تفسير سورة التين

الكشاف أو تفسير الزمخشري

تفسير سورة سورة التين من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري.
لمؤلفه الزمخشري . المتوفي سنة 538 هـ
مكية وآياتها ثمان.

سورة التين
مكية، وآياتها ٨ [نزلت بعد البروج] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التين (٩٥) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)
أقسم بهما لأنهما عجيبان من بين أصناف الأشجار المثمرة، وروى أنه أهدى لرسول الله ﷺ طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: «كلوا، فلو قلت إنّ فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه، لأنّ فاكهة الجنة بلا عجم، فكلوها. فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس» «١» ومرّ معاذ بن جبل بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيبا واستاك به وقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة «٢» » وسمعته يقول «هي سواكي وسواك الأنبياء قبلي» وعن ابن عباس رضى الله عنه: هو تينكم هذا وزيتونكم. وقيل: جبلان من الأرض المقدّسة يقال لهما بالسريانية: طور تينا وطور زيتا، لأنهما منبتا التين والزيتون. وقيل «التين» جبال ما بين حلوان وهمدان. و «الزيتون» جبال الشام، لأنها منابتهما، كأنه قيل: ومنابت التين والزيتون. وأضيف الطور: وهو الجبل، إلى سينين: وهي البقعة. ونحو سينون: يبرون، في جواز الإعراب بالواو والياء، والإقرار على الياء، وتحريك النون بحركات الإعراب. وللبلد: مكة حماها الله. والأمين: من أمن الرجل أمانة فهو أمين. وقيل: أمان، كما قيل: كرام في كريم. وأمانته: أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه. ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، من أمنه لأنه مأمون الغوائل،
(١). أخرجه أبو نعيم في الطب. والثعلبي من حديث أبى ذر. وفي إسناده من لا يعرف.
(٢). أخرجه الطبراني في الأوسط والثعلبي من حديث معاذ بن جبل، وإسناده واه.
773
كما وصف بالأمن في قوله تعالى حَرَماً آمِناً بمعنى: ذى أمن. ومعى القسم بهذه الأشياء.
الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والصالحين، فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشؤه. والطور: المكان الذي نودي منه موسى. ومكة: مكان البيت الذي هو هدى للعالمين، ومولد رسول الله ﷺ ومبعثه فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ في أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية لأعضائه. ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية: أن رددناه أسفل من سفل خلقا وتركيبا، يعنى: أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة، وهم أصحاب النار أو أسفل من سفل من أهل الدركات. أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل: حيث نكسناه في خلقه، فقوّس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وتشنن «١» جلده وكان بضا، وكلّ سمعه وبصره وكانا حديدين، وتغير كل شيء منه: فمشيه دليف «٢»، وصوته خفات، وقوته ضعف، وشهامته خرف «٣» وقرأ عبد الله:
أسفل السافلين. فإن قلت: فكيف الاستثناء على المذهبين؟ قلت: هو على الأول متصل ظاهر الاتصال، وعلى الثاني منقطع. يعنى: ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة والهرم، وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على تخاذل نهوضهم. فإن قلت: فَما يُكَذِّبُكَ من المخاطب به؟ قلت: هو خطاب للإنسان على طريقة الالتفات، أى: فما يجعلك كاذبا بسبب الدين وإنكاره بعد هذا الدليل، يعنى أنك تكذب إذا كذبت بالجزاء، لأنّ كل مكذب بالحق فهو كاذب، فأىّ شيء يضطرك إلى أن تكون كاذبا بسبب تكذيب الجزاء. والباء مثلها في قوله تعالى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ والمعنى: أنّ خلق الإنسان من نطفة، وتقويمه بشرا سويا وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي، ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر: لا ترى دليلا أوضح منه على قدرة الخالق، وأن من قدر من الإنسان على هذا كله: لم يعجز عن إعادته، فما سبب تكذيبك أيها الإنسان بالجزاء بعد هذا الدليل القاطع. وقيل: الخطاب لرسول الله ﷺ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ وعيد للكفار، وأنه يحكم عليهم بما هم
(١). قوله «وتشنن جلده» في الصحاح التشنن: التشيخ واليبس في جلد الإنسان، والضاضة: رقة الجلد ورخوصته. (ع)
(٢). قوله «فمشبه دليف» أى مشى رويد متقارب الخطو. (ع)
(٣). قوله «وشهامته خوف» لعله: خوف. (ع)
774
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).