تفسير سورة الجمعة

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله ﴿مَا فِي السَّمَاوَات﴾ من الْخلق ﴿وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخلق وكل شَيْء حَيّ ﴿الْملك﴾ الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول ملكه ﴿القدوس﴾ الطَّاهِر بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿الْعَزِيز﴾ الْغَالِب فِي ملكه بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيين﴾ فِي الْعَرَب ﴿رَسُولا مِنْهُم﴾ من نسبهم يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿يَتْلُو﴾ يقْرَأ ﴿عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ من الشّرك وَيُقَال بِالزَّكَاةِ وَالتَّوْبَة من الذُّنُوب أَي يَدعُوهُم إِلَى ذَلِك ﴿وَيُعلمهُم الْكتاب﴾
470
يَعْنِي الْقُرْآن ﴿وَالْحكمَة﴾ الْحَلَال وَالْحرَام وَيُقَال الْعلم ومواعظ الْقُرْآن ﴿وَإِن كَانُواْ﴾ وَقد كَانُوا يَعْنِي الْعَرَب ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ ﴿لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي كفر بَين
471
﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ﴾ وَفِي الآخرين مِنْهُم من الْعَرَب وَيُقَال من الموَالِي ﴿لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ﴾ بالعرب الأول يَقُول لم يَكُونُوا بعد فسيكونون يَقُول بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا إِلَى الْأَوَّلين والآخرين من الْعَرَب والموالي ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ المنيع بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ وبكتابه وبرسوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت من النُّبُوَّة وَالْكتاب والتوحيد ﴿فَضْلُ الله﴾ من الله ﴿يُؤْتِيهِ﴾ يُعْطِيهِ وَيكرم بِهِ ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَالله ذُو الْفضل﴾ الْمَنّ ﴿الْعَظِيم﴾ بِالْإِسْلَامِ والنبوة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال بِالْإِسْلَامِ على الْمُؤمنِينَ وَيُقَال بالرسول وَالْكتاب على خلقه
﴿مَثَلُ الَّذين﴾ صفة الَّذين ﴿حُمِّلُواْ التَّوْرَاة﴾ أمروا أَن يعملوا بِمَا فِي التَّوْرَاة أَي أمروا أَن يظهروا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ لم يعملوا بِمَا أمروا فِيهَا أَي لم يظهروا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة ﴿كَمَثَلِ الْحمار﴾ كشبه الْحمار ﴿يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ كتبا لَا ينْتَفع بِحمْلِهِ كَذَلِك الْيَهُود لَا يَنْتَفِعُونَ بِالتَّوْرَاةِ كَمَا لَا ينْتَفع الْحمار بِمَا عَلَيْهِ من الْكتب ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْم﴾ صفة الْقَوْم ﴿الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود ﴿وَالله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يرشد إِلَى دينه ﴿الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْيَهُود من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على الْيَهُودِيَّة
﴿قل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿يَا أَيهَا الَّذين هادوا﴾ مالوا عَن الْإِسْلَام وتهودوا وهم بَنو يهوذا ﴿إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ﴾ أحباء لله ﴿مِن دُونِ النَّاس﴾ من دون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ﴿فتمنوا الْمَوْت﴾ فاسألوا الْمَوْت ﴿إِن كُنْتُم صَادِقِينَ﴾ أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله من دون النَّاس
فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فوَاللَّه لَيْسَ مِنْكُم أحد يَقُول ذَلِك إِلَّا غص بريقه وَيَمُوت فكرهوا ذَلِك وَلم يسْأَلُوا الْمَوْت فَقَالَ الله ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً﴾ لَا يسْأَلُون الْمَوْت يَعْنِي الْيَهُود أبدا ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾ بِمَا عملت أَيْديهم فِي الْيَهُودِيَّة ﴿وَالله عَلِيمٌ بالظالمين﴾ باليهود على أَنهم لَا يسْأَلُون الْمَوْت
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ الْمَوْت الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ تكرهونه ﴿فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ﴾ نَازل بكم لَا محَالة ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿إِلَى عَالِمُ الْغَيْب﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون ﴿وَالشَّهَادَة﴾ مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ ﴿فينبئكم﴾ يُخْبِركُمْ ﴿بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ﴾ إِذا دعيتم إِلَى الصَّلَاة بِالْأَذَانِ ﴿مِن يَوْمِ الْجُمُعَة فَاسْعَوْا﴾ فامضوا ﴿إِلَى ذِكْرِ الله﴾ إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة مَعَه ﴿وَذَرُواْ البيع﴾ اتْرُكُوا البيع بعد الْأَذَان ﴿ذَلِكُم﴾ الِاسْتِمَاع إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الْكسْب وَالتِّجَارَة ﴿إِن كُنتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿تَعْلَمُونَ﴾ تصدقُونَ بِثَوَاب الله
ثمَّ رخص لَهُم بعد مَا حرم عَلَيْهِم بقوله وذروا البيع فَقَالَ ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة﴾ إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة ﴿فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض﴾ فاخرجوا من الْمَسْجِد إِن شِئْتُم ﴿وابتغوا مِن فَضْلِ الله﴾ اطْلُبُوا من رزق الله إِن شِئْتُم فَهَذِهِ رخصَة بعد النَّهْي وَلها وَجه آخر يَقُول فَإِذا قضيت الصَّلَاة إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض فَتَفَرَّقُوا فِي الْمَسْجِد وابتغوا من فضل الله اطْلُبُوا مَا هُوَ أفضل لكم يَعْنِي على السِّرّ والتوحيد والزهد والتوكل ﴿واذْكُرُوا الله﴾ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان ﴿كَثِيراً﴾ على كل حَال ﴿لَعَلَّكُمْ تفلحون﴾ لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب
﴿وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة﴾ دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ ﴿أَوْ لَهْواً﴾ أَو سمعُوا صَوت الطبل
471
﴿انْفَضُّوا﴾ تفَرقُوا وَخَرجُوا من الْمَسْجِد ﴿إِلَيْهَا﴾ غير ثَمَانِيَة رَهْط وَيُقَال غير اثْنَي عشر رجلا وَامْرَأَتَيْنِ لم يخرجُوا إِلَيْهَا ﴿وَتَرَكُوكَ قَآئِماً﴾ على الْمِنْبَر تخْطب ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لَهُم ﴿مَا عِندَ الله﴾ من الثَّوَاب ﴿خَيْرٌ﴾ لكم ﴿مِّنَ اللَّهْو﴾ من صَوت الطبل ﴿وَمِنَ التِّجَارَة﴾ تِجَارَة دحْيَة الْكَلْبِيّ يَقُول لَو ثبتمْ مَعَ نَبِيكُم حَتَّى صليتم الصَّلَاة ودعوتم ثمَّ خَرجْتُمْ لَكَانَ خيرا لكم بالثواب والكرامة عِنْد الله من الْخُرُوج ﴿وَالله خَيْرُ الرازقين﴾ أفضل المعطين أَي قل هَذِه الْمقَالة إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ وهى كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله ﴿لَئِن رَجعْنَا﴾ إِلَى آخر الْآيَة فانها نزلت عَلَيْهِ فى طرق بني المصطلق آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها مائَة وَثَمَانُونَ وحروفها سَبْعمِائة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
472
سورة الجمعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجمعة) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات)، نزلت بعد سورة (الصَّفِّ)، وقد بدأت ببيانِ مقاصدِ البعثة النبوية، وأشارت إلى أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، ولزومِ جماعة المسلمين، وتركِ ملذَّات الدنيا وشهواتها؛ لذا جاءت بوجوب (الجُمُعة)؛ لِما في ذلك من دلالاتٍ عظيمة؛ منها: الاجتماع، والوَحْدة، والأُلْفة بين المسلمين.

ترتيبها المصحفي
62
نوعها
مدنية
ألفاظها
177
ترتيب نزولها
110
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «بَيْنما نحنُ نُصلِّي مع النبيِّ ﷺ، إذ أقبَلتْ عِيرٌ تَحمِلُ طعامًا، فالتفَتوا إليها، حتى ما بَقِيَ مع النبيِّ ﷺ إلا اثنا عشَرَ رجُلًا؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]». أخرجه البخاري (٩٣٦).

* سورة (الجمعة):

سُمِّيت سورةُ (الجمعة) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظِ {اْلْجُمُعَةِ} فيها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ اْلْجُمُعَةِ فَاْسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ اْللَّهِ وَذَرُواْ اْلْبَيْعَۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (الجمعة) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (٨٧٧).

1. مقاصدُ البعثة النبوية (١-٤).

2. ذكرُ حالِ اليهود مع التوراة، والردُّ عليهم (٥-٨).

3. حضور صلاة الجمعة (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /149).

مقصودها تأكيدُ أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، والتمسُّكِ بجماعة المسلمين، ولزومها، ويَتمثَّل ذلك في الالتزام بصلاة الجمعة، وعدمِ الالتفات إلى الدنيا وشهواتها، واسمُها واضحُ الدلالة على هذا المقصد.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /84)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /206).