تفسير سورة التين

لطائف الإشارات

تفسير سورة سورة التين من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات.
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة التّين
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» اسم «اللَّهِ» يدلّ على جلال من لم يزل، ويخبر عن جمال من لم يزل، ينبه على إقبال من لم يزل، يشير إلى إفضال من لم يزل فالعارف شهد «١» جلاله فطاش، والصفىّ شهد جماله فعاش، والوليّ شهد إقباله فارتاش، والمريد يشهد إفضاله فلا يطلب مع كفايته المعاش.
قوله جل ذكره:
[سورة التين (٩٥) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧)
أقسم بالتين لما به من عظيم المنّة على الخلق حيث لم يجعل فيه النّوى، وخلّصه من شائب التنغيص، وجعله على مقدار اللّقمة لتكمل به اللذّة. وجعل فى «الزَّيْتُونِ» من المنافع مثل الاستصباح والتأدّم والاصطباغ به.
«وَطُورِ سِينِينَ» الجبل الذي كلّم الله موسى عليه. ولموضع قدم الأحباب حرمة.
«وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» يعنى: مكة، ولهذا البلد شرف كبير، فهى بلد الحبيب، وفيها البيت ولبيت الحبيب وبلد الحبيب قدر ومنزلة. «٢»
(١) من هنا يبدأ في النسخة بياض في النسخة ص يتلوه. سقوط حتى بداية سورة العاديات. ولهذا نعتمد فيما بين الموضعين على النسخة م وحدها.
(٢) بما ذهب المفسرون في تفسير: التين والزيتون وطور سنين، والبلد الأمين قول بعضهم: إن التين إشارة إلى جبل دمشق وهو مأوى عيسى عليه السلام، وبالزيتون جبل بيت المقدس فهو مقام الأنبياء جميعهم، وطور سينين إشارة إلى موسى كليم الله، والبلد الأمين إشارة إلى أن مكة بها بيت إبراهيم وبها دار محمد صلى الله عليه وسلم..
فكأن مطالع السورة تشير إلى النبوات البارزة.
745
قوله جل ذكره: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» فى اعتدال قامته، وحسن تركيب أعضائه. وهذا يدل على أنّ الحقّ- سبحانه- ليس له صورة ولا هيئة لأنّ كلّ صفة اشترك فيها الخلق والحقّ فالمبالغة للحقّ... كالعلم، فالأعلم الله، والقدرة: فالأقدر الله فلو اشترك الخلق والخالق في التركيب والصورة لكان الأحسن في الصورة الله... فلمّا قال: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» علم أنّ الحقّ- سبحانه- منزّه عن التقويم وعن الصورة. «١»
قوله جل ذكره: «ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ» أي: إلى أرذل العمر وهو حال الخرف «٢» والهرم.
ويقال: «أَسْفَلَ سافِلِينَ» :
إلى النار والهاوية في أقبح صورة فيكون أوّل الآية عامّا وآخرها خاصّا بالكفّار كما أنّ التأويل الأول- الذي هو حال الهرم- خاصّ في البعض إذ ليس كلّ الناس يبلغون حال الهرم.
«إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» أي: غير منقوص.
ويقال: «ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ» أي: إلى حال الشقاوة والكفر إلّا المؤمنين.
قوله جل ذكره: «فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ» أيها الإنسان.. مع كل هذا البرهان والبيان؟
«أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ» ؟
(١) فى هذا ردّ جميل مقنع على المشبهة، وعلى كل ذى تصور وهمي للألوهية.
(٢) الخرف- فساد العقل بسبب كبر السنّ.
746
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).