تفسير سورة الجمعة

معاني القرآن

تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

قوله عز وجل :﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَما يَلْحَقُواْ بِهِمْ ﴾.
يقال : إنهم ممن لم يسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وسلم، ثم أسلم، ويقال : هم الذين يأتون من بعد. ( وآخرين ) في موضع خفض ؛ بَعث في الأميين وفي آخرين منهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ولو جعلتها نصبا بقوله :﴿ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُم ﴾ ويعلم آخرين فينصب على الرد على الهاء في : يزكيهم، ويعلمهم.
وقوله :﴿ كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾.
يحمل من صلة الحمار ؛ لأنه في مذهب نكرة، فلو جعلت مكان يحمل حاملا لقلت : كمثل الحمار حاملا أسفارا. وفي قراءة عبد الله : كمثل حمار يحمل أسفارا. والسِّفْر واحد الأسفار، وهي الكتب العظام. شبه اليهود، ومن لم يسلم إذ لم ينتفعوا بالتوراة والإنجيل. وهما دليلان على النبي صلى الله عليه وسلم بالحمار الذي يحمل كتب العلم ولا يدري ما عليه.
وقوله :﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ﴾.
أدخلت العرب الفاء في خبر ( إنّ ) ؛ لأنها وقعت على الذي، والذي حرف يوصل، فالعرب تدخل الفاء في كل خبرٍ كان اسمه مما يوصل مثل : من، والذي وإلقاؤها صواب، وهي في قراءة عبد الله :«إن الموتَ الذي تفرُّون منه ملاقيكُم »، ومن أدخل الفاء ذهب بالذي إلى تأويل الجزاء إذا احتاجت إلى أن توصل، ومن ألقى الفاء فهو على القياس ؛ لأنك تقول : إن أخاك قائم، ولا تقول : إن أخاك فقائم. ولو قلت : إن ضاربك فظالم كان جائزا ؛ لأن تأويل : إن ضاربك، كقولك : إن من يضربك فظالم، فقس على هذا الاسم المفرد الذي فيه تأويل الجزاء فأدخل له الفاء.
وقال بعض المفسرين : إن الموت هو الذي تفرون منه، فجعل الذي في موضع الخبر للموت. ثم قال : ففروا أولا تفروا فإنه ملاقيكم. ولا تجد هذا محتملا في العربية والله أعلم بصواب ذلك.
وقوله :﴿ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾.
خفضها الأعمش فقال : الْجمعة، وثقلها عاصم وأهل الحجاز، وفيها لغة : جُمَعَة، وهي لغة لبني عقيل لو قرئ بها كان صوابا. والذين قالوا : الجمعة : ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يوم جُمَعَة ؛ كما تقول : رجل ضُحَكة للذي يُكثر الضحك.
وقوله :﴿ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾.
وفي قراءة عبد الله :«فامضوا إلى ذكر الله »، والمضي والسعي والذهاب في معنى واحد ؛ لأنك تقول للرجل : هو يسعى في الأرض يبتغي من فضل الله، وليس هذا باشتداد.
وقد قال بعض الأئمة : لو قرأتها :«فاسعوا » لاشتددت يقول : لأسرعت، والعرب تجعل السعي أسرع من المضي، والقول فيها القول الأول.
وقوله :﴿ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ﴾.
إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء ؛ لأن المشترِى والبيِّع يقع عليهما البيِّعان، فإذا أذن المؤذن من يوم الجمعة حرم البيع والشراء [ ١٩٩/ا ].
وقوله :﴿ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾.
هذا : إِذْنٌ، وإباحةٌ، من شاء باع، ومن شاء لزم المسجد.
وقوله :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْها ﴾.
فجعل الهاء للتجارة دون اللهو، وفي قراءة عبد الله :«وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضوا إليها ». وذكروا أن النبي صلى الله [ عليه ] كان يخطب يوم الجمعة، فقدم دِحْيَة الكلبي بتجارة من الشام فيها كل ما يحتاج إليه الناس، فضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه ؛ فخرج جميع الناس إليه إلاّ ثمانية نفر، فأنزل الله عز وجل :﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً ﴾ يعني : التجارة التي قدِم بها، ﴿ أَوْ لَهْواً ﴾ : يعني : الضرب بالطبل. ولو قيل : انفضوا إليه، يريد : اللهو كان صوابا، كما قال :﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْما ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً ﴾ ولم يقل : بها. ولو قيل : بهما، وانفضوا إليهما كما قال :﴿ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فاللهُ أولى بهِما ﴾، كان صوابا وأجود من ذلك في العربية أن تجعل الراجع من الذكر للآخرِ من الاسمين وما بعد ذا فهو جائز. وإنما اختير في انفضوا إليها في قراءتنا وقراءة عبد الله ؛ لأن التجارة كانت أهم إليهم، وهم بها أسرّ منهم بضرب الطبل ؛ لأن الطبل إنما دل عليها، فالمعنى كله لها.
سورة الجمعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجمعة) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات)، نزلت بعد سورة (الصَّفِّ)، وقد بدأت ببيانِ مقاصدِ البعثة النبوية، وأشارت إلى أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، ولزومِ جماعة المسلمين، وتركِ ملذَّات الدنيا وشهواتها؛ لذا جاءت بوجوب (الجُمُعة)؛ لِما في ذلك من دلالاتٍ عظيمة؛ منها: الاجتماع، والوَحْدة، والأُلْفة بين المسلمين.

ترتيبها المصحفي
62
نوعها
مدنية
ألفاظها
177
ترتيب نزولها
110
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «بَيْنما نحنُ نُصلِّي مع النبيِّ ﷺ، إذ أقبَلتْ عِيرٌ تَحمِلُ طعامًا، فالتفَتوا إليها، حتى ما بَقِيَ مع النبيِّ ﷺ إلا اثنا عشَرَ رجُلًا؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]». أخرجه البخاري (٩٣٦).

* سورة (الجمعة):

سُمِّيت سورةُ (الجمعة) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظِ {اْلْجُمُعَةِ} فيها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ اْلْجُمُعَةِ فَاْسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ اْللَّهِ وَذَرُواْ اْلْبَيْعَۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (الجمعة) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (٨٧٧).

1. مقاصدُ البعثة النبوية (١-٤).

2. ذكرُ حالِ اليهود مع التوراة، والردُّ عليهم (٥-٨).

3. حضور صلاة الجمعة (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /149).

مقصودها تأكيدُ أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، والتمسُّكِ بجماعة المسلمين، ولزومها، ويَتمثَّل ذلك في الالتزام بصلاة الجمعة، وعدمِ الالتفات إلى الدنيا وشهواتها، واسمُها واضحُ الدلالة على هذا المقصد.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /84)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /206).