تفسير سورة التين

مختصر تفسير ابن كثير

تفسير سورة سورة التين من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير.
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

- ١ - وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ
- ٢ - وَطُورِ سِينِينَ
- ٣ - وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ
- ٤ - لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
- ٥ - ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ
- ٦ - إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
- ٧ - فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ
- ٨ - أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ
اخْتَلَفَ المفسرون ههنا على أقوال كثيرة فقيل: المراد بالتين دمشق، وَقِيلَ: الْجَبَلُ الَّذِي عِنْدَهَا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ مسجد أصحاب الكهف، وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ مَسْجِدُ نُوحٍ الَّذِي عَلَى الْجُودِيِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ تِينِكُمْ هَذَا ﴿والزيتون﴾ قال قتادة: هو بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: هُوَ هَذَا الزيتون الذي تعصرون، ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى عليه السلام، ﴿وهذا البلد الأمين﴾ يعني مكة (هو قول جمهور المفسرين، قال ابن كثير: ولا خلاف في ذلك)، قاله ابن عباس ومجاهد، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: هَذِهِ مَحَالُّ ثَلَاثَةٌ، بَعَثَ اللَّهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَبِيًّا مُرْسَلًا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ، أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ الْكِبَارِ. (فَالْأَوَّلُ) مَحَلَّةُ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَهِيَ (بَيْتُ الْمَقْدِسِ) الَّتِي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام، (وَالثَّانِي) طُورُ سِينِينَ وَهُوَ (طُورُ سَيْنَاءَ) الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، (وَالثَّالِثُ) مَكَّةُ وَهُوَ (الْبَلَدُ الْأَمِينُ) الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وَفِي آخِرِ التَّوْرَاةِ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ: جَاءَ اللَّهُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ - يَعْنِي الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ - وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ - يعني جبل بَيْتَ الْمَقْدِسِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ مِنْهُ عِيسَى - وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ - يَعْنِي جِبَالَ مَكَّةَ التي أرسل الله منها محمداً صلى الله عليه وسلم، فذكرهم مخبراً عنهم عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ، بِحَسَبِ تَرْتِيبِهِمْ فِي الزَّمَانِ، وَلِهَذَا أَقْسَمَ بِالْأَشْرَفِ ثُمَّ
654
الأشرف منه، ثم الأشرف منهما، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَشَكْلٍ؛ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، سَوِيَّ الْأَعْضَاءِ حَسَنَهَا. ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ أي إلى النار (قاله مجاهد والحسن وأبو العالية وابن زيد)، أي بَعْدَ هَذَا الْحُسْنِ وَالنَّضَارَةِ، مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ إِنْ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَيَتَّبِعِ الرُّسُلَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، وَقَالَ بعضهم: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ إلى أَرْذَلِ العمر (وروي هذا القول عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ، حَتَّى قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ)، وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمَا حَسُنَ اسْتِثْنَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْهَرَمَ قَدْ يُصِيبُ بَعْضَهُمْ، وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تَعَالَى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وعملوا الصالحات﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أَيْ غَيْرُ مقطوع، ثم قال: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ أي يَا ابْنَ آدَمَ ﴿بَعْدُ بِالدِّينِ﴾؟ أَيْ بِالْجَزَاءِ في المعاد، ولقد عَلِمْتَ الْبَدْأَةَ وَعَرَفْتَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَدْأَةِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّجْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى: ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَحْمِلُكَ عَلَى التَّكْذِيبِ بِالْمَعَادِ وَقَدْ عرفت هذا؟ روى ابن أبي حاتم عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ، قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين﴾ عنى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «مَعَاذَ الله» عنى به الإنسان (أخرجه ابن أبي حاتم)، وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ أَيْ أَمَا هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ الَّذِي لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ أحداً، ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ ظَلَمَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: فَإِذَا قَرَأَ أَحَدُكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَأَتَى عَلَى آخِرِهَا ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ من الشاهدين.
655
- ٩٦ - سورة العلق.
656
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).