مكية كلها في قول الجميع
ﰡ
(إن السفاهة (طه) من خليقتكم | لا قدس الله أرواح الملاعين) |
(وأنت وصول للأقارب مدره | برىء من الآفات من مقدس) |
(هممت ولم أفعل وكدت وليتني | تكرت على عثمان تبكي حلائله) |
(فإن تدفنوا الداءَ لا نخفيه | وأن تبعثوا الحرب لا نقعد) |
(ولما رأى الحجاج أظهر سيفه | أسر الحروري الذي كان أضمرا) |
أحدهما : أنه تفرد بندائه.
الثاني : أن الله أنطق النور١ بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه، فصار نداء منه أعلمه به أنه ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره، فقدم تأديبه بقوله :﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ الآية. وفي أمره بخلعهما قولان :
أحدهما : ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس، قاله علي بن أبي طالب والحسن وابن جريج.
والثاني : لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت، قاله كعب وعكرمة وقتادة.
﴿ إِنَكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المقدس هو المبارك، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني : أنه المطهر، قاله قطرب، وقال الشاعر :
وأنت وصول للأقارب مدره | بريء من الآفات من مقدس |
أحدها : أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلاً فطواه، قاله ابن عباس.
الثاني : سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين. وطوى في كلامهم بمعنى مرتين، لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها.
الثالث : بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين، قاله الحسن.
الرابع : أن معنى طوى : طَأِ الوادي بقدمك، قاله مجاهد.
الخامس : أنه الاسم للوادي قديماً، قاله ابن زيد :
فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي.
قوله تعالى :﴿ فلمَّا أتَاهَا ﴾ يعني النار، التي هي نور ﴿ نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ﴾ وفي هذا النداء قولان :
أحدهما : أنه تفرد بندائه.
الثاني : أن الله أنطق النور١ بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه، فصار نداء منه أعلمه به أنه ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره، فقدم تأديبه بقوله :﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ الآية. وفي أمره بخلعهما قولان :
أحدهما : ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس، قاله علي بن أبي طالب والحسن وابن جريج.
والثاني : لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت، قاله كعب وعكرمة وقتادة.
﴿ إِنَكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المقدس هو المبارك، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني : أنه المطهر، قاله قطرب، وقال الشاعر :
وأنت وصول للأقارب مدره | بريء من الآفات من مقدس |
أحدها : أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلاً فطواه، قاله ابن عباس.
الثاني : سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين. وطوى في كلامهم بمعنى مرتين، لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها.
الثالث : بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين، قاله الحسن.
الرابع : أن معنى طوى : طَأِ الوادي بقدمك، قاله مجاهد.
الخامس : أنه الاسم للوادي قديماً، قاله ابن زيد :
فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي.
أحدها : وأقم الصلاة لتذكرني فيها، قاله مجاهد.
والثاني : وأقم الصلاة بذكري، لأنه لا يُدْخَلُ في الصلاة إلا بذكره.
الثالث : وأقم الصلاة حين تذكرها، قاله إبراهيم. وروى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" مَنْ نَسِيَ صَلاَةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا " قال تعالى :﴿ وَأَقِمِ الصَلاَةَ لِذَكرِي١ ﴾.
أحدها : أي لا أظهر عليها أحداً، قاله الحسن. ويكون أكاد بمعنى أريد أخفيها.
الثاني : أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس ومجاهد، وهي كذلك في قراءة أُبَيّ " أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي " ويكون المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها. وتقديره : إذا كنت أخفيها من١ نفسي فكيف أظهرها لك ؟
الثالث : معناه أن الساعة آتية أكاد. انقطع الكلام عند أكاد وبعده مضمر أكاد آتي بها، تقريباً لورودها، ثم استأنف : أخفيها لتجزى كل نفسٍ بما تسعى. قاله الأنباري، ومثله قول ضابىء البرجمي٢ :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني | تركت على عثمان تبكي حلائله |
الرابع : أن معنى -أخفيها : أظهرها، قاله أبو عبيدة وأنشد :
فإن تدفنوا الداءَ لا نخفيه | وأن تبعثوا الحرب لا نقعد٣ |
وفي قوله :﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ ﴾ وجهان :
أحدهما : أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع الذي أضلوهم. والثاني : أظهروا الندامة. قال الشاعر :
ولما رأى الحجاج أظهر سيفه | أسر الحروري الذي كان أضمرا |
أحدهما : أنه على وجه القسم من الله، إن كل نفس تجزى بما تسعى.
الثاني : أنه إخبار من الله أن كل نفس تجزى بما تسعى.
٢ شاعر أدرك عثمان بن عفان وكان بالمدينة وكان كثير الشر بذيئا، رمى أم بني نهثل في كلب فشكوه إلى عثمان فحبسه فقال ضابىء هذا الشعر في سجنه الذي مات فيه وبعد أن قتل عثمان وثب عليه عمير بن ضابئ فكسر صلبه. وقد قتل الحجاج عميرا هذا..
٣ البيت لامرئ القيس..
الثاني : فتنزل.
(أهش بالعصا على أغنامي | من ناعم الأراك والبشام.) |
أحدهما : الإِخبار بأنها عصا وهذا جواب كافٍ.
الثاني : إضافتها إلى ملكه، وهذه زيادة ذكرها ليكفي الجواب بما سئل عنه.
ثم أخبر عن حالها بما لم يُسأل عنه ليوضح شدة حاجته إليها واستعانته بها لئلا يكون عابثاً بحملها، فقال :﴿ أَتَوكّأ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَ عَلَى غَنَمِي ﴾ أي أخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي. قال الراجز :
أهش بالعصا على أغنامي | من ناعم الأراك والبشام١. |
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد.
والثاني : أن معناهما مختلف، فالهش بالمعجمة : خبط الشجر، والهس بغير إعجام زجر الغنم.
﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾ أي حاجات أخرى، فنص على اللازم وكنّى عن العارض، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كان يطرد بها السباع، قاله مقاتل.
الثاني : أنه كان يَقْدَحُ بها النار، ويستخرج الماء بها.
الثالث : أنها كانت تضيء له بالليل، قاله الضحاك.
والبشام: واحدته بشامة، شجر طيب الرائحة ورقه يسود الشعر ويعرف عند الصيادلة باسم حب البلسان..
(أليس أبونا هاشمٌ شد أزره | وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب) |
(شددت به أزري وأيقنت أنه | أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه) |
أحدهما : لحفظ مناجاته.
الثاني : لتبليغ رسالته.
أحدهما : ما لا يطيق.
الثاني : في معونتي بالقيام على ما حملتني.
أحدها : أنها عقدة كانت بلسانه من الجمرة التي ألقاها بفيه في صغره عند فرعون.
الثاني : عقدة كانت بلسانه عند مناجاته لربه، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه.
الثالث : استحياؤه من الله من كلام غيره بعد مناجاته.
أحدهما : ببيان كلامه.
الثاني : بتصديقه على قوله.
أحدهما : أن الأزر : الظهر في موضع الحقوين ومعناه فقوّ به نفسي. قال أبو طالب١ :
أليس أبونا هاشمٌ شد أزره | وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب |
شددت به أزري وأيقنت أنه | أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه |
ألا أبلغا عني على ذات بيننا لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
انظر القصيدة في سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٧٧..
٢ قيل إنها لم تكن في أحد قبله ولا بعده، وقيل إنها سبب عقدة لسانه..
أحدهما : أن الأزر : الظهر في موضع الحقوين ومعناه فقوّ به نفسي. قال أبو طالب١ :
أليس أبونا هاشمٌ شد أزره | وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب |
شددت به أزري وأيقنت أنه | أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه |
ألا أبلغا عني على ذات بيننا لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
انظر القصيدة في سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٧٧..
٢ قيل إنها لم تكن في أحد قبله ولا بعده، وقيل إنها سبب عقدة لسانه..
وعيّن فقال :﴿ هَارُونَ أَخِي اشدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الأزر : الظهر في موضع الحقوين ومعناه فقوّ به نفسي. قال أبو طالب١ :
أليس أبونا هاشمٌ شد أزره | وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب |
شددت به أزري وأيقنت أنه | أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه |
(نال الخلافة أو كانت له قدراً | كما أتى ربه موسى على قدر) |
نال الخلافة أو كانت له قدراً | كما أتى ربه موسى على قدر |
(فما ونى محمد مذ أن غفر | له الإله ما مضى وما غبر) |
(كأن القدور الراسيات أمامهم | قباب بنوها لا تني أبداً تغلي) |
فما ونى محمد مذ أن غفر | له الإله ما مضى وما غبر |
الثالث : لا تبطنا، قاله ابن عباس.
الرابع : لا تزالا، حكاه أبان واستشهد بقول طرفة :
كأن القدور الراسيات أمامهم | قباب بنوها لا تني أبداً تغلي |
أحدهما : لطيفاً رقيقاً.
الثاني : كنّياه، قاله السدي وقيل إن كنية فرعون أبو مرة، وقيل أبو الوليد١.
ويحتمل ثالثاً : أن يبدأه بالرغبة قبل الرهبة، ليلين بها فيتوطأ بعدها من رهبة ووعيد قال بعض المتصوفة : يا رب هذا رفقك لمن عاداك، فكيف رفقك بمن والاك.
وقيل إن فرعون كان يحسن لموسى حين رباه، فأراد أن يجعل رفقه به مكافأة له حين عجز موسى عن مكافأته.
(وله في كل شيء خلقهُ | وكذلك الله ما شاء فعل) |
أحدها : أعطى كل شيء زوجه من جنسه، ثم هداه لنكاحه، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني : أعطى كل شيء صورته، ثم هداه إلى معيشته ومطعمه ومشربه، قاله مجاهد. قال الشاعر :
وله في كل شيء خلقةُ | وكذلك الله ما شاء فعل |
الثالث : أعطى كلاً ما يصلحه، ثم هداه له، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً : أعطى كل شيءٍ ما ألهمه من علم أو صناعة وهداه إلى معرفته.
وقال الزجاج : القرن أهل كل عصر وفيه نبي أو طبقة عالية في العلم، فجعله من اقتران أهل العصر بأهل العلم، فإذا كان زمان فيه فترة وغلبة جهل لم يكن قرناً.
واختلف في سؤال فرعون عن القرون على أربعة أوجه :
أحدها : أنه سأله عنها فيما دعاه إليه من الإيمان، هل كانوا على مثل ما يدعو إليه أو بخلافه.
الثاني : أنه قال ذلك له قطعاً للاستدعاء ودفعاً عن الجواب.
الثالث : أنه سأله عن ذنبهم ومجازاتهم.
الرابع : أنه لما دعاه إلى الإِقرار بالبعث قال : ما بال القرون الأولى لم تبعث.
﴿ فِي كِتَابٍ ﴾ يعني في اللوح المحفوظ.
﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾ أي لم يجعل علم ذلك في كتاب لأنه يضل أو ينسى.
ويحتمل إثباته في الكتاب وجهين :
أحدهما : أن يكون له فضلاً له وحكماً به.
الثاني : ليعلم به ملائكته في وقته.
وفي قوله :﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾ وجهان :
أحدهما : لا يخطئ فيه ولا يتركه.
الثاني : لا يضل الكتاب عن ربي، ولا ينسى ربي ما في الكتاب، قاله ابن عباس.
قال مقاتل : ولم يكن في ذلك [ الوقت ] عند موسى علم القرون الأولى، لأنه علمها من التوراة، ولم تنزل عليه إلا بعد هلاك فرعون وغرقه.
أحدها : أولي الحكم.
الثاني : أولي العقل١، قاله السدي.
الثالث : أولي الورع.
وفي تسميتهم بذلك وجهان :
أحدهما : لأنهم ينهون النفس عن القبيح.
الثاني : لأنه ينتهي٢ إلى آرائهم.
٢ ينتهي إلى آرائهم: أي يرجع إليهم في الأمور..
أحدهما : حجج الله الدالة على توحيده.
الثاني : المعجزات الدالة على نبوة موسى، يعني التي أتاها موسى، وإلا فجميع الآيات لم يرها.
﴿ فَكَذَّبَ وَأَبَى ﴾ يعني فكذب الخبر وأبى الطاعة.
ويحتمل وجهاً آخر : يعني فجحد الدليل وأبى القبول.
(وإن أبانا كان حَلّ ببلدة | سوى بين قيس قيس عيلان والغزر) |
أحدها : منصفاً بينهم.
الثاني : عدلاً بيننا وبينك، قاله قتادة والسدي.
الثالث : عدلاً وسطاً، قاله أبو عبيدة وأنشد :
وإن أبانا كان حَلّ ببلدة | سوى بين قيس قيس عيلان والفزر١ |
ويقرأ سُوى بضم السين وكسرها، وفيهما وجهان :
أحدهما : أن : معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.
والثاني : أن معناهما مختلف، فهو بالضم المنصف، وبالكسر العدل.
أحدها : أنه يوم عيد كان لهم، قاله مجاهد وابن جريج والسدي وابن زيد وابن إسحاق.
الثاني : يوم السبت، قاله الضحاك.
الثالث : عاشوراء، قاله ابن عباس.
الرابع : أنه يوم سوق كانوا يتزينون فيها، قاله قتادة.
(وعض زمان يا ابن مروان لم يدع | من المال إلا مسحتاً أو مُجَلَّف) |
(وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى | لتلتبسن أسيافنا بالأماثل) |
(يا ليت شعري والمنى لا تنفع | هل أغدوا يوماً وأمري مجمع) |
أي محكم. ﴿ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً﴾ أي اصطفواْ ولا تختلطواْ. ﴿ | مَنِ اسْتَعْلَى﴾ أي غلب. |
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع | من المال إلا مسحتاً أو مُجَلَّف١ |
والمجلف : المهلك.
أحدهما : فيما هيؤوه من الحبال والعصي، قاله الضحاك.
والثاني : فيمن يبتدئ بالإِلقاء.
﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن النجوى التي أسروها أن قالوا : إن كان هذا سحراً فسنغلبه، وإن كان السماء فله أمره، قاله قتادة.
الثاني : أنه لما قال لهم ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ الآية. قالوا : ما هذا بقول ساحر، قاله ابن منبه.
الثالث : أنهم أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم، ﴿ إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ. . . ﴾ الآيات، قاله مقاتل والسدي.
الرابع : أنهم أسروا النجوى. إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه، قاله الكلبي.
أحدها : أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى *** مساغاً لِناباهُ الشجاع١ لصمّما
والوجه الثاني : لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في " إن " هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران، وهو قول متقدمي النحويين.
الثالث : أنه بَنَى " هذان " على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.
الرابع : أن " إن " المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال رجل لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير : إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات :
بكى العواذل في الصبا *** ح يلمنني وألومُهُنه
ويقلن شيب قد علا *** ك وقد كبرت فقلت إنْه
أي نعم.
قوله تعالى :﴿ وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى ﴾ في قائل هذه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه قول السحرة.
الثاني : أنه قول قوم فرعون.
الثالث : قول فرعون من بين قومه، وإن أشير به إلى جماعتهم.
وفي تأويله خمسة أوجه :
أحدها : ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله مجاهد.
الثاني : ببني إسرائيل، وكانوا أولي عدد ويسار، قاله قتادة.
الثالث : ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة، قاله ابن زيد.
الرابع : ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون، قاله الضحاك.
الخامس : ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، [ والمثلى مؤنث ] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل، قال أبو طالب :
وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى *** لتلتبسن أسيافنا بالأماثل٢
٢ هذا البيت من قصيدة طويلة في نحو مائة بيت يستعطف فيها قريشا. انظر سيرة ابن هشام ج ١/ ٢٩١..
أحدهما : جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.
الثاني : معناه أحكموا أمركم، قال الراجز :
يا ليت شعري والمنى لا تنفع | هل أغدون يوماً وأمري مجمع |
﴿ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً ﴾ أي اصطفوا ولا تختلطوا.
﴿. . . مَنِ اسْتَعْلَى ﴾ أي غلب.
أحدهما : إن اللفظ على صفة الأمر، ومعناه معنى الخبر، وتقديره : إن كان إلقاؤكم عندكم حجة فألقوا.
الثاني : إن ذلك منه على وجه الاعتبار ليظهر لهم صحة نبوته ووضوح محبته، وأن ما أبطل السحر لم يكن سحراً.
واختلفوا في عدد السحرة فحكى عن القاسم بن أبي بزة أنهم كانوا سبعين ألف ساحر، وحكي عن ابن جريج أنهم كانوا تسعمائة ساحر، ثلاثمائة من العريش، وثلاثمائة من الفيوم، ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية. وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحراً، منهم اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء.
قوله تعالى :﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يخيل ذلك لفرعون.
الثاني : لموسى كذلك.
أحدهما : أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهموا أنهم فعلوا مثل فعله وأنه من جنسه.
الثاني : لما هو مركوز في الطباع من الحذر. وأوجس : بمعنى أسر١.
وفيها قولان :
أحدهما : أنها كانت من عوسج، قاله وهب.
الثاني : من الجنة، قاله ابن عباس، قال : وبها قتل موسى عوج بن عناق.
﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ أي بالرب الذي١ دعا إليه هارون وموسى، لأنه رب لنا ولجميع الخلق، فقيل إنهم، ما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة وثواب أهلها، فعند ذلك.
قوله عز وجل ﴿ والذي فطرنا ﴾ فيه وجهان :( أحدهما ) إنه قسم ( الثاني ) بمعنى [ ولا ] على الذي فطرنا.
﴿ فاقض ما أنت قاض ﴾ فيه وجهان :( أحدهما ) فاصنع ما أنت صانع. ( الثاني ) فاحكم ما أنت حاكم.
﴿ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ﴾ يحتمل وجهين :( أحدهما ) إنما سلطانك وعذابك في هذه الحياة الدنيا دون الآخرة. ( الثاني ) أن التي تنقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا، وتبقى الآخرة.
(ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضي | شقاها ولا تحيا حياة لها طعم) |
أحدها : لا تكفروا به.
الثاني : لا تدّخروا منه١ لأكثر من يوم وليل. قال ابن عباس : فدُوّد عليهم ما ادخروه، ولولا ذلك ما دَوّد طعام أبداً.
الثالث : لا تستعينوا برزقي على معصيتي.
﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ قرئ بضم الحاء وبكسرها ومعناه بالضم ينزل، وبالكسر يجب.
﴿ فَقَدْ هَوَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فقد هوى في النار.
الثاني : فقد هلك في الدنيا.
وفي قوله ﴿ ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : ثم لم يشك في إيمانه، قاله ابن عباس.
الثاني : لزم الإِيمان حتى يموت، قاله قتادة.
الثالث : ثم أخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قاله الربيع بن أنس.
الرابع : ثم أصاب العمل، قاله ابن زيد.
الخامس : ثم عرف جزاء عمله من خير بثواب، أو شر بعقاب، قاله الكلبي.
السادس : ثم اهتدى في ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ثابت [ البناني ].
أحدها : أن الأسف أشد الغضب.
الثاني : الحزين، قاله ابن عباس وقتادة والسدي.
الثالث : أنه الجزع، قاله مجاهد.
الرابع : أنه المتندم.
الخامس : أنه المتحسِّر.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يَعِدُكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حسناً ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه وعدكم النصر والظفر.
الثاني : أنه قوله :﴿ وِإِنِّي لَغَفَّارٌ ﴾ الآية.
الثالث : التوراة فيها هدى ونور ليعملوا بما فيها فيستحقوا ثواب عملهم.
الرابع : أنه ما وعدهم به في الآخرة على التمسك بدينه في الدنيا، قاله الحسن.
وفي قوله تعالى :﴿ فَأَخَلَفْتُم مَّوْعِدِي ﴾ وجهان :
أحدهما١ : أنه وعدهم على أثره للميقات فتوقفوا.
أحدها : بطاقتنا، قاله قتادة والسدي.
الثاني : لم نملك أنفسنا عند ذلك للبلية التي وقعت بنا، قاله ابن زيد.
الثالث : لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك. والموعد الذي أخلفوه أن وعدهم أربعين، فعدّوا الأربعين عشرين يوماً وعشرين ليلة وظنوا أنهم قد استكملوا الميعاد، وأسعدهم١ السامري أنهم قد استكملوه.
﴿ وَلَكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ ﴾ أي حملنا من حلي آل فرعون، لأن موسى أمرهم أن يستعيروا من حليهم، قاله ابن عباس ومجاهد والسدي. وقيل : جعِلت حملاً.
والأوزار : الأثقال، فاحتمل ذلك على وجهين :
أحدهما : أن يراد بها أثقال الذنوب لأنهم قد كان عندهم غلول٢.
الثاني : أن يراد أثقال الحمل لأنه أثقلهم وأثقل أرجلهم.
قوله تعالى :﴿ فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴾ الآية. قال قتادة. إن السامري قال لهم حين استبطأ القومُ موسى : إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ورفعوه للسامري، فصاغ منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة قبضها من أثر الرسول وهو جبريل، وقال معمر : الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة فلما ألقى القبضة عليه صار عجلاً جَسَداً له خوار.
والخوار صوت الثور، وفيه قولان :
أحدهما : أنه صوت حياة خلقة، لأن العجل المُصَاغُ٣ انقلب بالقبضة التي من أثر الرسول، فصار حيواناً حياً، قاله الحسن وقتادة والسدي. وقال ابن عباس : خار العجل خورة واحدة لم يتبعها مثلها.
الثاني : أن خواره وصوته كان بالريح، لأنه عمل فيه خروقاً فإذا دخلت الريح فيه خار ولم يكن فيه حياة، قاله مجاهد.
٢ أي أن الغنائم لم تكن تحل لهم فليس لهم أن يعتبروا تلك الحلي غنائم..
٣ المصاغ: لعل الصواب أن يقال المصوغ لأنه اسم مفعول من الفعل صاغ الذي مضارعه يصوغ مثل قال يقول فالكلام مقول والعجل مصوغ..
﴿ فَنَسِيَ ﴾ فيه أربعة أقاويل> ١ :
أحدها : فنسي السامري إسلامه وإيمانه، قاله ابن عباس.
الثاني : أن السامري قال لهم : قد نسي موسى إلهه عندكم، قاله قتادة والضحاك.
الثالث : فنسي أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع، قاله ابن بحر.
الرابع : أن موسى نسي أن قومه قد عبدوا العجل بعده، قاله مجاهد.
﴿ وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ﴾ ؟ فكيف يكون إِلهاً ؟.
قال مقاتل : لما مضى من موعد موسى خمسة وثلاثون يوماً أمر السامري بني إسرائيل أن يجمعوا ما استعاروه من حلي آل فرعون، وصاغه عجلاً في السادس والثلاثين والسابع١ والثامن ودعاهم إلى عبادة العجل في التاسع فأجابوه، وجاءهم موسى بعد استكمال الأربعين.
أحدهما : ألا تتبعني في الخروج ولا تقم مع من ضل.
الثاني : ألا تتبع عادتي في منعهم والإِنكار عليهم، قاله مقاتل.
﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ [ كان أمرا حكاه الله عنه ] وقال موسى لأخيه هارون : أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلمّا أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإِنكار عليهم نسبه إلى العصيان ومخالفة أمره.
أحدهما : لأنه كان أخاه لأبيه وأمه.
الثاني : أنه كان أخاه لأبيه١ دون أمه، وإنما قال يابن أم ترفيقاً له واستعطافاً.
﴿ لاَ تَأخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأسِي ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أخذ شعره بيمينه، ولحيته بيسراه، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه أخذ بأذنه ولحيته، فعبر عن الأذن بالرأس، وهو قول من جعل الأذن من الرأس.
واختلف في سبب أخذه بلحيته ورأسه على ثلاثة أقوال :
أحدها : ليسر إليه نزول الألواح عليه، لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة. وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التوبة٢، فقال له هارون :" لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي " ليشتبه سراره على بني إسرائيل.
الثاني : فعل ذلك لأنه وقع في نفسه أن هارون مائل إلى بني إسرائيل فيما فعلوه من أمر العجل، ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء.
الثالث : وهو الأشبه - أنه فعل ذلك لإِمساكه عن الإِنكار على بني إسرائيل الذين عبدوا العجل ومقامه بينهم على معاصيهم.
﴿ إِنِّي خَشيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ ﴾ وهذا جواب هارون عن قوله :﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : فرقت بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم.
الثاني :[ فرقت ] بينهم بقتال مَنْ عَبَدَ العجل منهم.
وقيل : إنهم عبدوه جميعاً إلا اثني عشر ألفاً بقوا مع هارون لم يعبدوه.
﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لم تعمل بوصيتي، قاله مقاتل.
الثاني : لم تنتظر عهدي، قاله أبو عبيدة.
٢ التوبة: في تفسير القرطبي التوراة..
(آذنت جارتي بوشك رحيل | بكرا جاهرت بخطب جليل) |
(حمال رايات بها قنعاسا | حتى يقول الأزد لا مساسا) |
(تميم كرهط السامري وقوله | ألا لا يريد السامري مساسا) |
أحدهما : نظرت ما لم ينظروه، قاله أبو عبيدة.
الثاني : بما لم يفطنوا له، قاله مقاتل.
وفي بصرت وأبصرت وجهان :
أحدهما : أنَّ معناهما واحد.
الثاني : أن معناهما مختلف، فأبصرت بمعنى نظرت، وبَصُرت بمعنى فطنت.
﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ﴾ قرأه الجماعة بالضاد معجمة، وقرأ الحسن بصاد غير١ معجمة، والفرق بينهما أن القبضة بالضاد المعجمة، بجميع الكف، وبصاد غير معجمة : بأطراف الأصابع ﴿ مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الرسول جبريل.
وفي معرفته به قولان :
أحدهما : لأنه رآه يوم فلق البحر فعرفه.
الثاني : أن حين ولدته أمه [ جعلته في غار٢ ] - حذراً عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل وكان جبريل يغذوه صغيراً لأجل البلوى، فعرفه حين كبر، فأخذ قبضة تراب من حافر فرسه وشدها في ثوبه. ﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ يعني فألقيتها، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه ألقاها فيما سبكه من الحلي بصياغة العجل حتى خار بعد صياغته.
الثاني : أنه ألقاها في جوف العجل بعد صياغته حتى ظهر خواره، فهذا تفسيره على قول من جعل الرسول جبريل.
والقول الثاني : أن الرسول موسى، وأن أثره شريعته التي شرعها وسنته التي سنها، وأن قوله :﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا ﴾ أي طرحت شريعة موسى ونبذت سنته، ثم اتخذت العجل جسداً له خوار.
﴿ وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حدثتني نفسي. قاله ابن زيد.
الثاني : زينت لي نفسي، قاله الأخفش.
٢ ساقط من الأصول وقد أخذناه من تفسير القرطبي..
أحدهما : أن قوله :﴿ فَاذْهَبْ ﴾ وعيد من موسى، ولذا [ فإن ] السامري خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع، لا يجد أحداً من الناس يمسه، حتى صار كالقائل لا مساس، لبعده عن الناس وبعد الناس منه. قالت الشاعرة :
حمال رايات بها قنعاسا | حتى يقول الأزد لا مساسا١ |
تميم كرهط السامري وقوله | ألا لا يريد السامري مساسا |
﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : في الإِمهال لن يقدم.
الثاني : في العذاب لن يؤخر.
أحدهما : أحاط بكل شيء حتى لم يخرج شيء عن علمه.
الثاني : وسع كل شيء علماً حتى لم يخل شيء عن علمه به.
(لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر | كما كل ضبي مِن اللؤم أزرق) |
﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾
[ الإسراء : ١١٠ ] أي لا تُسرّ بها.
﴿ إن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً ﴾ العشر على طريق التقليل دون التحديد وفيه وجهان :
أحدهما : إن لبثتم في الدنيا إلا عشراً، لما شاهدوا من سرعة القيامة، قاله الحسن.
الثاني : إن لبثتم في قبوركم إلاّ عشراً لما ساواه١ من سرعة الجزاء.
أحدهما : نحن أعلم بما يقولونه مما يتخافتون به بينهم.
الثاني : نحن أعلم بما يجري بينهم من القول في مدد ما لبثوا.
﴿ إذ يقول أمثلهم طريقةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أوفرهم عقلاً.
الثاني : أكبرهم سداداً.
﴿ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً ﴾ لأنه كان عنده أقصر زماناً وأقل لبثاً، ثم فيه وجهان :
أحدهما : لبثهم في الدنيا.
الثاني : لبثهم في القبور.
قاله قتادة. الخامس: الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل، ويدق في مكان، حكاه الصولي، فيكون الأمت من الصعود والارتفاع. قوله تعالى: ﴿وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ﴾ قال ابن عباس: أي خضعت بالسكون، قال الشاعر:
(لما آتى خبر الزبير تصدعت | سور المدينة والجبال الخشع) |
٨٩ (وهن يمشين بنا هَمِيسا} ٩
يعني أصوات أخفاف الإِبل في سيرها.
أحدها : أنه الموضع المستوي الذي لا نبات فيه، قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد.
الثاني : الأرض الملساء.
الثالث : مستنقع الماء، قاله الفراء.
وفي الصفصف وجهان : أحدهما : أنه ما لا نبات فيه، قاله الكلبي.
الثاني : أنه المكان المستوي، كأنه قال على صف واحد في استوائه، قاله مجاهد.
أحدها : عوجاً يعني وادياً، ولا أمتاً يعني رابية، قاله ابن عباس.
الثاني : عوجاً يعني صدعاً، ولا أمتاً يعني أكمة، قاله الحسن.
الثالث : عوجاً يعني ميلاً. ولا أمتاً يعني أثراً، وهو مروي عن ابن عباس.
الرابع : الأمت الجذب والانثناء، ومنه قول الشاعر :
ما في انطلاق سيره من أمت١ ***
قاله قتادة.
الخامس : الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل، ويدق في مكان، حكاه الصولي، فيكون الأمت من الصعود والارتفاع.
لما أتى خبر الزبير تصدعت | سور المدينة والجبال الخشع |
أحدها : أنه الصوت الخفي، قاله مجاهد.
الثاني : تحريك الشفة واللسان، وقرأ أُبيّ : فلا ينطقون إلا همساً.
الثالث : نقل الأقدام، قال ابن زيد. قال الراجز :
وهن يمشين بنا هَمِيسا ***
يعني أصوات أخفاف الإِبل في سيرها.
(وعنا له وجهي وخلقي كله | في الساجدين لوجهه مشكورا) |
(إن الأذلة واللئام لمعشر | مولاهم المتهضم المظلوم) |
وعنا له وجهي وخلقي كله | في الساجدين لوجهه مشكورا |
الرابع : استسلمت، قاله عطية العوفي.
الخامس : أنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود، قاله طلق بن حبيب.
﴿ الْقَيُّومِ ﴾ فيها ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه القائم على كل نفس بما كسبت، قاله الحسن.
الثاني : القائم بتدبير الخلق.
الثالث : الدائم الذي لا يزول ولا يبيد.
﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ﴾ يعني شركاً.
أحدهما : فلا يخاف الظلم بالزيادة في سيئاته، ولا هضماً بالنقصان من حسناته، قاله ابن عباس والحسن وقتادة.
الثاني : لا يخاف ظلماً بأن لا يجزى بعمله، ولا هضماً بالانتقاص من حقه، قاله ابن زيد. والفرق بين الظلم والهضم أن الظلم المنع من الحق كله، [ والهضم ] المنع من بعضه، والهضم ظلم وإن افترقا من وجه، قال المتوكل الليثي :
إن الأذلة واللئام لمعشر | مولاهم المتهضم المظلوم |
أحدها : لا تسأل إنزاله قبل أن يقضى، أي يأتيك وحيه.
الثاني : لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله، قاله عطية.
الثالث : لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه، لأنه كان يعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه، قاله الكلبي.
﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : زدني أدباً في دينك، لأن ما يحتاج إليه من علم دينه لنفسه أو لأمته لا يجوز أن يؤخره الله عنده حتى يلتمسه منه.
الثاني : زدني صبراً على طاعتك وجهاد أعدائك، لأن الصبر يسهل بوجود العلم.
الثالث : زدني علماً بقصص أنبيائك ومنازل أوليائك.
الرابع : زدني علماً بحال أمتي وما تكون عليه من بعدي.
ووجدت للكلبي جواباً.
الخامس : معناه :﴿ وَقُل رَّبِّ زَدِنِي عِلْماً١ ﴾ لأنه كلما ازداد من نزول القرآن عليه ازداد علماً به.
أحدهما : لأنه المخاطب دونها.
الثاني : لأنه الكادّ عليها والكاسب لها، فكان بالشقاء أخص.
(إن المنية لو تمثل مثلت | مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل) |
أحدها : كسباً حراماً، قاله عكرمة.
الثاني : أن يكون عيشه منغَّصاً بأن ينفق إنفاق من لا يوقن بالخلف، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه عذاب القبر، قاله أبو سعيد الخدري وابن مسعود وقد رفعه أبو هريرة٢ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الرابع : أنه الطعام الضريع والزقوم في جهنم، قاله الحسن وقتادة وابن زيد. والضنك في كلامهم : الضيق، قال عنترة :
إن المنية لو تمثل مثلت | مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل |
قوله تعالى :﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أعمى في حال وبصيرا في حال.
الثاني : أعمى عن الحجة، قاله مجاهد.
الثالث : أعمى عن وجهات الخير لا يهتدي لشيء منها.
٢ قال أبو هريرة: يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك..
أحدهما : بأن جعل الجزاء يوم القيامة، قاله ابن قتيبة.
الثاني : بتأخيرهم إلى يوم بدر. ﴿ لَكَاَن لِزَاماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لكان عذاباً لازماً.
الثاني : لكان قضاء، قاله الأخفش.
﴿ وَأَجَلٌ مُسَمّىً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يوم بدر.
والثاني : يوم القيامة، قاله قتادة، وقال في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره : ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاماً.
﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل غروبها صلاة العصر.
﴿ وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ. . . ﴾ ساعاته، وأحدها إنىً٢، وفيه وجهان :
أحدهما : هي صلاة الليل كله، قاله ابن عباس.
الثاني : هي صلاة المغرب والعشاء والآخرة.
﴿. . . أَطْرَافِ النَّهَارِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : صلاة الظهر لأنها آخر النصف الأول، وأول النصف الثاني : قاله قتادة.
الثاني : أنها صلاة التطوع، قاله الحسن.
﴿ لَعَلّكَ تَرْضَى ﴾ أي تعطى، وقرأ عاصم والكسائي ﴿ تُرضى ﴾ بضم التاء يعني لعل الله يرضيك بكرامته، وقيل بالشفاعة.
٢ أني وكذلك أنَى وإني والفعل أني بأني كرمي يرمي وهو بمعنى حان فإني وآناء كمعي وأمعاء..
أحدهما : أنه أراد أهله المناسبين له.
والثاني : أنه أراد جميع من اتبعه وآمن به، لأنهم يحلون بالطاعة له محل أهله.
﴿ وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا ﴾ أي اصبر على فعلها وعلى أمرهم بها.
﴿ وَلاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ هذا وإن كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد به جميع الخلق أنه تعالى يرزقهم ولا يسترزقهم، وينفعهم ولا ينتفع بهم، فكان ذلك أبلغ في الامتنان عليهم.
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ أي وحسن العاقبة لأهل التقوى.
بسم الله الرحمن الرحيم
أحدهما : منتظر النصر على صاحبه.
الثاني : ظهور الحق في عمله.
﴿ فَتَرَبَّصُوا ﴾ وهذا تهديد.
﴿ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فستعلمون بالنصر من أهدى إلى دين الحق.
الثاني : فستعلمون يوم القيامة من أهدى إلى طريق الجنة، والله أعلم.
سورة طه
سورةُ (طه) من السُّوَر المكية التي افتُتِحت بتعظيمِ القرآن الكريم، وبيَّنتْ أن هذا الكتابَ هو كتابُ سعادة وهناءٍ، ولم يُنزِلْهُ اللهُ عز وجل للتعاسةِ والشَّقاء، كما اشتملت على تعظيمِ الله عز وجل؛ ببيانِ عُلُوِّه فوق خَلْقه: عُلُوِّ قهرٍ وغَلَبة، وعُلُوِّ استواءٍ على عرشه كما يليقُ بجلاله، كما تطرَّقتِ الآياتُ لقصة موسى عليه السلام، وفيها تكليمُ اللهِ موسى عليه السلام، ورعايتُه له، وذكَرتْ مشاهدَ من يومِ القيامة وأهواله.
ترتيبها المصحفي
20نوعها
مكيةألفاظها
1351ترتيب نزولها
45العد المدني الأول
134العد المدني الأخير
134العد البصري
132العد الكوفي
135العد الشامي
140* سورة (طه):
سُمِّيتْ سورة (طه) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحِها به.
* سورة (طه) من العِتَاق الأُوَل التي تعلَّمها الصحابة :
عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ) : إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).
قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).
* فيها اسمُ اللهِ الأعظَمُ:
فعن أبي أُمَامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: «اسمُ اللهِ الأعظَمُ الذي إذا دُعِيَ به أجابَ في ثلاثِ سُوَرٍ مِن القُرْآنِ: في (البقرةِ)، و(آلِ عِمْرانَ)، و(طه)». أخرجه الطبراني (٧٩٢٥).
وقد التمَسها بعضُ العلماء في هذه السُّوَرِ؛ فوجَدها في:
- (البقرةِ): {اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُۚ} [البقرة: 255].
- وفاتحةِ (آلِ عِمْرانَ): {اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُ} [آل عمران: 2].
- وفي (طه): {وَعَنَتِ اْلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اْلْقَيُّومِۖ} [طه: 111].
ورَدتْ في سورة (طه) الموضوعات الآتية:
1. الافتتاحية (١-٨).
2. قصة موسى عليه السلام (٩-٩٨).
3. جزاء المُعرِضين عن القرآن (٩٩-١٠٤).
4. مَشاهِدُ يوم القيامة (١٠٥-١١٢).
5. مُحمَّد عليه السلام والقرآن (١١٣-١١٤).
6. آدَمُ وعداوة إبليس له ولذريته (١١٥-١٢٧).
7. إنذارٌ للمشركين، وإرشادٌ للنبي صلى الله عليه وسلم (١٢٨-١٣٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /490).
احتوت السورةُ على مقاصدَ عظيمةٍ؛ منها:
* التحدِّي بالقرآن؛ بذِكْرِ (الحروف المُقطَّعة) في مُفتتَحِها.
* والتنويه بأنه تنزيلٌ من الله لِهَدْيِ القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.
* والتنويه بعظمةِ الله تعالى، وإثبات رسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ بأنها تُماثِل رسالةَ أعظَمِ رسولٍ قبله شاع ذِكْرُه في الناس؛ فضرب المَثَل لنزول القرآن على مُحمَّد صلى الله عليه وسلم بكلام اللهِ موسى عليه السلام.
* وتذكير الناس بعداوة الشيطان للإنسان بما تضمَّنتْهُ قصةُ خَلْقِ آدمَ.
* ورُتِّب على ذلك سُوءُ الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مَقادتَهم بيد الشيطان، وإنذارُهم بسُوءِ العقاب في الدنيا.
* وتسلية النبيِّ صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه، وتثبيته على الدِّين.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (16 /182).