تفسير سورة المزّمّل

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة المزمل من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة المزمل وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿يَا أَيهَا المزمل﴾ يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُزَّمِّلُ هُوَ: المتزَمَّل بِثِيَابِهِ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: تَزَمَّلَ فلانٌ إِذَا تلفَّف بِثِيَابِهِ وَكُلُّ شيءٍ لُفِّفَ فَقَدْ زُمَّل، وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَقُولُ لِلنَّبِيِّ: يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّلُ بِثِيَابِهِ يَعْنِي: يلبسهَا للصَّلَاة.
﴿قُم اللَّيْل إلاقليلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَو زد عَلَيْهِ﴾.
قَالَ محمدٌ: (نِصْفَهُ)؛ أَيْ: قُمْ نصفه.
﴿ورتل الْقُرْآن ترتيلا﴾ أَي: ترسَّل فِيهِ ترسُّلا
﴿ نصفه أو انقص منه قليلا( ٣ ) ﴾ قال محمد :( نصفه ) ؛ أي : قم نصفه.
﴿ أو زد عليه ﴾ ﴿ ورتل القرآن ترتيلا( ٤ ) ﴾ أي : ترسل فيه ترسلا.
﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: فَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ وَالْعَمَل بِهِ
﴿إِن ناشئة اللَّيْل﴾ قِيَامَ اللَّيْلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهِيَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ، فَإِذَا قَامَ الرَّجُلَ قَالُوا: قَدْ
49
نَشَأَ فُلانٌ. قَالَ قَتَادَةُ: وَمَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ ناشئة اللَّيْل ﴿هِيَ أَشد وطئا﴾ وَهِيَ تُقْرَأُ ((وَطْأ)) مَفْتُوحَةَ الْوَاوِ مَقْصُورَةً، وَوِطَاءً مَكْسُورَةَ الْوَاوِ مَمْدُودَةً، فَمن قَرَأَهَا ﴿وطئا﴾ بِفَتْحِ الْوَاوِ، فَتَفْسِيرُهَا عِنْدَ قَتَادَةَ أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ فَتَفْسِيرُهَا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشَدُّ مُوَاطَأَةٍ لِلْقَلْبِ لِفَرَاغِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَهْدَأُ فِي اللَّيْلِ.
قَالَ محمدٌ: وِطَاء مصدَر وَاطَأْتُ، وَأَرَادَ مُواطأة الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ عَلَى الْفَهْمِ لِلْقُرْآنِ وَالْأَحْكَامِ لِتَأْوِيلِهِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ يَحْيَى.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقْوَمُ قيلا﴾ أَيْ أَصْدَقُ فِي التِّلاوَةِ وأجدرُ أَلَّا يُلبِس عَلَيْكَ الشَّيْطَانُ تِلاوَتَكَ
50
﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا﴾ أَي: فراغاً ﴿طَويلا﴾ لحوائجك
﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تبتيلا﴾ أخْلص لَهُ إخلاصًا.
﴿رب الْمشرق وَالْمغْرب﴾ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمَغْرِبِهَا ﴿فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾
﴿واصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ مَا يَقُولُ لَكَ الْمُشْرِكُونَ، وَهِيَ مَنْسُوخَة نسختها الْقِتَال.
﴿وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة﴾ فِي الدُّنْيَا فَسَأُعَذِّبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا وعيدٌ؛ يقالُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي الْمُغِيرَةِ، وَكَانُوا نَاعِمِينَ ذَوِي غِنًى.
قَالَ محمدٌ: النِّعْمَةُ: التنعُّمُ، والنِّعمة اليِدُ الْجَمِيلَةُ وَالصُّنْعُ مِنَ اللَّهِ لِلْإِنْسَانِ
50
﴿ومهلهم قَلِيلا﴾ أَيْ: أَنَّ بَقَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا قَلِيلٌ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ
51
﴿إِن لدينا﴾ عندنَا ﴿أَنْكَالًا﴾ وَهِيَ الْقُيُودَ.
قَالَ محمدٌ: وَاحِدُهَا نِكْلٌ.
﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّة﴾ تغصُّ بِهِ الحلوق. تَفْسِير سُورَة المزمل من آيه (١٤ - ١٩)
﴿يَوْم ترجف الأَرْض﴾ أَيْ: ذَلِكَ لَهُمْ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْض تتزلزل ﴿وَالْجِبَال وَكَانَت﴾ أَيْ: وَصَارَتْ؛ يَعْنِي: ﴿الْجِبَالُ كَثِيبًا﴾ أَي: رملاً ﴿مهيلا﴾ أَي: سَائِلًا
﴿فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وبيلا﴾ شَدِيدًا.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: اسْتَوْبَلَتِ الْبَلَد، وَيُقَال: كَلأ مٌ سْتَوْبَلٌ؛ أَي: لَا يُسْتمرأ.
﴿يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيبا﴾ أَيْ: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يُجْعل الْوَلْدَانُ فِيهِ شِيبًا؟: أَيْ: إِنْ كَفَرْتُمْ لَمْ تَتَّقُوهُ.
﴿السَّمَاء منفطر بِهِ﴾ أَيْ: منشقٌّ فِيهِ.
قَالَ محمدٌ: قَوْله: (السَّمَاء منفطرٌ بِهِ) أَيْ: ذَاتُ انْفِطَارٍ؛ كَمَا تَقُولُ: امرأةٌ مُرْضِعٌ أَيْ: ذاتُ رَضَاعٍ.
﴿إِن هَذِه تذكرة﴾ أَي: أَن هَذِهِ السُّورَةُ تَذْكِرَةٌ لِلْآخَرَةِ ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا﴾ وطاعته. تَفْسِير سُورَة المزمل آيَة (٢٠)
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى﴾ أَقَلَّ ﴿مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ اللَّيْل ﴿فَتَابَ عَلَيْكُم﴾ تَفْسِير (ل ٣٧٧) قَتَادَةَ: كَانَ الْفَرْضُ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أوّل هَذِه السُّورَة ﴿يَا أَيهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَو زد عَلَيْهِ﴾ فَقَامَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ؛ وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَي عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَنْزَلَ ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثلثه﴾ وبعضعم يقْرؤهَا ﴿وَثلثه﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تطوُّعًا ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هَذَا فِي التطوَّع ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا﴾.
52
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: تَجِدُوهُ خَيْرًا لَكُمْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَدَخَلَتْ (هُوَ) فَصْلاً. ﴿وَأعظم أجرا﴾ أَيْ: يُثِيبُكُمْ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لِمَنْ آمَنَ.
53
تَفْسِيرُ سُورَةِ المِّدثر وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة المدثر من آيه (١ - ١٠)
54
سورة المزمل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُزمِّل) سورة مكية، نزلت بعد سورة (القلم)، وقد ابتدأت بملاطفةِ النبي صلى الله عليه وسلم بوصفِه بـ(المُزمِّل)، وتثبيتِه وتهيئته لحَمْلِ هذه الدعوةِ العظيمة؛ بأن يَتجرَّدَ لله، ويُحسِنَ التوكل عليه، لا سيما في قيامه الليل، وكما أرشدت النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى بَدْءِ الدعوة، فإنها جاءت بتهديدِ الكفار ووعيدهم.

ترتيبها المصحفي
73
نوعها
مكية
ألفاظها
200
ترتيب نزولها
3
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
18
العد البصري
19
العد الكوفي
20
العد الشامي
20

* كان بين نزولِ أول (المُزمِّلِ) وآخرِها سنةٌ:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ أوَّلُ المُزمِّلِ، كانوا يقومون نحوًا مِن قيامِهم في شهرِ رمضانَ، حتى نزَلَ آخِرُها، وكان بَيْنَ أوَّلِها وآخِرِها سنةٌ». أخرجه أبو داود (١٣٠٥).

* (المُزمِّل):

سُمِّيت سورة (المُزمِّل) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بوصفِ النبي صلى الله عليه وسلم بـ(المُزمِّل)؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1].

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد الكفار وتوعُّدُهم (١١-١٩).

3. تذكيرٌ وإرشاد بأنواع الهداية (٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /430).

مقصدُ السورة ملاطفةُ النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه بـ(المُزمِّل)، وتثبيتُه على حَمْلِ رسالة هذا الدِّين؛ بالالتزام بمحاسنِ الأعمال، ولا سيما الصلاة في جوف الليل؛ ليَتجرَّدَ لله، ويُحسِنَ الالتجاء إليه؛ ليُكمِل تبيلغَ هذه الرسالة الثقيلة العظيمة، التي يَخِفُّ حَمْلُها بحُسْنِ التوكل على الله.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /131)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /255).