مسألة : أسند الدارمي أبو محمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم ( إن الله تبارك وتعالى قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت : طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا ) قال ابن فورك : معنى قوله ( إن الله تبارك وتعالى قرأ " طه " و " يس " ) أي أظهر وأسمع وأفهم كلامه من أراد من خلقه الملائكة في ذلك الوقت والعرب تقول : قرأت الشيء إذا تتبعته، وتقول : ما قرأت هذه الناقة في رحمها سلا قط أي ما ظهر فيها ولد، فعلى هذا يكون الكلام سائغا وقراءته إسماعه وإفهامه قرأته بعبارات يخلقها وكتابة يحدثها، وهي معنى قولنا : قرأنا كلام الله ومعنى قوله " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " " فاقرؤوا ما تيسر منه " ٣ ومن أصحابنا من قال معنى قوله قرأ ) أي تكلم به، وذلك مجاز كقولهم : ذقت هذا القول٤ ذواقا بمعنى اختبرته ومنه قوله :" فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما يصنعون " ٥ أي ابتلاهم الله تعالى به فسمي ذلك ذوقا والخوف لا يذاق على الحقيقة ؛ لأن الذوق في الحقيقة بالفم دون غيره من الجوارح قال ابن فورك : وما قلناه أولا أصح في تأويل هذا الخبر ؛ لأن كلام الله تعالى أزلي قديم سابق لجملة الحوادث، وإنما أسمع وأفهم من أراد من خلقه على ما أراد في الأوقات والأزمنة، لا أن عين كلامه يتعلق وجوده بمدة وزمان.
٢ الهينمة: الكلام الخفي لا يفهم..
٣ راجع جـ ١٩ ص ٥٠ فما بعد..
٤ في ب وجـ و ط و ز و ك: هذا الأمر..
٥ راجع جـ ١٠ ص ١٩٣ فما بعد..
ﰡ
[سورة طه (٢٠): الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طه (١) مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤)الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" طه" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: هُوَ مِنَ الْأَسْرَارِ ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ يَا رَجُلُ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي عُكْلٍ. وَقِيلَ فِي عَكٍّ قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَوْ قُلْتَ فِي عَكٍّ لِرَجُلٍ يَا رَجُلُ لَمْ يُجِبْ حَتَّى تَقُولَ طه. وَأَنْشَدَ الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «٤»
دَعَوْتُ بِطه فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُجِبْ | فَخِفْتُ عليه أن يكون موائلا |
(٢). في ب وج وط وز وك: هذا الامر.
(٣). راجع ج ١٠ ص ١٩٣ فما بعد.
(٤). هو متمم بن نويرة ووائل: طلب النجاة.
إِنَّ السَّفَاهَةَ طه مِنْ شَمَائِلِكُمْ | لَا بَارَكَ اللَّهُ فِي الْقَوْمِ الْمَلَاعِينِ |
إِنَّ السَّفَاهَةَ طه مِنْ خَلَائِقِكُمْ | لَا قَدَّسَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْمَلَاعِينِ |
(٢). راجع ج ٤ ص ٢٣٢ فما بعد.
(٣). راجع ج ١٨ ص ٣ فما بعد.
...... لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ «٢»
ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْرَ وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَرْبِطُونَ الْحِبَالَ فِي صُدُورِهِمْ فِي الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ بِمَكَّةَ اجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ وَاشْتَدَّتْ عِبَادَتُهُ، فَجَعَلَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ زَمَانًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ فَيُصَلِّيَ وَيَنَامَ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قِيَامَ اللَّيْلِ فَكَانَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ يُصَلِّي وَيَنَامُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَصَلُّوا فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ إلا ليشقى فأنزل الله تعالى" طه" فيقول: يَا رَجُلُ" مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ٢٠: ٢" أَيْ لِتَتْعَبَ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إِنَّ" طه" [طَاهَا أَيْ «٣»] طَإِ الْأَرْضَ فَتَكُونُ الْهَاءُ وَالْأَلِفُ ضَمِيرَ الْأَرْضِ أَيْ طَإِ الْأَرْضَ بِرِجْلَيْكَ فِي صَلَوَاتِكَ وَخُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا سَاكِنَةً. وَقَرَأَتْ طَائِفَةٌ:" طه" وَأَصْلُهُ طَأْ بمعنى
(٢). الشعر للفرزدق وتمام البيت:
راحت بمسلمة البغال عشية | فارعي فزارة لا هناك المرتع |
(٣). الزيادة من كتب التفسير.
ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ | وَأَخُو الْجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ |
(٢). من ب وج وط وز وك.
(٣). كذا في ب وج وط وز وى. أي تورمت كذا في ا. [..... ]
(٢). هذه الرواية وما شاكلها رواها عن ابن عباس رواة غير ثقات وقد تكلم العلماء في هذه الرواية وأمثالها.
«٥».
(٢). من ب وج وز وط وك وى.
(٣). من ب وج وز وط وك وى.
(٤). راجع ج ١٠ ص ٣٤٢.
(٥). راجع ج ٧ ص ٣٢٥ فما بعد.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٩ الى ١٦]
وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى نَارًا فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يَا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣)إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) ٢٠: ٩ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هُوَ اسْتِفْهَامٌ وَإِثْبَاتٌ وَإِيجَابٌ مَعْنَاهُ، أَلَيْسَ قَدْ أَتَاكَ؟ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَقَدْ أَتَاكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ حَدِيثُهُ بَعْدُ ثُمَّ أَخْبَرَهُ. (إِذْ رَأى نَارًا فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) ٢٠: ١٠ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا حِينَ قَضَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَدْيَنَ يُرِيدُ مِصْرَ، وَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا غَيُورًا: يَصْحَبُ النَّاسَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُهُمْ بِالنَّهَارِ غَيْرَةً مِنْهُ، لِئَلَّا يَرَوْا امْرَأَتَهُ فَأَخْطَأَ الرُّفْقَةَ- لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى- وكانت ليلة مظلمة. وقال مقاتل: وكان لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الشِّتَاءِ. وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: اسْتَأْذَنَ مُوسَى شُعَيْبًا فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَالِدَتِهِ فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وَوُلِدَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ غُلَامٌ فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ مُثْلِجَةٍ، وَقَدْ حَادَ عَنِ الطَّرِيقِ وَتَفَرَّقَتْ مَاشِيَتُهُ، فَقَدَحَ مُوسَى النَّارَ فَلَمْ تُورِ «١» الْمِقْدَحَةُ شَيْئًا، إِذْ بَصُرَ بِنَارٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَى يَسَارِ الطَّرِيقِ" فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ٢٠: ١٠" أَيْ أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ." إِنِّي آنَسْتُ نَارًا" أَيْ أَبْصَرْتُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا تَوَجَّهَ نَحْوَ النَّارِ فَإِذَا النَّارُ فِي شَجَرَةِ عُنَّابٍ، فَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا مِنْ حُسْنِ ذَلِكَ الضَّوْءِ، وَشِدَّةِ خُضْرَةِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَلَا شِدَّةُ حَرِّ النَّارِ تُغَيِّرُ حُسْنَ خضرة الشجرة، ولا كثرة
(٢). راجع ج ٥ ص ٣٣ فما بعد.
(٣). الزيادة من الترمذي.
(٢). من ب وج وز وط وى.
(٣). راجع ج ١٩ ص ٥٨ فما بعد. [..... ]
(٤). في ب وج وز وط: نزع.
(٢). في ك: من قبل.
(٢). راجع ج ٨ ص ٢٦٢ فما بعد.
(٢). راجع ج ١٠ ص ٢٧٢.
(٣). راجع ج ٧ ص ٣٥٣.
(٢). في ج وط وك وى. ابن أبي الحجاج وما أثبتناه في الأصل هو ما عليه التهذيب.
(٣). من ج وك.
(٤). راجع ج ١٠ ص ٣٠٢ فما بعد.
(٢). راجع ج ٨ ص ١٩٩ فما بعد. [..... ]
(٣). راجع ج ١٨ ص ٤٣.
(٤). راجع ج ٢ ص ٦١.
(٥). من ج وك وط وى.
(٦). في ب وز وك: بأسانيد.
(٢). إن نافية أي ما صليتها.
(٣). بطحان (بالضم أو الصواب الفتح وكسر الطاء): موضع بالمدينة.
(٢). الزيادة من الدارقطني.
(٣). هذه النسبة إلى بيع الخرق والثياب.
فَإِنْ تَدْفِنُوا الداء لا نخفه | وإن تبعثوا الحرب لا نَقْعُدُ |
وَأَنْشَدَ:
وَإِنْ تَكْتُمُوا الدَّاءَ لا نخفه | وإن تبعثوا الحرب لا نقعد |
خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّمَا | خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلِّبِ «٢» |
هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي | تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهُ |
(٢). خفاهن: اظهرهن. والإنفاق: (جمع نفق): وهو الحجر. والودق: المطر. والمجلب: الذي له جلبة. وقبله:
ترى الغار في مستيفع القاع لاحبا | على جدد الصحراء من شد ملهب |
(٣). قاله وهو محبوس حبسه سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه لهجائه بعض بني جرول بن نهشل ولم يزل في حبسه إلى أن مات.
سَرِيعٌ إِلَى الْهَيْجَاءِ شَاكٍ سِلَاحَهُ | فَمَا إِنْ يَكَادُ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ |
وَأَلَّا أَلُومَ النَّفْسَ فِيمَا أَصَابَنِي | وَأَلَّا أَكَادُ بِالَّذِي نِلْتُ أَنْجَحُ |
كَادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ | لَوْ عَادَ مِنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ مَا مَضَى |
(٢). من ك وز.
(٣). راجع ج ١٢ ص ٢٨٣ فما بعد.
(٤). هو زيد الخيل.
(٥). راجع ج ١ ص ٤٥٢ فما بعد.
أَيَّامَ تَصْحَبُنِي هِنْدٌ وَأُخْبِرُهَا | مَا أَكْتُمُ النَّفْسَ مِنْ حَاجِي وَأَسْرَارِي |
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٧ الى ١٨]
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨)
(٢). من ج وط وك وى.
(٢). راجع ج ٧ ص ١٥٢.
(٣). راجع ج ٩ ص ٣٥٧.
(٤). في ج وط وك وى: المسئول.
(٥). وروى عن النخعي أيضا أنه قرأ: (وأهش) بضم الهمزة والشين من (أهش) رباعيا.
أَهُشُّ بِالْعَصَا عَلَى أَغْنَامِي | مِنْ نَاعِمِ الْأَرَاكِ وَالْبَشَامِ |
فَكَبَّرَ لِلرُّؤْيَا وَهَاشَ فُؤَادُهُ | وَبَشَّرَ نَفْسًا كَانَ قَبْلُ يَلُومُهَا |
(٢). راجع ج ٧ ص ٣٢٥ وص ٣٢٧ فما بعد.
(٣). راجع ج ١٤ ص ٢٦٤ فما بعد. [..... ]
(٤). راجع ج ١٤ ص ٢٦٤ فما بعد.
(٢). العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا وفيها سنان مثل سنان الرمح.
(٣). المخصرة بالخاء المعجمة والصاد المهملة: ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب وقد يتكئ عليه. النهاية.
قَدْ كُنْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَمِدًا | فَصِرْتُ أَمْشِي عَلَى أُخْرَى مِنَ الْخَشَبِ |
حَمَلْتُ الْعَصَا لَا الضَّعْفُ أَوْجَبَ حَمْلَهَا | عَلَيَّ وَلَا أَنِّي تَحَنَّيْتُ مِنْ كِبَرْ |
وَلَكِنَّنِي أَلْزَمْتُ نَفْسِيَ حَمْلَهَا | لِأُعْلِمَهَا أَنَّ المقيم على سفر |
(٢). راجع ج ٥ ص ١٧٤.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٩ الى ٢٣]
قالَ أَلْقِها يَا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣)قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ أَلْقِها يَا مُوسى) ٢٠: ١٩: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُدَرِّبَهُ فِي تَلَقِّي النُّبُوَّةِ وَتَكَالِيفِهَا أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ الْعَصَا،" فَأَلْقاها ٢٠: ٢٠" مُوسَى فَقَلَبَ اللَّهُ أَوْصَافَهَا وَأَعْرَاضَهَا. وَكَانَتْ عَصًا ذَاتَ شُعْبَتَيْنِ فَصَارَتِ الشُّعْبَتَانِ لَهَا فَمًا وَصَارَتْ حَيَّةً تَسْعَى أَيْ تَنْتَقِلُ، وَتَمْشِي وَتَلْتَقِمُ الْحِجَارَةَ فَلَمَّا رَآهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى عِبْرَةً ف"- وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ" «١» [النمل: ١٠]. فَقَالَ اللَّهُ لَهُ:" خُذْها وَلا تَخَفْ ٢٠: ٢١" وَذَلِكَ أنه" فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ٢٠: ٦٧" [طه: ٦٧] أَيْ لَحِقَهُ مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ. وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى تَنَاوَلَهَا بِكُمَّيْ جُبَّتِهِ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ فَصَارَتْ عَصًا كَمَا كَانَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهِيَ سِيرَتُهَا الْأُولَى، وَإِنَّمَا أَظْهَرَ لَهُ هَذِهِ الْآيَةَ لِئَلَّا يَفْزَعَ مِنْهَا إِذَا أَلْقَاهَا عِنْدَ فِرْعَوْنَ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْعَصَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ تُمَاشِيهِ وَتُحَادِثُهُ وَيُعَلِّقُ عَلَيْهَا أَحْمَالَهُ، وَتُضِيءُ لَهُ الشُّعْبَتَانِ بِاللَّيْلِ كَالشَّمْعِ، وَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِقَاءَ انْقَلَبَتِ الشُّعْبَتَانِ كَالدَّلْوِ وَإِذَا اشْتَهَى ثَمَرَةً رَكَزَهَا فِي الْأَرْضِ فَأَثْمَرَتْ تِلْكَ الثَّمَرَةَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ آسِ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِهَا. وَقِيلَ: مَلَكٌ. وَقِيلَ قَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: خُذْ عَصًا مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ فَوَقَعَتْ بِيَدِهِ تِلْكَ الْعَصَا، وَكَانَتْ عَصَا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَبَطَ بِهَا مِنَ الْجَنَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ٢٠: ٢٠" النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ" حَيَّةً" يُقَالُ: خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ جَالِسٌ وَجَالِسًا. وَالْوَقْفُ" حَيَّهْ" بِالْهَاءِ. وَالسَّعْيُ الْمَشْيُ بِسُرْعَةٍ وَخِفَّةٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: انْقَلَبَتْ ثُعْبَانًا ذَكَرًا يَبْتَلِعُ الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شي خَافَهُ وَنَفَرَ مِنْهُ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ، إِنَّمَا خَافَ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَرَفَ مَا لَقِيَ آدَمُ مِنْهَا. وَقِيلَ لَمَّا قَالَ لَهُ رَبُّهُ:" لَا تَخَفْ ٧٠" بَلَغَ مِنْ ذَهَابِ خَوْفِهِ وَطُمَأْنِينَةِ نَفْسِهِ أَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَمِهَا وَأَخَذَ بِلَحْيَيْهَا." سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى ٢٠: ٢١" سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: التَّقْدِيرُ إِلَى سِيرَتِهَا، مِثْلَ" وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ" «٢» [الأعراف: ١٥٥] قال: ويجوز
(٢). راجع ج ٧ ص ٢٩٣ فما بعد.
أَضُمُّهُ لِلصَّدْرِ وَالْجَنَاحِ
وَقِيلَ: إِلَى جَنْبِكَ فَعَبَّرَ عَنِ الْجَنْبِ بِالْجَنَاحِ. لِأَنَّهُ مَائِلٌ فِي مَحَلِّ الْجَنَاحِ. وَقِيلَ إِلَى عِنْدِكَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ" إِلى " بِمَعْنَى مَعَ أَيْ مَعَ جَنَاحِكَ. (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير برص نورا ساطعا، يضئ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَضَوْءِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَأَشَدُّ ضَوْءًا. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: فَخَرَجَتْ نُورًا مُخَالِفَةً للونه. و" بَيْضاءَ" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَلَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّ فِيهَا أَلِفَيِ التَّأْنِيثِ لَا يُزَايِلَانِهَا فَكَأَنَّ لُزُومَهُمَا عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ فِي النَّكِرَةِ، وَخَالَفَتَا الْهَاءَ لِأَنَّ الْهَاءَ تُفَارِقُ الِاسْمَ. وَ" مِنْ غَيْرِ سُوءٍ"" مِنْ" صِلَةُ" بَيْضاءَ" كَمَا تَقُولُ: ابْيَضَّتْ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ. (آيَةً أُخْرَى) سِوَى الْعَصَا. فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ مِدْرَعَةٍ لَهُ مِصْرِيَّةٍ لَهَا شعاع مثل شعاع الشمس يعشي «١» البصر. و" آيَةً ١٠" مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ بَيْضَاءَ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. النَّحَّاسُ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى آتَيْنَاكَ آيَةً أُخْرَى أَوْ «٢» نُؤْتِيكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ:" تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ" دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ آتَاهُ آيَةً أُخْرَى. (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) يُرِيدُ الْعُظْمَى. وَكَانَ حَقُّهُ «٣» أَنْ يَقُولَ الْكَبِيرَةَ وَإِنَّمَا قَالَ:" الْكُبْرى ٢٠: ٢٣" لِوِفَاقِ رُءُوسِ الْآيِ. وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، مَعْنَاهُ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْآيَةَ الْكُبْرَى دَلِيلُهُ قَوْلُ ابْنِ عباس يد موسى أكبر آياته.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٢٤ الى ٣٥]
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣)
وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥)
(٢). في ك: أي.
(٣). هذه العبارة يجب اطراحها في كلام الباري فالكبرى معناها العظمى. محققه.
أَلَيْسَ أَبُونَا هَاشِمٌ شَدَّ أَزْرَهُ | وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطِّعَانِ وَبِالضَّرْبِ |
شَدَدْتُ بِهِ أَزْرِي وَأَيْقَنْتُ أَنَّهُ | أخو الفقر من ضاقت عليه مذاهبه |
(٢). معناه لا يعلم ولا يفهم. ونقهت الحديث أنقهه إذا فهمته. [..... ]
(٣). في ج وى: عمى.
(٤). راجع ج ١٦ ص ٢٩٥.
(٥). هذا البيت من قصيدة له قالها في أمر الشعب والصحيفة.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٣٦ الى ٤٢]
قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢)
(٢). من ب وط وز وك.
(٣). من ب وج وى.
(٢). راجع ج ١٣ ص ٣٣٠ فما بعد.
(٢). في ب وج وز وط وك وى: عطية.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٢٥٠ فما بعد.
يُرِيدُ عَشْرَ سِنِينَ أَتَمَّ الْأَجَلَيْنِ. وَقَالَ وَهْبٌ: لَبِثَ عِنْدَ شُعَيْبٍ ثَمَانِيَ وَعِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهَا عَشَرَةٌ مَهْرُ امرأته صفورا ابنة شعيب، وثماني عشرة إقامة عنده حتى ولد له عنده. وقوله: (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى) ٢٠: ٤٠ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ: يُرِيدُ مُوَافِقًا لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُبْعَثُونَ إِلَّا أَبْنَاءَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ:" عَلى قَدَرٍ ٢٠: ٤٠" عَلَى وَعْدٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ثُمَّ جِئْتَ عَلَى الْقَدَرِ الَّذِي قدرت لك أنك تجئ فِيهِ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. أَيْ جِئْتَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَدْنَا إِرْسَالَكَ فِيهِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا | كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ |
فَمَا وَنَى مُحَمَّدٌ مُذْ أَنْ غَفَرْ | لَهُ الاله ما مضى وما غبر |
(٢). هو العجاج. [..... ]
مِسَحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الْوَنَى | أَثَرْنَ غُبَارًا بِالْكَدِيدِ الْمُرَكَّلِ «٢» |
كَأَنَّ الْقُدُورَ الرَّاسِيَاتِ أَمَامَهُمْ | قِبَابٌ بَنَوْهَا لَا تَنِي أَبَدًا تَغْلِي |
[سورة طه (٢٠): الآيات ٤٣ الى ٤٤]
اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (اذْهَبا) قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ:" اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي" وَقَالَ هُنَا:" اذْهَبا" فَقِيلَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى موسى وهرون فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالنُّفُوذِ إِلَى دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ، وَخَاطَبَ أَوَّلًا مُوسَى وَحْدَهُ تَشْرِيفًا لَهُ، ثُمَّ كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ. وَقِيلَ: بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَهَابُ أَحَدِهِمَا. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ إِلَى كُلِّ النَّاسِ، وَالثَّانِي بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ. الثَّانِيَةُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) ٢٠: ٤٤ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِاللَّيِّنِ مِنَ الْقَوْلِ لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّةُ، وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ:" فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً ٢٠: ٤٤" وَقَالَ:" لَا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى ٢٠: ٤٦" [طه: ٤٦] فَكَيْفَ بِنَا فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الآمر أو الناهي على مرغوبة، ويظفر بمطلوبه، وهذا واضح.
(٢). مسح معناه يصب الجري صبا. والسابحات اللاتي عدوهن سباحة والسباحة في الجري بسط الأيدي. والكديد: الموضع الغليظ. والمركل: الذي يركل بالأيدي. ومعنى البيت: أن الخيل السريعة إذا فترت فأثارت الغبار بأرجلها من التعب جرى هذا الفرس جريا مهلا.
(٢). راجع ج ١٩ ص ١٨٩ فما بعد.
(٣). من ب وج وي وك وى.
(٤). راجع ج ٢ ص ١٦ فما بعد.
(٥). راجع ج ١ ص ٢٢٧.
[سورة طه (٢٠): آية ٤٥]
قَالَا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَالَا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) ٢٠: ٤٥ قال الضحاك:" يَفْرُطَ ٢٠: ٤٥" يعجل. قال: و" يَطْغى " يَعْتَدِي. النَّحَّاسُ: التَّقْدِيرُ نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا مِنْهُ أَمْرٌ، قَالَ الْفَرَّاءُ: فَرَطَ مِنْهُ أَمْرٌ أَيْ بَدَرَ، قَالَ: وَأَفْرَطَ أَسْرَفَ. قَالَ: وَفَرَّطَ تَرَكَ. وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ" يَفْرُطَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ يَعْجَلُ وَيُبَادِرُ بِعُقُوبَتِنَا. يُقَالُ: فَرَطَ مِنِّي أَمْرٌ أَيْ بَدَرَ، وَمِنْهُ الْفَارِطُ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْقَوْمَ إِلَى الْمَاءِ. أَيْ يُعَذِّبُنَا عَذَابَ الْفَارِطِ فِي الذَّنْبِ وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ مُحَيْصِنٍ" يَفْرَطَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ، قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَلَعَلَّهَا لُغَةٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهَا أَنْ يَحْمِلَهُ حَامِلُ التَّسَرُّعِ إِلَيْنَا. وَقَرَأَتْ طَائِفَةٌ" يُفْرِطَ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وبها قرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة وَابْنُ مُحَيْصِنٍ أَيْضًا. وَمَعْنَاهُ يُشْطِطُ فِي أَذِيَّتِنَا، قَالَ الرَّاجِزُ:
قَدْ أَفْرَطَ الْعِلْجُ عَلَيْنَا وَعَجَلْ
[سورة طه (٢٠): آية ٤٦]
قالَ لَا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦)
(٢). راجع ج ١٣ ص ٢٦٤ فما بعد.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٢٥٩.
(٤). البعداء: أي في النسب. البغضاء: أي في الدين وقول أسماء: كذبت يا عمر أي أخطأت وقد استعملوا كذب يعنى أخطأ.
الأولى-قال العلماء : لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه. وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف، والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم. ولقد أحسن البصري رحمه الله حين قال للمخبر عن عامر بن عبد الله - أنه نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء، فحال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له : فقد خاطرت بنفسك. فقال : لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي من أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه - قد خاف من كان خيرا من عامر، موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له :" إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يرتقب قال رب نجني من القوم الظالمين " [ القصص : ٢٠ - ٢١ ] وقال :" فأصبح في المدينة خائفا يترقب١ " [ القصص : ١٨ ] وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم :" فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى " [ طه : ٦٧ - ٦٨ ].
قلت ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم، مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحدا، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة إلى الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. وقد قالت أسماء بنت عميس لعمر لما قال لها سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم كذبت يا عمر، كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو أرض - البعداء٢ البغضاء في الحبشة، وذلك في الله ورسوله، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف. الحديث بطوله خرجه مسلم. قال العلماء : فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بني آدم [ عليه ] كاذب، وقد طبعهم على الهرب مما يضرها ويؤلمها أو يتلفها. قالوا : ولا ضار أضر من سبع عاد في فلاة من الأرض على من لا آلة معه يدفعه بها عن نفسه، من سيف أو رمح أو نبل أو قوس وما أشبه ذلك.
الثانية-قوله تعالى :" إنني معكما " يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون. وهذا كما تقول : الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه. وقول :" أسمع وأرى " عبارة عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية، تبارك الله رب العالمين.
٢ البعداء: أي في النسب. البغضاء: أي في الدين وقول أسماء: كذبت يا عمر أي أخطأت وقد استعملوا كذب يعني أخطأ..
[سورة طه (٢٠): الآيات ٤٧ الى ٥٠]
فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) ٢٠: ٤٧ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى: فَأَتَيَاهُ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ. (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) ٢٠: ٤٧ أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ. (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) ٢٠: ٤٧ أَيْ بِالسُّخْرَةِ وَالتَّعَبِ فِي الْعَمَلِ. وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، ويستخدم «٢» نِسَاءَهُمْ، وَيُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ فِي الطِّينِ وَاللَّبِنِ وبناء المدائن مالا يُطِيقُونَهُ. (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) ٢٠: ٤٧ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْعَصَا وَالْيَدَ. وَقِيلَ: إِنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ لَهُ: وَمَا هِيَ؟ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَيْضَاءَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ شُعَاعِ الشَّمْسِ، غَلَبَ نُورُهَا عَلَى نُورِ الشَّمْسِ فَعَجِبَ مِنْهَا. وَلَمْ يُرِهِ الْعَصَا إِلَّا يَوْمَ الزِّينَةِ. (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) ٢٠: ٤٧ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى سَلِمَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَذَابِهِ. قال: وليس بتحية، [قال: «٣»] وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ لِقَاءٍ ولا خطاب.
(٢). في ا: يستحى. [..... ]
(٣). من ب وج وط وك وى.
وَلَهُ فِي كُلِّ شي خِلْقَةٌ | وَكَذَاكَ اللَّهُ مَا شَاءَ فَعَلَ |
مِدَادُ الْمَحَابِرِ طِيبُ الرِّجَالِ | وَطِيبُ النِّسَاءِ مِنَ الزَّعْفَرَانْ |
فَهَذَا يَلِيقُ بأثواب ذا | وهذا يليق بثوب الحصان |
(٢). راجع ص ٣٤٩ من هذا الجزء.
(٣). راجع ج ٧ ص ٢٩٦.
(٤). راجع ج ١٧ ص ١٤٩.
(٥). في ب وج وز وط ك وى: تحفظه.
(٦). لا فرق في اللغة بين المداد والحبر ولعل المراد الكتابة بالحبر الأسود خاصة فالتفرقة بحسب اللون على ما يبدو.
(٧). الخلوق: طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره.
إِنَّمَا الزَّعْفَرَانُ عِطْرُ الْعَذَارَى | وَمِدَادُ الدُّوِيِّ عِطْرُ الرِّجَالِ |
(٢). راجع ج ١٤ ص ٩١.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٥٣ الى ٥٥]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥)قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) «١» " الَّذِي" في موضع [رفع «٢»] نعت ل"- رَبِّي" أَيْ لَا يَضِلُّ رَبِّي الَّذِي جَعَلَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ أَيْ هُوَ" الَّذِي". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ:" مَهْدًا" هُنَا وَفِي" الزُّخْرُفِ" بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ. الْبَاقُونَ" مِهاداً" وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ:" أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً" «٣» [النبأ: ٦]. النَّحَّاسُ: وَالْجَمْعُ أَوْلَى لِأَنَّ" مَهْدًا" مَصْدَرٌ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ مَصْدَرٍ إِلَّا عَلَى حَذْفٍ، أَيْ ذَاتَ مَهْدٍ. الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ" مَهْدًا" جَازَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالْفَرْشِ أَيْ مَهَدَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ ذَاتَ مَهْدٍ. وَمَنْ قَرَأَ:" مِهَادًا" جَازَ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا كَالْفِرَاشِ. وَجَازَ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ" مَهْدٍ" اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ فَكُسِّرَ. وَمَعْنَى" مِهاداً" أَيْ فِرَاشًا وَقَرَارًا تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا. (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا) ٢٠: ٥٣ أَيْ طُرُقًا. نَظِيرُهُ" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا. لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سبلا فجاجا" «٤» [نوح: ٢٠ - ١٩]. وقال تَعَالَى:" الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ١٠" «٥» [الزخرف: ١٠] (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) تقدم معناه. وَهَذَا آخِرُ كَلَامِ مُوسَى، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَأَخْرَجْنا بِهِ". وَقِيلَ: كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ موسى. والمعنى (فَأَخْرَجْنا بِهِ) أَيْ بِالْحَرْثِ وَالْمُعَالَجَةِ، لِأَنَّ الْمَاءَ المنزل سبب خروج النبات. ومعنى (أَزْواجاً) ضُرُوبًا وَأَشْبَاهًا، أَيْ أَصْنَافًا مِنَ النَّبَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَلْوَانِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: التَّقْدِيرُ أَزْوَاجًا شَتَّى مِنْ نَبَاتٍ. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ النَّبَاتُ شَتَّى، فَ" شَتَّى" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِأَزْوَاجٍ، ويجوز أن يكون نعتا للنبات. و" شَتَّى"
(٢). من ب وج وز وي وك وى. [..... ]
(٣). راجع ج ١٩ ص ١٦٩ فما بعد.
(٤). راجع ج ١٨ ص ٣٠٦.
(٥). راجع ج ١٦ ص ٦٤.
جَاءَتْ مَعًا وَاطَّرَقَتْ شَتِيتَا | وَهْيَ تُثِيرُ السَّاطِعَ السِّخْتِيتَا «١» |
(٢). راجع ج ٦ ص ٣٨٧ فما بعد.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٥٦ الى ٦١]
وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠)
قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) ٢٠: ٥٦ أَيِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى. وَقِيلَ: حُجَجَ اللَّهِ الدَّالَّةَ عَلَى تَوْحِيدِهِ. (فَكَذَّبَ وَأَبى) ٢٠: ٥٦ أَيْ لَمْ يُؤْمِنْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَفَرَ عِنَادًا لِأَنَّهُ رَأَى الْآيَاتِ عَيَانًا لَا خَبَرًا. نَظِيرُهُ" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا" «١». قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى) ٢٠: ٥٧ لَمَّا رَأَى الْآيَاتِ الَّتِي أَتَاهُ بِهَا مُوسَى قَالَ: إِنَّهَا سِحْرٌ، وَالْمَعْنَى: جِئْتَ لِتُوهِمَ النَّاسَ أَنَّكَ جِئْتَ بِآيَةٍ تُوجِبُ اتِّبَاعَكَ وَالْإِيمَانَ بِكَ، حَتَّى تَغْلِبَ عَلَى أَرْضِنَا وَعَلَيْنَا. (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) ٢٠: ٥٨ أَيْ لَنُعَارِضَنَّكَ
أَرُونَا خُطَّةً لَا ضَيْمَ فِيهَا | يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُ |
وَإِنَّ أَبَانَا كَانَ حَلَّ بِبَلْدَةٍ | سِوًى بَيْنَ قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلَانَ وَالْفِزْرِ |
(٢). راجع ج ٩ ص ٨١
(٣). راجع ج ٢ ص ١٥٣
الْبَيْتَ. وَقِيلَ:" مَكاناً سُوىً ٢٠: ٥٨" أَيْ قَصْدًا، وَأَنْشَدَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ:
لَوْ تَمَنَّتْ حَبِيبَتِي مَا عَدَتْنِي | أَوْ تَمَنَّيْتُ مَا عَدَوْتُ سِوَاهَا |
(٢). راجع ج ٩ ص ٢٨١.
وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ | مِنَ الْمَالِ إِلَّا مُسْحَتًا «٢» أَوْ مجلف «٣» |
[سورة طه (٢٠): الآيات ٦٢ الى ٦٤]
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) ٢٠: ٦٢ أَيْ تَشَاوَرُوا، يُرِيدُ السَّحَرَةَ. (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) قَالَ قَتَادَةُ" قالُوا": إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ سِحْرًا فَسَنَغْلِبُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَسَيَكُونُ لَهُ أَمْرٌ، وَهَذَا الَّذِي أَسَرُّوهُ. وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قولهم" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ٢٠: ٦٣" الآيات قَالَهُ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ. وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قَوْلَهُمْ: إن غلبنا اتبعناه، قاله الكلبي، دليله من ظَهَرَ مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ. وَقِيلَ: كَانَ سِرُّهُمْ أَنْ قَالُوا حِينَ قَالَ لَهُمْ مُوسَى" وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً ٢٠: ٦١" [طه: ٦١]: ما هذا بقول ساحر. و" النَّجْوى " المنجاة يَكُونُ اسْمًا وَمَصْدَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" النِّسَاءِ" «٤» بيانه.
(٢). ويروى: (إلا مسحت) ومن وراه كذلك جعل معنى. (لم يدع) لم يتقار ومن رواه (إلا مسحتا) جعل (لم يدع) بمعنى لم يترك. ورفع (مجلف) بإضمار كأنه قال: أو هو مجلف. (اللسان). [..... ]
(٣). المجلف: الذي بقيت منه بقية.
(٤). راجع ج ٥ ص ٣٨٢ فما بعد.
(٢). راجع ج ٦ ص ١٣، وص ٢٤٦. راجع ما نقله القرطبي في رد هذا الكلام ج ٦ ص ١٥. وكان إغفال المصنف لهذا أولى لأنه قدح في خط المصحف المروي عن أئمة اللغة الثقات.
(٣). راجع ج ٦ ص ١٣، وص ٢٤٦. راجع ما نقله القرطبي في رد هذا الكلام ج ٦ ص ١٥. وكان إغفال المصنف لهذا أولى لأنه قدح في خط المصحف المروي عن أئمة اللغة الثقات.
(٤). راجع ج ٦ ص ١٣، وص ٢٤٦. راجع ما نقله القرطبي في رد هذا الكلام ج ٦ ص ١٥. وكان إغفال المصنف لهذا أولى لأنه قدح في خط المصحف المروي عن أئمة اللغة الثقات.
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا «٣»
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم: «٤»
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ: «٥»
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ: «٦»
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون" إن هذان" جاء
(٢). هو المتلمس كما في (اللسان).
(٣). صمم الشجاع في عضته: أي عض ونيب فلم يرسل ما عض.
(٤). هو هوبر الحارثي. والهابي من التراب ما ارتفع ودق.
(٥). قيل: هو لبعض أهل اليمن وأن قبله:
أي قلوص راكب تراها... طاروا علاهن فطر علاها
واشدد بمثنى حقب حقواها... ناجية وناجيا أباها
والحقو: الخاصرة. والناجية: السريعة.
(٦). نسبه الجوهري لابي النجم وأن قبله:
واها لسلمى ثم واها واها... هي المنى لو أننا نلناها
يا ليت عيناها لنا وفاها... بثمن نرضى به أباها إن أباها...
إلخ. ونسبه بعضهم لرؤبة. وقيل: لبعض أهل اليمن وأن قبله:
أي قلوص راكب تراها... طاروا علاهن...
إلخ.
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا | نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ |
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا | حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ |
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا | كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ |
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ | مِنْ جوى حبهن إن اللقاء |
(٢). الزيادة من (إعراب القرآن) للنحاس. [..... ]
(٣). من ب وج وط وك
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ | يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا |
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ | تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ |
(٢). الزيادة يقتضيها السياق.
(٣). في ب وك: الا ثبت.
فَكَأَنَّهَا بِالْجِزْعِ بَيْنَ نُبَايِعٍ «٢» | وَأُولَاتِ ذِي الْعَرْجَاءِ نَهْبٌ مجمع |
(٢). نبايع: اسم مكان أو جبل أو واد في بلاد هذيل ويجمع على (نبايعات).
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمُنَى لَا تَنْفَعُ | هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَعُ |
[سورة طه (٢٠): الآيات ٦٥ الى ٧١]
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١)
(٢). راجع ج ٧ ص ٢٥٧ فما بعد.
هُمُ صَلَبُوا الْعَبْدِيَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ | فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَانُ إِلَّا بِأَجْدَعَا |
(٢). راجع ج ٢ ص ٤٣ فما بعد.
(٣). راجع ج ٧ ص ٢٥٩.
(٤). راجع ج ١٣ ص ٣٣٩.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٧٢ الى ٧٦]
قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا) يَعْنِي السَّحَرَةَ (لَنْ نُؤْثِرَكَ) ٢٠: ٧٢ أَيْ لَنْ نَخْتَارَكَ (عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) ٢٠: ٧٢ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مِنَ الْيَقِينِ وَالْعِلْمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ: لَمَّا سَجَدُوا أَرَاهُمُ اللَّهُ فِي سُجُودِهِمْ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، فَلِهَذَا قَالُوا:" لَنْ نُؤْثِرَكَ ٢٠: ٧٢". وَكَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تَسْأَلُ مَنْ غَلَبَ؟ فقيل لها: غلب موسى وهرون، فقالت: آمنت برب موسى وهرون. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فِرْعَوْنُ فَقَالَ: انْظُرُوا أَعْظَمَ صَخْرَةٍ فَإِنْ مَضَتْ «١» عَلَى قَوْلِهَا فَأَلْقُوهَا عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَتَوْهَا رَفَعَتْ بَصَرَهَا إِلَى السَّمَاءِ فَأَبْصَرَتْ مَنْزِلَهَا فِي الْجَنَّةِ، فَمَضَتْ عَلَى قَوْلِهَا فَانْتَزَعَ رُوحَهَا، وَأُلْقِيَتِ الصَّخْرَةُ عَلَى جَسَدِهَا وَلَيْسَ فِي جَسَدِهَا «٢» رُوحٌ. وَقِيلَ: قَالَ مُقَدَّمُ السَّحَرَةِ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ لَمَّا رَأَى مِنْ عَصَا مُوسَى مَا رَأَى: انْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْحَيَّةِ هَلْ تَخَوَّفَتْ؟ «٣» فَتَكُونُ جِنِّيًّا أَوْ لَمْ تَتَخَوَّفْ فَهِيَ مِنْ صَنْعَةِ الصَّانِعِ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَلَيْهِ مَصْنُوعٌ، فقال: ما تخوفت، فقال: آمنت برب هرون وَمُوسَى. (وَالَّذِي فَطَرَنا) ٢٠: ٧٢ قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى" مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ ٢٠: ٧٢" أَيْ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَلَا عَلَى الَّذِي فَطَرَنَا أَيْ خَلَقَنَا. وَقِيلَ: هُوَ قَسَمٌ أَيْ وَاللَّهِ لَنْ نُؤْثِرَكَ. (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ) ٢٠: ٧٢ التَّقْدِيرُ: مَا أَنْتَ قَاضِيهِ. وَلَيْسَتْ" مَا" ها هنا الَّتِي تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ، لِأَنَّ تِلْكَ تُوصَلُ بِالْأَفْعَالِ، وَهَذِهِ مَوْصُولَةٌ بِابْتِدَاءٍ وَخَبَرٍ.
(٢). في اوب وط وك وي: وليس فيها روح. [..... ]
(٣). في ب وج وط: (تجوفت أو لم تتجوف- ما تجوفت) بالجيم.
إِنَّ مَنْ يَدْخُلِ الْكَنِيسَةَ يَوْمًا | يَلْقَ فِيهَا جآذرا وظباء «٣» |
(٢). راجع ج ٧ ص ٢٥٨.
(٣). البيت للأخطل وهو نصراني.
أَلَا مَنْ لِنَفْسٍ لَا تَمُوتُ فَيَنْقَضِي | شَقَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاةً لَهَا طَعْمُ |
[سورة طه (٢٠): الآيات ٧٧ الى ٧٩]
وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) ٢٠: ٧٧ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى. (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) ٢٠: ٧٧ أَيْ يَابِسًا لَا طِينَ فِيهِ ولا ماء. وقد مضى في (البقرة) «٣»
(٢). راجع ج ١٠ ص ٣٩٦.
(٣). راجع ج ١ ص ٣٨٩ فما بعد.
كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيَا
عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْحَرَكَةِ كَمَا تُحْذَفُ حَرَكَةُ الصَّحِيحِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْفَرَّاءِ. وَقَالَ آخَرُ:
هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا | مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لَمْ تهجو ولم تدع |
أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي | بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ |
(٢). راجع ج ١٤ ص ٢٤٩.
(٣). هو عبد يغوث بن وقاص من شعراء الجاهلية. وصدر البيت:
وتضحك مني شيخة عبشمية
(٤). البيت من أبيات لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي وكان قد نشأت بينه وبين الربيع بن زياد شحناء في شأن درع فاستاق إبل الربيع وباعها بمكة من عبد الله بن جدعان القرشي.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٨٠ الى ٨٢]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)
(٢). راجع ج ١٥ ص ٣٠٥ فما بعد.
(٢). من ب وط وى.
(٣). من ب وط وى.
(٤). من ب وط وى.
" «٣» [المدثر: ١٧] وَإِنَّ فِي جَهَنَّمَ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ هَوَى يُرْمَى الْكَافِرُ مِنْ أَعْلَاهُ فَيَهْوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَصْلَهُ «٤» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ٢٠: ٨١" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) ٢٠: ٨٢ أَيْ مِنَ الشِّرْكِ. (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ٢٠: ٨٢ أَيْ أَقَامَ عَلَى إِيمَانِهِ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ، قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَمْ يُشَكَّ فِي إِيمَانِهِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَقَامَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَخَذَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكره الْمَهْدَوِيُّ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: أَصَابَ الْعَمَلَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيَهْتَدِيَ كَيْفَ يَفْعَلُ، ذَكَرَ الْأَوَّلَ الْمَهْدَوِيُّ، وَالثَّانِي الثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: عَلِمَ أَنَّ لِذَلِكَ ثَوَابًا وَعَلَيْهِ عِقَابًا، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ:" ثُمَّ اهْتَدى ٢٠: ٨٢" فِي وِلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ سَائِرُهَا. قَالَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ: كُنَّا نَسْمَعُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ٢٠: ٨٢" أَيْ مِنَ الشِّرْكِ" وَآمَنَ ١١٠" أَيْ بَعْدَ الشِّرْكِ" وَعَمِلَ صالِحاً" صَلَّى وَصَامَ" ثُمَّ اهْتَدى ٢٠: ٨٢" مات على ذلك.
(٢). بالتصغير بن ماتع (بالتاء المثناة الفوقية) الأصبحي.
(٣). راجع ج ١٩ ص ٧٢.
(٤). في ك: قعره.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٨٣ الى ٨٩]
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧)فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) ٢٠: ٨٣ أَيْ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَسْبِقَهُمْ. قِيلَ: عَنَى بِالْقَوْمِ جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَعَلَى هَذَا قيل: استخلف هرون عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِسَبْعِينَ رَجُلًا لِلْمِيقَاتِ. فَقَوْلُهُ: (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) ٢٠: ٨٤ لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسِيرُونَ خَلْفَهُ مُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ، بَلْ أَرَادَ أَنَّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنِّي يَنْتَظِرُونَ عَوْدِي إِلَيْهِمْ. وقيل: لا بل كان أمر هرون بِأَنْ يَتَّبِعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَثَرَهُ وَيَلْتَحِقُوا بِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِالْقَوْمِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، وَكَانَ مُوسَى لَمَّا قَرُبَ مِنَ الطُّورِ سبقهم شوقا إلى سماع كلام الله. [عز وجل «١»] وقيل: لما وفد إلى طور سينا بِالْوَعْدِ اشْتَاقَ إِلَى رَبِّهِ وَطَالَتْ عَلَيْهِ الْمَسَافَةُ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَضَاقَ به الامر حتى شَقَّ قَمِيصَهُ، ثُمَّ لَمْ يَصْبِرْ حَتَّى خَلَّفَهُمْ وَمَضَى وَحْدَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ فِي مَقَامِهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى ٢٠: ٨٣" فَبَقِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متحيرا عن الجواب [لهذه «٢» الكلمة لما استقبله من صدق الشوق فأعرض عَنِ الْجَوَابِ] وَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ:" هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي ٢٠: ٨٤" وَإِنَّمَا سَأَلَهُ السَّبَبَ الَّذِي أَعْجَلَهُ بِقَوْلِهِ" مَا" فَأَخْبَرَ عَنْ مَجِيئِهِمْ بِالْأَثَرِ. ثُمَّ قَالَ: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) ٢٠: ٨٤ فَكَنَّى عَنْ
(٢). من اوب وج وز وط وك وى.
(٢). المراد بالرقة هنا التعطف.
(٣). راجع ج ٧ ص ٢٩٤ فما بعد.
(٤). أي من أهل الهند كما في بعض الاخبار.
(٢). في ب وج وز وط وك: غضب الرب.
فِي فِتْيَةٍ مِنْ سُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا | أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ |
فَلَوْ كُنْتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرَابَتِي | وَلَكِنَّ زِنْجِيٌّ عَظِيمُ الْمَشَافِرِ |
[سورة طه (٢٠): الآيات ٩٠ الى ٩٣]
وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) ٢٠: ٩٠ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ مُوسَى وَيَرْجِعَ إِلَيْهِمْ (يَا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) ٢٠: ٩٠ أَيِ ابْتُلِيتُمْ وَأُضْلِلْتُمْ بِهِ، أَيْ بِالْعِجْلِ. (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) ٢٠: ٩٠
(٢). في ب وج وط وك وى: تابعه
(٣). عبارة الحلالين يقتضيها المقام
(٤). في ط وك: يجوز. أى الحذف
(٢). راجع ج ٧ ص ٢٧٧.
(٣). من ب وط وى.
يَا شَيْخُ كُفَّ عَنِ الذُّنُوبِ | قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالزَّلَلْ |
وَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ صَالِحًا | مَا دَامَ يَنْفَعُكَ الْعَمَلْ |
أَمَّا الشَّبَابُ فَقَدْ مَضَى | وَمَشِيبُ رَأَسِكَ قَدْ نَزَلْ |
[سورة طه (٢٠): الآيات ٩٤ الى ٩٨]
قالَ يَا بْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨)
قوله تعالى: َا بْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)
ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذَ شَعْرَهُ بِيَمِينِهِ وَلِحْيَتَهُ بِيَسَارِهِ، لِأَنَّ الْغَيْرَةَ فِي اللَّهِ مَلَكَتْهُ، أَيْ لَا تَفْعَلْ هذا فيتوهموا أنه منك استخفاف
أَيْ خَشِيتُ أَنْ أَخْرُجَ وَأَتْرُكَهُمْ وَقَدْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَهُمْ فَلَوْ خَرَجْتُ لَاتَّبَعَنِي قَوْمٌ وَيَتَخَلَّفُ مَعَ الْعِجْلِ قَوْمٌ، وَرُبَّمَا أَدَّى الْأَمْرُ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَخَشِيتُ إِنْ زَجَرْتُهُمْ أَنْ يَقَعَ قِتَالٌ فَتَلُومَنِي عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا جَوَابُ هرون لموسى السَّلَامُ عَنْ قَوْلِهِ" أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٢٠: ٩٣" وَفِي الْأَعْرَافِ" إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ١٥٠" [الأعراف: ١٥٠] لِأَنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. ومعنىَ- لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ٢٠: ٩٤
لم تعمل بوصيتي في حفظ [- هم، لأنك أمرتني أن أكون معهم «٢»]، قاله مقاتل. وقال أبو عبيدة: لم تنتظر عَهْدِي وَقُدُومِي. فَتَرَكَهُ مُوسَى ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْسَامِرِيِّ فَ (- قالَ فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ) ٢٠: ٩٥ أَيْ، مَا أَمْرُكَ وَشَأْنُكَ، وَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ السَّامِرِيُّ عَظِيمًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا سَامِرَةُ وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ نَافَقَ بَعْدَ مَا قَطَعَ الْبَحْرَ مَعَ مُوسَى، فَلَمَّا مَرَّتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْعَمَالِقَةِ وَهُمْ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ" قالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ" [الأعراف: ١٣٨] فَاغْتَنَمَهَا السَّامِرِيُّ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ فَاتَّخَذَ الْعَجِلَ. فَ"- قالَ ٣٠" السَّامِرِيُّ مُجِيبًا لِمُوسَى:" بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ٢٠: ٩٦" يَعْنِي: رَأَيْتُ مَا لَمْ يَرَوْا، رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فَرَسِ الْحَيَاةِ، فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَنْ أَقْبِضَ مِنْ أَثَرِهِ قَبْضَةً، فَمَا أَلْقَيْتُهُ على شي إِلَّا صَارَ لَهُ رُوحٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ فَلَمَّا سَأَلُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ إِلَهًا زَيَّنَتْ لِي نَفْسِي ذَلِكَ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ لِيَصْعَدَ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى السماء، أبصره السَّامِرِيُّ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الْفَرَسِ. وَقِيلَ قَالَ السَّامِرِيُّ: رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَى الْفَرَسِ وَهِيَ تُلْقِي خَطْوَهَا مَدَّ الْبَصَرِ فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَنْ أَقْبِضَ مِنْ أَثَرِهَا فما ألقيته على شي إِلَّا صَارَ لَهُ رُوحٌ وَدَمٌ. وَقِيلَ: رَأَى جِبْرِيلُ يَوْمَ نَزَلَ عَلَى رَمَكَةٍ «٣» وَدِيقٍ، فَتَقَدَّمَ خَيْلُ فِرْعَوْنَ فِي وُرُودِ الْبَحْرِ. وَيُقَالُ: إِنَّ أُمَّ السَّامِرِيِّ جَعَلَتْهُ حِينَ وَضَعَتْهُ فِي غَارٍ خوفا
(٢). من ب وج وط وك.
(٣). الرمكة: الفرس والبرذونة التي تتخذ النسل معرب. وهي هنا الفرس. والوديق: التي تشتهي الفحل.
لَكُمْ مَسْجِدَا اللَّهِ الْمَزُورَانِ وَالْحَصَى | لَكُمْ قِبْصُهُ مِنْ بَيْنَ أَثْرَى وَأَقْتَرَى «٢» |
تَمِيمٌ كَرَهْطِ السَّامِرِيِّ وَقَوْلُهُ | أَلَا لا يريد السامري مساسا |
(٢). أي من بين مثر ومقل. [..... ]
(٣). من ك.
حَمَّالُ رَايَاتٍ بِهَا قَنَاعِسَا | حَتَّى تَقُولَ الْأَزْدُ لَا مسابسا «١» |
(٢). في ك: وصاحبيه.
(٣). كذا في النحاس. والذي في الأصول: فعلت المرأة.
خَلَا أَنَّ الْعِتَاقَ مِنَ المطايا | أحسن به فهن إليه شوس |
[سورة طه (٢٠): الآيات ٩٩ الى ١٠٤]
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذلِكَ) الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ نَعْتٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. أَيْ كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ خَبَرَ مُوسَى" كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ ٢٠: ٩٩" قَصَصًا كَذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ مَا قَدْ سَبَقَ، لِيَكُونَ تَسْلِيَةً لَكَ، وَلِيَدُلَّ عَلَى صِدْقِكَ. (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) ٢٠: ٩٩ يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ ذِكْرًا، لِمَا فِيهِ من الذكر كما سمي الرسول ذكرا، لان الذِّكْرُ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ:" آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً ٢٠: ٩٩" أَيْ شَرَفًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى" وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ" «٢» [الزخرف: ٤٤] أي شرف وتنويه باسمك.
(٢). راجع ج ١٦ ص ٩٣.
لَقَدْ زَرِقَتْ عَيْنَاكَ يَا ابْنَ مُكَعْبَرٍ | كَمَا كُلُّ ضَبِّيٍّ مِنَ اللُّؤْمِ أَزْرَقُ |
(٢). من ك.
(٣). راجع ج ١٠ ص ٣٣٣.
(٤). من ب وج وط وك.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٠٥ الى ١١٠]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً (١٠٦) لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠)
قوله تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) ٢٠: ١٠٥ أَيْ عَنْ حَالِ الْجِبَالِ يَوْمَ القيامة. (فَقُلْ) [فقد «١»] جَاءَ هَذَا بِفَاءٍ وَكُلُّ سُؤَالٍ فِي الْقُرْآنِ" قُلْ" بِغَيْرِ فَاءٍ إِلَّا هَذَا، لِأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ سَأَلُوكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ، فَتَضَمَّنَ الْكَلَامُ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا، فَأَجَابَهُمْ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَتِلْكَ أَسْئِلَةٌ تَقَدَّمَتْ سَأَلُوا عَنْهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ الْجَوَابُ عَقِبَ السُّؤَالِ، فَلِذَلِكَ كَانَ بِغَيْرِ فَاءٍ، وَهَذَا سُؤَالٌ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ بَعْدُ، فَتَفَهَّمْهُ. (يَنْسِفُها) ٢٠: ١٠٥ يُطَيِّرُهَا." نَسْفاً ٢٠: ٩٧" قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ: يَقْلَعُهَا قَلْعًا مِنْ أُصُولِهَا ثُمَّ يُصَيِّرُهَا رَمْلًا يَسِيلُ سَيْلًا، ثُمَّ يُصَيِّرُهَا كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ تُطَيِّرُهَا الرِّيَاحُ هَكَذَا وَهَكَذَا. قَالَ: وَلَا يَكُونُ الْعِهْنُ مِنَ الصُّوفِ إِلَّا الْمَصْبُوغَ، ثُمَّ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ. (فَيَذَرُها) ٢٠: ١٠٦ أَيْ يَذَرُ مَوَاضِعَهَا (قَاعًا صَفْصَفاً) ٢٠: ١٠٦ القاع الأرض الملساء
وَكَمْ دُونَ بَيْتِكَ مِنْ صَفْصَفٍ | وَدَكْدَاكِ رَمْلٍ وأعقادها |
(٢). البيت للأعشى وقد وصف بعد المسافة بينه وبين الممدوح الذي قصده ليستوجب بذلك جائزته. والدكداك: من الرمل المستوي. الاعقاد (جمع) عقدة وهو المنعقد من الرمل المتراكب. [..... ]
(٣). زيادة يقتضيها المعنى.
(٤). في ك: نافعا بالله ولله الحمد. وفي ز: نافعا بإذن الله والحمد لله.
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا
يَعْنِي صَوْتَ أَخْفَافِ الْإِبِلِ فِي سَيْرِهَا. وَيُقَالُ لِلْأَسَدِ الْهَمُوسُ، لِأَنَّهُ يَهْمِسُ فِي الظُّلْمَةِ، أَيْ يَطَأُ وَطْئًا خَفِيًّا. قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ نَفْسَهُ بِالشِّدَّةِ:
لَيْثٌ يَدُقُّ الْأَسَدَ الْهَمُوسَا | وَالْأَقْهَبَيْنِ «٢» الْفِيلَ وَالْجَامُوسَا |
لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا | عَجَائِزًا مِثْلَ السَّعَالِي خَمْسَا |
وَقِيلَ: الْهَمْسُ تَحْرِيكُ الشَّفَةِ وَاللِّسَانِ. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ:" فَلَا يَنْطِقُونَ إِلَّا هَمْسًا". وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، أَيْ لَا يُسْمَعُ لَهُمْ نُطْقٌ وَلَا كَلَامٌ وَلَا صَوْتُ أَقْدَامٍ. وَبِنَاءُ" هـ م س" أَصْلُهُ الْخَفَاءُ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ، وَمِنْهُ الْحُرُوفُ الْمَهْمُوسَةُ، وَهِيَ عَشَرَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ:" حَثَّهُ شَخْصٌ فَسَكَتَ" وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحَرْفُ مَهْمُوسًا لِأَنَّهُ ضَعُفَ الِاعْتِمَادُ مِنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى جَرَى مَعَهُ النَّفَسُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) ٢٠: ١٠٩" مَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْخَارِجِ مِنَ الْأَوَّلِ، أَيْ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ أَحَدًا إِلَّا شَفَاعَةُ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ. (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) ٢٠: ١٠٩ أَيْ رَضِيَ قَوْلَهُ فِي الشَّفَاعَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى، أَيْ إِنَّمَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ فِي أَنْ يَشْفَعَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ قَوْلٌ يُرْضَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ قَوْلُ لا إله إلا الله.
(٢). سمى الفيل والجاموس أقهبين للونهما وهو الغيرة.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١١١ الى ١١٢]
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) ٢٠: ١١١ أَيْ ذَلَّتْ وَخَضَعَتْ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسِيرِ عَانٍ. قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ:
مَلِيكٌ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ | لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوهُ وَتَسْجُدُ |
وَعَنَا لَهُ وَجْهِي وَخَلْقِي كُلُّهُ | فِي السَّاجِدِينَ لِوَجْهِهِ مَشْكُورَا |
(٢). في ك: الخضوع.
فَمَا أَخَذُوهَا عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ | وَلَكِنَّ ضَرْبَ الْمَشْرَفِيِّ اسْتَقَالَهَا |
إِنَّ الْأَذِلَّةَ وَاللِّئَامَ لَمَعْشَرٌ | مَوْلَاهُمُ الْمُتَهَضَّمُ الْمَظْلُومُ |
(٢). راجع ج ٣ ص ٢٧١ فما بعد.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١١٣ الى ١١٤]
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذلِكَ) أَيْ كَمَا بَيَّنَّا لَكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ البيان ف (- كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ٢٠: ١١٣ أَيْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ. (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) ٢٠: ١١٣ أَيْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ مِنَ التَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أَيْ يَخَافُونَ اللَّهَ فَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيَهِ، وَيَحْذَرُونَ عِقَابَهُ. (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) ٢٠: ١١٣ أَيْ مَوْعِظَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: حَذَرًا وَوَرَعًا. وَقِيلَ: شَرَفًا، فَالذِّكْرُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الشرف، كقوله:" وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ" «١» [الزخرف ٤٤]. وَقِيلَ: أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا الْعَذَابَ الَّذِي تُوُعِّدُوا بِهِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ:" أَوْ نُحْدِثُ" بِالنُّونِ، وَرُوِيَ عَنْهُ رَفْعُ الثَّاءِ وَجَزْمُهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) ٢٠: ١١٤ لَمَّا عَرَفَ الْعِبَادُ عَظِيمَ نِعَمِهِ، وَإِنْزَالَ الْقُرْآنِ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ الْأَوْلَادِ وَالْأَنْدَادِ فَقَالَ:" فَتَعالَى اللَّهُ" أَيْ جَلَّ اللَّهُ (الْمَلِكُ الْحَقُّ) ٢٠: ١١٤، أَيْ ذُو الْحَقِّ. (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ٢٠: ١١٤ عَلَّمَ نَبِيَّهُ كَيْفَ يَتَلَقَّى الْقُرْآنَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُبَادِرُ جِبْرِيلَ فَيَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ جِبْرِيلُ مِنَ الْوَحْيِ حِرْصًا عَلَى الْحِفْظِ، وَشَفَقَةً عَلَى الْقُرْآنِ مَخَافَةَ النِّسْيَانِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَنْزَلَ:" وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ٢٠: ١١٤". وهذا كقوله تَعَالَى:" لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
" «٢» [القيامة: ١٦] عَلَى مَا يَأْتِي. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا تَتْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَتَبَيَّنَهُ. وَقِيلَ:" وَلا تَعْجَلْ ٢٠: ١١٤" أَيْ لَا تَسَلْ إنزاله" مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ ٢٠: ١١٤" أَيْ يَأْتِيَكَ" وَحْيُهُ". وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تُلْقِهِ إِلَى النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ بَيَانُ تَأْوِيلِهِ. وقال الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ لَطَمَ وَجْهَ امْرَأَتِهِ، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْلُبُ الْقِصَاصَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا الْقِصَاصَ فَنَزَلَ" الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ" «٣» [النِّسَاءِ ٣٤] وَلِهَذَا قَالَ:" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ٢٠: ١١٤" أَيْ فَهْمًا، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَكَمَ بِالْقِصَاصِ وَأَبَى اللَّهُ ذَلِكَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ:" مِنْ قَبْلِ أَنْ نَقْضِيَ" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الضَّادِ" وحيه" بالنصب.
(٢). راجع ج ١٩ ص ١٠٤.
(٣). راجع ج ٥ ص ١٦٨.
[سورة طه (٢٠): آية ١١٥]
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥)قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) ٢٠: ١١٥ قَرَأَ الْأَعْمَشُ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ" فَنَسِيَ ٢٠: ٨٨" بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا- تَرَكَ، أَيْ تَرَكَ الْأَمْرَ وَالْعَهْدَ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَمِنْهُ" نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ" «١» [التوبة ٦٧]. و [وَثَانِيهِمَا «٢»] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" نَسِي" هُنَا مِنَ السهو والنسيان، وإنما أخذ الإنسان من أنه عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَسِيَ مَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَزْمٌ مَا أَطَاعَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَأْخُوذًا بِالنِّسْيَانِ، وَإِنْ كَانَ النِّسْيَانُ عَنَّا الْيَوْمَ مَرْفُوعًا. وَمَعْنَى" مِنْ قَبْلُ" أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، لِأَنَّهُ نُهِيَ عَنْهَا. وَالْمُرَادُ تَسْلِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ طَاعَةُ بَنِي آدَمَ الشَّيْطَانَ أَمْرٌ قَدِيمٌ، أَيْ إِنْ نَقَضَ هَؤُلَاءِ الْعَهْدَ فَإِنَّ آدَمَ أَيْضًا عَهِدْنَا إِلَيْهِ فَنَسِيَ: حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ وَكَذَلِكَ الطَّبَرِيُّ. أَيْ وَإِنْ يُعْرِضْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ عَنْ آيَاتِي، وَيُخَالِفُوا رُسُلِي، وَيُطِيعُوا إِبْلِيسَ فَقِدَمًا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُوهُمْ آدَمُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ كَوْنُ آدَمَ مِثَالًا لِلْكُفَّارِ الْجَاحِدِينَ بِاللَّهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَآدَمُ إِنَّمَا عَصَى بِتَأْوِيلٍ، فَفِي هَذَا غَضَاضَةٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ فِي الْآيَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ قَصَصٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ تَعَلُّقُهُ أَنَّهُ لَمَّا عَهِدَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَعْجَلَ بِالْقُرْآنِ، مَثَّلَ لَهُ بِنَبِيٍّ قَبْلَهُ عَهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ فَعُوقِبَ، لِيَكُونَ أَشَدَّ فِي التَّحْذِيرِ، وَأَبْلَغَ فِي الْعَهْدِ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعهد ها هنا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ،" وَنَسِيَ" مَعْنَاهُ تَرَكَ، وَنِسْيَانُ الذُّهُولِ لَا يُمْكِنُ هُنَا، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّاسِي عِقَابٌ. وَالْعَزْمُ الْمُضِيُّ عَلَى الْمُعْتَقَدِ فِي أي شي كَانَ، وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَلَّا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ لَكِنْ لَمَّا وَسْوَسَ إِلَيْهِ إِبْلِيسُ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى مُعْتَقَدِهِ. وَالشَّيْءُ الَّذِي عُهِدَ إِلَى آدَمَ هُوَ أَلَّا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَأُعْلِمَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ عَدُوٌّ لَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ٢٠: ١١٥ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: لَمْ نَجِدْ لَهُ صَبْرًا عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، ومواظبة على التزام الامر. قال
(٢). زيادة يقتضيها السياق.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١١٦ الى ١١٩]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ) «٢» مُسْتَوْفًى. (فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما) ٢٠: ١١٧ نهي، ومجازه
(٢). راجع ج ١ ص ٢٩١ فما بعد.
رَأَتْ رَجُلًا أَيْمَا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ | فَيَضْحَى وَأَمَّا بالعشي فيخصر |
ضَحِيتُ لَهُ كَيْ أَسْتَظِلَّ بِظِلِّهِ | إِذَا الظِّلُّ أَضْحَى فِي الْقِيَامَةِ قَالِصَا |
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٢٠ الى ١٢٢]
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢)
(٢). راجع ج ١ ص ٣٠٨ فما بعد.
(٣). راجع ج ٧ ص ١٨٠.
(٤). راجع ج ١ ص ٣٠٥.
(٥). في ب وج وز وط: رتبهم.
(٢). في الأصول: اللفظ للبخاري. والتصويب عن صحيح مسلم.
(٣). من ب وج وك.
(٤). ثلاثا: أي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَحَجَّ آدم موسى) ثلاث مرات.
(٥). راجع ج ٤ ص ٢٤٣.
(٦). راجع ج ١٤ ص ٦٣.
(٧). راجع ص ١١١ من هذا الجزء. [..... ]
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٢٣ الى ١٢٧]
قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧)
أَيْ دِينِي، وَتِلَاوَةِ كِتَابِي، وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ. وَقِيلَ: عَمَّا أَنْزَلْتُ مِنَ الدَّلَائِلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ الذِّكْرُ عَلَى الرَّسُولِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُ الذِّكْرُ. (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) ٢٠: ١٢٤ أَيْ عَيْشًا ضَيِّقًا، يُقَالُ: مَنْزِلٌ ضَنْكٌ وَعَيْشٌ ضَنْكٌ يستوي فيه الواحد والاثنان والمذكر وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ، قَالَ عَنْتَرَةُ:
إِنْ يُلْحِقُوا أَكْرُرْ وإن يستحلموا | أَشْدُدْ وَإِنْ يُلْفَوْا بِضَنْكٍ أَنْزِلِ |
إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَوْ تُمَثَّلُ مُثِّلَتْ | مِثْلِي إِذَا نزلوا بضنك المنزل |
(٢). راجع ج ١ ص ٣٢٨ فما بعد.
(٢). راجع ج ١٠ ص ١٧٤.
(٣). راجع ج ١٠ ص ٣٣٣.
(٤). في ك: دلائلنا.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٢٨ الى ١٣٠]
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠)قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) ٢٠: ١٢٨ يُرِيدُ أَهْلَ مَكَّةَ، أَيْ أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ خَبَرُ مَنْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِذَا سَافَرُوا وَخَرَجُوا فِي التِّجَارَةِ طَلَبَ الْمَعِيشَةِ، فَيَرَوْنَ بِلَادَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ خَاوِيَةً، أَيْ أَفَلَا يَخَافُونَ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ مَا حَلَّ بِالْكُفَّارِ قَبْلَهُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّلَمِيُّ وَغَيْرُهُمَا:" نَهْدِ لَهُمْ" بِالنُّونِ وَهِيَ أَبْيَنُ. و" يَهْدِ ١٠٠" بِالْيَاءِ مُشْكِلٌ لِأَجْلِ الْفَاعِلِ، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ:" كَمْ" الْفَاعِلُ، النَّحَّاسُ: وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ" كَمِ" اسْتِفْهَامٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا وَقَالَ الزَّجَّاجُ: المعنى أو لم يَهْدِ لَهُمُ الْأَمْرُ بِإِهْلَاكِنَا مَنْ أَهْلَكْنَا. وَحَقِيقَةُ" يَهْدِ" عَلَى الْهُدَى، فَالْفَاعِلُ هُوَ الْهُدَى تَقْدِيرُهُ: أَفَلَمْ يَهْدِ الْهُدَى لَهُمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ:" كَمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ"- أَهْلَكْنا". قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً) ٢٠: ١٢٩ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَاللِّزَامُ الْمُلَازَمَةُ، أَيْ لَكَانَ الْعَذَابُ لَازِمًا لَهُمْ. وأضمر اسم كان. قال الزجاج: (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) عَطْفٌ عَلَى" كَلِمَةٌ". قَتَادَةُ: وَالْمُرَادُ الْقِيَامَةُ، وَقَالَهُ الْقُتَبِيُّ وَقِيلَ: تَأْخِيرُهُمْ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ) ٢٠: ١٣٠ أَمَرَهُ تَعَالَى بِالصَّبْرِ عَلَى أَقْوَالِهِمْ: إِنَّهُ سَاحِرٌ، إِنَّهُ كَاهِنٌ، إِنَّهُ كَذَّابٌ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: لَا تَحْفِلْ بِهِمْ، فَإِنَّ لِعَذَابِهِمْ وَقْتًا مَضْرُوبًا لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ. وَقِيلَ: لَيْسَ مَنْسُوخًا، إِذْ لَمْ يُسْتَأْصَلِ الْكُفَّارُ بَعْدَ آيَةِ الْقِتَالِ بَلْ بَقِيَ المعظم منهم.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٣١ الى ١٣٢]
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ) ٢٠: ١٣١ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي (الْحِجْرِ) «٢»." أَزْواجاً" مَفْعُولٌ بِ"- مَتَّعْنا". وَ" زَهْرَةَ ٢٠: ١٣١" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:" زَهْرَةَ ٢٠: ١٣١" مَنْصُوبَةٌ بِمَعْنَى" مَتَّعْنا" لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَعَلْنَا لَهُمُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا زَهْرَةً، أَوْ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ وَهُوَ" جَعَلْنَا" أَيْ جَعَلْنَا لَهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، عَنِ الزَّجَّاجِ أَيْضًا. وَقِيلَ: هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ فِي" بِهِ" عَلَى الْمَوْضِعِ كَمَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِ أَخَاكَ. وَأَشَارَ الْفَرَّاءُ إِلَى نَصْبِهِ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ" مَتَّعْنا" قَالَ: كَمَا تَقُولُ مَرَرْتُ بِهِ الْمِسْكِينَ، وقدره: متعناهم به زهرة في الحياة الدُّنْيَا وَزِينَةً فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ مِثْلَ" صُنْعَ اللَّهِ" وَ" وَعَدَ اللَّهُ" وفيه
(٢). راجع ج ١٠ ص ٥٦ فما بعد.
(٢). الزيادة من (النهاية) لابن الأثير.
(٣). راجع ج ١٧ ص ٥٥.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٣٣ الى ١٣٥]
وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)قوله تعالى: (وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) ٢٠: ١٣٣ يُرِيدُ كُفَّارَ مَكَّةَ، أَيْ لَوْلَا يَأْتِينَا مُحَمَّدٌ بِآيَةٍ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. أَوْ بِآيَةٍ ظَاهِرَةٍ كَالنَّاقَةِ وَالْعَصَا. أَوْ هَلَّا يَأْتِينَا بِالْآيَاتِ الَّتِي نَقْتَرِحُهَا نَحْنُ كَمَا أتى الأنبياء من قبله: قال الله تَعَالَى: (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى) ٢٠: ١٣٣ يُرِيدُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَذَلِكَ أعظم آية إذ أخبر بما فيها. وقرى" الصحف" بالتخفيف. وقيل: أو لم تأتيهم الْآيَةُ الدَّالَّةُ عَلَى نُبُوَّتِهِ بِمَا وَجَدُوهُ فِي الكتب المتقدمة من البشارة. وقيل: أو لم يَأْتِهِمْ إِهْلَاكُنَا الْأُمَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاقْتَرَحُوا الْآيَاتِ، فَمَا يُؤَمِّنُهُمْ إِنْ أَتَتْهُمُ الْآيَاتُ أَنْ يَكُونَ حَالُهُمْ حَالَ أُولَئِكَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وحفص:" أولم تأتيهم" بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْبَيِّنَةِ. الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ الْفِعْلِ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هِيَ الْبَيَانُ وَالْبُرْهَانُ فَرَدُّوهُ إِلَى الْمَعْنَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ" أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى ٢٠: ١٣٣" قَالَ: وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا" بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى". قَالَ النَّحَّاسُ إِذَا نَوَّنْتَ" بَيِّنَةُ" وَرَفَعْتَ جَعَلْتَ" مَا" بَدَلًا مِنْهَا وَإِذَا نصبتها فعلى الحال، والمعنى: أو لم يَأْتِهِمْ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى مُبَيَّنًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) ٢٠: ١٣٤ أَيْ مِنْ قَبْلِ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ (لَقالُوا) أَيْ يَوْمَ القيامة (رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا) ٢٠: ١٣٤ أَيْ هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا. (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) ٢٠: ١٣٤ وقرى:" نَذِلَّ وَنَخْزى ٢٠: ١٣٤" عَلَى
" مَنْ ضَلَّ ثُمَّ اهْتَدَى. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرِيُّ" فسيعلمون من أصحاب
(٢). راجع ج ٣ ص ٦٦. [..... ]
سورة طه
سورةُ (طه) من السُّوَر المكية التي افتُتِحت بتعظيمِ القرآن الكريم، وبيَّنتْ أن هذا الكتابَ هو كتابُ سعادة وهناءٍ، ولم يُنزِلْهُ اللهُ عز وجل للتعاسةِ والشَّقاء، كما اشتملت على تعظيمِ الله عز وجل؛ ببيانِ عُلُوِّه فوق خَلْقه: عُلُوِّ قهرٍ وغَلَبة، وعُلُوِّ استواءٍ على عرشه كما يليقُ بجلاله، كما تطرَّقتِ الآياتُ لقصة موسى عليه السلام، وفيها تكليمُ اللهِ موسى عليه السلام، ورعايتُه له، وذكَرتْ مشاهدَ من يومِ القيامة وأهواله.
ترتيبها المصحفي
20نوعها
مكيةألفاظها
1351ترتيب نزولها
45العد المدني الأول
134العد المدني الأخير
134العد البصري
132العد الكوفي
135العد الشامي
140* سورة (طه):
سُمِّيتْ سورة (طه) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحِها به.
* سورة (طه) من العِتَاق الأُوَل التي تعلَّمها الصحابة :
عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ) : إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).
قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).
* فيها اسمُ اللهِ الأعظَمُ:
فعن أبي أُمَامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: «اسمُ اللهِ الأعظَمُ الذي إذا دُعِيَ به أجابَ في ثلاثِ سُوَرٍ مِن القُرْآنِ: في (البقرةِ)، و(آلِ عِمْرانَ)، و(طه)». أخرجه الطبراني (٧٩٢٥).
وقد التمَسها بعضُ العلماء في هذه السُّوَرِ؛ فوجَدها في:
- (البقرةِ): {اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُۚ} [البقرة: 255].
- وفاتحةِ (آلِ عِمْرانَ): {اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُ} [آل عمران: 2].
- وفي (طه): {وَعَنَتِ اْلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اْلْقَيُّومِۖ} [طه: 111].
ورَدتْ في سورة (طه) الموضوعات الآتية:
1. الافتتاحية (١-٨).
2. قصة موسى عليه السلام (٩-٩٨).
3. جزاء المُعرِضين عن القرآن (٩٩-١٠٤).
4. مَشاهِدُ يوم القيامة (١٠٥-١١٢).
5. مُحمَّد عليه السلام والقرآن (١١٣-١١٤).
6. آدَمُ وعداوة إبليس له ولذريته (١١٥-١٢٧).
7. إنذارٌ للمشركين، وإرشادٌ للنبي صلى الله عليه وسلم (١٢٨-١٣٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /490).
احتوت السورةُ على مقاصدَ عظيمةٍ؛ منها:
* التحدِّي بالقرآن؛ بذِكْرِ (الحروف المُقطَّعة) في مُفتتَحِها.
* والتنويه بأنه تنزيلٌ من الله لِهَدْيِ القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.
* والتنويه بعظمةِ الله تعالى، وإثبات رسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ بأنها تُماثِل رسالةَ أعظَمِ رسولٍ قبله شاع ذِكْرُه في الناس؛ فضرب المَثَل لنزول القرآن على مُحمَّد صلى الله عليه وسلم بكلام اللهِ موسى عليه السلام.
* وتذكير الناس بعداوة الشيطان للإنسان بما تضمَّنتْهُ قصةُ خَلْقِ آدمَ.
* ورُتِّب على ذلك سُوءُ الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مَقادتَهم بيد الشيطان، وإنذارُهم بسُوءِ العقاب في الدنيا.
* وتسلية النبيِّ صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه، وتثبيته على الدِّين.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (16 /182).