تفسير سورة التين

مراح لبيد

تفسير سورة سورة التين من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد.
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة التين
مكية، ثمان آيات، أربع وثلاثون كلمة، مائة وخمسون حرفا
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) هما ثمران معلومات أقسم الله بهما لما فيهما من المصالح والمنافع، فإن التين فاكهة طيبة لا عجم له وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع يلين الطبع ويحلل البلغم، ويسمن البدن، ويفتح سدد الكبد والطحال، ويقطع البواسير والزيتون فاكهة وآدام ودواء، وقال ابن زيد: التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس، وقال محمد بن كعب: التين مسجد أصحاب أهل الكهف، والزيتون مسجد إيليا، وعن ابن عباس: التين مسجد نوح المبني على الجودي، والزيتون مسجد بيت المقدس، وقال الضحاك: التين المسجد الحرام، والزيتون المسجد الأقصى، وعن الربيع: هما جبلان بين همذان وحلوان، وقال كعب: التين دمشق والزيتون بيت المقدس، وقال شهر بن حوشب: التين الكوفة والزيتون الشام، وَطُورِ سِينِينَ (٢) وهو جبل ثبير وهو جبل بمدين الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) وهو مكة فهو أمين من أن يهاج فيه على من دخل فيه. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) أي كائنا في أحسن ما يكون من تعديل صوره ومعنى فإنه تعالى خلقه مستوي القامة متناسب الأعضاء متصفا بأكمل عقل، وفهم، وعلم، وأدب إذا تكامل شبابه، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) أي حال كونه أسفل سافلين أي حيث لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا لضعف بدنه وسمعه وبصره وعقله، فلا يكتب له وقتئذ حسنة أو رددناه مكانا أسفل سافلين، وهو النار، وقرأ عبد الله أسفل «السافلين» معرفا، والسافلون هم الضعفاء والزمنى والصغار فالشيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعا إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) وهذا الاستثناء على القول الأول منقطع، والمعنى: ثم رددناه أسفل ممن سفل بعد ذلك التحسين في أحسن الصورة حيث نكسناه في خلقه فقوس ظهره وضعف بصره، وسمعه، ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم ثواب دائم أو فلهم أجر غير ممنون به عليهم، أما على القول الثاني فهو متصل من ضمير رددناه فإنه في معنى الجمع
645
والمعنى: ثم رددناه أسفل ممن سفل أي أقبح من كل قبيح صورة وأسفل من كل سافل من أهل الدركات، وهم أهل النار إلا الذين كانوا صالحين فلا نردهم أسفل سافلين.
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) و «ما» اسم استفهام على وجه الإنكار والتعجب والخطاب للإنسان على طريقة الالتفات أي فما الذي يحملك أيها الإنسان على التكذيب بالبعث بعد ظهور هذه الدلالة الناطقة بالجزاء، أي فإن خلق الإنسان من النطفة وتقويمه بشرا سويا وتحويله من حال إلى حال كمالا ونقصانا من أوضح الدلائل على قدرة الله تعالى على البعث والجزاء فمن شاهد تلك الحالة، ثم بقي مصرا على إنكار الحشر فلا شيء أعجب منه وقيل الخطاب للرسول، و «ما» إما اسم استفهام أو بمعنى من أي، فأي شيء يجعلك كاذبا بسبب إنكار الكافر الحساب بعد هذه الدلائل، أو فمن يكذبك بالحساب يا أيها الرسول بعد ظهور هذه الدلائل أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨) يحكم على الكفار بما يستحقونه من العذاب، أو أليس الذي فعل ما ذكر بأتقن الحاكمين صنعا في كل ما خلق حتى يتوهم عدم الإعادة والجزاء، فإن عدم إمكانهما يقدح في القدرة وعدم وقوعهما يقدح في الحكمة، كما قال تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» [ص: ٢٧]
وفي الحديث: «من قرأ والتين إلى آخرها فليقل:
بلى وأنا على ذلك من الشاهدين»

أي سواء كان في الصلاة أو خارجها.
(١) رواه مسلم صفات المنافقين (٣٨)، وابن حجر في فتح الباري (٨: ٧٢٤)، والسيوطي في الدر المنثور (٦: ٣٧٠)، وابن كثير في البداية والنهاية (٣: ٤٤)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٥٨٥٦)، والبغوي في شرح السنة (٧: ٢٧٠)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (٢:
١٨٩)، وابن كثير في التفسير (٨: ٤٦١).
646
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).