٢ "بيد": بمعنى غير..
ﰡ
[تفسير سورة الجمعة]
سُورَةُ الْجُمْعَةِ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (. وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ «١» يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ «٢» بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ- قَالَ- يَوْمُ الْجُمْعَةِ فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ[سورة الجمعة (٦٢): آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْعَزِيزُ الحكيم) كلها رفعا، أي هو الملك.
[سورة الجمعة (٦٢): آية ٢]
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأُمِّيُّونَ الْعَرَبُ كُلُّهُمْ، مَنْ كَتَبَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَكْتُبْ، لِأَنَّهُمْ لم يكونوا أهل كتاب. وقيل: الأميون
(٢)." بيد": بمعنى غير.
قلت : وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته.
قوله تعالى :" يتلو عليهم آياته " يعني القرآن " ويزكيهم " أي يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان، قاله ابن عباس. وقيل : يطهرهم من دنس الكفر والذنوب، قاله ابن جريج ومقاتل. وقال السدي : يأخذ زكاة أموالهم " ويعلمهم الكتاب " يعني القرآن " والحكمة " السنة، قاله الحسن. وقال ابن عباس :" الكتاب " الخط بالقلم ؛ لأن الخط فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقييده بالخط. وقال مالك بن أنس :" الحكمة " الفقه في الدين. وقد مضى القول في هذا في " البقرة ". " وإن كانوا من قبل " أي من قبله وقبل أن يرسل إليهم. " لفي ضلال مبين " أي في ذهاب عن الحق.
[سورة الجمعة (٦٢): آية ٣]
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْأُمِّيِّينَ أَيْ بُعِثَ فِي الْأُمِّيِّينَ وَبُعِثَ فِي آخَرِينَ مِنْهُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِالْعَطْفِ عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي يُعَلِّمُهُمُ وَيُزَكِّيهِمْ،
(٢). راجع ج ٢ ص ٥ وص ١٣٦
[سورة الجمعة (٦٢): آية ٤]
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَيْثُ ألحق العجم بقريش. وقيل: يَعْنِي الْإِسْلَامَ، فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ. وَقِيلَ: يَعْنِي الْوَحْيَ وَالنُّبُوَّةَ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: إِنَّهُ الْمَالُ
[سورة الجمعة (٦٢): آية ٥]
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)
ضَرَبَ مَثَلًا لِلْيَهُودِ لَمَّا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِالتَّوْرَاةِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حُمِّلُوا التَّوْراةَ أَيْ كُلِّفُوا الْعَمَلَ بِهَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: هُوَ مِنَ الْحَمَالَةِ بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ، أَيْ ضَمِنُوا أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ. (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) هِيَ جَمْعُ سِفْرٍ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْكَبِيرُ، لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنِ الْمَعْنَى إِذَا قُرِئَ. قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: الْحِمَارُ لَا يَدْرِي أَسِفْرٌ عَلَى ظَهْرِهِ أَمْ زبيل، «١» فَهَكَذَا الْيَهُودُ. وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ حَمَلَ الْكِتَابَ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَعَانِيَهُ وَيَعْلَمَ مَا فِيهِ، لِئَلَّا يَلْحَقَهُ مِنَ الذَّمِّ ما لحق هؤلاء. وقال الشاعر: «٢»
(٢). هو مَرْوَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي حفصة، يهجو قوما من رواة الشعر.
زوامل للأسفار لا علم عندهم | وبجيدها إِلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ |
لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْبَعِيرُ إِذَا غَدَا | بِأَوْسَاقِهِ «١» أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ «٢» |
إِنَّ الرُّوَاةَ عَلَى جَهْلٍ بِمَا حَمَلُوا | مِثْلَ الْجِمَالِ عَلَيْهَا يُحْمَلُ الْوَدَعُ |
لَا الْوَدْعُ يَنْفَعُهُ حَمْلُ الْجِمَالِ لَهُ | وَلَا الْجِمَالُ بِحَمْلِ الْوَدْعِ تَنْتَفِعُ |
انْعِقْ بِمَا شِئْتَ تَجِدْ أنصارا | ووزم أَسْفَارًا تَجِدْ حِمَارَا |
يَحْمِلُ مَا وَضَعْتَ مِنْ أَسْفَارٍ | يَحْمِلُهُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ |
يَحْمِلُ أَسْفَارًا لَهُ وَمَا دَرَى | إِنْ كَانَ مَا فِيهَا صَوَابًا وخطاء «٣» |
إِنْ سُئِلُوا قَالُوا كَذَا رَوَيْنَا | مَا إِنْ كَذَبْنَا وَلَا اعْتَدَيْنَا |
كَبِيرُهُمْ يَصْغُرُ عِنْدَ الْحَفْلِ | لِأَنَّهُ قَلَّدَ «٤» أَهْلَ الْجَهْلِ |
وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللئيم يسبني «٥»
(بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ) الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبْنَاهُ لَهُمْ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أَيْ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يَكُونُ كافرا.
(٢). الغرائر: جمع الغرارة (بالكسر) الجوالق.
(٣). كذا في الأصول، مع هذه الزيادة التي يستقيم بها الوزن. ويحتمل أن يكون صوابه:
أكان ما فيها جمانا أو بري
والجمان (بالضم): اللؤلؤ. والبرى: التراب.
(٤). في نسخة:" قدر".
(٥). وتمامه:
فضيت ثمت قلت لا يعنيني
[سورة الجمعة (٦٢): الآيات ٦ الى ٧]
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧)لَمَّا ادَّعَتِ الْيَهُودُ الْفَضِيلَةَ وَقَالُوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: ١٨] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَلِلْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ اللَّهِ الْكَرَامَةُ. (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) لِتَصِيرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أَيْ أَسْلَفُوهُ مِنْ تَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ تَمَنَّوْهُ لَمَاتُوا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ وَمَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْوِلَايَةِ. وَفِي حَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِيٌّ إِلَّا مَاتَ). وَفِي هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْغَيْبِ، وَمُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي" الْبَقَرَةِ" فِي قَوْلُهُ تَعَالَى-: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «١» [البقرة: ٩٤].
[سورة الجمعة (٦٢): آية ٨]
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يقال: إن زيدا فمنطلق، وها هنا قَالَ: فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ «٢» لِمَا فِي مَعْنَى الَّذِي مِنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، أَيْ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ، وَيَكُونُ مُبَالَغَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْفِرَارُ مِنْهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ | وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ |
(٢). ما بين المربعين ساقط من ح، س.
ومن هاب أسباب المنايا يَنَلْنَه | ولو رام أسباب السماء بسُلَّمِ |
وكفى بالموت فاعلم واعظا | لمن الموت عليه قد قُدِرْ |
فاذكر الموت وحاذر ذكره | إن في الموت لذي اللب عِبَرْ |
كل شيء سوف يلقى حتفه | في مقام أو على ظهر سَفَرْ |
والمنايا حوله ترصده | ليس ينجيه من الموت الحَذَرْ |
وَكَفَى بِالْمَوْتِ فَاعْلَمْ وَاعِظًا | لِمَنِ الْمَوْتُ عَلَيْهِ قَدْ قُدِرْ |
فَاذْكُرِ الْمَوْتَ وَحَاذِرْ ذِكْرَهُ | إِنَّ في الموت لذي اللب عبر |
كل شي سَوْفَ يَلْقَى حَتْفَهُ | فِي مَقَامٍ أَوْ عَلَى ظَهْرِ سَفَرْ |
وَالْمَنَايَا حَوْلَهُ تَرْصُدُهُ | لَيْسَ يُنْجِيهِ من الموت الحذر |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)
فِيهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُمَا (الْجُمْعَةِ) بِإِسْكَانِ الْمِيمِ عَلَى التَّخْفِيفِ. وَهُمَا لُغَتَانِ. وَجَمْعُهُمَا جُمَعٌ وَجُمُعَاتٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ الْجُمْعَةُ (بِسُكُونِ الْمِيمِ) والْجُمُعَةِ (بِضَمِ الْمِيمِ) وَالْجَمْعَةُ (بِفَتْحِ الْمِيمِ) فَيَكُونُ صِفَةَ الْيَوْمِ، أَيْ تَجْمَعُ النَّاسَ. كَمَا يُقَالُ: ضُحَكَةٌ لِلَّذِي يَضْحَكُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّفْخِيمِ فَاقْرَءُوهَا جُمُعَةً، يَعْنِي بِضَمِ الْمِيمِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: وَالتَّخْفِيفُ أَقْيَسُ وَأَحْسَنُ، نَحْوَ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَطُرْفَةٍ وَطُرَفٍ، وَحُجْرَةٍ وَحُجَرٍ. وَفَتْحُ الْمِيمِ لُغَةُ بَنِي عَقِيلٍ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لُغَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ فِيهَا خَلْقَ آدَمَ). وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَغَ فِيهَا مِنْ خَلْقِ كل شي فَاجْتَمَعَتْ فِيهَا الْمَخْلُوقَاتُ. وَقِيلَ: لِتَجْتَمِعَ الْجَمَاعَاتُ فِيهَا. وقيل: لاجتماع الناس فيها للصلاة. ومِنْ بِمَعْنَى فِي، أَيْ فِي يَوْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ «١» [فاطر: ٤٠] أَيْ فِي الْأَرْضِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ:" أَمَّا بَعْدُ" كَعْبُ بْنُ لوي، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَمَّى الْجُمُعَةَ جُمُعَةً. وَكَانَ يُقَالُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ: الْعَرُوبَةُ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سماها جمعة الأنصار.
[آل عمران: ٣٠]. وهو الذي صدق قول، وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ، لَا خُلْفَ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «٣» [ق: ٢٩]. فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي عَاجِلِ أَمْرِكُمْ وَآجِلِهِ فِي السر والعلانية، فإنه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً «٤» [الطلاق: ٥]. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. وَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تَوَقِّي مَقْتَهُ وَتَوَقِّي عُقُوبَتَهُ وَتَوَقِّي سَخَطَهُ. وَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تُبَيِّضُ الْوُجُوهَ، وَتُرْضِي الرَّبَّ، وَتَرْفَعُ الدَّرَجَةَ. فَخُذُوا بِحَظِّكُمْ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ، فَقَدْ عَلَّمَكُمْ كِتَابَهُ، وَنَهَجَ لَكُمْ سَبِيلَهُ، لِيَعْلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَيَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ. فَأَحْسِنُوا كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاعْمَلُوا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَلَى النَّاسِ وَلَا يَقْضُونَ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (. وَأَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَهَا جُمُعَةٌ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا
:" جُوَاثِي" مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّاهَا الْجُمُعَةَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ لِاجْتِمَاعِ قُرَيْشٍ فِيهِ إلى كعب، كما تقدم. والله اعلم.
(٢). ج ٤ ص (٥٩)
(٣). ج ١٧ ص (١٧)
(٤). ص ١٦٦ من هذا الجزء.
(٢). راجع ج ٦ ص ٢٢٤ وما بعدها.
(٣). أي أول الوقت عند الزوال. وسماه ثالثا باعتبار كونه مزيدا على الأذان بين يدي الامام والإقامة للصلاة. فهو أول باعتبار الوجود، ثالث باعتبار مشروعية عثمان له باجتهاده وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار. [..... ]
(٤). الزوراء: موضع بالسوق بالمدينة، قيل إنه مرتفع كالمنارة. وقيل: حجر كبير عند باب المسجد.
«٢» [الليل: ٤]، وَقَوْلِهِ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى «٣» [النجم: ٣٩]. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ زُهَيْرٌ:
سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ «٤»
وَقَالَ أَيْضًا:
سَعَى سَاعِيًا غيظ بن مرة بعد ما | تَبَزَّلَ مَا بَيْنَ الْعَشِيرَةِ بِالدَّمِ «٥» |
(٢). راجع ج ٢٠ ص (٨٢)
(٣). راجع ج ١٧ ص (١١٤)
(٤). وعجزه:
فلم يفعلوا ولم يلاموا ولم يألوا
(٥). في شرح ديوان زهير:" الساعيان": الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، سعيا في الديات. وقيل: خارجة بن سنان والحارث بن عوف،" سعيا" أي عملا حسنا. و" غيظ بن مرة": حي من غطفان بن سعد. و" تبزل بالدم": أي تشقق. يقول: كان بينهم صلح فتشقق بالدم. يقول: سعيا بعد ما تشقق فأصلحا.
سعى ساعيا غيظ بمرة بعد ما | تَبَزَّلَ مَا بَيْنَ الْعَشِيرَةِ بِالدَّمِ |
أَسْعَى عَلَى جُلِّ بَنِي مَالِكٍ | كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ سَاعِي |
يَجْزِيهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهُ. وَهُوَ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْهَا مَعَ إِمْكَانِهِ لِذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ بِفِعْلِهِ. السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ يَخْتَصُّ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى «١» الْقَرِيبِ الَّذِي يَسْمَعُ النِّدَاءَ، فَأَمَّا الْبَعِيدُ الدَّارِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْخِطَابِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَأْتِي الْجُمْعَةَ مِنَ الدَّانِي وَالْقَاصِي، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ: تَجِبُ الْجُمْعَةُ عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: اعْتِبَارُ سَمَاعِ الْأَذَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا، «٢» وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ، وَالرِّيحُ سَاكِنَةٌ وَمَوْقِفُ الْمُؤَذِّنِ عِنْدَ سُورِ الْبَلَدِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَنْتَابُونَ «٣» الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنَ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ «٤» وَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لو اغتسلتم ليؤمكم هَذَا) قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَالصَّوْتُ إِذَا كَانَ مَنِيعًا وَالنَّاسُ فِي هُدُوءٍ وَسُكُونٍ فَأَقْصَى سَمَاعِ الصَّوْتِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ. وَالْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ). وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ، سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَلَا تَجِبْ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَإِنْ سَمِعَ النِّدَاءَ. حَتَّى سُئِلَ: وَهَلْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ زَبَارَةَ- بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكُوفَةِ مَجْرَى نَهْرٍ-؟ فَقَالَ لَا. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَيْضًا: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وَخَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مَاشِيًا أَدْرَكَ الصَّلَاةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ. الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِالنِّدَاءِ، وَالنِّدَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
(٢). رجل صيت: شديد الصوت عاليه.
(٣). أي يحضرونها نوبا. وفى رواية" يتناوبون".
(٤). في ح، ز، س" في العباء" بفتح العين المهملة والمد، جمع عباءة.
(٢). ما بين المربعين لم يرد في صحيح مسلم.
(٣). أي سواه للسجود غير مرة في الصلاة.
(٤). اللغو: الكلام المطرح الساقط. [..... ]
(٥). الحديث كما ورد في الموطإ وشرحه:" دخل رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد يوم الجمعة وعمر يخطب. فقال عمر: أية ساعة هذه؟ (إشارة إلى أن هذه الساعة ليست من ساعات الرواح إلى الجمعة لأنه وقت طويت فيه الصحف) - فقال: يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت- (اعتذار منه على أنه لم يشتغل بغير الفرض مبادرة إلى سماع الخطبة والذكر) - فقال عمر: الوضوء أَيْضًا! وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بالغسل. (معناه أنك مع ما فاتك من التهجير فاتتك فضيلة الغسل الذي قد عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر به)
(٦). في الأصول:" فأقر" بالقاف. والتصويب عن ابن العربي.
(٢). راجع ج ١٠ ص ١٦٠
[سورة الجمعة (٦٢): آية ١٠]
فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) هَذَا أَمْرُ إِبَاحَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «١» [المائدة: ٢]. يَقُولُ: إِذَا فَرَغْتُمْ مِنَ الصَّلَاةِ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِكُمْ. (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ رِزْقِهِ. وَكَانَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْتُ دعوتك، وصليت
[سورة الجمعة (٦٢): آية ١١]
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ «٢» مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ «٣» النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا- فِي رِوَايَةٍ أَنَا فِيهِمْ- فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً. فِي رِوَايَةٍ: فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الَّذِي قَدِمَ بِهَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ مِنَ الشَّامِ عِنْدَ مَجَاعَةٍ وَغَلَاءِ سِعْرٍ، وَكَانَ مَعَهُ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ مِنْ بُرٍّ وَدَقِيقٍ وَغَيْرِهِ، فَنَزَلَ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، «٤» وَضَرَبَ بِالطَّبْلِ لِيُؤْذِنَ النَّاسَ بِقُدُومِهِ، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. وَقِيلَ: أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانُوا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا، وَبَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ، حكاه الثعلبي عن ابن عباس، وذكر
(٢). العير- بكسر العين-: الإبل محمل الميرة، ثم غلب على كل قافلة. وانفئل الناس: انصرفوا.
(٣). العير- بكسر العين-: الإبل محمل الميرة، ثم غلب على كل قافلة. وانفئل الناس: انصرفوا.
(٤). أحجار الزيت: مكان في سوق المدينة.
(٢). في س، ز، ط، ل، هـ:" قدم بتجارته".
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَتِ الْجَوَارِي إِذَا نَكَحْنَ يَمْرُرْنَ «٣» بِالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا، فَنَزَلَتْ وَإِنَّمَا رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مصرف" وإذا رأوا التجار وَاللَّهْوَ انْفَضُّوا إِلَيْهَا". وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً انْفَضُّوا إِلَيْهَا، أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهِ فَحُذِفَ لِدَلَالَتِهِ. كَمَا قَالَ:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا | عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ |
(٢). راجع ج ٨ ص (٣٥)
(٣). في أ:" يزمرن". [..... ]
(٤). في بعض المصادر:" سلمان".
(٢). الهزم: ما اطمأن من الأرض. وحرة بنى بياضة: قرية على ميل من المدينة. و" بياضة": بطن من الأنصار.
(٢). هو الحكم بن عبد الله، أحد رجال سند هذا الحديث.
(٣). الزيادة عن الدارقطني.
(٢). راجع ج ١٢ ص ٣٦. وص ٢٦٥
(٢). راجع ج ١٧ ص ١
(٢). في الأصول:" لعجله آت" والتصويب عن مراسيل أبى داود.
(٢). بياض في أ. [..... ]
(٢). الكثيب: الرمل المستطيل.
(٣). راجع ج ١٧ ص ٢١
(٢). أي الطالبون وجه الله وثوابه.
سورة الجمعة
سورة (الجمعة) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات)، نزلت بعد سورة (الصَّفِّ)، وقد بدأت ببيانِ مقاصدِ البعثة النبوية، وأشارت إلى أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، ولزومِ جماعة المسلمين، وتركِ ملذَّات الدنيا وشهواتها؛ لذا جاءت بوجوب (الجُمُعة)؛ لِما في ذلك من دلالاتٍ عظيمة؛ منها: الاجتماع، والوَحْدة، والأُلْفة بين المسلمين.
ترتيبها المصحفي
62نوعها
مدنيةألفاظها
177ترتيب نزولها
110العد المدني الأول
11العد المدني الأخير
11العد البصري
11العد الكوفي
11العد الشامي
11* قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]:
عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «بَيْنما نحنُ نُصلِّي مع النبيِّ ﷺ، إذ أقبَلتْ عِيرٌ تَحمِلُ طعامًا، فالتفَتوا إليها، حتى ما بَقِيَ مع النبيِّ ﷺ إلا اثنا عشَرَ رجُلًا؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا اْنفَضُّوٓاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ} [الجمعة: 11]». أخرجه البخاري (٩٣٦).
* سورة (الجمعة):
سُمِّيت سورةُ (الجمعة) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظِ {اْلْجُمُعَةِ} فيها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ اْلْجُمُعَةِ فَاْسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ اْللَّهِ وَذَرُواْ اْلْبَيْعَۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (الجمعة) في صلاة الجمعة:
عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (٨٧٧).
1. مقاصدُ البعثة النبوية (١-٤).
2. ذكرُ حالِ اليهود مع التوراة، والردُّ عليهم (٥-٨).
3. حضور صلاة الجمعة (٩-١١).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /149).
مقصودها تأكيدُ أهميةِ الاجتماع على هذا الدِّين، والتمسُّكِ بجماعة المسلمين، ولزومها، ويَتمثَّل ذلك في الالتزام بصلاة الجمعة، وعدمِ الالتفات إلى الدنيا وشهواتها، واسمُها واضحُ الدلالة على هذا المقصد.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /84)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /206).