تفسير سورة قريش

تفسير السمعاني

تفسير سورة سورة قريش من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني.
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة لإيلاف، وهي مكية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْش﴾ روى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْش﴾ قَالَ: نعمتي على قُرَيْش بإيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف.
والإيلاف فِي اللُّغَة هُوَ ضد الإيجاش، وَهُوَ نَظِير الإيناس، فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى ابْتِدَاء السُّورَة بِاللَّامِ؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ: اعجبوا لِإِيلَافِ قُرَيْش وتركهم الْإِيمَان بِي، كَأَنَّهُ يذكر نعْمَته عَلَيْهِم، وَيذكر كفرانهم لنعمته بترك الْإِيمَان، وَالْوَجْه الثَّانِي أَن مَعْنَاهُ: أَن هَذَا مُتَّصِل فِي الْمَعْنى بالسورة الْمُتَقَدّمَة، وَكَأَنَّهُ قَالَ: ﴿فجعلهم كعصف مَأْكُول لِإِيلَافِ قُرَيْش﴾ أَي: ليبقى لَهُم مَا ألفوه من رحلتي الشتَاء والصيف.
وَذكر القتيبي فِي معنى السُّورَة: أَن الْقَوْم لم يكن لَهُم زرع وَلَا ضرع إِلَّا الْقَلِيل، وَكَانَت مَعَايشهمْ من التِّجَارَة وَكَانَت لَهُم رحلتان: رحْلَة فِي الصَّيف إِلَى الشَّام، ورحلة فِي الشتَاء إِلَى الْيمن، وَقيل: غير هَذَا، وَكَانُوا إِذا خَرجُوا من مَكَّة لَا يتَعَرَّض لَهُم أحد، فَإِذا لَقِيَهُمْ قوم قَالُوا: نَحن أهل الله فيكفون عَنْهُم وَلَا يحاجون.
وروى أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: نَحن من حرم الله، فَتَقول الْعَرَب: هَؤُلَاءِ أهل الله فيكفون عَنْهُم، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ﴾ فَذكر الله تَعَالَى فِي هَذِه السُّورَة وَالسورَة الْمُتَقَدّمَة منته عَلَيْهِم فِي دفع أَصْحَاب الْفِيل عَنْهُم، ليبقى لَهُم مَا ألفوه من التِّجَارَة فِي رحلتي الشتَاء والصيف.
وَأما قُرَيْش: فهم أَوْلَاد النَّضر بن كنَانَة، فَكل من كَانَ من أَوْلَاد النَّضر بن كنَانَة فَهُوَ
286
﴿إيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف (٢) فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت (٣) الَّذِي أطْعمهُم من جوع وآمنهم من خوف (٤) ﴾ قرشي وَاخْتلفُوا فِي اشتقاق هَذَا الِاسْم، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: سموا قُريْشًا للتِّجَارَة، وَكَانُوا أهل تِجَارَة، والقرش: الْكسْب، يُقَال: كَانَ فلَان يقرش لِعِيَالِهِ ويقترش أَي: يكْتَسب.
وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه سميت قُرَيْش قُريْشًا بِدَابَّة تكون فِي الْبَحْر، يُقَال لَهَا: القرش، لَا تمر بغث وَلَا سمين إِلَّا أَكلته وأنشدوا فِي ذَلِك:
287
وَقَوله: ﴿فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت الَّذِي أطْعمهُم من جوع﴾ قَالَ ذَلِك لأَنهم كَانُوا يجلبون الطَّعَام من الْمَوَاضِع الْبَعِيدَة وَكَانَ هُوَ الَّذِي يسهل لَهُم ذَلِك، ويرزقهم إِيَّاهَا بتيسير أَسبَابهَا لَهُم.
وَقَوله: ﴿وآمنهم من خوف﴾ أَي: من خوف الْغَارة وَالْقَتْل على مَا قُلْنَا، وَقيل: من خوف الجذام، وَالأَصَح هُوَ الأول.
وَفِي بعض التفاسير: أَن أول من جمع قُريْشًا على رحلتي الشتَاء والصيف هَاشم بن عبد منَاف، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ فِي بضائعهم باسم الْفُقَرَاء شَيْئا مَعْلُوما فَإِذا رجعُوا أعطوهم ذَلِك تقربا إِلَى الله.
وَقَالَ الشَّاعِر فِي هَاشم:
(وقريش هِيَ الَّتِي تسكن الْبَحْر وَبهَا سميت قُرَيْش قُريْشًا)
(تَأْكُل الغث والسمين وَلَا تتْرك فِيهِ لذِي الجناحين ريشا)
(هَكَذَا فِي الْبِلَاد هِيَ قُرَيْش يَأْكُلُون الْبِلَاد أكلا كميشا)
(وَلَهُم آخر الزَّمَان نَبِي يكثر الْقَتْل فيهم والخموشا)
287

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ (١) فَذَلِك الَّذِي يدع الْيَتِيم (٢) وَلَا يحض على طَعَام الْمِسْكِين (٣) فويل للمصلين (٤) ﴾
تَفْسِير سُورَة أَرَأَيْت
وَهِي مَكِّيَّة
وَقيل: إِنَّهَا مَدَنِيَّة، وَقيل: نصفهَا مَكِّيَّة، وَنِصْفهَا مَدَنِيَّة، فالنصف الأول إِلَى قَوْله ﴿فويل للمصلين﴾ مَكِّيَّة، وَالنّصف الْبَاقِي مَدَنِيَّة، وَالله أعلم.
288
سورة قريش
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (قُرَيش) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (التِّين)، وقد افتُتحت بتذكير قُرَيش بنِعَمِ الله عليهم؛ من التجارة، وجلبِ الخير لهم عن طريق رحلتَيِ الشِّتاء والصيف، وأن الله أطعَمهم بعد جوع، وأمَّنهم بعد خوف، ولَمَّ شملهم، وفي ذلك طلبٌ منهم أن يُوحِّدوا اللهَ ويُفرِدوه بالعبادة؛ لأنه - وحده - المستحِقُّ لذلك، لا أصنامُهم التي صنعوها بأيديهم.

ترتيبها المصحفي
106
نوعها
مكية
ألفاظها
17
ترتيب نزولها
29
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
4
العد الكوفي
4
العد الشامي
4

* سورة (قُرَيش):

سُمِّيت سورة (قُرَيش) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (قُرَيش) في مطلعها؛ قال تعالى: {لِإِيلَٰفِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1].

نِعَمُ الله على قُرَيش، ودعوتُه لعبادته (١-٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /369).

أمرُ قُرَيشِ بتوحيد الله عزَّ وجلَّ وحده بعدما أنعَمَ عليهم بنِعَمٍ كثيرة، وأطعمهم بعد جوعٍ، وآمَنهم بعد خوفٍ .

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /554).

(عَمْرو الْعلَا هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف)
(الخالطين فقيرهم بغنيهم حَتَّى يصير فقيرهم كالكاف)