تفسير سورة التين

الدر المصون

تفسير سورة سورة التين من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون.
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ : الطُّور جَبَلٌ. وسينين: اسم مكانٍ فأُضيف الجبل للمكان الذي هو به. قال الزمخشري: «ونحو سِينون يَبْرُوْن في جواز الإِعرابِ بالواو والياء والإِقرارِ على الياءِ وتحريكِ النونِ بحركات الإِعراب» وقال أبو البقاء: «هو لغةٌ في سَيْناء» انتهى. وقرأ العامَّةُ بكسرِ السين. وابنُ أبي إسحاق وعمرو بن ميمون وأبو رجاءٍ بفتحها، وهي لغةُ بكرٍ وتميم. وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله والحسن وطلحة «سِيْناءَ» بالكسر، والمد، وعمرُ أيضاً وزيدُ بن علي بفتحِها والمدِّ، وقد ذُكِرا في المؤمنين، وهذه لغاتٌ اختلفَتْ في هذا الاسمِ السُّرْيانيِّ على عادةِ العرب في تلاعُبها بالأسماء الأعجميةِ. وقال الأخفش: «سينين شجرٌ، الواحدةُ سِيْنِية» وهو غريبٌ جداً غيرُ معروفٍ عن أهلِ التفسير.
قوله: ﴿الأمين﴾ : هذا فَعيل للمبالغةِ، أي: أمِنَ مَنْ فيه، ومَنْ دخله مِنْ إنسِيّ وطيرٍ وحيوانٍ، ويجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ أَمُنَ الرجلُ بضمِ الميم أمانةً فهو أمينٌ، وأمانتُه. حِفْظُه مَنْ دَخَله كما يَحْفَظُ الأمينُ ما يُؤْتَمَنُ عليه. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى مَفْعول، مِنْ أَمِنَة لأنه مأمونُ الغَوائل.
قوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا﴾ : هذا هو المُقْسَمُ عليه.
قوله: ﴿في أَحْسَنِ تَقْوِيم﴾ صفةٌ لمحذوفٍ، أي: في تقويمٍ أحسنِ تقويم. وقال أبو البقاء: في أحسنِ تقويم في موضع الحالِ من «الإِنسان» وأراد بالتقويمِ القَوام لأنَّ التقويمَ فِعْلٌ وذاك وَصْفٌ للخالقِ لا للمخلوقِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ التقديرُ: في أحسنِ قَوامِ التقويمِ، فحُذِف المضافُ. ويجوزُ أَنْ تكونَ «في» زائدةً، اي: «قَوَّمْناه أحسنَ تقويم» انتهى، ولا حاجةَ إلى هذه التكلُّفاتِ
قوله: ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ : يجوزُ فيه وجهان، أحدهما: أنه حالٌ من المفعول. والثاني: أنه صفةٌ لمكانٍ محذوفٍ، أي: مكاناً أسفلَ سافِلين وقرأ عبد الله «السَّافِلين» معرَّفاً.
قوله: ﴿إِلاَّ الذين آمَنُواْ﴾ : فيه وجهان أحدُهما: أنه متصلٌ على أنَّ المعنى: رَدَدْناه أسفلَ مِنْ سِفْلٍ خلْقاً وتركيباً يعني: أقبحَ مِنْ خَلْقِه وأَشْوَهَه صورةً، وهم أهلُ النار فالاتصالُ على هذا واضحٌ، والثاني: أنه منقطعٌ على أنَّ المعنى: ثم رَدَدْناه بعد ذلك التقويم
52
والتحسينِ أسفَل مِنْ سِفْل في أحسنِ الصورةِ والشكلِ حيث نَكَّسْناه في خلْقِه فقوَّسَ ظهرُه وضَعُفَ بصرُه وسَمْعُه. والمعنى: ولكن الذين كانوا صالحين مِنْ الهرمى فلهم ثوابٌ دائمٌ، قاله الزمخشري ملخصاً.
53
قوله: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ :«ما» استفهاميةٌ في محلِّ رفع بالابتداء. والخبرُ الفعلُ بعدها، والمخاطَبُ الإِنسانُ على طريقةِ الالتفاتِ وقيل: المخاطَبُ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلى الأولِ يكون المعنى: فما يجعلك كاذباً بسبب الدِّين وإنكارِه بعد هذا الدليل، يعني أنك تُكَذِّب إذا كَذَّبْتَ بالجزاءِ؛ لأنَّ كلَّ مكذِّب بالحق فهو كاذبٌ فأيُّ شيءٍ يَضْطَرُّكَ إلى أن تكون كاذباً بسبب الجزاءِ والباءُ مِثْلُها في قولِه تعالى: ﴿على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١٠٠]. وعلى الثاني يكون المعنى: فماذا الذي يُكَذِّبُكَ فيما تُخْبِرُ به مِنْ الجزاء والبعث وهو الدِّين بعد هذه العِبَرِ التي يُوْجِبُ النظرُ فيها صحةَ ما قلتَ؟ قاله الفراء والأخفش.
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).