تفسير سورة طه

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة طه من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٣١٧- قال جل ذكره :﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾١، وهذا من العلو، وكذلك قوله :﴿ العلي العظيم ﴾٢، و﴿ الكبير المتعال ﴾٣، و﴿ رفيع الدرجات ذو العرش ﴾٤، و﴿ يخافون ربهم من فوقهم ﴾٥، وقال :﴿ ليس له دافع من الله ذي المعارج ﴾٦، والعروج هو الصعود. وأما قوله تعالى :﴿ أمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ﴾٧، فمعناه من على السماء، يعني على العرش، وقد يكون " في " بمعنى " على "، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ﴾٨. وهذا كله يعضد قوله تعالى :﴿ تعرج الملائكة والروح إليه ﴾٩، وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب.
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة١٠، وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل ﴿ استوى ﴾، استولى فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة : المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد. ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله- عز وجل- إلى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع، ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله- عز وجل- أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، مما يصح معناه عند السامعين.
والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، هو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه. قال أبو عبيدة١١في قوله تعالى :﴿ استوى ﴾، قال : علا، قال : وتقول العرب : استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت. وقال غيره : استوى أي انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد.
قال أبو عمر : الاستواء، الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله- عز وجل- وقال ﴿ لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم ﴾١٢، وقال :﴿ واستوت على الجودي ﴾١٣، وقال :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ﴾١٤، وقال الشاعر :
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى ؛ لأن النجم لا يستولي. ( ت : ٧/١٢٩-١٣٢. وانظر س : ٨/١٤٨-١٥١ )
١ سورة الأعلى: ١..
٢ سورة البقرة: ٢٥٤..
٣ سورة الرعد: ١٠..
٤ سورة غافر: ١٤..
٥ سورة النحل: ٥٠..
٦ سورة المعارج: ٢-٣..
٧ سورة الملك: ١٦..
٨ سورة التوبة: ٢..
٩ سورة المعارج: ٤..
١٠ قالوا: إن الله- عز وجل- في كل مكان وليس على العرش. انظر التمهيد: ٧/١٢٩..
١١ هو معمر بن المثنى، أبو عبيدة التيمي البصري النحوي العلامة، أسند الحديث عن هشام بن عروة، ورؤية بن العجاج، وأبي عمرو بن العلاء... وعنه علي بن المديني، وأبو عبيد القاسم بن سلام. وعلي بن المغيرة الأثرم. وغيرهم. من مؤلفاته كتاب"مجاز القرآن"، توفي سنة ٢١٣ هـ انظر تاريخ بغداد: ١٣/٢٥٢-٢٥٨. وطبقات المفسرين: ٢/٣٢٦..
١٢ سورة الزخرف: ١٢..
١٣ سورة هود: ٤٤..
١٤ سورة المؤمنون: ٢٨..
٣١٨- أما معنى قوله تعالى :﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾، فإن أكثر أهل العلم قالوا : معناه أن يصلي الصلاة إذا ذكرها، هذا قول إبراهيم، والشعبي، وأبي العالية، وجماعة من العلماء بتأويل القرآن.
وقد قرئت ( لذكري ) على هذا المعنى. وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك١.
وقال مجاهد :﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾، أن يذكر فيها، قال : فإذا صلى عبد ذكر ربه. ( س : ١/٣٢٧ )
١ رد ابن جرير هذه القراءة، لأنها ليست مستفيضة في قراءة الأمصار. واختار ما ذهب إليه مجاهد في معنى الآية. انظر جامع البيان: ١٦/١٤٨..
٣١٩- قد قرئت هذه الآية :﴿ إن الساعة ءاتية أكاد أخفيها ﴾، و﴿ أخفيها ﴾، فمن قرأ ﴿ أخفيها ﴾١، يريد أكاد أخفيها في النفس، ومن قرأ ﴿ أخفيها ﴾، أي أظهرها. ( س : ٨/٣٤٣ )
١ قال ابن جرير: فعلى ضم الألف من ﴿أخفيها﴾ قراءة جميع قراء أمصار الإسلام، بمعنى أكاد أخفيها من نفسي. لئلا يطلع عليها أحد. وبذلك جاء أكثر أهل العلم. جامع البيان: ١٦/١٤٩. وقد رد قراءة ذلك بفتح الألف لخلافها قراءة الحجة، انظر تفسيره: ١٦/١٥٠..
٣٢٠- الهش تحريك ورق الشجر بالعود ليسقط إلى الغنم فتأكلها. ( س : ٢٧/١١٣ )
٣٢١- قالوا في قول الله- عز وجل- :﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾، حببتك إلى عبادي١. ( س : ٢٧/١٠٩ )
١ أورده ابن كثير ونسبه إلى سلمة بن كهيل. انظر تفسيره: ٣/١٤٨..
٣٢٢- أي ابتليناك ابتلاء واختبرناك اختبارا. ( ت : ٢٢/٢٤٩ )
٣٢٣- حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال : حدثنا عمر بن محمد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال : ألا تسألني عن آية فيها مائة آية ؟ قال : قلت ما هي ؟ قال : قوله – عز وجل- :﴿ وفتناك فتونا ﴾، قال : كل شيء أوتي من خير أو شر كان فتنة، وذكر حين حملت به أمه، وحين وضعت، وحين التقطه آل فرعون حتى بلغ ما بلغ، ثم قال : ألا ترى قوله :﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾١. ( جامع بيان العلم وفضله : ١/١٣٩ )
١ سورة الأنبياء: ٣٥..
٣٢٤- قال الله- عز وجل- :﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾، وأصل الظلم وضع الشيء غير موضعه، وأخذه من غير وجهه، ومن أضر بأخيه المسلم أو بمن له ذمة فقد ظلمه، و " الظلم ظلمات يوم القيامة " كما ثبت في الأثر الصحيح١. ( ت : ٢٠/١٥٧-١٥٨ )
١ انظر كتاب المظالم من صحيح الإمام البخاري بشرح الكرماني، باب الظلم ظلمات يوم القيامة: ١١/٢٠..
سورة طه
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (طه) من السُّوَر المكية التي افتُتِحت بتعظيمِ القرآن الكريم، وبيَّنتْ أن هذا الكتابَ هو كتابُ سعادة وهناءٍ، ولم يُنزِلْهُ اللهُ عز وجل للتعاسةِ والشَّقاء، كما اشتملت على تعظيمِ الله عز وجل؛ ببيانِ عُلُوِّه فوق خَلْقه: عُلُوِّ قهرٍ وغَلَبة، وعُلُوِّ استواءٍ على عرشه كما يليقُ بجلاله، كما تطرَّقتِ الآياتُ لقصة موسى عليه السلام، وفيها تكليمُ اللهِ موسى عليه السلام، ورعايتُه له، وذكَرتْ مشاهدَ من يومِ القيامة وأهواله.

ترتيبها المصحفي
20
نوعها
مكية
ألفاظها
1351
ترتيب نزولها
45
العد المدني الأول
134
العد المدني الأخير
134
العد البصري
132
العد الكوفي
135
العد الشامي
140

* سورة (طه):

سُمِّيتْ سورة (طه) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحِها به.

 * سورة (طه) من العِتَاق الأُوَل التي تعلَّمها الصحابة :

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ) : إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

* فيها اسمُ اللهِ الأعظَمُ:

فعن أبي أُمَامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: «اسمُ اللهِ الأعظَمُ الذي إذا دُعِيَ به أجابَ في ثلاثِ سُوَرٍ مِن القُرْآنِ: في (البقرةِ)، و(آلِ عِمْرانَ)، و(طه)». أخرجه الطبراني (٧٩٢٥).

وقد التمَسها بعضُ العلماء في هذه السُّوَرِ؛ فوجَدها في:

- (البقرةِ): {اْللَّهُ ‌لَآ ‌إِلَٰهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُۚ} [البقرة: 255].

- وفاتحةِ (آلِ عِمْرانَ): {اْللَّهُ ‌لَآ ‌إِلَٰهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُ} [آل عمران: 2].

- وفي (طه): {وَعَنَتِ اْلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اْلْقَيُّومِۖ} [طه: 111].

ورَدتْ في سورة (طه) الموضوعات الآتية:

1. الافتتاحية (١-٨).

2. قصة موسى عليه السلام (٩-٩٨).

3. جزاء المُعرِضين عن القرآن (٩٩-١٠٤).

4. مَشاهِدُ يوم القيامة (١٠٥-١١٢).

5. مُحمَّد عليه السلام والقرآن (١١٣-١١٤).

6. آدَمُ وعداوة إبليس له ولذريته (١١٥-١٢٧).

7. إنذارٌ للمشركين، وإرشادٌ للنبي صلى الله عليه وسلم (١٢٨-١٣٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /490).

احتوت السورةُ على مقاصدَ عظيمةٍ؛ منها:

* التحدِّي بالقرآن؛ بذِكْرِ (الحروف المُقطَّعة) في مُفتتَحِها.

* والتنويه بأنه تنزيلٌ من الله لِهَدْيِ القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.

* والتنويه بعظمةِ الله تعالى، وإثبات رسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ بأنها تُماثِل رسالةَ أعظَمِ رسولٍ قبله شاع ذِكْرُه في الناس؛ فضرب المَثَل لنزول القرآن على مُحمَّد صلى الله عليه وسلم بكلام اللهِ موسى عليه السلام.

* وتذكير الناس بعداوة الشيطان للإنسان بما تضمَّنتْهُ قصةُ خَلْقِ آدمَ.

* ورُتِّب على ذلك سُوءُ الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مَقادتَهم بيد الشيطان، وإنذارُهم بسُوءِ العقاب في الدنيا.

* وتسلية النبيِّ صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه، وتثبيته على الدِّين.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (16 /182).