْتَرْتُك﴾ بالرسالة إِلَى فِرْعَوْن ﴿فاستمع لِمَا يُوحى﴾ فاعمل بِمَا تُؤمر
﴿إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنَاْ فاعبدني﴾ فأطعنى ﴿وأقم الصَّلَاة لذكري﴾ لَو نسيت صَلَاة فصلها حِين ذكرتها
﴿إِنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ﴾ كائنة ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ أظهرها وَيُقَال أسترها عَن نَفسِي فَكيف أظهرها لغيري ﴿لتجزى كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة أَو فاجرة ﴿بِمَا تسْعَى﴾ بِمَا تعْمل من الْخَيْر وَالشَّر
﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا﴾ فَلَا يصرفنك عَن الْإِقْرَار بهَا ﴿مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتبع هَوَاهُ﴾ بالإنكار وَعبادَة الْأَصْنَام ﴿فتردى﴾ فتهلك
﴿وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا﴾ أعْتَمد عَلَيْهَا إِذا عييت ﴿وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي﴾ أخبط بهَا الشَّجَرَة لغنمي ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ حوائج شتَّى
﴿قَالَ ألقها﴾ من يدك ﴿يَا مُوسَى﴾
﴿فَأَلْقَاهَا﴾ من يَده ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسْعَى﴾ تشتد رَافِعَة رَأسهَا فولى مُوسَى هَارِبا مِنْهَا
﴿قَالَ﴾ الله لَهُ ﴿خُذْهَا﴾ يَا مُوسَى ﴿وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا﴾ سنجعلها ﴿سِيَرتَهَا الأولى﴾ عَصا كَمَا كَانَت
﴿واضمم يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ أَدخل يدك فِي إبطك ﴿تَخْرُجْ بَيْضَآءَ﴾ لَهَا شُعَاع ﴿مِنْ غَيْرِ سوء﴾ من غير برص ﴿آيَةً أُخْرَى﴾ عَلامَة أُخْرَى مَعَ الْعَصَا
﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا﴾ من علاماتنا ﴿الْكُبْرَى﴾ الْعُظْمَى
﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى﴾ علا وتكبر وَكفر
﴿قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي﴾ لين لي قلبِي لكَي لَا أخافه
﴿وَيَسِّرْ لي أَمْرِي﴾ هون عَليّ تَبْلِيغ الرسَالَة إِلَى فِرْعَوْن
﴿واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي﴾ ابْسُطْ رتة من لسانى
﴿يَفْقَهُواْ قَوْلِي﴾ لكَي يفقهوا كَلَامي
﴿وَاجعَل لِّي وَزِيراً﴾ معينا ﴿مِّنْ أَهْلِي﴾
﴿هَارُونَ أَخِي اشْدُد بِهِ أَزْرِي﴾ قو بِهِ ظَهْري
﴿وَأَشْرِكْهُ﴾ يَا رب ﴿فِي أَمْرِي﴾ فِي تَبْلِيغ رسالتي إِلَى فِرْعَوْن
﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ﴾ نصلي لَك ﴿كَثِيراً﴾
﴿وَنَذْكُرَكَ﴾ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان ﴿كَثِيراً﴾
﴿إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً﴾ عَالما
﴿قَالَ﴾ الله مَا ﴿قد أُوتيت﴾ أَعْطَيْت ﴿سؤلك﴾ مَا سَأَلت ﴿يَا مُوسَى﴾ فشرح الله لَهُ صَدره وَيسر أمره وَبسط لِسَانه وَجعل هَارُون لَهُ معينا
﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ غير هَذَا
﴿إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ﴾ ألهمنا أمك ﴿مَا يُوحى﴾ الَّذِي يلهم
﴿أَنِ اقذفيه فِي التابوت﴾ أَن اطرحي الصَّبِي فِي التابوت البردي ﴿فاقذفيه فِي اليم﴾ فاطرحي التابوت فِي الْبَحْر ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم﴾ الْبَحْر ﴿بالسَّاحل﴾ على الشط ﴿يَأْخُذْهُ﴾ يرفعهُ ﴿عَدُوٌّ لِّي﴾ بِالدينِ يَعْنِي فِرْعَوْن ﴿وَعَدُوٌّ لَّهُ﴾ بِالْقَتْلِ ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي﴾ يَا مُوسَى كل من رآك أحبك ﴿وَلِتُصْنَعَ على عَيْني﴾ وَمَا صنع بك كَانَ فِي منظري
﴿إِذْ تمشي أُخْتُكَ﴾ فَدخلت قصر فِرْعَوْن ﴿فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ﴾ يرضعه ﴿فَرَجَعْنَاكَ﴾ فرددناك ﴿إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ تطيب نَفسهَا ﴿وَلاَ تَحْزَنَ﴾ على ابْنهَا بِالْهَلَاكِ ﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً﴾ قبطياً ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغم﴾ من غم الْقود ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً﴾ ابتليناك ببلاء مرّة بعد مرّة ﴿فَلَبِثْتَ﴾ مكثت ﴿سِنِينَ﴾ عشر سِنِين
261
﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ﴾ على مقدورى بالْكلَام والرسالة إِلَى فِرْعَوْن ﴿يَا مُوسَى﴾
262
﴿واصطنعتك لِنَفْسِي﴾ اصطفيتك لنَفْسي بالرسالة
﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ﴾ هَارُون ﴿بِآيَاتِي﴾ بِالْيَدِ والعصا ﴿وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ لَا تضعفا وَلَا تعجزا وَلَا تفترا فِي تَبْلِيغ رسالتي إِلَى فِرْعَوْن
﴿اذهبآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى﴾ علا وتكبر وَكفر
﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً﴾ لطيفاً لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال كنياه ﴿لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ﴾ يتعظ ﴿أَوْ يخْشَى﴾ أَو يسلم
﴿قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ﴾ أَن يعجل ﴿عَلَيْنَآ﴾ بِالضَّرْبِ ﴿أَوْ أَن يطغى﴾ بِالْقَتْلِ
﴿قَالَ﴾ الله لَهما ﴿لاَ تَخَافَآ﴾ من الضَّرْب وَالْقَتْل ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَآ﴾ معينكما ﴿أَسْمَعُ﴾ مَا يرد عَلَيْكُمَا ﴿وَأرى﴾ صنعه بكما
﴿فَأْتِيَاهُ﴾ يَعْنِي فِرْعَوْن ﴿فقولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ﴾ إِلَيْك ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ﴾ نَذْهَب بهم إِلَى أَرضهم ﴿وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ﴾ لَا تتبعهم بِالْعَمَلِ وَذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء لأَنهم أَحْرَار ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ﴾ بعلامة ﴿مِّن رَّبِّكَ﴾ يَعْنِي بِالْيَدِ وَهُوَ أول آيَة أَرَاهَا الله فِرْعَوْن ﴿وَالسَّلَام على مَنِ اتبع الْهدى﴾ التَّوْحِيد
﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ الْعَذَاب﴾ الدَّائِم ﴿على مَن كَذَّبَ﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَتَوَلَّى﴾ عَن الْإِيمَان
﴿قَالَ﴾ فِرْعَوْن ﴿فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى﴾
﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ﴾ شكله للْإنْسَان إنْسَانا وللبعير نَاقَة وَالْحمار أَتَانَا وللشاة النعجة ﴿ثُمَّ هدى﴾ ثمَّ ألهم الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع
﴿قَالَ﴾ فِرْعَوْن لمُوسَى ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُون الأولى﴾ فَمَا خبر الْقُرُون الْمَاضِيَة عنْدك كَيفَ هَلَكُوا
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿عِلْمُهَا﴾ علم هلاكها ﴿عِندَ رَبِّي﴾ مَكْتُوب ﴿فِي كِتَابٍ﴾ يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ ﴿لاَّ يضل رَبِّي﴾ لَا يخطىء وَلَا يذهب عَلَيْهِ أَمرهم ﴿وَلاَ يَنسَى﴾ أَمرهم وَلَا يتْرك عقوبتهم
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض مَهْداً﴾ فرشاً ﴿وَسَلَكَ﴾ جعل ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿سُبُلاً﴾ طرقاً تذهبون وتجيئون فِيهَا ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ مَطَرا ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ فَأَنْبَتْنَا بالمطر ﴿أَزْوَاجاً﴾ أصنافاً ﴿مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى﴾ مُخْتَلفا ألوانه
﴿كُلُواْ﴾ يَعْنِي مَا تَأْكُلُونَ ﴿وارعوا﴾ مَا ترعون ﴿أَنْعَامَكُمْ﴾ من عشبها ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِي اختلافها وألوانها ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات ﴿لأُوْلِي النهى﴾ لِذَوي الْعُقُول من النَّاس
﴿مِنْهَا﴾ من الأَرْض ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾ يَقُول خَلَقْنَاكُمْ من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض ﴿وَفِيهَا﴾ وَفِي الأَرْض ﴿نُعِيدُكُمْ﴾ يَقُول نقبركم ﴿وَمِنْهَا﴾ من الأَرْض ﴿نُخْرِجُكُمْ﴾ يَقُول من الْقُبُور نخرجكم ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾ مرّة أُخْرَى بعد الْمَوْت للبعث
﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ﴾ يَعْنِي فِرْعَوْن ﴿آيَاتِنَا كُلَّهَا﴾ الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات ﴿فَكَذَّبَ﴾ بِالْآيَاتِ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من الله ﴿وأبى﴾ أَن يسلم وَلم يقبل الْآيَات
﴿قَالَ﴾ لمُوسَى ﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا﴾ مصر ﴿بسحرك يَا مُوسَى﴾
﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ﴾
262
مثل مَا جئتنا بِهِ ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ﴾ يَا مُوسَى ﴿مَوْعِداً﴾ أَََجَلًا ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ﴾ لَا نجاوزه ﴿نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوىً﴾ غير هَذِه وَيُقَال سوى أَي عدلا وَنصفا بَيْننَا وَبَيْنك إِن قُرِئت بِضَم السِّين
263
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿مَوْعِدُكُمْ﴾ أجلكم ﴿يَوْمُ الزِّينَة﴾ وَهُوَ يَوْم السُّوق وَيُقَال يَوْم الْعِيد وَيُقَال يَوْم النيروز ﴿وَأَن يُحْشَرَ﴾ يجمع ﴿النَّاس﴾ من الْمَدَائِن ﴿ضحى﴾ ضحوة
﴿فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ﴾ فَرجع فِرْعَوْن إِلَى أَهله ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ حيلته وسحرته اثْنَيْنِ وَسبعين ساحراً ﴿ثُمَّ أَتَى﴾ الموعدة
﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى﴾ للسحرة ﴿وَيْلَكُمْ﴾ ضيق الله عَلَيْكُم الدُّنْيَا ﴿لاَ تَفْتَرُواْ﴾ لَا تختلقوا ﴿عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم﴾ فيهلككم ﴿بِعَذَابٍ﴾ من عِنْده ﴿وَقَدْ خَابَ﴾ خسر ﴿مَنِ افترى﴾ اختلق على الله الْكَذِب
﴿فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ فتشاوروا فِيمَا بَينهم إِن غلب علينا مُوسَى آمنا بِهِ ﴿وَأَسَرُّواْ﴾ هَذَا ﴿النَّجْوَى﴾ من فِرْعَوْن
ثمَّ ﴿قَالُوا﴾ بالعلانية ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ بلغَة بنى الْحَارِث بن كَعْب وَإِنَّمَا قَالَ إِن هَذَانِ على اللُّغَة لَا على الْإِعْرَاب وَيُقَال قَالَ لَهُم فِرْعَوْن إِن هَذَانِ مُوسَى وَهَارُون لساحران ﴿يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ﴾ يَعْنِي مُوسَى وَهَارُون ﴿مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾ مصر ﴿بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ﴾ بدينكم ورجالكم ﴿المثلى﴾ الأمثل فالأمثل أهل الرأى والشرف
﴿فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ﴾ مكركم وسحرتكم وعلمكم ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً﴾ جَمِيعًا ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ﴾ فَازَ ﴿الْيَوْم مَنِ استعلى﴾
﴿قَالُوا﴾ يعْنى السَّحَرَة لمُوسَى ﴿يَا مُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ﴾ عصاك إِلَى الأَرْض أَولا ﴿وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألْقى﴾
﴿قَالَ﴾ لَهُم مُوسَى ﴿بَلْ أَلْقُواْ﴾ أَنْتُم أَولا فَألْقوا اثْنَيْنِ وَسبعين عَصا واثنين وَسبعين حبلاً ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾ أرى مُوسَى ﴿مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسْعَى﴾ تمْضِي
﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ يَقُول أضمر مُوسَى فِي قلبه الْخَوْف خَافَ أَن لَا يظفر بهم فيقتلون من آمن بِهِ
﴿قُلْنَا﴾ لمُوسَى ﴿لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى﴾ الْغَالِب عَلَيْهِم
﴿وَأَلْقِ﴾ على الأَرْض ﴿مَا فِي يَمِينِكَ﴾ يَا مُوسَى ﴿تَلْقَفْ﴾ تلقم ﴿مَا صَنَعُوا﴾ مَا طرحوا من العصي والحبال ﴿إِنَّمَا صَنَعُواْ﴾ طرحوا ﴿كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ عمل سحر ﴿وَلاَ يُفْلِحُ﴾ لَا يَأْمَن وَلَا ينجو من عَذَاب الله وَلَا يفوز ﴿السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾ أَيْنَمَا كَانَ
﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَة سُجَّداً﴾ فسجدوا من سرعَة سجودهم كَأَنَّهُمْ ألقوا ﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي السَّحَرَة ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُون ومُوسَى﴾
﴿قَالَ﴾ لَهُم فِرْعَوْن ﴿آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذن لَكُمْ﴾ قبل أَن آمركُم بِهِ ﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي مُوسَى ﴿لَكَبِيرُكُمُ﴾ عالمكم ﴿الَّذِي عَلَّمَكُمُ السحر فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ﴾ الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى ﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخل﴾ على جُذُوع النّخل ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأبقى﴾ أدوم أَنا أَو رب مُوسَى وَهَارُون
﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي السَّحَرَة لفرعون ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ﴾ لن نَخْتَار عبادتك وطاعتك ﴿على مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَينَات﴾
263
من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْكتاب وَالرَّسُول والعلامات ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ وعَلى عبَادَة الَّذِي خلقنَا ﴿فَاقْض مَآ أَنتَ قَاضٍ﴾ فَاصْنَعْ مَا أَنْت صانع واحكم علينا مَا أَنْت حَاكم ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِه الْحَيَاة الدنيآ﴾ تحكم علينا فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَك علينا سُلْطَان فِي الْآخِرَة
264
﴿إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ شركنا ﴿وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ﴾ مَا أجبرتنا عَلَيْهِ ﴿مِنَ السحر﴾ من تعلم السحر ﴿وَالله خَيْرٌ وَأبقى﴾ مَا عِنْد الله من الثَّوَاب والكرامة أفضل وأدوم مِمَّا تُعْطِينَا من المَال
﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿مُجْرِماً﴾ مُشْركًا ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا﴾ فيستريح ﴿وَلاَ يحيى﴾ حَيَاة تَنْفَعهُ
﴿وَمَن يَأْتِهِ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿مُؤْمِناً﴾ مُصدقا فِي إيمَانه ﴿قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿فَأُولَئِك لَهُمُ الدَّرَجَات العلى﴾ الرفيعة فِي الْجنان
ثمَّ بَين أَن الْجنان لَهُم فَقَالَ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ وَهِي دَار الرَّحْمَن الَّتِي خلقهَا بِيَدِهِ وبقوته فِي وسط الْجنان والجنان حولهَا ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون ﴿وَذَلِكَ﴾ الْجنان والخلد ﴿جَزَآءُ مَن تزكّى﴾ ثَوَاب من وحد وَأصْلح
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ﴾ أَي سر ﴿بِعِبَادِي﴾ أول اللَّيْل ﴿فَاضْرب لَهُمْ﴾ بَين لَهُم ﴿طَرِيقاً فِي الْبَحْر يَبَساً﴾ طَرِيقا يَابسا جدا ﴿لاَّ تَخَافُ دَرَكاً﴾ إِدْرَاك فِرْعَوْن ﴿وَلاَ تخشى﴾ من الْغَرق
﴿فأتبعهم فِرْعَوْن﴾ فلحقهم فِرْعَوْن ﴿بجُنُوده﴾ بجموعه ﴿فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم﴾ فَغشيَ عَلَيْهِم الْبَحْر ﴿مَا غشيهم﴾
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ﴾ أهلك فِرْعَوْن ﴿قَوْمَهُ﴾ فِي الْبَحْر ﴿وَمَا هدى﴾ مَا نجاهم من الْغَرق وَيُقَال أضلهم عَن دين الله وَمَا دلهم إِلَى الصَّوَاب
﴿يَا بني إِسْرَائِيلَ﴾ يَا أَوْلَاد يَعْقُوب ﴿قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ﴾ من فِرْعَوْن ﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطّور﴾ الْجَبَل ﴿الْأَيْمن﴾ يَمِين مُوسَى بِإِعْطَاء الْكتاب ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ والسلوى﴾ فِي التيه
﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ﴾ من حلالات ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من الْمَنّ والسلوى ﴿وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ﴾ لَا تكفرُوا بِهِ وَيُقَال لَا تَرفعُوا للغد ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ﴾ فَيجب عَلَيْكُم ﴿غَضَبِي﴾ سخطي وعذابي وَيُقَال ينزل إِن قَرَأت بِضَم الْحَاء ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي﴾ يجب عَلَيْهِ غَضَبي سخطي وعذابي ﴿فَقَدْ هوى﴾ فقد هلك
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ من الشّرك ﴿وَآمَنَ﴾ بِاللَّه ﴿وَعَمِلَ صَالِحَاً﴾ خَالِصا ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ ثمَّ رأى ثَوَاب عمله حَقًا وَيُقَال ثمَّ اهْتَدَى إِلَى السّنة وَالْجَمَاعَة وَمَات على ذَلِك
فَلَمَّا ذهب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ السّبْعين إِلَى الْمِيقَات تعجل فِي الميعاد قبل السّبْعين قَالَ الله لَهُ ﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَى﴾
﴿قَالَ هُمْ أولاء﴾ يجيئون ﴿على أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى﴾ لِيَزْدَادَ رضاك عني
﴿قَالَ﴾ يَا مُوسَى ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا﴾ ابتلينا ﴿قَوْمَكَ﴾ بِعبَادة الْعجل ﴿مِن بَعْدِكَ﴾ من بعد انطلاقك إِلَى الْجَبَل ﴿وَأَضَلَّهُمُ السامري﴾ وَأمرهمْ بذلك السامرى
﴿فَرَجَعَ﴾ فَلَمَّا رَجَعَ ﴿مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ﴾ مَعَ السّبْعين سمع صَوت الْفِتْنَة فَصَارَ ﴿غَضْبَانَ أَسِفاً﴾ حَزينًا ﴿قَالَ يَا قوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً﴾ صدقا ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْد﴾ أفتجاوزت عَنْكُم الْمدَّة ﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ﴾ يجب عَلَيْكُم ﴿غَضَبٌ﴾ سخط وَعَذَاب ﴿مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي﴾ فخالفتم
﴿قَالُواْ﴾ يَا مُوسَى ﴿مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ﴾ مَا خَالَفنَا وَعدك ﴿بِمَلْكِنَا﴾ بعلمنا متعمدين ﴿وَلَكنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً﴾ إجراماً ﴿مِّن زِينَةِ الْقَوْم﴾ من حلي آل فِرْعَوْن فشؤم ذَلِك حملنَا على عبَادَة الْعجل ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ فطرحنا الْحلِيّ فِي النَّار ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري﴾ كَمَا ألقينا
﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ﴾ فصاغ لَهُم السامري من الذَّهَب الَّذِي ألقوا فِي النَّار ﴿عِجْلاً جَسَداً﴾ مجسداً صَغِيرا بِلَا روح ﴿لَّهُ خُوَارٌ﴾ صَوت ﴿فَقَالُواْ﴾ أى شىء هَذَا قَالَ لَهُم االسامرى ﴿هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فَنَسِيَ﴾ فَترك السامري طَاعَة الله وَأمره وَيُقَال قَالَ السامري ترك مُوسَى الطَّرِيق وَأَخْطَأ فَقَالَ الله
﴿أَفَلاَ يَرَوْنَ﴾ يَعْنِي السامري وَأَصْحَابه ﴿أَلاَّ يَرْجِعُ﴾ أَن لَا يرد ﴿إِلَيْهِمْ قَوْلاً﴾ جَوَابا يَعْنِي الْعجل ﴿وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ﴾ لَا يقدر لَهُم ﴿ضَرّاً﴾ دفع الضَّرَر ﴿وَلاَ نَفْعاً﴾ وَلَا جر النَّفْع
﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ﴾ من قبل مجىء مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ﴿يَا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ﴾ ابتليتم بالخوار وَعبادَة الْعجل وَيُقَال أضللتم أَنفسكُم بِعبَادة الْعجل ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَن فَاتبعُوني﴾ فِي دينه ﴿وَأَطيعُوا أَمْرِي﴾ قولي ووصيتى
﴿قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ﴾ لن نزال على عبَادَة الْعجل ﴿عَاكِفِينَ﴾ مقيمين ﴿حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى
﴿قَالَ﴾ لهارون ﴿يَا هَارُون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا﴾ الطَّرِيق
﴿أَلاَّ تَتَّبِعَنِ﴾ لم لَا تتبع وصيتي وَلم تناجزهم الْقِتَال ﴿أَفَعَصَيْتَ﴾ أفتركت ﴿أَمْرِي﴾ وصيتي
﴿قَالَ﴾ هَارُون لمُوسَى ﴿يَا ابْن أم﴾ ذكر أمه لكَي يرفق بِهِ ويترحم عَلَيْهِ ﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ وَلَا بِشعر رَأْسِي ﴿إِنِّي خَشِيتُ﴾ خفت ﴿أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ﴾ بِالْقَتْلِ ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ لم تنْتَظر قدومي فَمن ذَلِك تركت الْقِتَال مَعَهم ثمَّ رَجَعَ مُوسَى إِلَى السامري
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ﴾ فَمَا الَّذِي حملك على عبَادَة الْعجل ﴿يَا سامري﴾
﴿قَالَ﴾ السامري ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ﴾ أى رَأَيْت مالم ير بَنو إِسْرَائِيل قَالَ لَهُ مُوسَى وَمَا رَأَيْت دونهم قَالَ رَأَيْت جِبْرِيل على فرس بلقاء أُنْثَى وَهِي دَابَّة الْحَيَاة ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُول﴾ من تُرَاب حافر فرس جِبْرِيل ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ فطرحتها فِي فَم الْعجل وَدبره فخار ﴿وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ﴾ زينت ﴿لِي نَفْسِي﴾
﴿قَالَ﴾ لَهُ مُوسَى ﴿فَاذْهَبْ﴾ يَا سامري ﴿فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاة﴾ مَا حيييت ﴿أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ﴾ لَا تخالط أحدا وَلَا يخالطك ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً﴾ أَََجَلًا يَوْم الْقِيَامَة ﴿لَّن تُخْلَفَهُ﴾ لن تجاوزه ﴿وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً﴾
265
أَقمت عَلَيْهِ عابداً ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُ﴾ بالنَّار وَيُقَال لنبردنه بالمبرد ﴿ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفاً﴾ لنذرينه فِي الْبَحْر ذَروا
266
﴿إِنَّمَآ إِلَهكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ علم رَبنَا بِكُل شَيْء
﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ يَا مُحَمَّد ننزل عَلَيْك جِبْرِيل ﴿مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً﴾ قد أكرمناك بِالْقُرْآنِ فِيهِ خبر الْأَوَّلين والآخرين
﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ من كفر بِهِ ﴿فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَة وِزْراً﴾ شركا
﴿خَالِدِينَ فِيهِ﴾ مقيمين فِي عُقُوبَة الْوزر ﴿وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة حِمْلاً﴾ من الذُّنُوب
﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور﴾ النفخة الْأُخْرَى ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين ﴿يَوْمِئِذٍ زُرْقاً﴾ عميا
﴿يتخافتون بَينهم﴾ يتسارون فِيمَا بَينهم فِي هَذَا القَوْل وَيَقُول بَعضهم لبَعض ﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ مَا مكثتم فِي الْقُبُور ﴿إِلاَّ عَشْراً﴾ عشرَة أَيَّام
﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ فِي الْبَعْث ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ أفضلهم عقلا وأصوبهم رَأيا وأصدقهم قولا ﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ مَا مكثتم فِي الْقُبُور ﴿إِلَّا يَوْمًا﴾
﴿ويسألونك﴾ يَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلته بَنو ثَقِيف ﴿عَن الْجبَال﴾ عَن حَال الْجبَال يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَقُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ يقلعها رَبِّي قلعاً
﴿فَيَذَرُهَا﴾ فَيتْرك الأَرْض ﴿قَاعاً﴾ مستوية ﴿صَفْصَفاً﴾ أملس لَا نَبَات فِيهَا
﴿لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً﴾ وَاديا وَلَا شقوقاً ﴿وَلَا أَمْتاً﴾ وَلَا شَيْئا شاخصاً من الأَرْض وَلَا نباتا
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي﴾ يسرعون ويقصدون إِلَى الدَّاعِي ﴿لاَ عِوَجَ لَهُ﴾ لَا يميلون يَمِينا وَلَا شمالا (وخشعت الْأَصْوَات) ذللت الْأَصْوَات ﴿للرحمن﴾ لهيبة الرَّحْمَن ﴿فَلاَ تَسْمَعُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِلاَّ هَمْساً﴾ إِلَّا وطأ خفِيا كَوَطْء الْإِبِل
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَة﴾ لَا تشفع الْمَلَائِكَة لأحد ﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن﴾ فِي الشَّفَاعَة ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾ قبل مِنْهُ لَا إِلَه إِلَّا الله
﴿يَعْلَمُ﴾ الله ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ بَين أَيدي الْمَلَائِكَة من أَمر الْآخِرَة ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أَمر الدُّنْيَا ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ لَا يعلمُونَ مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم شَيْئا إِلَّا مَا علمهمْ الله يَعْنِي الْمَلَائِكَة
﴿وَعَنَتِ الْوُجُوه﴾ نصبت الْوُجُوه فِي الدُّنْيَا بِالسُّجُود وَيُقَال خضعت الْوُجُوه وذلت الْوُجُوه يَوْم الْقِيَامَة ﴿لِلْحَيِّ﴾ الَّذِي لَا يَمُوت ﴿القيوم﴾ الْقَائِم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ ﴿وَقَدْ خَابَ﴾ خسر ﴿مَنْ حَمَلَ ظُلْماً﴾ شركا
﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات﴾ من الْخيرَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ مُصدق فِي إيمَانه ﴿فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً﴾ ذهَاب عمله كُله ﴿وَلاَ هَضْماً﴾ وَلَا نُقْصَان عمله
﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ﴾ بيّنا فِي الْقُرْآن ﴿مِنَ الْوَعيد﴾ أَي من الْوَعْد والوعيد ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ لكَي يتقوا الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً﴾ ثَوابًا إِن آمنُوا وَيُقَال شرفاً إِن وحدوا وَيُقَال عذَابا إِن لم يُؤمنُوا
﴿فتعالى الله الْملك الْحق﴾
266
تَبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ وَلَا تستعجل يَا مُحَمَّد بِقِرَاءَة الْقُرْآن ﴿مِن قَبْلِ إَن يقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ من قبل أَن يفرغ جِبْرِيل من قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَيْك وَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل بِآيَة لم يفرغ جِبْرِيل من آخرهَا حَتَّى يتَكَلَّم رَسُول الله بأولها مَخَافَة أَن ينساها فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ ﴿وَقُل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ وحفظاً وفهماً وَحكما بِالْقُرْآنِ
267
﴿وَلَقَد عهدنا إِلَى آدم﴾ أمرنَا آدم أَن لَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل أكله من الشَّجَرَة وَيُقَال من قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَنَسِيَ﴾ فَترك مَا أَمر بِهِ ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزما﴾ جزما وعزيمة الرِّجَال
﴿وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة﴾ الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض ﴿اسجدوا لآدَم﴾ سَجْدَة التَّحِيَّة ﴿فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس﴾ رئيسهم ﴿أَبى﴾ تعظم عَن السُّجُود لآدَم
﴿فَقُلْنَا يَا آدم إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ حَوَّاء ﴿فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجنَّة﴾ بطاعتكما لَهُ ﴿فتشقى﴾ فتتعب
﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة من الطَّعَام ﴿وَلاَ تعرى﴾ من الثِّيَاب
﴿وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا﴾ لَا تعطش فِيهَا ﴿وَلاَ تضحى﴾ وَلَا يصيبك حر الشَّمْس وَيُقَال لَا نعرق
﴿فوسوس إِلَيْهِ الشَّيْطَان﴾ بِأَكْل الشَّجَرَة ﴿قَالَ يَا آدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الْخلد﴾ من أكل مِنْهَا خلد وَلَا يَمُوت ﴿وَمُلْكٍ لاَّ يبْلى﴾ يبْقى فِي ملك لَا يفنى
﴿فأكلا مِنْهَا﴾ من الشَّجَرَة ﴿فبدت لَهما سوآتهما﴾ فظهرت لَهما عوراتهما ﴿وَطَفِقَا﴾ عمدا ﴿يَخْصِفَانِ﴾ يلزقان ﴿عَلَيْهِمَا﴾ على عوراتهما ﴿مِن وَرَقِ الْجنَّة﴾ من ورق التِّين كلما ألزقا بَعْضهَا إِلَى بعض تساقطت ﴿وَعصى آدم رَبَّهُ﴾ بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة ﴿فغوى﴾ ترك طَرِيق الْهدى فَلم يصب بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة مَا أَرَادَهُ
﴿ثُمَّ اجتباه﴾ ثمَّ اصطفاه ﴿رَبُّهُ﴾ بِالتَّوْبَةِ ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ فَتَجَاوز عَنهُ ﴿وَهدى﴾ هداه إِلَى التَّوْبَة
﴿قَالَ اهبطا مِنْهَا﴾ من الْجنَّة ﴿جَمِيعاً﴾ لآدَم وحواء والحية والطاوس ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ الْحَيَّة لبني آدم وَبَنُو آدم للحية ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً﴾ فحين يَأْتينكُمْ يَا ذُرِّيَّة آدم مني هدى كتاب وَرَسُول ﴿فَمَنِ اتبع هُدَايَ﴾ كتابي ورسولي ﴿فَلاَ يَضِلُّ﴾ باتباعه إيَّاهُمَا فِي الدُّنْيَا ﴿وَلاَ يشقى﴾ فى الْآخِرَة
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ عَن توحيدي وَيُقَال كفر بكتابي ورسولي ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾ عذَابا شَدِيدا فِي الْقَبْر وَيُقَال فِي النَّار ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة أعمى﴾
﴿قَالَ﴾ يَقُول ﴿رَبِّ﴾ يَا رَبِّي ﴿لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿قَالَ كَذَلِك﴾ هَكَذَا لِأَنَّك ﴿أَتَتْكَ آيَاتُنَا﴾ كتَابنَا ورسولنا ﴿فَنَسِيتَهَا﴾ فَتركت الْعَمَل وَالْإِقْرَار بهَا ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى﴾ تتْرك فِي النَّار
﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ﴾ من أشرك ﴿وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾ يَعْنِي الْكتاب وَالرَّسُول ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَشَدُّ وَأبقى﴾ أدوم من عَذَاب الدُّنْيَا
﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ يبين لأهل مَكَّة ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُون﴾ الْمَاضِيَة ﴿يَمْشُونَ فِي مساكنهم﴾ مَنَازِلهمْ
267
﴿إِن فِي ذَلِك﴾ فِيمَا فعلنَا بهم ﴿لآيَات﴾ لعلامات ﴿لأُوْلِي النهى﴾ لِذَوي الْعُقُول من النَّاس
268
﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ﴾ وَجَبت ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ بِتَأْخِير الْعَذَاب عَنْهُم ﴿لَكَانَ لِزَاماً﴾ عذَابا لهلاكهم ﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ وَقت مَعْلُوم لهَذِهِ الْأمة
﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ يَا مُحَمَّد عَمَّا يَقُولُونَ من الشتم والتكذيب نسخهَا آيَة الْقِتَال ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ صل بِأَمْر رَبك يَا مُحَمَّد ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس﴾ صَلَاة الْغَدَاة ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ صَلَاة الظّهْر وَالْعصر ﴿وَمِنْ آنَآءِ اللَّيْل﴾ بعد دُخُول اللَّيْل ﴿فَسَبِّحْ﴾ فصل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء ﴿وَأَطْرَافَ النَّهَار﴾ صَلَاة الظّهْر وَالْعصر ﴿لَعَلَّكَ ترْضى﴾ لكَي تُعْطى الشَّفَاعَة حَتَّى ترْضى
﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ وَلَا تنظرن رَغْبَة ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ﴾ إِلَى مَا أعطينا من المَال ﴿أَزْوَاجاً﴾ رجَالًا ﴿مِّنْهُمْ﴾ من بني قُرَيْظَة وَالنضير ﴿زَهْرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ زِينَة الدُّنْيَا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ لنختبرهم فِيمَا أعطيناهم من الزِّينَة ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ﴾ الْجنَّة ﴿خَيْرٌ﴾ أفضل ﴿وَأبقى﴾ أدوم مِمَّا لَهُم فِي الدُّنْيَا
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ﴾ عِنْد الشدَّة ﴿واصطبر عَلَيْهَا﴾ اصبر عَلَيْهَا ﴿لَا نَسْأَلك رزقا﴾ أَن ترزق نَفسك وَأهْلك ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقبَة للتقوى﴾ الْجنَّة لمتّقي الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿لَوْلاَ يَأْتِينَا﴾ هلا يأتينا مُحَمَّد ﴿بِآيَة﴾ بعلامة ﴿من ربه أَو لم تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ﴾ بَيَان ﴿مَا فِي الصُّحُف الأولى﴾ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَن فيهمَا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته
﴿وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿بِعَذَابٍ من قبله﴾ من قبل مجىء مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ ﴿لَقَالُواْ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ فنطيع رَسُولك ونؤمن بِكِتَاب ﴿مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ﴾ نقْتل يَوْم بدر ﴿ونخزى﴾ نعذب بِعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿كُلٌّ﴾ كل وَاحِد منا أَو مِنْكُم ﴿مُّتَرَبِّصٌ﴾ منتظر لهلاك صَاحبه ﴿فَتَرَبَّصُواْ﴾ فانتظروا ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ عِنْد نزُول الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ﴿مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاط السوي﴾ الْعدْل ﴿وَمَنِ اهْتَدَى﴾ إِلَى الْإِيمَان منا أَو مِنْكُم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَنْبِيَاء وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى عشرَة وكلماتها ألف وَمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ وحروفها اربعة آلَاف وثمان وَمِائَة وَسِتُّونَ حرفا

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

سورة طه
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (طه) من السُّوَر المكية التي افتُتِحت بتعظيمِ القرآن الكريم، وبيَّنتْ أن هذا الكتابَ هو كتابُ سعادة وهناءٍ، ولم يُنزِلْهُ اللهُ عز وجل للتعاسةِ والشَّقاء، كما اشتملت على تعظيمِ الله عز وجل؛ ببيانِ عُلُوِّه فوق خَلْقه: عُلُوِّ قهرٍ وغَلَبة، وعُلُوِّ استواءٍ على عرشه كما يليقُ بجلاله، كما تطرَّقتِ الآياتُ لقصة موسى عليه السلام، وفيها تكليمُ اللهِ موسى عليه السلام، ورعايتُه له، وذكَرتْ مشاهدَ من يومِ القيامة وأهواله.

ترتيبها المصحفي
20
نوعها
مكية
ألفاظها
1351
ترتيب نزولها
45
العد المدني الأول
134
العد المدني الأخير
134
العد البصري
132
العد الكوفي
135
العد الشامي
140

* سورة (طه):

سُمِّيتْ سورة (طه) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحِها به.

 * سورة (طه) من العِتَاق الأُوَل التي تعلَّمها الصحابة :

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ) : إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

* فيها اسمُ اللهِ الأعظَمُ:

فعن أبي أُمَامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: «اسمُ اللهِ الأعظَمُ الذي إذا دُعِيَ به أجابَ في ثلاثِ سُوَرٍ مِن القُرْآنِ: في (البقرةِ)، و(آلِ عِمْرانَ)، و(طه)». أخرجه الطبراني (٧٩٢٥).

وقد التمَسها بعضُ العلماء في هذه السُّوَرِ؛ فوجَدها في:

- (البقرةِ): {اْللَّهُ ‌لَآ ‌إِلَٰهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُۚ} [البقرة: 255].

- وفاتحةِ (آلِ عِمْرانَ): {اْللَّهُ ‌لَآ ‌إِلَٰهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُ} [آل عمران: 2].

- وفي (طه): {وَعَنَتِ اْلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اْلْقَيُّومِۖ} [طه: 111].

ورَدتْ في سورة (طه) الموضوعات الآتية:

1. الافتتاحية (١-٨).

2. قصة موسى عليه السلام (٩-٩٨).

3. جزاء المُعرِضين عن القرآن (٩٩-١٠٤).

4. مَشاهِدُ يوم القيامة (١٠٥-١١٢).

5. مُحمَّد عليه السلام والقرآن (١١٣-١١٤).

6. آدَمُ وعداوة إبليس له ولذريته (١١٥-١٢٧).

7. إنذارٌ للمشركين، وإرشادٌ للنبي صلى الله عليه وسلم (١٢٨-١٣٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /490).

احتوت السورةُ على مقاصدَ عظيمةٍ؛ منها:

* التحدِّي بالقرآن؛ بذِكْرِ (الحروف المُقطَّعة) في مُفتتَحِها.

* والتنويه بأنه تنزيلٌ من الله لِهَدْيِ القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.

* والتنويه بعظمةِ الله تعالى، وإثبات رسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ بأنها تُماثِل رسالةَ أعظَمِ رسولٍ قبله شاع ذِكْرُه في الناس؛ فضرب المَثَل لنزول القرآن على مُحمَّد صلى الله عليه وسلم بكلام اللهِ موسى عليه السلام.

* وتذكير الناس بعداوة الشيطان للإنسان بما تضمَّنتْهُ قصةُ خَلْقِ آدمَ.

* ورُتِّب على ذلك سُوءُ الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مَقادتَهم بيد الشيطان، وإنذارُهم بسُوءِ العقاب في الدنيا.

* وتسلية النبيِّ صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه، وتثبيته على الدِّين.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (16 /182).