تفسير سورة نوح

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة نوح من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا﴾ بعثنَا ﴿نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ﴾ خوف ﴿قَوْمَكَ﴾ من السخط وَالْعَذَاب ﴿مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع وَهُوَ الْغَرق فَلَمَّا جَاءَهُم
﴿قَالَ يَا قوم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ﴾ رَسُول مخوف ﴿مُّبِينٌ﴾ بلغَة تعلمونها
﴿أَنِ اعبدوا الله﴾ وحدوا الله ﴿واتقوه﴾ اخشوه وتوبوا من الْكفْر والشرك ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ اتبعُوا امري وديني ووصيتي واقبلوا نصيحتي
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ يغْفر ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ والتوحيد ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ﴾ يؤجلكم بِلَا عَذَاب ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ إِلَى الْمَوْت ﴿إِنَّ أَجَلَ الله﴾ عَذَاب الله ﴿إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ﴾ لَا يُؤَجل ﴿لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ تصدقُونَ بِمَا أَقُول لكم فَلَمَّا أيس مِنْهُم بعد مَا دعاهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمنُوا وَلم يقبلُوا نصيحته
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي﴾ إِلَى التَّوْبَة والتوحيد ﴿لَيْلاً وَنَهَاراً﴾ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار
﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي﴾ إيَّاهُم إِلَى التَّوْبَة والتوحيد ﴿إِلاَّ فِرَاراً﴾ تباعداً عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة
﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ﴾ إِلَى التَّوْبَة والتوحيد ﴿لِتَغْفِرَ لَهُمْ﴾ بِالتَّوْبَةِ والتوحيد ﴿جعلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ لكَي لَا يسمعوا كَلَامي ودعوتي ﴿واستغشوا ثِيَابَهُمْ﴾ غطوا رُءُوسهم بثيابهم لكَي لَا يسمعوا صوتي وَلَا يروني
486
﴿وَأَصَرُّواْ﴾ أَقَامُوا وَسَكنُوا على الْكفْر وَعبادَة الْأَوْثَان وَيُقَال صاحوا جَمِيعًا أَن لَا نؤمن بك يَا نوح ﴿واستكبروا﴾ عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة ﴿استكبارا﴾ تجبرا
487
﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ﴾ إِلَى التَّوْبَة والتوحيد ﴿جِهَاراً﴾ عَلَانيَة بِغَيْر سر
﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ﴾ أظهرت لَهُم دَعْوَتِي وأوضحت لَهُم ﴿وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾ دعوتهم فِي السِّرّ خُفْيَة
﴿فَقُلْتُ﴾ لَهُم ﴿اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ﴾ وحدوا ربكُم بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر والشرك ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً﴾ لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِهِ
﴿يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً﴾ مطر دَائِما دريراً كلما تحتاجون إِلَيْهِ فَكَانَ قد حبس الله عَنْهُم الْمَطَر أَرْبَعِينَ سنة
﴿ويمددكم بأموال وبنين﴾ يعطكم أَمْوَالًا إبِلا وبقراً وَغنما وبنين الذُّكُور وَالْإِنَاث وَقد كَانَ الله قطع نسل دوابهم وَنِسَائِهِمْ أَرْبَعِينَ سنة ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾ تجْرِي لمنافعكم وَقد كَانَ الله أهلك جناتهم وأيبس أنهارهم قبل ذَلِك بِأَرْبَعِينَ سنة
﴿مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ لَا تخافون لله عَظمَة وسلطانا وَيُقَال مالكم لَا تعظمون الله حق عَظمته فتوحدونه
﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ أصنافاً حَالا بعد حَال النُّطْفَة والعلقة والمضغة وَالْعِظَام
﴿أَلَمْ تَرَوْاْ﴾ ألم تخبروا يَا كفار مَكَّة ﴿كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾ بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة ملتزقة أطرافها
﴿وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ﴾ مَعَهُنَّ ﴿نُوراً﴾ مضيئاً ﴿وَجَعَلَ الشَّمْس سِرَاجاً﴾ ضِيَاء لبني آدم
﴿وَالله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْض نَبَاتاً﴾ خَلقكُم من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض
﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا﴾ يقبركم فِي الأَرْض ﴿وَيُخْرِجُكُمْ﴾ من الْقُبُور يَوْم الْقِيَامَة ﴿إِخْرَاجاً﴾
﴿وَالله جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض بِسَاطاً﴾ فراشا ومناماً
﴿لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا﴾ لِتَأْخُذُوا فِيهَا ﴿سُبُلاً فِجَاجاً﴾ طرقاً وَاسِعَة
﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ﴾ يَا رب ﴿إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾ فِيمَا أَمرتهم من التَّوْبَة والتوحيد ﴿وَاتبعُوا﴾ أطاعوا ﴿مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ﴾ كَثْرَة مَاله ﴿وَوَلَدُهُ﴾ كَثْرَة أَوْلَاده ﴿إِلاَّ خَسَاراً﴾ غبناً فِي الْآخِرَة وهم الرؤساء
﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً﴾ وَقَالُوا قولا عَظِيما من الْفِرْيَة
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي الرؤساء للسفلة ﴿لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ عبَادَة آلِهَتكُم ﴿وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً﴾ عبَادَة الود ﴿وَلَا سواعا﴾ وَلَا عبَادَة السواع ﴿وَلاَ يَغُوثَ﴾ وَلَا عبَادَة اليغوث ﴿وَيَعُوقَ﴾ وَلَا عبَادَة اليعوق ﴿وَنَسْراً﴾ وَلَا عبَادَة النسْر وكل هَؤُلَاءِ آلِهَتهم الَّتِي كَانُوا يعبدونها
﴿وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً﴾ يَقُول قد أَضَلُّوا بِهن كثيرا من النَّاس وَيُقَال ضل بِهن كثير من النَّاس ﴿وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمين﴾ الْكَافرين الْمُشْركين بِعبَادة الْأَوْثَان ﴿إِلاَّ ضَلاَلاً﴾ خساراً وضلالة وهلاكاً
﴿مِمَّا خطيئاتهم﴾ يَقُول بخطيئاتهم ﴿أُغْرِقُواْ﴾ بالطوفان فِي الدُّنْيَا ﴿فَأُدْخِلُواْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿أَنصَاراً﴾ أعواناً يمْنَعُونَ عَذَاب الله عَنْهُم
﴿وَقَالَ نُوحٌ﴾ بعد مَا قَالَ لَهُ ربه أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن ﴿رَّبِّ﴾ يَا رب ﴿لاَ تَذَرْ﴾ لاتترك ﴿عَلَى الأَرْض مِنَ الْكَافرين دَيَّاراً﴾ أحدا
﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ﴾ تتركهم ﴿يُضِلُّواْ عِبَادَكَ﴾ عَن دينك من آمن بك وَمن أَرَادَ أَن يُؤمن بك ﴿وَلاَ يلدوا﴾ لَا يلد مِنْهُم ﴿إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾ إِلَّا من يكون فَاجِرًا كَافِرًا بعد الْإِدْرَاك وَيُقَال إِلَّا من قدرت عَلَيْهِ الْكفْر والفجور بعد الْبلُوغ وَيُقَال لم يكن فيهم صبي لِأَن الله قد حبس عَنْهُم الْوَلَد أَرْبَعِينَ سنة فَلم يكن فيهم غير مدرك وَلم يُولد فيهم أَرْبَعِينَ سنة وَكلهمْ كَانُوا مدركين فجارا كفَّارًا
﴿رَّبِّ﴾ يَا رب ﴿اغْفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ لآبائي الْمُؤمنِينَ ﴿وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ﴾ ديني وَيُقَال مَسْجِدي وَيُقَال سفينى
487
﴿مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين من الرِّجَال ﴿وَالْمُؤْمِنَات﴾ المصدقات من النِّسَاء بِالْإِيمَان الَّذين يكونُونَ من بعدِي ﴿وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمين﴾ الْكَافرين الْمُشْركين ﴿إِلاَّ تَبَاراً﴾ خساراً وهلاكاً كخسار من أُوحِي إِلَى نَبِيّهم فَلم يُؤمنُوا بِهِ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْجِنّ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ وكلماتها مِائَتَان وَخمْس وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وَسَبْعُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
488
سورة نوح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (نوح) من السُّوَر المكية، وقد جاءت على ذكرِ قصة (نوح) مع قومه، وما عاناه في طريق الدعوة إلى الله من عنادهم وتكبُّرهم، مع بيانِ موقف الكافرين ومآلهم، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، وتحذيرٌ للكافرين أن يُنزِلَ الله بهم ما أنزله بقوم (نوح) عليه السلام، كما ثبَّتتِ السورةُ كلَّ من هو على طريق الدعوة إلى الله؛ ليكون (نوح) أسوةً له بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
71
نوعها
مكية
ألفاظها
227
ترتيب نزولها
71
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
28
العد الشامي
29

* سورة (نوح):

سُمِّيت سورة (نوح) بهذا الاسم؛ لورود قصةِ نوح عليه السَّلام فيها.

1. نوح عليه السلام يدعو قومه (١-٢٠).

2. موقف الكافرين ومآلهم (٢١-٢٧).

3. الخاتمة (٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /367).

يقول ابن عاشور رحمه الله: «أعظمُ مقاصدِ السورة ضربُ المثَلِ للمشركين بقوم نوح، وهم أول المشركين الذين سُلِّط عليهم عقابٌ في الدنيا، وهو أعظم عقابٍ؛ أعني: الطوفان.

وفي ذلك تمثيلٌ لحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بحالهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /186).