تفسير سورة نوح

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة نوح من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا أقسم على قدرته على إهلاكهم وتبديل خير منهم بَيَّن أنه فعل كذلك بمن كانت أقوى منهم، وهم قوم نوح، فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ ﴾: أي: بإنذارهم ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي: الطوفان ﴿ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ ﴾ بأن ﴿ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴾: فسر في الشعراء ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ﴾ أي: بعض ﴿ ذُنُوبِكُمْ ﴾: فإن حق العباد يبقى ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾: هو أقصى ما قدر لكم بشرط الطاعة، فلا ينافيه ﴿ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ ﴾: أي: الذي قدره ﴿ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ ﴾: أو معناه إلى أجل مسمى عندكم تعرفونه وقيل: بلا غَرقٍ وَقتْلٍ: ونحوه ﴿ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: أي: من أهل العلم لعلمتموه ﴿ قَالَ ﴾: بعد يَأْسه: ﴿ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ﴾: أي: دائما ﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً ﴾: عن الحق ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ ﴾: لئلا يسمعونها ﴿ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ ﴾: تغطوا بها توثيقا لسد آذانهم ﴿ وَأَصَرُّواْ ﴾: على ضلالهم ﴿ وَٱسْتَكْبَرُواْ ﴾: عن ابتاعي ﴿ ٱسْتِكْبَاراً ﴾: عظيما ﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ﴾: بعد الإسرار ﴿ ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ﴾: يعني مرة بعد أخرى بأي وجه أمكننى وثم لتفاوت الوجوه ﴿ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾: بالتوبة عن الكفر ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ ﴾: أي: ماءَها ﴿ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً ﴾: كثر الدَّرِّ ﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ﴾: بساتين ﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾: فإنهم لما كذبوه حبس مطرهم وأعمقت نساؤهم إلا بالبنات أربعين سنة ﴿ مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ ﴾ تعتقدون ﴿ لِلَّهِ وَقَاراً ﴾ عظمة فتتركون عصيانه ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ﴾: أحوالا عناصر ثم مركبا يَتغَذّى ثم نطفا، ثم وثم ﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً ﴾: كما مر ﴿ وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ﴾: لأنه في إحداهن، أو أحد وجهيه يضئ الأرض، والآخر يضئ السماء ﴿ وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً ﴾: يزيل ظلمة الليل، وفيه إشارة إلى أن نوره منها ﴿ وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ ﴾: أنشأ أصلكم ﴿ مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾: فَينْبتكم ﴿ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ﴾: بالإفناء ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾: بالبعث ﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً ﴾: مبسوطة ﴿ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً ﴾: طرقا ﴿ فِجَاجاً ﴾: واسعةً ﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ ﴾: بفتح واوه ظاهر، وأما بضم واوه وسكون لامه فجمع أو لغة فيه ﴿ إِلاَّ خَسَاراً ﴾: يعني رؤساؤهم المغتربين بهما ﴿ وَمَكَرُواْ ﴾: أي: الرؤساء ﴿ مَكْراً كُبَّاراً ﴾: مبالغة كبيرا بالتخفيف، وهو إغراؤهم الناس على إيذا نوح عليه الصلاة والسلام ﴿ وَقَالُواْ ﴾: لسفلتهم ﴿ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ﴾: بالعبادة ﴿ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ﴾: أصنامكم على صور رجال صالحين، بين آدم ونوح خصوها لمزيد اعتنائهم بها ﴿ وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً ﴾: من الخلق بذلك ﴿ وَ ﴾ قال رب: ﴿ لاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً ﴾ إلاَّ ضياعاً وهلاكاً أو نحو:﴿ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾[يونس: ٨٨]، وقد مر بيانه ﴿ مِّمَّا ﴾: صلة، أي: نم أجل ﴿ خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً ﴾: في قبورهم أو جهنم ﴿ فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً ﴾: بمنعونهم العذاب ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾: أحَداً يدور في الأرض، أو نازل دار، أصله دَيْوَار ﴿ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً ﴾ عرفَ ذلك بالوحي أو لما جربهم ألفا إلا خمسين عاما ﴿ رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ ﴾: منزلي أو مسجدي أو سفيننتي ﴿ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾: إلى القيامة ﴿ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً ﴾: أي: هلاكا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
سورة نوح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (نوح) من السُّوَر المكية، وقد جاءت على ذكرِ قصة (نوح) مع قومه، وما عاناه في طريق الدعوة إلى الله من عنادهم وتكبُّرهم، مع بيانِ موقف الكافرين ومآلهم، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، وتحذيرٌ للكافرين أن يُنزِلَ الله بهم ما أنزله بقوم (نوح) عليه السلام، كما ثبَّتتِ السورةُ كلَّ من هو على طريق الدعوة إلى الله؛ ليكون (نوح) أسوةً له بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
71
نوعها
مكية
ألفاظها
227
ترتيب نزولها
71
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
28
العد الشامي
29

* سورة (نوح):

سُمِّيت سورة (نوح) بهذا الاسم؛ لورود قصةِ نوح عليه السَّلام فيها.

1. نوح عليه السلام يدعو قومه (١-٢٠).

2. موقف الكافرين ومآلهم (٢١-٢٧).

3. الخاتمة (٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /367).

يقول ابن عاشور رحمه الله: «أعظمُ مقاصدِ السورة ضربُ المثَلِ للمشركين بقوم نوح، وهم أول المشركين الذين سُلِّط عليهم عقابٌ في الدنيا، وهو أعظم عقابٍ؛ أعني: الطوفان.

وفي ذلك تمثيلٌ لحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بحالهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /186).