surah.tafsir

لطائف الإشارات

surah.tafsir من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات.
لمؤلفه . المتوفي سنة 465 هـ

سورة نوح
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» «بِسْمِ اللَّهِ» اسم لمن قامت السماوات والأرض بقدرته، واستقامت الأسرار والقلوب بنصرته.. دلّت الأفعال على جلال شانه، وذلّت الرّقاب عند شهود سلطانه. أشرقت الأقطار بنوره في العقبى، وأشرقت الأسرار بظهوره في الدنيا، فهو المقدّس بالوصف الأعلى.
قوله جل ذكره:
[سورة نوح (٧١) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢)
أرسلنا نوحا بالنبوّة والرسالة. «أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ» أي بأن أنذرهم وإرسال الرّسل من الله فضل «١»، وله بحق ملكه أن يفعل ما أراد، ولم يجب عليه إرسال الرّسل لأن حقيقته لا تقبل الوجوب.
وإرسال الرسل إلى من علم أنه لا يقبل جائز «٢»، وتكليفهم من ناحية العقل جائز «٣» فنوح- علم منهم أنهم لا يقبلون.. ومع ذلك بلّغ الرسالة وقال لهم: إنى لكم نذير مبين:
[سورة نوح (٧١) : الآيات ٤ الى ٧]
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧)
(١) فى النسختين (فعل) وهي صواب بدليل قوله فيما بعد: (أن يفعل) ما أراد ولكننا رجحنا (فضل) لأن القشيري يستحسن استعمال (الفضل) عند ما يتحدث عن نفى (الوجوب) على الله.
(٢) كى يكون ذلك عليهم حجة، قال تعالى: «رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ».
(٣) ولكن لا عقاب إلا بعد إرسال الرسل لأن العقل وحده غير كاف في قطع المعذرة (قارن ذلك بآراء المعتزلة). [.....]
يغفر لكم «مِنْ» ذنوبكم: من هنا للجنس لا للتبعيض كقوله تعالى:
«فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ».
ويقال: ما عملوه دون ما هو معلوم أنهم سيفعلونه لأنه لو أخبرهم بأنه غفر لهم ذلك كان إغراء لهم.. وذلك لا يجوز. فأبوا أن يقبلوا منه، فقال:
«قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» بيّن أنّ الهداية ليست إليه، وقال: إن أردت إيمانهم فقلوبهم بقدرتك- سبحانك.
قوله جل ذكره: «وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً» وإنّى ما ازددت لهم دعاء إلا ازدادوا إصرارا واستكبارا.
ويقال: لمّا دام بينهم إصرارهم تولّد من الإصرار استكبارهم، قال تعالى:
«فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ» «١» قوله جل ذكره:
[سورة نوح (٧١) : الآيات ٨ الى ١١]
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١)
(١) آية ١٦ سورة الحديد.
ليعلم العالمون: أنّ الاستغفار قرع أبواب النعمة، فمن وقعت له إلى الله حاجة فلن يصل إلى مراده إلّا بتقديم الاستغفار.
ويقال: من أراد التّفضّل فعليه بالعذر والتنصّل.
قوله: «يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ... » : كان نوح عليه السلام كلّما ازداد في بيان وجوه الخير والإحسان زادوا هم في الكفر والنسيان.
قوله جل ذكره:
[سورة نوح (٧١) : آية ١٣]
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣)
ما لكم لا تخافون لله عظمة؟ وما لكم لا ترجون ولا تؤمّلون على توقيركم للأمر من الله لطفا ونعمة؟.
[سورة نوح (٧١) : الآيات ١٥ الى ٢١]
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩)
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠) قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١)
ثم نبّههم إلى خلق السماوات والأرض وما فيهما من الدلالات على أنها مخلوقة، وعلى أنّ خالقها يستحقّ صفات العلوّ والعزّة.
ثم شكا نوح إلى الله وقال:
[سورة نوح (٧١) : آية ٢٢]
وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢)
يعنى كبراءهم وأغنياءهم الذين ضلّوا في الدنيا وهلكوا في الآخرة.
[سورة نوح (٧١) : آية ٢٦]
وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦)
وذلك بتعريف الله تعالى إيّاه أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن. فاستجاب الله فيهم دعاءه وأهلكهم.
سورة نوح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (نوح) من السُّوَر المكية، وقد جاءت على ذكرِ قصة (نوح) مع قومه، وما عاناه في طريق الدعوة إلى الله من عنادهم وتكبُّرهم، مع بيانِ موقف الكافرين ومآلهم، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، وتحذيرٌ للكافرين أن يُنزِلَ الله بهم ما أنزله بقوم (نوح) عليه السلام، كما ثبَّتتِ السورةُ كلَّ من هو على طريق الدعوة إلى الله؛ ليكون (نوح) أسوةً له بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
71
نوعها
مكية
ألفاظها
227
ترتيب نزولها
71
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
28
العد الشامي
29

* سورة (نوح):

سُمِّيت سورة (نوح) بهذا الاسم؛ لورود قصةِ نوح عليه السَّلام فيها.

1. نوح عليه السلام يدعو قومه (١-٢٠).

2. موقف الكافرين ومآلهم (٢١-٢٧).

3. الخاتمة (٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /367).

يقول ابن عاشور رحمه الله: «أعظمُ مقاصدِ السورة ضربُ المثَلِ للمشركين بقوم نوح، وهم أول المشركين الذين سُلِّط عليهم عقابٌ في الدنيا، وهو أعظم عقابٍ؛ أعني: الطوفان.

وفي ذلك تمثيلٌ لحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بحالهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /186).