تفسير سورة نوح

معاني القرآن

تفسير سورة سورة نوح من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ ﴾.
أي : أرسلناه بالإنذار. ( أن ) : في موضع نصب ؛ لأنك أسقطت منها الخافض. ولو كانت إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أنذر قومك بغير أن ؛ لأن الإرسال قول في الأصل، وهي، في قراءة عبد الله كذلك بغير أن.
وقوله :﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾.
مسمّى عندكم تعرفونه لا يميتكم غرقا ولا حرقا ولا قتلا، وليس في هذا حجة لأهل القدر لأنه إنما أراد مسمّى عندكم، ومثله :﴿ وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عليه ﴾ عندكم في معرفتكم.
وقوله :﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾.
من قد تكون لجميع ما وقعت عليه، ولبعضه. فأما البعض فقولك : اشتريت من عبيدك، وأما الجميع فقولك : رَوِيت من مائك، فإذا كانت في موضع جمع فكأنّ مِنْ : عن ؛ كما تقول : اشتكيت من ماء شربته، وعن ماء شربته كأنه في الكلام : يغفر لكم عن أذنابكم، ومن أذنابكم.
وقوله :﴿ لَيْلاً وَنَهاراً ﴾.
أي : دعوتهم بكل جهة سرًّا وعلانية.
وقوله :﴿ وَأَصَرُّواْ ﴾.
أي : سكتوا على شركهم، ﴿ وَاسْتَكْبَرُواْ ﴾ عن الإيمان.
وقوله :﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾.
كانت السنون الشدائد قد ألحّت عليهم، وذهبت بأموالهم لانقطاع المطر عنهم، وانقطع الولد من نسائهم، فقال :﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾.
وقوله :﴿ ما لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ﴾. أي : لا تخافون لله عظمة.
وقوله :﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ﴾.
نطفةً، ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم عظما.
وقوله :﴿ سَبْعَ سَماوَاتٍ طِبَاقاً ﴾.
إن شئت نصبت الطباق [ ٢١٧/ب ] على الفعل أي : خلقهن مطابِقاتٍ، وإن شئت جعلته من نعت السّبع لا على الفعل، ولو كان سبع سمواتٍ طباقٍ بالخفض كان وجها جيداً كما تقرأ :«ثِيابُ سُنْدسٍ خُضْرٍ »، و«خضرٌ ».
وقوله :﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ﴾.
ذكر : أن الشمس يضيء ظهرُها لما يليها من السموات، ووجهها يضيء لأهل الأرض. وكذلك القمر، والمعنى : جعلَ الشمس والقمر نوراً في السماوات والأرض.
وقوله :﴿ سُبُلاً فِجَاجاً ﴾.
طرقاً، واحدها : فج، وهي الطرق الواسعة.
[ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد ] حدثنا الفراء قال : حدثني هشيم عن مغيرة عن إِبراهيم أنه قرأ :﴿ مالُهُ وَوُلْدُهُ ﴾.
وقوله :﴿ وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً ﴾.
الكُبَّار : الكبير، والعرب تقول كُباَر.
ويقولون : رجل حُسَّان جُمَّال بالتشديد. وحُسَان جُمال بالتخفيف في كثير من أشباهه.
وقوله :﴿ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً ﴾.
هذه آلهة كان إبليس جعلها لهم. وقد اختلف القراء في وَدَّ، فقرأَ أهل المدينة :( وُدًّا ) بالضم، وقرأ الأعمش وعاصم :( وَدًّا ) بالفتح.
ولم يجروا :( يَغُوثَ، ويَعُوقَ ) ؛ لأن فيها ياء زائدة. وما كان من الأسماء معرفة فيه ياء أو تاء أو ألف فلا يُجرى. من ذلك : يَملِك، ويزيد، ويعمَر، وتغلب، وأحمد. هذه لا تُجرى لما زاد فيها. ولو أجريت لكثرة التسمية كان صوابا، ولو أجريت أيضا كأنه يُنْوىَ به النكرةُ كان أيضا صوابا.
وهي في قراءة عبد الله :«ولا تَذَرُنَّ وَدَّا ولا سُواعاً ويَغوثاً ويَعَوقاً ونَسْراً » بالألف.
﴿ وقَدْ أَضَلُّوا كثيرا ﴾ يقول : هذه الأصنام قد ضّل بها قوم كثير. ولو قيل : وقد أضلّت كثيرا، أو أضللن : كان صوابا.
وقوله :﴿ مِّما خَطِيئَاتِهِمْ ﴾.
العرب تجعل ( ما ) صلة فيما ينوي به مذهب الجزاء، كأنك قلت : من خطيئاتهم ما أغرقوا وكذلك رأيتُها في مصحف عبد الله، فتأخرها دليل على مذهب الجزاء، ومثلها في مصحف عبد الله :﴿ أي الأجَلَيْنِ ما قضيتُ فلا عُدْوانَ على ﴾ ألا ترى أنك تقول : حيثما تكن أكن، ومهما تقل أقلْ. ومن ذلك :﴿ أَيًّا ما تَدْعُو فَلَه الأَسْماء الحسنى ﴾ وصل الجزاء بما، فإذا كان استفهاما لمْ يصلوه بما ؛ يقولون : كيف تصنع ؟ وأين تذهب ؟ إذا كان استفهاماً لم يوصل بما، وإذا كان جزاء وُصِل وتُرِك الوصل.
وقَوله :﴿ دَيَّاراً ﴾.
وهو من دُرت، ولكنه فيْعال من الدوران، كما قرأ عمر بن الخطاب ﴿ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيّامُ ﴾، وهو مِن قمتُ.
وقوله :﴿ إِلاَّ تَبَاراً ﴾ : ضلالا.
سورة نوح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (نوح) من السُّوَر المكية، وقد جاءت على ذكرِ قصة (نوح) مع قومه، وما عاناه في طريق الدعوة إلى الله من عنادهم وتكبُّرهم، مع بيانِ موقف الكافرين ومآلهم، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، وتحذيرٌ للكافرين أن يُنزِلَ الله بهم ما أنزله بقوم (نوح) عليه السلام، كما ثبَّتتِ السورةُ كلَّ من هو على طريق الدعوة إلى الله؛ ليكون (نوح) أسوةً له بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
71
نوعها
مكية
ألفاظها
227
ترتيب نزولها
71
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
28
العد الشامي
29

* سورة (نوح):

سُمِّيت سورة (نوح) بهذا الاسم؛ لورود قصةِ نوح عليه السَّلام فيها.

1. نوح عليه السلام يدعو قومه (١-٢٠).

2. موقف الكافرين ومآلهم (٢١-٢٧).

3. الخاتمة (٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /367).

يقول ابن عاشور رحمه الله: «أعظمُ مقاصدِ السورة ضربُ المثَلِ للمشركين بقوم نوح، وهم أول المشركين الذين سُلِّط عليهم عقابٌ في الدنيا، وهو أعظم عقابٍ؛ أعني: الطوفان.

وفي ذلك تمثيلٌ لحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بحالهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /186).