تفسير سورة الجمعة

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا أمرنا بنصرة حبيبه المصطفى، بَيَّن أنه المبعوث بالهدى المنقذ من الضلالة والردى فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾: كما مر ﴿ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ﴾: العرب ﴿ ٱلأُمِّيِّينَ ﴾: أي: الذين ما كتبوا، ولا قرأوا ومالهم كتاب ﴿ رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ أُمّيّاً أي: لا حي من العرب إلا وله فيهم قرابة إلا بني تغلبب لنصرانيتهم ﴿ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾: مع أنه أُمِّيٌّ ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾: يطهرهم عن خبائث العقائد والأعمال ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾: القرآن أو الخط ﴿ وَٱلْحِكْمَةَ ﴾: سنته أو الفقه ﴿ وَإِن ﴾: إنهم ﴿ كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾: يعلم ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ﴾: بعدهم ﴿ لَمَّا ﴾ أي: لم ﴿ يَلْحَقُواْ بِهِمْ ﴾: بعد وسيلحقون أي: تابعيهم إلى يوم القيامة، وفي الصحيحين" أنهم الفرس "﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾: في ملكه وصنعه ﴿ ذَلِكَ ﴾: البعث ﴿ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ * مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ﴾ أي: كلفوا العمل بها ﴿ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾: لم يعملوا بما فيها من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ ﴾: حال كونه ﴿ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾: كتبا في عدم الانتفاع مع تعب الحمل، وخص الحمار لأنه المثل في البلادة ولحقارته ﴿ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾: الدال على نبوته صلى الله عليه وسلم ﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾: في علمه ﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾: في زعمكم كما مر ﴿ وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ ﴾: من الكفر ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ ﴾: فيجازيهم ﴿ قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ ﴾: السر ﴿ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾: العلانية ﴿ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: بالمجازاة ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ ﴾: أذن ﴿ لِلصَّلاَةِ ﴾: لصلاة الجمعة ﴿ مِن ﴾: أي: في ﴿ يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ ﴾: حين قعد الخطيب على المنبر ﴿ فَٱسْعَوْاْ ﴾: بالاهتمام والسكينة لا بالإسراع ﴿ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾: أي: للصلاة ﴿ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ﴾: وأشغالكم، خصه بالذكر لظهوره في المدن ﴿ ذَلِكُمْ ﴾: السعي ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: من أهل العلم ﴿ فَ ﴾ اسعواْ ﴿ إِذَا قُضِيَتِ ﴾: أديت ﴿ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ ﴾: أمر إباحة ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: لحوائجكم ﴿ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ ﴾: رزقه أو طاعته، وعن بعض السلف: من باع واشترى حينئذ بارك الله له سبعين مرةً ﴿ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾: حال انتشاركم ﴿ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: ولما انفضوا من سماع خطبة الجمعة حين سمعوا طبل قدوم عير الشام إلى المدينة إلا اثنى عشر رجلا نزلت: ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا ﴾: أفهم بالترديد، أن منه ممن خرج لخصوص الطلب ﴿ وَتَرَكُوكَ ﴾ يا محمد ﴿ قَآئِماً ﴾: في الخطبة ﴿ قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ ﴾: من الثواب ﴿ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾: فلا يفوتكم الرزق بترك البيع والتجارة وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
سورة الجمعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجمعة) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات)، نزلت بعد سورة (الصَّفِّ)، وقد بدأت ببيانِ مقاصدِ البعثة النبوية، وأشارت إلى أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، ولزومِ جماعة المسلمين، وتركِ ملذَّات الدنيا وشهواتها؛ لذا جاءت بوجوب (الجُمُعة)؛ لِما في ذلك من دلالاتٍ عظيمة؛ منها: الاجتماع، والوَحْدة، والأُلْفة بين المسلمين.

ترتيبها المصحفي
62
نوعها
مدنية
ألفاظها
177
ترتيب نزولها
110
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «بَيْنما نحنُ نُصلِّي مع النبيِّ ﷺ، إذ أقبَلتْ عِيرٌ تَحمِلُ طعامًا، فالتفَتوا إليها، حتى ما بَقِيَ مع النبيِّ ﷺ إلا اثنا عشَرَ رجُلًا؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]». أخرجه البخاري (٩٣٦).

* سورة (الجمعة):

سُمِّيت سورةُ (الجمعة) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظِ {اْلْجُمُعَةِ} فيها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ اْلْجُمُعَةِ فَاْسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ اْللَّهِ وَذَرُواْ اْلْبَيْعَۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (الجمعة) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (٨٧٧).

1. مقاصدُ البعثة النبوية (١-٤).

2. ذكرُ حالِ اليهود مع التوراة، والردُّ عليهم (٥-٨).

3. حضور صلاة الجمعة (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /149).

مقصودها تأكيدُ أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، والتمسُّكِ بجماعة المسلمين، ولزومها، ويَتمثَّل ذلك في الالتزام بصلاة الجمعة، وعدمِ الالتفات إلى الدنيا وشهواتها، واسمُها واضحُ الدلالة على هذا المقصد.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /84)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /206).