تفسير سورة سورة طه من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة طهوهي مكية
وفي بعض الغرائب من الأخبار برواية أبي هريرة، أن النبي : قال :«إن الله تعالى قرأ سورة طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فقالت الملائكة : طوبى لأمة نزل عليهم هذا، وطوبى لقلوب حملت هذه، وطوبى لألسن تكلمت بهذا »( ١ ).
١ - رواه الدارمي (٢/٥٤٧-٥٤٨ رقم ٣٤١٤)، وابن أبي عاصم في السنن (١/٢٦٩ رقم ٦٠٧)، وابن خزيمة في التوحيد ص ١٦٦، والطبراني في الأوسط – كما في مجمع البحرين (٦/٥٤ رقم ٣٣٦٤)، والعقيلي في الضعفاء (١/٦٦)، وابن عدي في الكامل (١/٢١٦)، وابن حبان في المجروحين (١/١٠٨)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (٢/١٤١)، والبيهقي في الشعب (٥/٣٨٤-٣٨٥ رقم ٢٢٢٥)، وتمام الرازي في الفوائد (١/١٣٢-١٣٣ رقم ٣٠٣-٣٠٥) وابن الجوزي في الموضوعات (١/١٠٩-١١٠) واستنكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمة إبراهيم بن مهاجر وقال: لم أجد له حديثا أنكر من هذا، وقال ابن حبان: متن موضوع، وقال ابن كثير في تفسيره (٣/١٤١): هذا حديث غريب وفيه نكارة وإبراهيم بن مهاجر وشيخه تكلم فيهما..
ﰡ
ﭵ
ﰀ
قَوْله تَعَالَى: ﴿طه﴾ رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَن رجلا اقْرَأ عَلَيْهِ: " طه " - بالإمالة - فَقَالَ: اقْرَأ ﴿طه﴾، فَقَالَ الرجل: أَلَيْسَ مَعْنَاهُ طَيء الأَرْض بقدميك؟ فَقَالَ: " هَكَذَا أَقْرَأَنِيهِ رَسُول الله ".
وَاخْتلفت الْأَقَاوِيل فِي معنى طه، فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: هُوَ بالسُّرْيَانيَّة: يَا رجل. وَنقل الْكَلْبِيّ: أَنه يَا إِنْسَان بلغَة عك. قَالَ الشَّاعِر:
وَقَالَ آخر:
وَاخْتلفت الْأَقَاوِيل فِي معنى طه، فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: هُوَ بالسُّرْيَانيَّة: يَا رجل. وَنقل الْكَلْبِيّ: أَنه يَا إِنْسَان بلغَة عك. قَالَ الشَّاعِر:
(إِن السفاهة طه من خليقتكم | لَا قدس الله أَرْوَاح الملاعين) |
(هَتَفت بطه فِي الْقِتَال فَلم يجب | فَخفت عَلَيْهِ أَن يكون مواليا) |
(تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت | فَتلك سَبِيل لست فِيهَا بأوحد) |
وَالْقَوْل الْخَامِس: يعلم السِّرّ وأخفى، أَي: أخْفى سره من عباده، وَهَذَا قَول ابْن زيد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى﴾ قيل: فِيهِ إِضْمَار، وَمَعْنَاهُ: فَادعوا الله بهَا. وَقَالَ: الْحسنى للأسماء هُوَ جمع، وَالْحُسْنَى صفة الْوَاحِد، وَذَلِكَ لِأَن
321
﴿وَهل أَتَاك حَدِيث مُوسَى (٩) إِذْ رأى نَارا فَقَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا لعَلي آتيكم مِنْهَا بقبس أَو أجد على النَّار هدى﴾ هَذِه تتَنَاوَل الْأَسْمَاء لِأَنَّهَا جمع، كَمَا تتَنَاوَل الْوَاحِدَة من المؤنثات، يُقَال: هَذِه أَسمَاء؛ فَلذَلِك صَحَّ أَن يُقَال: حسنى، وَلم يقل: حسان، وَهَكَذَا قَوْله تَعَالَى: ﴿مآرب أُخْرَى﴾ وَلم يقل: آخر.
322
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهل أَتَاك حَدِيث مُوسَى﴾ مَعْنَاهُ: وَقد أَتَاك حَدِيث مُوسَى، وَهُوَ اسْتِفْهَام بِمَعْنى التَّقْرِير.
وَقَوله: ﴿إِذْ رأى نَارا﴾ فِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ رجلا غيورا، فَكَانَ يصحب الرّفْقَة بِاللَّيْلِ، ويتنحى عَنْهُم بِالنَّهَارِ؛ لِئَلَّا ترى امْرَأَته، فَأَخْطَأَ مرّة الطَّرِيق - لما كَانَ فِي علم الله تَعَالَى - فَكَانَ لَيْلًا مظلما، فَرَأى نَارا من بعيد ﴿فَقَالَ لأَهله امكثوا﴾ أَي: أقِيمُوا.
وَقَوله: ﴿إِنِّي آنست نَارا﴾ أَي: أَبْصرت نَارا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لعَلي آتيكم مِنْهَا بقبس﴾ القبس: كل مَا فِي رَأسه نَار من شعلة أَو فَتِيلَة.
وَقَوله: ﴿أَو أجد على النَّار هدى﴾ أَو أجد عِنْد النَّار من يهديني، ويدلني على الطَّرِيق، فَروِيَ أَنه لما توجه إِلَى النَّار رأى شَجَرَة خضراء، أطافت بِهِ النَّار، وَالنَّار كأضوء مَا يكون، والشجرة كأخضر مَا يكون، فَلَا ضوء النَّار يُغير خضرَة الشَّجَرَة، وَلَا خضرَة الشَّجَرَة تغير ضوء النَّار.
وَيُقَال: إِن الشَّجَرَة كَانَت شَجَرَة الْعنَّاب، وَيُقَال: شَجَرَة من عوسج، وَقيل: من العليق.
وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى أَخذ شَيْئا من الْحَشِيش الْيَابِس، ودنا من الشَّجَرَة، فَكَانَ كلما دنا من الشَّجَرَة نأت مِنْهُ النَّار، وَإِذا نأى هُوَ دنت النَّار، فَبَقيَ وَاقِفًا متحيرا،
وَقَوله: ﴿إِنِّي آنست نَارا﴾ أَي: أَبْصرت نَارا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لعَلي آتيكم مِنْهَا بقبس﴾ القبس: كل مَا فِي رَأسه نَار من شعلة أَو فَتِيلَة.
وَقَوله: ﴿أَو أجد على النَّار هدى﴾ أَو أجد عِنْد النَّار من يهديني، ويدلني على الطَّرِيق، فَروِيَ أَنه لما توجه إِلَى النَّار رأى شَجَرَة خضراء، أطافت بِهِ النَّار، وَالنَّار كأضوء مَا يكون، والشجرة كأخضر مَا يكون، فَلَا ضوء النَّار يُغير خضرَة الشَّجَرَة، وَلَا خضرَة الشَّجَرَة تغير ضوء النَّار.
وَيُقَال: إِن الشَّجَرَة كَانَت شَجَرَة الْعنَّاب، وَيُقَال: شَجَرَة من عوسج، وَقيل: من العليق.
وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى أَخذ شَيْئا من الْحَشِيش الْيَابِس، ودنا من الشَّجَرَة، فَكَانَ كلما دنا من الشَّجَرَة نأت مِنْهُ النَّار، وَإِذا نأى هُوَ دنت النَّار، فَبَقيَ وَاقِفًا متحيرا،
322
﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى (١١) إِنِّي أَنا رَبك فاخلع نعليك إِنَّك بالواد الْمُقَدّس طوى (١٢) وَأَنا اخْتَرْتُك فاستمع لما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم﴾ فَنُوديَ: يَا مُوسَى.
323
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَنا رَبك﴾ رُوِيَ أَن مُوسَى لما سمع قَوْله: ﴿يَا مُوسَى﴾ قَالَ: من الَّذِي يكلمني؟ قَالَ: ﴿إِنِّي أَنا رَبك﴾.
فَإِن قيل: بِمَ عرف كَلَام الله عز وَعلا؟ قُلْنَا: سمع كلَاما لَا يشبه كَلَام المخلوقين، وَرُوِيَ أَنه سمع من جَمِيع جوانبه.
وَقَوله: ﴿فاخلع نعليك﴾ اخْتلف القَوْل أَنه لم أمره بخلع نَعْلَيْه؟ وَرُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: كَانَتَا من جلد حمَار ميت، وَهَذَا قَول كَعْب.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه أمره بخلع نَعْلَيْه: ليباشر الْوَادي بقدميه، وَهَذَا قَول مُجَاهِد، وَقد جرت عَادَة الْمُسلمين أَنهم يخلعون نعَالهمْ إِذا بلغُوا الْمَسْجِد الْحَرَام لِلْحَجِّ، ويطوفون حُفَاة.
وَقَوله: ﴿إِنَّك بالوادي الْمُقَدّس﴾ أَي: المطهر، قَالَ الشَّاعِر:
أَي: مطهر.
وَقيل: معنى الْمُقَدّس، أَي: الْمُبَارك فِيهِ.
وَقَوله: ﴿طوى﴾ عَامَّة الْمُفَسّرين أَنه اسْم الْوَادي، وَقيل: طوى أَي: قدس مرَّتَيْنِ.
فَإِن قيل: بِمَ عرف كَلَام الله عز وَعلا؟ قُلْنَا: سمع كلَاما لَا يشبه كَلَام المخلوقين، وَرُوِيَ أَنه سمع من جَمِيع جوانبه.
وَقَوله: ﴿فاخلع نعليك﴾ اخْتلف القَوْل أَنه لم أمره بخلع نَعْلَيْه؟ وَرُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: كَانَتَا من جلد حمَار ميت، وَهَذَا قَول كَعْب.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه أمره بخلع نَعْلَيْه: ليباشر الْوَادي بقدميه، وَهَذَا قَول مُجَاهِد، وَقد جرت عَادَة الْمُسلمين أَنهم يخلعون نعَالهمْ إِذا بلغُوا الْمَسْجِد الْحَرَام لِلْحَجِّ، ويطوفون حُفَاة.
وَقَوله: ﴿إِنَّك بالوادي الْمُقَدّس﴾ أَي: المطهر، قَالَ الشَّاعِر:
(وَأَنت وُصُول للأقارب مَدَرَة | ترَاءى من الْآفَات إِنِّي مقدس) |
وَقيل: معنى الْمُقَدّس، أَي: الْمُبَارك فِيهِ.
وَقَوله: ﴿طوى﴾ عَامَّة الْمُفَسّرين أَنه اسْم الْوَادي، وَقيل: طوى أَي: قدس مرَّتَيْنِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَنا اخْتَرْتُك﴾ أَي: اصطفيتك.
وَقَوله: ﴿فاستمع لما يُوحى﴾ أَي: لما يُوحى إِلَيْك.
وَقَوله: ﴿فاستمع لما يُوحى﴾ أَي: لما يُوحى إِلَيْك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني﴾ أَي: لَا أحد يسْتَحق الْعِبَادَة سواي.
323
﴿الصَّلَاة لذكري (١٤) إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بِمَا تسْعَى (١٥) ﴾
وَقَوله: ﴿وأقم الصَّلَاة لذكري﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: لتذكرني فِيهَا. وَالْآخر: تذكرني، وَهُوَ قَوْله: الله أكبر. وَالثَّالِث: أقِم الصَّلَاة لذكري أَي: صل إِذا ذكرت الصَّلَاة، وَهَذَا قَول مَعْرُوف. روى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس، أَن النَّبِي قَالَ: " من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا؛ فَإِن ذَلِك وَقتهَا، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وأقم الصَّلَاة لذكري﴾ ".
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْحُسَيْن بن النقور، قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن حبابة، قَالَ: حَدثنَا ابْن بنت منيع، قَالَ: حَدثنَا هدبة، عَن حَمَّاد بن سَلمَة.. الحَدِيث. خرجه مُسلم فِي الصَّحِيح عَن هدبة.
وَقَوله: ﴿وأقم الصَّلَاة لذكري﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: لتذكرني فِيهَا. وَالْآخر: تذكرني، وَهُوَ قَوْله: الله أكبر. وَالثَّالِث: أقِم الصَّلَاة لذكري أَي: صل إِذا ذكرت الصَّلَاة، وَهَذَا قَول مَعْرُوف. روى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس، أَن النَّبِي قَالَ: " من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا؛ فَإِن ذَلِك وَقتهَا، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وأقم الصَّلَاة لذكري﴾ ".
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْحُسَيْن بن النقور، قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن حبابة، قَالَ: حَدثنَا ابْن بنت منيع، قَالَ: حَدثنَا هدبة، عَن حَمَّاد بن سَلمَة.. الحَدِيث. خرجه مُسلم فِي الصَّحِيح عَن هدبة.
324
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد أخفيها﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال، وَهِي مشكلة.
رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَأبي بن كَعْب أَنَّهُمَا قرآ: " أكاد أخفيها من نَفسِي ". وَبَعْضهمْ نقل: " فَكيف أظهرها لكم " فَهَذَا هُوَ أحد الْأَقْوَال فِي معنى الْآيَة.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم قَوْله " أكاد أخفيها من نَفسِي "؟ قُلْنَا: هَذَا على عَادَة الْعَرَب، وَالْعرب إِذا بالغت فِي الْإِخْبَار عَن إخفاء الشَّيْء، قَالَت: كتمته حَتَّى من نَفسِي. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿أكاد﴾ أَي: أُرِيد، وَمَعْنَاهُ: إِن السَّاعَة آتِيَة أُرِيد أخفيها. وَهَذَا قَول الْأَخْفَش. وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن قَوْله: ﴿أكاد﴾ صلَة، وَمَعْنَاهُ: إِن السَّاعَة آتِيَة أخفيها. وَالْقَوْل الرَّابِع: إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد، وَمعنى أكاد: تقريب الْوُرُود والإتيان، كَمَا قَالَ ضبائي البرجمي:
فَقَوله: كدت لتقريب الْفِعْل، ثمَّ اسْتَأْنف قَوْله: ﴿أخفيها لتجزى كل نفس بِمَا تسْعَى﴾ أَي: تَأْتيكُمْ بَغْتَة، لتجزى كل نفس بِمَا عملت من خير وَشر، هَذَا اختبار
رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَأبي بن كَعْب أَنَّهُمَا قرآ: " أكاد أخفيها من نَفسِي ". وَبَعْضهمْ نقل: " فَكيف أظهرها لكم " فَهَذَا هُوَ أحد الْأَقْوَال فِي معنى الْآيَة.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم قَوْله " أكاد أخفيها من نَفسِي "؟ قُلْنَا: هَذَا على عَادَة الْعَرَب، وَالْعرب إِذا بالغت فِي الْإِخْبَار عَن إخفاء الشَّيْء، قَالَت: كتمته حَتَّى من نَفسِي. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿أكاد﴾ أَي: أُرِيد، وَمَعْنَاهُ: إِن السَّاعَة آتِيَة أُرِيد أخفيها. وَهَذَا قَول الْأَخْفَش. وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن قَوْله: ﴿أكاد﴾ صلَة، وَمَعْنَاهُ: إِن السَّاعَة آتِيَة أخفيها. وَالْقَوْل الرَّابِع: إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد، وَمعنى أكاد: تقريب الْوُرُود والإتيان، كَمَا قَالَ ضبائي البرجمي:
(هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني | تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله) |
324
﴿فَلَا يصدنك عَنْهَا من لَا يُؤمن بهَا وَاتبع هَوَاهُ فتردى (١٦) وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا وأهش بهَا على غنمي ولي فِيهَا مآرب آخرى (١٨) ﴾ ابْن الْأَنْبَارِي.
وَالْقَوْل الْخَامِس: ﴿أكاد أخفيها﴾ أَي: أظهرها، وَقُرِئَ: " أخفيها " بِفَتْح الْألف. وَمعنى الْإِظْهَار فِي هَذِه الْقِرَاءَة أظهر فِي اللُّغَة. قَالَ الشَّاعِر:
وَمعنى لَا نخفه: لم نظهره.
وَالْقَوْل الْخَامِس: ﴿أكاد أخفيها﴾ أَي: أظهرها، وَقُرِئَ: " أخفيها " بِفَتْح الْألف. وَمعنى الْإِظْهَار فِي هَذِه الْقِرَاءَة أظهر فِي اللُّغَة. قَالَ الشَّاعِر:
(فَإِن تدفنوا الدَّاء لم نخفه | وَإِن تأذنوا بِحَرب لَا نقعد) |
325
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَا يصدنك عَنْهَا﴾ أَي: فَلَا يمنعنك عَن التَّصْدِيق بهَا. ﴿من لَا يُؤمن بهَا﴾ أَي: من لَا يصدق بهَا.
وَقَوله: ﴿وَاتبع هَوَاهُ فتردى﴾ أَي: تهْلك.
وَقَوله: ﴿وَاتبع هَوَاهُ فتردى﴾ أَي: تهْلك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى﴾ هَذَا سُؤال تَقْرِير، وَلَيْسَ بسؤال اسْتِفْهَام، وَالْحكمَة فِيهِ تثبيته وتوثيقه على أَنَّهَا عَصا، حَتَّى إِذا قَلبهَا الله حَيَّة، يعلم أَنَّهَا معْجزَة عَظِيمَة. وَهَذَا قَول على عَادَة الْعَرَب أَيْضا؛ يَقُول الرجل لغيره: هَل تعرف هَذَا؟ وَهُوَ لَا يشك أَنه يعرفهُ، وَيُرِيد بِهِ أَن يَنْضَم إِقْرَاره بِلِسَانِهِ إِلَى مَعْرفَته بِقَلْبِه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا﴾ أَي: أعْتَمد عَلَيْهَا.
وَقَوله: ﴿وأهش بهَا على غنمي﴾ أَي: أخبط بهَا (ورق الشّجر؛ لترعاه غنمي، وَقَرَأَ عِكْرِمَة: " وأهش بهَا) على غنمي " بِالسِّين غير الْمُعْجَمَة، وَالْفرق بَين الهش والهس؛ أَن الهش هُوَ خبط الشّجر، وإلقاء الْوَرق عَنهُ، والهس زجر الْغنم.
وَقَوله: ﴿ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى﴾ أَي: حاجات أخر، وَمن تِلْكَ الْحَاجَات؛ قَالَ
وَقَوله: ﴿وأهش بهَا على غنمي﴾ أَي: أخبط بهَا (ورق الشّجر؛ لترعاه غنمي، وَقَرَأَ عِكْرِمَة: " وأهش بهَا) على غنمي " بِالسِّين غير الْمُعْجَمَة، وَالْفرق بَين الهش والهس؛ أَن الهش هُوَ خبط الشّجر، وإلقاء الْوَرق عَنهُ، والهس زجر الْغنم.
وَقَوله: ﴿ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى﴾ أَي: حاجات أخر، وَمن تِلْكَ الْحَاجَات؛ قَالَ
325
﴿قَالَ ألقها يَا مُوسَى (١٩) فألقاها فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تخف﴾ أهل الْمعَانِي: كَانَ يقتل بهَا الْحَيَّات، ويحارب بهَا السبَاع، وَيحمل بهَا الزَّاد وَالنَّفقَة، ويصل الْحَبل إِذا استقى من الْبِئْر، ويستظل بهَا إِذا قعد، وَعَن الضَّحَّاك: كَانَت تضئ لَهُ بِاللَّيْلِ بِمَنْزِلَة السراج، وَقَالَ وهب: كَانَت الْعَصَا من آس الْجنَّة، وطولها اثْنَا عشر ذِرَاعا، وَلها شعبتان، وَعَلَيْهَا محجن. وَعَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: كَانَ اسْم الْعَصَا مَا شَاءَ. وأنشدوا فِي الهش:
(أهش بالعصا على أغنامي | من ناعم الْأَرَاك والبشام) |
(خفضت لَهُم مني جنَاح مَوَدَّة | على كتف عطفاه أهل ومرحب) |
وَقَالَ قَتَادَة: كَانَت الْيَد لَهَا نور سَاطِع كضوء الشَّمْس وَالْقَمَر، تضئ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار.
وَقَوله: ﴿آيَة أُخْرَى﴾ أَي: دلَالَة أُخْرَى.
وَقَوله: ﴿لنريك من آيَاتنَا الْكُبْرَى﴾. أَي: الْكَبِيرَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: أكبر الْآيَتَيْنِ يَده؛ فَكَانَ إِذا أخرجهَا من تَحت عضده، رَأَوْا لَهَا شعاعا وضياء تحار الْأَعْين فِيهَا، فَإِذا ردهَا إِلَى إبطه، وأخرجها عَادَتْ إِلَى مَا كَانَت.
وَقَوله: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن إِنَّه طَغى﴾ أَي: جَاوز الْحَد فِي الْعِصْيَان والتمرد، وَيُقَال: كَانَ اسْمه: وليد بن مُصعب، وَكَانَ أغْنى الفراعنة الَّذين كَانُوا بِمصْر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رب اشرح لي صَدْرِي﴾ أَي: وَسعه للحق، وَكَانَ مُوسَى يخَاف من فِرْعَوْن خوفًا شَدِيدا؛ لشدَّة شوكته، وَكَثْرَة جنده، فَضَاقَ قلبه لما بعث إِلَى فِرْعَوْن من الْخَوْف؛ فَسَأَلَ الله تَعَالَى أَن يُوسع قلبه للحق؛ فَيعلم أَنه لَا يقدر أحد أَن يعْمل بِهِ شَيْئا إِلَّا بِإِذن الله، أَو يَنَالهُ بمكروه إِلَّا بمشيئته.
وَقَوله: ﴿وَيسر لي أَمْرِي﴾ أَي: سهل عَليّ الْأَمر الَّذِي بعثتني لَهُ.
327
﴿رب اشرح لي صَدْرِي (٢٥) وَيسر لي أَمْرِي (٢٦) واحلل عقدَة من لساني (٢٧) يفقهوا قولي (٢٨) وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي (٢٩) هرون أخي (٣٠) اشْدُد بِهِ أزري (٣١) وأشركه فِي أَمْرِي (٣٢) كي نسبحك كثيرا (٣٣) ونذكرك كثيرا (٣٤) إِنَّك﴾
328
قَوْله: ﴿واحلل عقدَة من لساني﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: كَانَت على لِسَان مُوسَى عقدَة من أَخذه الْجَمْر، وَوَضعه إِيَّاه فِي فَمه، وَسَببه أَن أمْرَأَة فِرْعَوْن جَاءَت بمُوسَى إِلَى فِرْعَوْن، فَوَضَعته فِي حجره، فَأخذ بلحية فِرْعَوْن، وَفِي رِوَايَة: لطم وَجه فِرْعَوْن لطمة، فَغَضب فِرْعَوْن، وَقَالَ: هَذَا هُوَ عدوي، وَأَرَادَ أَن يقْتله، فَقَالَت امْرَأَة فِرْعَوْن: إِنَّه صبي، لَا يعقل وَلَا يُمَيّز، وَهُوَ لَا يُمَيّز بَين الْجَوْهَر والجمر، فدعي لَهُ بطبق من جمر، وطبق من جَوْهَر، فَأخذ الْجَمْر، وَوَضعه فِي فِيهِ، فَاحْتَرَقَ لِسَانه، وَصَارَت عَلَيْهِ عقدَة. وَذكر بَعضهم: أَنه أَرَادَ أَن يَأْخُذ الْجَوْهَر، فصرف جِبْرِيل يَده إِلَى الْجَمْر.
ﯦﯧ
ﰛ
وَقَوله: ﴿يفقهوا قولي﴾ أَي: يفهموا قولي.
﴿وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي﴾ الْوَزير من يؤازرك على الشئ، أَي: يعينك، ويتحمل عَنْك بعض ثقله، ووزير الْأَمِير من يتَحَمَّل عَنهُ بعض مَا عَلَيْهِ.
ﯯﯰ
ﰝ
وَقَوله: ﴿هَارُون أخي﴾ كَانَ هَارُون أكبر مِنْهُ بِأَرْبَع سِنِين، فَكَانَ أفْصح مِنْهُ لِسَانا، وأجمل مِنْهُ وَجها، وأوسم وأبيض، وَكَانَ مُوسَى أَدَم، أقنى جَعدًا.
وَقَوله ﴿اشْدُد بِهِ أزري﴾ أَي: قو بِهِ ظَهْري، وَيُقَال: إِنَّه لم يكن أحد على أَخِيه أسعد ولأخيه أَنْفَع من مُوسَى لهارون.
وَقَوله: ﴿وأشركه فِي أَمْرِي﴾ أَي: النُّبُوَّة وَأَدَاء الرسَالَة.
وَقَوله: ﴿كي نسبحك كثيرا﴾ أَي: نصلي لَك كثيرا.
ﯾﯿ
ﰡ
﴿ونذكرك كثيرا﴾ نتعاون على ذكرك.
﴿إِنَّك كنت بِنَا بَصيرًا﴾ أَي: خَبِيرا عليما.
328
﴿كنت بِنَا بَصيرًا (٣٥) قَالَ قد أُوتيت سؤلك يَا مُوسَى (٣٦) وَلَقَد مننا عَلَيْك مرّة أُخْرَى (٣٧) إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى (٣٨) أَن اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فليلقه اليم بالسَّاحل يَأْخُذهُ عَدو لي وعدو لَهُ وألقيت عَلَيْك محبَّة مني ولتصنع على عَيْني﴾
329
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ قد أُوتيت سؤلك يَا مُوسَى﴾ أَي: أَعْطَيْت جَمِيع مَا سَأَلت.
وَقَوله: ﴿وَلَقَد مننا عَلَيْك مرّة أُخْرَى﴾ أَي: أنعمنا عَلَيْك مرّة أُخْرَى سوى هَذِه الْمرة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى﴾ ذكر نعمه وعددها عَلَيْهِ؛ ليعرفها، وَيزِيد فِي شكره.
وَقَوله: ﴿إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى﴾ أَي: ألهمنا أمك مَا يُوحى، أَي: مَا يلهم.
وَقَوله: ﴿إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى﴾ أَي: ألهمنا أمك مَا يُوحى، أَي: مَا يلهم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أَن اقذفيه﴾ أَي: ألهمناها أَن أقذفيه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِي التابوت﴾ هُوَ شَيْء يتَّخذ من الْخشب.
وَقَوله: ﴿فاقذفيه فِي اليم﴾ اليم: هُوَ الْبَحْر، وَيُقَال: إِن اليم هَا هُنَا هُوَ النّيل، وَالْعرب تسمي المَاء الْكثير بحرا.
رُوِيَ أَن الْمُسلمين لما وصلوا إِلَى دجلة يَوْم فتحُوا الْمَدَائِن، فَقَالُوا: كَيفَ نَفْعل، وَهَذَا الْبَحْر بَيْننَا وَبينهمْ؟ ثمَّ إِنَّهُم ارتطموا دجلة بخيولهم، وخاضوا الْقِصَّة إِلَى آخرهَا.
وَقَوله: ﴿فليلقه اليم بالسَّاحل﴾ فِي الْقِصَّة: أَن المَاء أَلْقَاهُ إِلَى مشرعة دَار فِرْعَوْن، وَرُوِيَ أَنَّهَا ألقته فِي النّيل، وألقاه النّيل فِي الْبَحْر، ثمَّ إِن الْبَحْر أَلْقَاهُ بالسَّاحل.
وَقَوله: ﴿وألقيت عَلَيْك محبَّة مني﴾ قَالَ عِكْرِمَة: لم يره أحد إِلَّا أحبه، وَقَالَ قَتَادَة: ملاحة فِي عَيْنَيْهِ تَأْخُذ (بالقلوب).
وَقَوله: ﴿ولتصنع على عَيْني﴾ أَي: تربى وتغذى على نظر مني، وَهُوَ مثل قَوْله
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِي التابوت﴾ هُوَ شَيْء يتَّخذ من الْخشب.
وَقَوله: ﴿فاقذفيه فِي اليم﴾ اليم: هُوَ الْبَحْر، وَيُقَال: إِن اليم هَا هُنَا هُوَ النّيل، وَالْعرب تسمي المَاء الْكثير بحرا.
رُوِيَ أَن الْمُسلمين لما وصلوا إِلَى دجلة يَوْم فتحُوا الْمَدَائِن، فَقَالُوا: كَيفَ نَفْعل، وَهَذَا الْبَحْر بَيْننَا وَبينهمْ؟ ثمَّ إِنَّهُم ارتطموا دجلة بخيولهم، وخاضوا الْقِصَّة إِلَى آخرهَا.
وَقَوله: ﴿فليلقه اليم بالسَّاحل﴾ فِي الْقِصَّة: أَن المَاء أَلْقَاهُ إِلَى مشرعة دَار فِرْعَوْن، وَرُوِيَ أَنَّهَا ألقته فِي النّيل، وألقاه النّيل فِي الْبَحْر، ثمَّ إِن الْبَحْر أَلْقَاهُ بالسَّاحل.
وَقَوله: ﴿وألقيت عَلَيْك محبَّة مني﴾ قَالَ عِكْرِمَة: لم يره أحد إِلَّا أحبه، وَقَالَ قَتَادَة: ملاحة فِي عَيْنَيْهِ تَأْخُذ (بالقلوب).
وَقَوله: ﴿ولتصنع على عَيْني﴾ أَي: تربى وتغذى على نظر مني، وَهُوَ مثل قَوْله
329
( ﴿٣٩) إِذْ تمشي أختك فَتَقول هَل أدلكم على من يكفله فرجعناك إِلَى أمك كي تقر عينهَا وَلَا تحزن وَقتلت نفسا فنجيناك من الْغم وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ تَعَالَى: ﴿واصنع الْفلك بأعيننا﴾ فَإِن قيل: مَا من أحد فِي الْعَالم إِلَّا وَهُوَ يربى وَيغدى بمرأى من الله وَنظر مِنْهُ، فَأَي معنى لتخصيص مُوسَى؟ وَالْجَوَاب: أَن الله تَعَالَى فعل فِي اللطف فِي تربية مُوسَى مَا لم يفعل فِي تربية غَيره، فالتخصيص إِشَارَة إِلَى ذَلِك اللطف.
330
وَقَوله: ﴿إِذْ تمشي أختك﴾ سنذكر هَذَا فِي سُورَة الْقَصَص، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿فَتَقول هَل أدلكم على من يكفله﴾ يَعْنِي: على امْرَأَة ترْضِعه، وتضمه إِلَيْهَا.
وَقَوله: ﴿فرجعناك إِلَى أمك﴾ أَي: فرددناك.
وَقَوله: ﴿إِلَى أمك كي تقر عينهَا﴾ قد بَينا معنى قُرَّة الْعين، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى فرحها وسرورها بِوُجُودِهِ.
وَقَوله: ﴿وَلَا تحزن﴾ أَي: يذهب عَنْهَا الْحزن.
وَقَوله: ﴿وَقتلت نفسا﴾ أَي: القبطي، وسنذكره من بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿فنجيناك من الْغم﴾ أَي: من الْقَتْل، وَقيل: من غم التابوت، وغم الْبَحْر.
وَقَوله: ﴿وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ أَي: ابتليناك مرّة بعد مرّة، وَقيل: بلَاء بعد بلَاء، وَيُقَال: أخلصناك إخلاصا. من الْمَشْهُور الْمَعْرُوف أَن سعيد بن جُبَير، سَأَلَ عبد الله بن عَبَّاس عَن قَوْله: ﴿وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ فَقَالَ: تَغْدُو على غَدا، فَلَمَّا جَاءَهُ من الْغَد، أَخذ مَعَه فِي قصَّة مُوسَى من أَولهَا، وَجعل يعد عَلَيْهِ شَيْئا فَشَيْئًا من وِلَادَته فِي سنة قتل الْأَبْنَاء، وَمن إلقائه فِي المَاء، وَجعله فِي التابوت، ووقوعه فِي يَد فِرْعَوْن، ولطمه وَجهه، وَأَخذه
وَقَوله: ﴿فَتَقول هَل أدلكم على من يكفله﴾ يَعْنِي: على امْرَأَة ترْضِعه، وتضمه إِلَيْهَا.
وَقَوله: ﴿فرجعناك إِلَى أمك﴾ أَي: فرددناك.
وَقَوله: ﴿إِلَى أمك كي تقر عينهَا﴾ قد بَينا معنى قُرَّة الْعين، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى فرحها وسرورها بِوُجُودِهِ.
وَقَوله: ﴿وَلَا تحزن﴾ أَي: يذهب عَنْهَا الْحزن.
وَقَوله: ﴿وَقتلت نفسا﴾ أَي: القبطي، وسنذكره من بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿فنجيناك من الْغم﴾ أَي: من الْقَتْل، وَقيل: من غم التابوت، وغم الْبَحْر.
وَقَوله: ﴿وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ أَي: ابتليناك مرّة بعد مرّة، وَقيل: بلَاء بعد بلَاء، وَيُقَال: أخلصناك إخلاصا. من الْمَشْهُور الْمَعْرُوف أَن سعيد بن جُبَير، سَأَلَ عبد الله بن عَبَّاس عَن قَوْله: ﴿وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ فَقَالَ: تَغْدُو على غَدا، فَلَمَّا جَاءَهُ من الْغَد، أَخذ مَعَه فِي قصَّة مُوسَى من أَولهَا، وَجعل يعد عَلَيْهِ شَيْئا فَشَيْئًا من وِلَادَته فِي سنة قتل الْأَبْنَاء، وَمن إلقائه فِي المَاء، وَجعله فِي التابوت، ووقوعه فِي يَد فِرْعَوْن، ولطمه وَجهه، وَأَخذه
330
﴿فَلَبثت سِنِين فِي أهل مَدين ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى (٤٠) واصطنعتك لنَفْسي (٤١) اذْهَبْ أَنْت وأخوك بآياتي وَلَا تنيا فِي ذكري (٤٢) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن إِنَّه طَغى (٤٣) ﴾ الْجَمْرَة، ثمَّ من قَتله القبطي، ثمَّ فراره إِلَى مَدين... إِلَى آخر الْقِصَّة على مَا يرد، وَجعل يَقُول كلما ذكر شَيْئا من هَذَا: ذَلِك (من) الْفُتُون يَا ابْن جُبَير، حَتَّى عد عَلَيْهِ الْجَمِيع.
وَقَوله: ﴿فَلَبثت سِنِين فِي أهل مَدين﴾ يَعْنِي: تراعي الأغنام.
وَقَوله: ﴿ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى﴾ أَي: على قدر النُّبُوَّة والرسالة. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا على رَأس أَرْبَعِينَ سنة، وَجَاء مُوسَى ربه، وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة؛ فنبأه الله وأرسله، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى﴾. وَقيل مَعْنَاهُ: جِئْت على موعد يَا مُوسَى، وَلم يكن هَذَا الْموعد مَعَ مُوسَى، وَإِنَّمَا كَانَ موعدا فِي تَقْدِير الله تَعَالَى. وَيُقَال: وافيت فِي الْوَقْت الَّذِي قدرت أَي: توافى فِيهِ، قَالَ الشَّاعِر:
وَقَوله: ﴿فَلَبثت سِنِين فِي أهل مَدين﴾ يَعْنِي: تراعي الأغنام.
وَقَوله: ﴿ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى﴾ أَي: على قدر النُّبُوَّة والرسالة. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا على رَأس أَرْبَعِينَ سنة، وَجَاء مُوسَى ربه، وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة؛ فنبأه الله وأرسله، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى﴾. وَقيل مَعْنَاهُ: جِئْت على موعد يَا مُوسَى، وَلم يكن هَذَا الْموعد مَعَ مُوسَى، وَإِنَّمَا كَانَ موعدا فِي تَقْدِير الله تَعَالَى. وَيُقَال: وافيت فِي الْوَقْت الَّذِي قدرت أَي: توافى فِيهِ، قَالَ الشَّاعِر:
(نَالَ الْخلَافَة إِذْ كَانَت لَهُ قدرا | كَمثل مُوسَى الَّذِي وافى على قدر) |
(وعض زمَان يَا بن مَرْوَان لم يدع | من المَال إِلَّا مسحتا أَو مجلف) |
وَقَوله: ﴿وَقد خَابَ من افترى﴾ أَي: خسر وَهلك من افترى.
337
قَوْله تَعَالَى: ﴿فتنازعوا أَمرهم بَينهم وأسروا النَّجْوَى﴾ قَالَ قَتَادَة: هَذَا ينْصَرف إِلَى السَّحَرَة، وإسرارهم النَّجْوَى أَنهم قَالُوا: إِن كَانَ مَا يَأْتِي بِهِ مُوسَى سحرًا، فسنغلبه، وَإِن غلبنا فَلهُ أَمر، وَرُوِيَ أَنهم قَالُوا: إِن غلبنا اتبعناه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِن هَذَانِ لساحران﴾ اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة مشكلة فِي الْعَرَبيَّة، وفيهَا ثَلَاث قراءات:
قَرَأَ أَبُو عَمْرو: " إِن هذَيْن لساحران "، وَقَرَأَ حَفْص: " إِن هَذَانِ لساحران "، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " إِن هَذَانِ لساحران ".
أما قِرَاءَة أبي عَمْرو: فَهِيَ المستقيمة على ظَاهر الْعَرَبيَّة، وَزعم أَبُو عَمْرو أَن " هَذَانِ " غلط من الْكَاتِب فِي الْمُصحف.
قَرَأَ أَبُو عَمْرو: " إِن هذَيْن لساحران "، وَقَرَأَ حَفْص: " إِن هَذَانِ لساحران "، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " إِن هَذَانِ لساحران ".
أما قِرَاءَة أبي عَمْرو: فَهِيَ المستقيمة على ظَاهر الْعَرَبيَّة، وَزعم أَبُو عَمْرو أَن " هَذَانِ " غلط من الْكَاتِب فِي الْمُصحف.
337
وَعَن عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أرى فِي الْمُصحف لحنا، (تستقيمه) الْعَرَب بألسنتها. وَمثله عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -.
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد)، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه)
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد)، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه)
338
﴿هَذَانِ لساحران يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى (٦٣) فَأَجْمعُوا كيدكم ثمَّ ائْتُوا صفا﴾
أَي: نعم
وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عبد الله بن الزبير يطْمع شَيْئا، فَلم (يحصل) لَهُ طمعه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، فَقَالَ ابْن الزبير: إِن، وصاحبها، أَي: نعم. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِن ذَاك إِلَّا ساحران "، وَهِي شَاذَّة.
وَقَوله: ﴿يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿ويذهبا بطريقتكم المثلى﴾ أَي: بالطريقة المستقيمة الَّتِي أَنْتُم عَلَيْهَا، وَكَانُوا يظنون أَنهم على دين مُسْتَقِيم، والمثلى تَأْنِيث الأمثل. وَأما ابْن عَبَّاس قَالَ: بطريقتكم المثلى أَي: الرِّجَال الْأَشْرَاف.
وَقَالَ قَتَادَة: أَرَادَ بِهِ بني إِسْرَائِيل، وَكَانُوا أهل يسَار (وَعزة).
فَقَالُوا: يُريدَان أَن يذهبا بهؤلاء. وَالْعرب تَقول: هَؤُلَاءِ طَريقَة الْقَوْم أَي: أَشْرَافهم.
وَمِنْهُم من قَالَ: مَعْنَاهُ أهل طريقتكم المثلى.
أَي: نعم
وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عبد الله بن الزبير يطْمع شَيْئا، فَلم (يحصل) لَهُ طمعه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، فَقَالَ ابْن الزبير: إِن، وصاحبها، أَي: نعم. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِن ذَاك إِلَّا ساحران "، وَهِي شَاذَّة.
وَقَوله: ﴿يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿ويذهبا بطريقتكم المثلى﴾ أَي: بالطريقة المستقيمة الَّتِي أَنْتُم عَلَيْهَا، وَكَانُوا يظنون أَنهم على دين مُسْتَقِيم، والمثلى تَأْنِيث الأمثل. وَأما ابْن عَبَّاس قَالَ: بطريقتكم المثلى أَي: الرِّجَال الْأَشْرَاف.
وَقَالَ قَتَادَة: أَرَادَ بِهِ بني إِسْرَائِيل، وَكَانُوا أهل يسَار (وَعزة).
فَقَالُوا: يُريدَان أَن يذهبا بهؤلاء. وَالْعرب تَقول: هَؤُلَاءِ طَريقَة الْقَوْم أَي: أَشْرَافهم.
وَمِنْهُم من قَالَ: مَعْنَاهُ أهل طريقتكم المثلى.
339
وَقَوله: ﴿فَأَجْمعُوا كيدكم﴾ وقرىء بالوصل: " فاجمعوا ". أما قَوْله: ﴿فَأَجْمعُوا﴾ بِالْقطعِ فَمَعْنَاه: الْعَزِيمَة والإحكام. قَالَ الْأَزْهَرِي: تَقْدِيره: اعزموا كلكُمْ على كَيده مُجْتَمعين لَهُ، وَلَا تختلفوا فيختل أَمركُم. وَأما قَوْله: " فاجمعوا " بالوصل، مَعْنَاهُ: جيئوا بِكُل كيد لكم؛ لتعارضوا مُوسَى.
وَقَوله: ﴿ثمَّ ائْتُوا صفا﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مصطفين، وَقَالَ غَيره: الصَّفّ هُوَ
وَقَوله: ﴿ثمَّ ائْتُوا صفا﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مصطفين، وَقَالَ غَيره: الصَّفّ هُوَ
339
﴿وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى (٦٤) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون أول من ألْقى (٦٥) قَالَ بل ألقوا فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى (٦٦) فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى (٦٧) [الْمصلى]، وَمَعْنَاهُ: ثمَّ ائْتُوا الْمَكَان الْمَوْعُود.
وَقَوله: {وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى﴾ أَي: سعد وفاز من كَانَت لَهُ الْغَلَبَة فِي الْيَوْم.
وَقَوله: {وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى﴾ أَي: سعد وفاز من كَانَت لَهُ الْغَلَبَة فِي الْيَوْم.
340
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون أول من ألْقى﴾ مَعْنَاهُ: اختر، إِمَّا أَن تلقي أَنْت أَولا، أَو نلقي نَحن أَولا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ بل ألقوا﴾ يَعْنِي: ابتدءوا أَنْتُم بالإلقاء. فَإِن قَالَ قَائِل: إلقاؤهم كَانَ كفرا وسحرا، فَهَل يجوز أَن يَأْمُرهُم مُوسَى بالإلقاء الَّذِي هُوَ سحر وَكفر؟ الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذَا أَمر بِمَعْنى الْخَبَر، وَمَعْنَاهُ: إِن كَانَ إلقاؤكم عنْدكُمْ حجَّة فَألْقوا، وَالثَّانِي: أَنه أَمرهم بالإلقاء على قصد إبِْطَال سحرهم بِمَا يلقى من عَصَاهُ، وَهَذَا جَائِز.
وَقَوله: ﴿فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى﴾ وقرىء بِالْيَاءِ وَالتَّاء " تخيل "، فَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ، فَهُوَ رَاجع إِلَى العصي والحبال، فأنثت لِأَنَّهَا جمع، وَأما بِالْيَاءِ فَيَنْصَرِف إِلَى الْإِلْقَاء. وَفِي الْقِصَّة: أَنهم لما ألقوا الحبال والعصي رأى مُوسَى وَالْقَوْم كَأَن الأَرْض امْتَلَأت حيات، وَهِي تسْعَى أَي: تذْهب وتجيء. وَاعْلَم أَن التخايل مَا لَا أصل لَهُ. وَيُقَال: إِنَّهُم أخذُوا بأعين النَّاس، فظنوا وَحَسبُوا أَنَّهَا حيات، وَقيل: إِن حبالهم وعصيهم أخذت ميلًا من هَذَا الْجَانِب، وميلا من ذَلِك الْجَانِب.
وَقَوله: ﴿فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى﴾ وقرىء بِالْيَاءِ وَالتَّاء " تخيل "، فَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ، فَهُوَ رَاجع إِلَى العصي والحبال، فأنثت لِأَنَّهَا جمع، وَأما بِالْيَاءِ فَيَنْصَرِف إِلَى الْإِلْقَاء. وَفِي الْقِصَّة: أَنهم لما ألقوا الحبال والعصي رأى مُوسَى وَالْقَوْم كَأَن الأَرْض امْتَلَأت حيات، وَهِي تسْعَى أَي: تذْهب وتجيء. وَاعْلَم أَن التخايل مَا لَا أصل لَهُ. وَيُقَال: إِنَّهُم أخذُوا بأعين النَّاس، فظنوا وَحَسبُوا أَنَّهَا حيات، وَقيل: إِن حبالهم وعصيهم أخذت ميلًا من هَذَا الْجَانِب، وميلا من ذَلِك الْجَانِب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى﴾ أَي: وجد فِي نَفسه خيفة، وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الْخَوْف على قَوْلَيْنِ:
340
﴿قُلْنَا لَا تخف إِنَّك أَنْت الْأَعْلَى (٦٨) وألق مَا فِي يَمِينك تلقف مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى (٦٩) فألقي السَّحَرَة سجدا قَالُوا آمنا بِرَبّ﴾
أَحدهمَا: أَنه خوف البشرية، وَالْآخر: خَافَ على الْقَوْم أَن يلتبس عَلَيْهِم الْأَمر، فَلَا يُؤمنُوا، وَيُقَال: خَافَ على قومه أَن يشكوا، فيرجعوا عَن الْإِيمَان.
أَحدهمَا: أَنه خوف البشرية، وَالْآخر: خَافَ على الْقَوْم أَن يلتبس عَلَيْهِم الْأَمر، فَلَا يُؤمنُوا، وَيُقَال: خَافَ على قومه أَن يشكوا، فيرجعوا عَن الْإِيمَان.
341
قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْنَا لَا تخف إِنَّك أَنْت الْأَعْلَى﴾ أَي: الْغَلَبَة وَالظفر لَك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وألق مَا فِي يَمِينك تلقف مَا صَنَعُوا﴾ أَي: تلتقم وتبتلع.
وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا فتحت فاها، فابتلعت كل مَا كَانَ يمر من العصي والحبال، وَفرْعَوْن يضْحك ويظن أَنه سحر، ثمَّ قصدت قبَّة فِرْعَوْن، وَكَانَ طولهَا فِي الْهَوَاء [أَرْبَعِينَ] ذِرَاعا، ففتحت فاها على قدر ثَمَانِينَ ذِرَاعا، وأرادت أَن تلتقم الْقبَّة، فَنَادَى فِرْعَوْن: يَا مُوسَى، بِحَق التربية، قَالَ: فجَاء فَأَخذهَا، فَعَادَت عَصا على مَا كَانَت.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر﴾ قرىء " سَاحر "، وقرىء " سحر "، فَقَوله: ﴿كيد سَاحر﴾ أَي: حِيلَة سَاحر.
وَقَوله: ﴿كيد سحر﴾ أَي: حِيلَة من سحر.
وَقَوله: ﴿وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾ فِي التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: أَيْن وجد قتل.
وَفِي بعض المسانيد عَن جُنْدُب بن عبد الله، أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا أَخَذْتُم السَّاحر فَاقْتُلُوهُ، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾ ".
وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا فتحت فاها، فابتلعت كل مَا كَانَ يمر من العصي والحبال، وَفرْعَوْن يضْحك ويظن أَنه سحر، ثمَّ قصدت قبَّة فِرْعَوْن، وَكَانَ طولهَا فِي الْهَوَاء [أَرْبَعِينَ] ذِرَاعا، ففتحت فاها على قدر ثَمَانِينَ ذِرَاعا، وأرادت أَن تلتقم الْقبَّة، فَنَادَى فِرْعَوْن: يَا مُوسَى، بِحَق التربية، قَالَ: فجَاء فَأَخذهَا، فَعَادَت عَصا على مَا كَانَت.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر﴾ قرىء " سَاحر "، وقرىء " سحر "، فَقَوله: ﴿كيد سَاحر﴾ أَي: حِيلَة سَاحر.
وَقَوله: ﴿كيد سحر﴾ أَي: حِيلَة من سحر.
وَقَوله: ﴿وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾ فِي التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: أَيْن وجد قتل.
وَفِي بعض المسانيد عَن جُنْدُب بن عبد الله، أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا أَخَذْتُم السَّاحر فَاقْتُلُوهُ، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾ ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿فألقي السَّحَرَة سجدا﴾ قد بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿قَالُوا آمنا بِرَبّ هَارُون ومُوسَى﴾ أَي: بإله هَارُون ومُوسَى، وَقدم هَارُون على مُوسَى على وفْق رُءُوس الْآي.
وَقَوله: ﴿قَالُوا آمنا بِرَبّ هَارُون ومُوسَى﴾ أَي: بإله هَارُون ومُوسَى، وَقدم هَارُون على مُوسَى على وفْق رُءُوس الْآي.
341
﴿هرون ومُوسَى (٧٠) قَالَ آمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر فلأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا وَأبقى (٧١) قَالُوا لن نؤثرك على مَا جَاءَنَا من الْبَينَات وَالَّذِي فطرنا فَاقْض مَا أَنْت﴾
342
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ آمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر﴾ أَي: معلمكم الَّذِي علمكُم السحر. وَحكى الْكسَائي أَن الْعَرَب تَقول: رجعت من عِنْد كبيري أَي: معلمي.
وَقَوله: ﴿فلأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل﴾ مَعْنَاهُ: على جُذُوع النّخل، وَذكر كلمة فِي؛ لِأَن المصلوب يصلب مستطيلا على الْجذع؛ فالجذع يشْتَمل عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا وَأبقى﴾ أَي: أَنا أقوى أَو رب مُوسَى؟ وَذكر الْكَلْبِيّ: أَن فِرْعَوْن قطع أَيْديهم وأرجلهم وصلبهم، وَذكر غَيره: أَنه لم يقدر عَلَيْهِم، وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى: ﴿لَا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون﴾.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر﴾ أَي: معلمكم الَّذِي علمكُم السحر. وَحكى الْكسَائي أَن الْعَرَب تَقول: رجعت من عِنْد كبيري أَي: معلمي.
وَقَوله: ﴿فلأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل﴾ مَعْنَاهُ: على جُذُوع النّخل، وَذكر كلمة فِي؛ لِأَن المصلوب يصلب مستطيلا على الْجذع؛ فالجذع يشْتَمل عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا وَأبقى﴾ أَي: أَنا أقوى أَو رب مُوسَى؟ وَذكر الْكَلْبِيّ: أَن فِرْعَوْن قطع أَيْديهم وأرجلهم وصلبهم، وَذكر غَيره: أَنه لم يقدر عَلَيْهِم، وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى: ﴿لَا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا لن نؤثرك﴾ أَي: لن نختارك. ﴿على مَا جَاءَنَا من الْبَينَات﴾ أَي: الدلالات؛ وَكَانَ استدلالهم أَنهم قَالُوا: إِن كَانَ هَذَا سحر، فَأَيْنَ حبالنا وعصينا؟ وَقيل: من الْبَينَات أَي: الْيَقِين وَالْعلم.
وَقَوله: ﴿وَالَّذِي فطرنا﴾. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: (وَقَوله) وَلنْ نؤثرك على الَّذِي فطرنا، وَالْآخر: أَنه قسم.
وَقَوله: ﴿فَاقْض مَا أَنْت قَاض﴾ أَي: فَاصْنَعْ مَا أَنْت صانع.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: أَمرك وسلطانك فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا، وسيزول عَن قريب.
وَقَوله: ﴿وَالَّذِي فطرنا﴾. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: (وَقَوله) وَلنْ نؤثرك على الَّذِي فطرنا، وَالْآخر: أَنه قسم.
وَقَوله: ﴿فَاقْض مَا أَنْت قَاض﴾ أَي: فَاصْنَعْ مَا أَنْت صانع.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: أَمرك وسلطانك فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا، وسيزول عَن قريب.
342
﴿قَاض إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر وَالله خير وَأبقى (٧٣) إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرما فَإِن لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا﴾
343
وَقَوله: ﴿إِنَّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا﴾ أَي: ذنوبنا.
وَقَوله: ﴿وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر﴾ فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا وَقد جَاءُوا مختارين، وحلفوا بعزة فِرْعَوْن أَن لَهُم الْغَلَبَة على مَا ذكر فِي مَوضِع آخر؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن يجْبر قوما على تعلم السحر؛ لكيلا يذهب أَصله، وَكَانَ قد أكرههم فِي الِابْتِدَاء على تعلمه، فأرادوا بذلك.
وَقَوله: ﴿وَالله خير وَأبقى﴾ قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب مَعْنَاهُ: وَالله خير ثَوابًا إِن أطيع، وَأبقى عقَابا إِن عصي. يُقَال: إِن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه؛ فَلهَذَا قَالُوا: وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر، لما سجدوا أَرَاهُم الله تَعَالَى مواضعهم فِي الْجنَّة، وَمَا أعد لَهُم من الثَّوَاب والكرامة، فَلَمَّا رفعوا رُءُوسهم وَقد [رَأَوْا] قَالُوا مَا قَالُوا.
وَعَن عِكْرِمَة: أَصْبحُوا وهم سحرة، وأمسوا وهم شُهَدَاء.
وَرُوِيَ أَن الْحسن كَانَ إِذا بلغ إِلَى هَذِه الْآيَة قَالَ: عجبا لقوم كَافِرين سحرة من أَشد النَّاس كفرا، رسخ الْإِيمَان فِي قُلُوبهم حِين قَالُوا مَا قَالُوا، وَلم يبالوا بِعَذَاب فِرْعَوْن، وَترى الرجل من هَؤُلَاءِ يصحب الْإِيمَان سِتِّينَ سنة، ثمَّ يَبِيعهُ بِثمن يسير.
وَفِي الْقِصَّة: أَن امْرَأَة فِرْعَوْن كَانَت تستخبر فِي ذَلِك الْيَوْم لمن الْغَلَبَة، فَلَمَّا أخْبرت أَن الْغَلَبَة كَانَت لمُوسَى، أظهرت الْإِيمَان لله، فَذكر ذَلِك لفرعون، فَبعث قوما، وَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى أعظم صَخْرَة، فَإِن أصرت على قَوْلهَا، فَألْقوا عَلَيْهَا الصَّخْرَة، فأراها الله تَعَالَى موضعهَا من الْجنَّة، وَقبض روحها، فَجَاءُوا وألقوا الصَّخْرَة على جَسَد ميت.
وَقَوله: ﴿وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر﴾ فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا وَقد جَاءُوا مختارين، وحلفوا بعزة فِرْعَوْن أَن لَهُم الْغَلَبَة على مَا ذكر فِي مَوضِع آخر؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن يجْبر قوما على تعلم السحر؛ لكيلا يذهب أَصله، وَكَانَ قد أكرههم فِي الِابْتِدَاء على تعلمه، فأرادوا بذلك.
وَقَوله: ﴿وَالله خير وَأبقى﴾ قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب مَعْنَاهُ: وَالله خير ثَوابًا إِن أطيع، وَأبقى عقَابا إِن عصي. يُقَال: إِن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه؛ فَلهَذَا قَالُوا: وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر، لما سجدوا أَرَاهُم الله تَعَالَى مواضعهم فِي الْجنَّة، وَمَا أعد لَهُم من الثَّوَاب والكرامة، فَلَمَّا رفعوا رُءُوسهم وَقد [رَأَوْا] قَالُوا مَا قَالُوا.
وَعَن عِكْرِمَة: أَصْبحُوا وهم سحرة، وأمسوا وهم شُهَدَاء.
وَرُوِيَ أَن الْحسن كَانَ إِذا بلغ إِلَى هَذِه الْآيَة قَالَ: عجبا لقوم كَافِرين سحرة من أَشد النَّاس كفرا، رسخ الْإِيمَان فِي قُلُوبهم حِين قَالُوا مَا قَالُوا، وَلم يبالوا بِعَذَاب فِرْعَوْن، وَترى الرجل من هَؤُلَاءِ يصحب الْإِيمَان سِتِّينَ سنة، ثمَّ يَبِيعهُ بِثمن يسير.
وَفِي الْقِصَّة: أَن امْرَأَة فِرْعَوْن كَانَت تستخبر فِي ذَلِك الْيَوْم لمن الْغَلَبَة، فَلَمَّا أخْبرت أَن الْغَلَبَة كَانَت لمُوسَى، أظهرت الْإِيمَان لله، فَذكر ذَلِك لفرعون، فَبعث قوما، وَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى أعظم صَخْرَة، فَإِن أصرت على قَوْلهَا، فَألْقوا عَلَيْهَا الصَّخْرَة، فأراها الله تَعَالَى موضعهَا من الْجنَّة، وَقبض روحها، فَجَاءُوا وألقوا الصَّخْرَة على جَسَد ميت.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرما﴾ قَالَ بَعضهم: هَذَا من قَول السَّحَرَة، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ ابْتِدَاء كَلَام من الله تَعَالَى. قَوْله: ﴿مجرما﴾ أَي: مُشْركًا.
وَقَوله: ﴿فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى﴾ أَي: لَا يحيا حَيَاة ينْتَفع بهَا،
وَقَوله: ﴿فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى﴾ أَي: لَا يحيا حَيَاة ينْتَفع بهَا،
343
﴿وَلَا يحيى (٧٤) وَمن يَأْته مُؤمنا قد عمل الصَّالِحَات فَأُولَئِك لَهُم الدَّرَجَات العلى (٧٥) جنَّات عدن تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء من تزكّى (٧٦) وَلَقَد أَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَن أسر بعبادي فَاضْرب لَهُم طَرِيقا فِي الْبَحْر يبسا لَا﴾ وَلَا يَمُوت فيستريح، وَيُقَال: إِن أَرْوَاحهم تكون معلقَة بحناجرهم، لَا تخرج فيموتون، وَلَا تَسْتَقِر فِي موضعهَا فيحيون، قَالَ الشَّاعِر:
(أَلا من لنَفس تَمُوت فينقضي | شقاها وَلَا تحيا حَيَاة لَهَا طعم) |
(وأعددت للحرب أَوزَارهَا | رماحا طوَالًا وخيلا ذُكُورا) |
وَقَوله: ﴿فَكَذَلِك ألْقى السامري﴾ يَعْنِي: ألْقى السامري أَيْضا مَا عِنْده من الْحلِيّ.
348
﴿السامري (٨٧) فَأخْرج لَهُم عجلا جسدا لَهُ خوار فَقَالُوا هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي (٨٨) أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع إِلَيْهِم قولا وَلَا يملك لَهُم ضرا وَلَا نفعا (٨٩) ﴾
349
وَقَوله: ﴿فَأخْرج لَهُم عجلا جسدا لَهُ خوار﴾ فِي الْقِصَّة: أَن النَّار لما أخلصت الذَّهَب وَالْفِضَّة جَاءَ السامري، وَألقى فِيهِ قَبْضَة من التُّرَاب، أَخذهَا من تَحت حافر فرس جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - وَقَالَ: كوني عجلا لَهُ خوار، فَصَارَ عجلا يخور.
وَقَوله: ﴿جسدا﴾ قيل: جسدا لَا رَأس لَهُ، وَقيل: جسدا لَا يضر وَلَا ينفع، وَقَالَ الْخَلِيل: الْعَرَب تسمي كل مَا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب جسدا، وَكَانَ الْعجل لَا يَأْكُل وَلَا يشرب ويصيح، وَالْقَوْل الأول أَضْعَف الْأَقْوَال، وَاخْتلفُوا فِي الخوار: فالأكثرون أَنه صَوت عجل حَيّ، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَالْحسن، وَقَتَادَة وَجَمَاعَة، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ صَوت حفيف الرّيح، كَانَت تدخل فِي جَوْفه وَتخرج، وَهُوَ قَول ضَعِيف.
وَقَوله: ﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى، تَركه مُوسَى هَاهُنَا، وَذهب يَطْلُبهُ.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ: فنسي السامري الْإِيمَان بِاللَّه، أَي: ترك. وَقيل: فنسي مُوسَى أَن يذكر لكم أَن هَذَا هُوَ الْإِلَه.
وَقَوله: ﴿جسدا﴾ قيل: جسدا لَا رَأس لَهُ، وَقيل: جسدا لَا يضر وَلَا ينفع، وَقَالَ الْخَلِيل: الْعَرَب تسمي كل مَا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب جسدا، وَكَانَ الْعجل لَا يَأْكُل وَلَا يشرب ويصيح، وَالْقَوْل الأول أَضْعَف الْأَقْوَال، وَاخْتلفُوا فِي الخوار: فالأكثرون أَنه صَوت عجل حَيّ، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَالْحسن، وَقَتَادَة وَجَمَاعَة، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ صَوت حفيف الرّيح، كَانَت تدخل فِي جَوْفه وَتخرج، وَهُوَ قَول ضَعِيف.
وَقَوله: ﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى، تَركه مُوسَى هَاهُنَا، وَذهب يَطْلُبهُ.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ: فنسي السامري الْإِيمَان بِاللَّه، أَي: ترك. وَقيل: فنسي مُوسَى أَن يذكر لكم أَن هَذَا هُوَ الْإِلَه.
وَقَوله: ﴿أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع إِلَيْهِم قولا﴾ فِي بعض التفاسير: أَن الْعجل خار خوارا وَاحِدًا، وَلم يعد، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿أَلا يرجع إِلَيْهِم قولا﴾ وَقَالَ بَعضهم: لَا يُجِيبهُمْ إِذا دَعوه.
وَقَوله: ﴿وَلَا يملك لَهُم ضرا وَلَا نفعا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
فَإِن قيل: السامري كَانَ كَافِرًا، وَهَذَا الَّذِي ظهر على يَده معْجزَة، فَكيف يجوز أَن تظهر المعجزة على يَد كَافِر؟ وَالْجَوَاب: أَن ذَلِك كَانَ لفتنة بني إِسْرَائِيل وابتلائهم.
وَعند أهل السّنة هَذَا جَائِز، وَلَا نقُول: هُوَ معْجزَة، وَلكنه محنة وفتنة.
وَفِي بعض الْآثَار: أَن هَارُون مر على السامري، وَهُوَ يصوغ الْعجل، فَقَالَ لَهُ:
وَقَوله: ﴿وَلَا يملك لَهُم ضرا وَلَا نفعا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
فَإِن قيل: السامري كَانَ كَافِرًا، وَهَذَا الَّذِي ظهر على يَده معْجزَة، فَكيف يجوز أَن تظهر المعجزة على يَد كَافِر؟ وَالْجَوَاب: أَن ذَلِك كَانَ لفتنة بني إِسْرَائِيل وابتلائهم.
وَعند أهل السّنة هَذَا جَائِز، وَلَا نقُول: هُوَ معْجزَة، وَلكنه محنة وفتنة.
وَفِي بعض الْآثَار: أَن هَارُون مر على السامري، وَهُوَ يصوغ الْعجل، فَقَالَ لَهُ:
349
﴿وَلَقَد قَالَ لَهُم هَارُون من قبل يَا قوم إِنَّمَا فتنتم بِهِ وَإِن ربكُم الرَّحْمَن فَاتبعُوني وَأَطيعُوا أَمْرِي (٩٠) قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى (٩١) قَالَ يَا هَارُون مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا (٩٢) أَلا تتبعن أفعصيت أَمْرِي (٩٣) قَالَ يَا﴾ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هُوَ [شي] ينفع وَلَا يضر فَادع لي. فَقَالَ هَارُون: اللَّهُمَّ أعْطه على مَا فِي نَفسه، فَألْقى التُّرَاب فِي فَم الْعجل، وَقَالَ: كن عجلا يخور، فَكَانَ كَذَلِك بدعوة هَارُون.
وَقد قَالَ أهل الْعلم: إِنَّه لَيْسَ من عجل من ذهب يخور بِشُبْهَة تقع فِي أَنه إِلَه ومعبود.
وَقد قَالَ أهل الْعلم: إِنَّه لَيْسَ من عجل من ذهب يخور بِشُبْهَة تقع فِي أَنه إِلَه ومعبود.
350
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد قَالَ لَهُم هَارُون من قبل يَا قوم إِنَّمَا فتنتم بِهِ﴾ أَي: ابتليتم بِهِ.
﴿وَإِن ربكُم الرَّحْمَن﴾ أَي: معبودكم الرَّحْمَن، لَا مَا اتخذتموه معبودا.
وَقَوله: ﴿فَاتبعُوني﴾ أَي: اتبعوني فِي عبَادَة الله. ﴿وَأَطيعُوا أَمْرِي﴾ فِي ترك عبَادَة الْعجل.
﴿وَإِن ربكُم الرَّحْمَن﴾ أَي: معبودكم الرَّحْمَن، لَا مَا اتخذتموه معبودا.
وَقَوله: ﴿فَاتبعُوني﴾ أَي: اتبعوني فِي عبَادَة الله. ﴿وَأَطيعُوا أَمْرِي﴾ فِي ترك عبَادَة الْعجل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين﴾ أَي: لن نزل مقيمين على عِبَادَته ﴿حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا هَارُون﴾ فِيهِ تَقْدِير، وَهُوَ أَن مُوسَى رَجَعَ، وَقَالَ: يَا هَارُون.
وَقَوله: ﴿مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا أَلا تتبعن﴾ لَا زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أَن تتبعني.
وَقَوله: ﴿أفعصيت أَمْرِي﴾ أَي: خَالَفت أَمْرِي. فَإِن قَالَ قَائِل: هَل تَقولُونَ إِن هَارُون خَالف مُوسَى فِيمَا طلب مِنْهُ، وَأَنه داهن عَبدة الْعجل، وَلم يشدد فِي مَنعهم عَنْهَا؟ وَالْجَوَاب: أَن مُوسَى لم يطْلب من هَارُون إِلَّا أَن يخلفه فِي قومه، وَأَن يرفق بهم، فَرَأى هَارُون أَن لَا يقاتلهم، وَأَن الْإِمْسَاك عَن قِتَالهمْ أصلح، وَرَأى مُوسَى أَن يقاتلهم، وَرَأى أَن الْقِتَال أصلح، فَهَذَا رَأْي مُجْتَهد خَالف رَأْي مُجْتَهد، وَلَا عيب فِيهِ، وَإِنَّمَا
وَقَوله: ﴿مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا أَلا تتبعن﴾ لَا زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أَن تتبعني.
وَقَوله: ﴿أفعصيت أَمْرِي﴾ أَي: خَالَفت أَمْرِي. فَإِن قَالَ قَائِل: هَل تَقولُونَ إِن هَارُون خَالف مُوسَى فِيمَا طلب مِنْهُ، وَأَنه داهن عَبدة الْعجل، وَلم يشدد فِي مَنعهم عَنْهَا؟ وَالْجَوَاب: أَن مُوسَى لم يطْلب من هَارُون إِلَّا أَن يخلفه فِي قومه، وَأَن يرفق بهم، فَرَأى هَارُون أَن لَا يقاتلهم، وَأَن الْإِمْسَاك عَن قِتَالهمْ أصلح، وَرَأى مُوسَى أَن يقاتلهم، وَرَأى أَن الْقِتَال أصلح، فَهَذَا رَأْي مُجْتَهد خَالف رَأْي مُجْتَهد، وَلَا عيب فِيهِ، وَإِنَّمَا
350
﴿بنؤم لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بَين إِسْرَائِيل وَلم ترقب قولي (٩٤) ﴾ عاتبه مُوسَى فِي تَركه الْقِتَال، يَعْنِي: لَو كنت أَنا مَكَانك كنت أقاتلهم، فَهَلا فعلت مثل ذَلِك.
351
( ألا تتبعن ) لا زائدة، ومعناه : أن تتبعني.
وقوله :( أفعصيت أمري ) أي : خالفت أمري. فإن قال قائل : هل تقولون إن هارون خالف موسى فيما طلب منه، وأنه داهن عبدة العجل، ولم يشدد في منعهم عنها ؟ والجواب : أن موسى لم يطلب من هارون إلا أن يخلفه في قومه، وأن يرفق بهم، فرأى هارون أن لا يقاتلهم، وأن الإمساك عن قتالهم أصلح، ورأى موسى أن يقاتلهم، ورأى أن القتال أصلح، فهذا رأي مجتهد خالف رأي مجتهد، ولا عيب فيه، وإنما عاتبه موسى في تركه القتال، يعني : لو كنت أنا مكانك كنت أقاتلهم، فهلا فعلت مثل ذلك.
وقوله :( أفعصيت أمري ) أي : خالفت أمري. فإن قال قائل : هل تقولون إن هارون خالف موسى فيما طلب منه، وأنه داهن عبدة العجل، ولم يشدد في منعهم عنها ؟ والجواب : أن موسى لم يطلب من هارون إلا أن يخلفه في قومه، وأن يرفق بهم، فرأى هارون أن لا يقاتلهم، وأن الإمساك عن قتالهم أصلح، ورأى موسى أن يقاتلهم، ورأى أن القتال أصلح، فهذا رأي مجتهد خالف رأي مجتهد، ولا عيب فيه، وإنما عاتبه موسى في تركه القتال، يعني : لو كنت أنا مكانك كنت أقاتلهم، فهلا فعلت مثل ذلك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ يَابْنَ أم﴾. قرىء: " يَا بن أم " بِالنّصب و " يَابْنَ أم " بِالْكَسْرِ، وَقد بَينا هَذَا من قبل.
وَقَوله: ﴿لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أَخذ رَأسه بِيَمِينِهِ، وَأخذ لحيته بيساره، وَيُقَال: إِن المُرَاد من الرَّأْس شعر الرَّأْس، وَيُقَال: أَرَادَ بِالرَّأْسِ الْأذن، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا تهاون بِنَبِي من أَنْبيَاء الله، فَتكون كَبِيرَة من الْكَبَائِر، فَكيف وَجه فعل هَذَا من مُوسَى؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه يحْتَمل أَنه لم يكن مثل هَذَا الْفِعْل تهاونا فِي عَادَتهم، فَكَانَ الْأَخْذ باللحية شبه الْأَخْذ بالكف عِنْدهم، وَقَالَ بَعضهم: أَنه أَخذ بلحيته كَمَا يَأْخُذ الْإِنْسَان بلحية نَفسه عِنْد الْغَضَب فَجعله كنفسه، وَقد رُوِيَ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ إِذا غضب جعل يفتل شَاربه، وَأولى الْأَجْوِبَة أَن هَذَا فعل الْإِنْسَان بِمثلِهِ وشكله عِنْد الْغَضَب، فَتكون صَغِيرَة لَا كَبِيرَة، والصغائر جَائِزَة على الْأَنْبِيَاء، وَإِنَّمَا ذكر هَارُون " الْأُم "، وَلم يذكر " الْأَب "، ليرققه على نَفسه.
وَقَوله: ﴿إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بني إِسْرَائِيل﴾ هَذَا بَيَان مَا رَأْي من الرَّأْي، يَعْنِي: خشيت أَن تَقول: جعلتهم أحزابا، فحزب عبدُوا الْعجل، وحزب قَاتلُوا، وحزب أَمْسكُوا عَن الْقِتَال، والتبس عَلَيْهِم أَنه هَل يجوز الْقِتَال أَو لَا؟، وحزب أَنْكَرُوا لم يُقَاتلُون؟ فَكل هَذَا التَّفَرُّق كَانَ جَائِزا لَو قَاتل هَارُون.
وَقَوله: ﴿وَلم ترقب قولي﴾ أَي: لم تحفظ قولي، وَهَذَا منصرف إِلَى قَوْله: ﴿واخلفني فِي قومِي وَأصْلح﴾ (وَقد بَينا أَن معنى قَوْله: ﴿وَأصْلح﴾ ) أَي: ارْفُقْ، فَرَأى أَن الرِّفْق أَن يكف يَده.
وَقَوله: ﴿لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أَخذ رَأسه بِيَمِينِهِ، وَأخذ لحيته بيساره، وَيُقَال: إِن المُرَاد من الرَّأْس شعر الرَّأْس، وَيُقَال: أَرَادَ بِالرَّأْسِ الْأذن، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا تهاون بِنَبِي من أَنْبيَاء الله، فَتكون كَبِيرَة من الْكَبَائِر، فَكيف وَجه فعل هَذَا من مُوسَى؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه يحْتَمل أَنه لم يكن مثل هَذَا الْفِعْل تهاونا فِي عَادَتهم، فَكَانَ الْأَخْذ باللحية شبه الْأَخْذ بالكف عِنْدهم، وَقَالَ بَعضهم: أَنه أَخذ بلحيته كَمَا يَأْخُذ الْإِنْسَان بلحية نَفسه عِنْد الْغَضَب فَجعله كنفسه، وَقد رُوِيَ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ إِذا غضب جعل يفتل شَاربه، وَأولى الْأَجْوِبَة أَن هَذَا فعل الْإِنْسَان بِمثلِهِ وشكله عِنْد الْغَضَب، فَتكون صَغِيرَة لَا كَبِيرَة، والصغائر جَائِزَة على الْأَنْبِيَاء، وَإِنَّمَا ذكر هَارُون " الْأُم "، وَلم يذكر " الْأَب "، ليرققه على نَفسه.
وَقَوله: ﴿إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بني إِسْرَائِيل﴾ هَذَا بَيَان مَا رَأْي من الرَّأْي، يَعْنِي: خشيت أَن تَقول: جعلتهم أحزابا، فحزب عبدُوا الْعجل، وحزب قَاتلُوا، وحزب أَمْسكُوا عَن الْقِتَال، والتبس عَلَيْهِم أَنه هَل يجوز الْقِتَال أَو لَا؟، وحزب أَنْكَرُوا لم يُقَاتلُون؟ فَكل هَذَا التَّفَرُّق كَانَ جَائِزا لَو قَاتل هَارُون.
وَقَوله: ﴿وَلم ترقب قولي﴾ أَي: لم تحفظ قولي، وَهَذَا منصرف إِلَى قَوْله: ﴿واخلفني فِي قومِي وَأصْلح﴾ (وَقد بَينا أَن معنى قَوْله: ﴿وَأصْلح﴾ ) أَي: ارْفُقْ، فَرَأى أَن الرِّفْق أَن يكف يَده.
351
﴿قَالَ فَمَا خَطبك يَا سامري (٩٥) قَالَ بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول فنبذتها وَكَذَلِكَ سَوَّلت لي نَفسِي (٩٦) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِن لَك فِي﴾
352
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ فَمَا خَطبك يَا سامري﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: لما اعتذر هَارُون بِمَا اعتذر بِهِ أقبل مُوسَى على السامري، فَقَالَ: ﴿مَا خَطبك يَا سامري﴾ والخطب هُوَ: الْجَلِيل من الْأَمر، وَمعنى الْآيَة: مَا هَذَا الْأَمر الْعَظِيم الَّذِي جِئْت بِهِ؟
وَقَوله: ﴿قَالَ بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ﴾ رَأَيْت بِمَا لم يرَوا، وَيُقَال: فطنت بِمَا لم يفطنوا بِهِ.
وَقَوله: ﴿فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول﴾ الْمَعْرُوف: بالضاد الْمُعْجَمَة، وَقَرَأَ الْحسن الْبَصْرِيّ: " فقبصت " بالصَّاد غير الْمُعْجَمَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن الْقَبْض: هُوَ الْأَخْذ بملء الْكَفّ، والقبص هُوَ الْأَخْذ بأطراف الْأَصَابِع.
وَقَوله: ﴿من أثر الرَّسُول﴾ يَعْنِي: من تُرَاب حافر فرس جِبْرِيل، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ عرف هَذَا؟ وَكَيف رأى جِبْرِيل من بَين سَائِر النَّاس؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن أمه لما وَلدته فِي السّنة الَّتِي كَانَ يقتل فِيهَا الْأَنْبِيَاء، وَضعته فِي كَهْف حذرا عَلَيْهِ، فَبعث الله جِبْرِيل ليربيه ويغذيه لما قضى الله على يَده من الْفِتْنَة، فَلَمَّا رَآهُ عرفه وَأخذ التُّرَاب، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن جِبْرِيل كَانَ على فرس حصان أبلق، وَكَانَ ذَلِك الْفرس تسمى فرس الْحَيَاة، وَكَانَ كلما وضع (الْفرس) حَافره على مَوضِع أَخْضَر مَا تَحت حَافره، فَعرف أَنه فرس الْحَيَاة، وَكَانَ سمع بِذكرِهِ، وَأَن الَّذِي عَلَيْهِ جِبْرِيل، فَأخذ القبضة.
وَقَوله: ﴿فنبذتها﴾ أَي: ألقيتها فِي فَم الْعجل، وَقد قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا خار الْعجل لهَذَا؟ وَهُوَ أَن التُّرَاب كَانَ مأخوذا من تَحت فرس الْحَيَاة.
وَقَوله: ﴿وَكَذَلِكَ سَوَّلت لي نَفسِي﴾ أَي: زينت لي نَفسِي.
وَقَوله: ﴿فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول﴾ الْمَعْرُوف: بالضاد الْمُعْجَمَة، وَقَرَأَ الْحسن الْبَصْرِيّ: " فقبصت " بالصَّاد غير الْمُعْجَمَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن الْقَبْض: هُوَ الْأَخْذ بملء الْكَفّ، والقبص هُوَ الْأَخْذ بأطراف الْأَصَابِع.
وَقَوله: ﴿من أثر الرَّسُول﴾ يَعْنِي: من تُرَاب حافر فرس جِبْرِيل، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ عرف هَذَا؟ وَكَيف رأى جِبْرِيل من بَين سَائِر النَّاس؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن أمه لما وَلدته فِي السّنة الَّتِي كَانَ يقتل فِيهَا الْأَنْبِيَاء، وَضعته فِي كَهْف حذرا عَلَيْهِ، فَبعث الله جِبْرِيل ليربيه ويغذيه لما قضى الله على يَده من الْفِتْنَة، فَلَمَّا رَآهُ عرفه وَأخذ التُّرَاب، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن جِبْرِيل كَانَ على فرس حصان أبلق، وَكَانَ ذَلِك الْفرس تسمى فرس الْحَيَاة، وَكَانَ كلما وضع (الْفرس) حَافره على مَوضِع أَخْضَر مَا تَحت حَافره، فَعرف أَنه فرس الْحَيَاة، وَكَانَ سمع بِذكرِهِ، وَأَن الَّذِي عَلَيْهِ جِبْرِيل، فَأخذ القبضة.
وَقَوله: ﴿فنبذتها﴾ أَي: ألقيتها فِي فَم الْعجل، وَقد قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا خار الْعجل لهَذَا؟ وَهُوَ أَن التُّرَاب كَانَ مأخوذا من تَحت فرس الْحَيَاة.
وَقَوله: ﴿وَكَذَلِكَ سَوَّلت لي نَفسِي﴾ أَي: زينت لي نَفسِي.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِن لَك فِي الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس﴾ أَي: لَا أمس لَا
352
﴿الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس وَإِن لَك موعدا لن تخلفه وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا لنحرقنه ثمَّ لننسفنه فِي اليم نسفا (٩٧) إِنَّمَا إِلَهكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وسع كل شَيْء علما (٩٨) كَذَلِك نقص عَلَيْك من أنباء مَا قد سبق وَقد آتيناك من لدنا ذكرا (٩٩) من أعرض عَنهُ فَإِنَّهُ يحمل يَوْم الْقِيَامَة وزرا (١٠٠) خَالِدين﴾ أمس، وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى دَعَا عَلَيْهِ فَصَارَ يهيم مَعَ الْوَحْش، وَرُوِيَ أَنه كَانَ إِذا مس أحدا أَو مَسّه أحد حما جَمِيعًا، قَالَ الشَّاعِر:
وَقَالَ سعيد بن جُبَير: كَانَ السامري رجلا من أهل كرمان، وَيُقَال: من باجرما، وَالْأَكْثَرُونَ أَنه كَانَ من بني إِسْرَائِيل من رَهْط يُقَال لَهُم: السامري.
وَقَوله: ﴿وَإِن لَك موعدا لن تخلفه﴾ أَي: لن تكذبه، وَمَعْنَاهُ: أَن الله يكافئك على فعلك وَلَا تفوته، وَقُرِئَ: " لن تخلفه " بِكَسْر اللَّام أَي: توافى يَوْم الْقِيَامَة لميعاد الْعَذَاب وَلَا تخلف.
وَقَوله: ﴿وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا﴾ أَي: ظلت عَلَيْهِ مُقيما.
وَقَوله: ﴿لنحرقنه﴾ وَقُرِئَ: " لنحرقنه " من الإحراق، وهما فِي الْمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ التحريق بالنَّار، وَعَن عَليّ وَابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قرآ: " لنحرقنه " وَهِي قِرَاءَة أبي جَعْفَر، وَمَعْنَاهُ: لنبردنه بالمبرد، وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " لنذبحنه ثمَّ لنحرقنه ".
وَقَوله: ﴿ثمَّ لننسفنه فِي اليم نسفا﴾ يَعْنِي: لنذرينه فِي الْبَحْر تذرية.
﴿تَمِيم كرهط السامري وَقَوله | أَلا لَا يُرِيد السامري مساسا﴾ |
وَقَوله: ﴿وَإِن لَك موعدا لن تخلفه﴾ أَي: لن تكذبه، وَمَعْنَاهُ: أَن الله يكافئك على فعلك وَلَا تفوته، وَقُرِئَ: " لن تخلفه " بِكَسْر اللَّام أَي: توافى يَوْم الْقِيَامَة لميعاد الْعَذَاب وَلَا تخلف.
وَقَوله: ﴿وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا﴾ أَي: ظلت عَلَيْهِ مُقيما.
وَقَوله: ﴿لنحرقنه﴾ وَقُرِئَ: " لنحرقنه " من الإحراق، وهما فِي الْمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ التحريق بالنَّار، وَعَن عَليّ وَابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قرآ: " لنحرقنه " وَهِي قِرَاءَة أبي جَعْفَر، وَمَعْنَاهُ: لنبردنه بالمبرد، وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " لنذبحنه ثمَّ لنحرقنه ".
وَقَوله: ﴿ثمَّ لننسفنه فِي اليم نسفا﴾ يَعْنِي: لنذرينه فِي الْبَحْر تذرية.
353
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا إِلَهكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وسع كل شَيْء علما﴾ أَي: وسع علمه كل شَيْء، وَقَالُوا هَذَا من فصيح الْقُرْآن.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كَذَلِك نقص عَلَيْك من أنباء مَا قد سبق﴾ أَي: من أَخْبَار من تقدم.
وَقَوله: ﴿وَقد آتيناك من لدنا ذكرا﴾ الذّكر هَا هُنَا هُوَ: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿وَقد آتيناك من لدنا ذكرا﴾ الذّكر هَا هُنَا هُوَ: الْقُرْآن.
قَوْله تَعَالَى: ﴿من أعرض عَنهُ﴾ أَي: عَن الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿فَإِنَّهُ يحمل يَوْم الْقِيَامَة وزرا﴾ أَي: ثقلا، وَمَعْنَاهُ: إِثْمًا يثقله.
وَقَوله: ﴿فَإِنَّهُ يحمل يَوْم الْقِيَامَة وزرا﴾ أَي: ثقلا، وَمَعْنَاهُ: إِثْمًا يثقله.
353
﴿فِيهِ وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا (١٠١) يَوْم ينْفخ فِي الصُّور ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا (١٠٢) يتخافتون بَينهم إِن لبثتم إِلَّا عشرا (١٠٣) نَحن أعلم بِمَا يَقُولُونَ﴾
354
وَقَوله: ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ أَي: مقيمين فِي عَذَاب الْوزر.
وَقَوله: ﴿وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا﴾ أَي: بئس الْوزر حملهمْ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا﴾ أَي: بئس الْوزر حملهمْ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿يَوْم ينْفخ فِي الصُّور﴾ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: " وَيَوْم ننفخ فِي الصُّور " وَاسْتدلَّ بِمَا عطف عَلَيْهِ من قَوْله: ﴿ونحشر الْمُجْرمين﴾ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: ﴿يَوْم ينْفخ فِي الصُّور﴾ وَهَذَا هُوَ الأولى، وَقد بَينا معنى الصُّور من قبل.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا﴾ قَالَ الْحسن وَقَتَادَة وَجَمَاعَة: عميا. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة﴾ وَالله تَعَالَى إِنَّمَا خلقهمْ بصرا؛ وَالْجَوَاب: أَنه حُكيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن فِي الْقِيَامَة تارات وحالات فيحشرون بصرا ثمَّ يعمون. وَالْقَوْل الثَّانِي فِي قَوْله: ﴿زرقا﴾ : أَنه خضرَة الْعين، فيحشر الْكفَّار زرق الْأَعْين سود الْوُجُوه، وَالْقَوْل الثَّالِث: عطاشا، وَمَعْنَاهُ: وَقد تَغَيَّرت أَعينهم من شدَّة الْعَطش، وَالْقَوْل الرَّابِع: ﴿زرقا﴾ أَي: شاخصة أَبْصَارهم من عظم الْخَوْف، قَالَ الشَّاعِر:
وَالْقَوْل الْخَامِس: ﴿زرقا﴾ أَي: أحد الْبَصَر؛ لِأَن الْأَزْرَق يكون أحد بصرا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا﴾ قَالَ الْحسن وَقَتَادَة وَجَمَاعَة: عميا. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة﴾ وَالله تَعَالَى إِنَّمَا خلقهمْ بصرا؛ وَالْجَوَاب: أَنه حُكيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن فِي الْقِيَامَة تارات وحالات فيحشرون بصرا ثمَّ يعمون. وَالْقَوْل الثَّانِي فِي قَوْله: ﴿زرقا﴾ : أَنه خضرَة الْعين، فيحشر الْكفَّار زرق الْأَعْين سود الْوُجُوه، وَالْقَوْل الثَّالِث: عطاشا، وَمَعْنَاهُ: وَقد تَغَيَّرت أَعينهم من شدَّة الْعَطش، وَالْقَوْل الرَّابِع: ﴿زرقا﴾ أَي: شاخصة أَبْصَارهم من عظم الْخَوْف، قَالَ الشَّاعِر:
(لقد زرقت عَيْنَاك يَابْنَ مكعبر | كَذَا كل ضبي من اللؤم أَزْرَق) |
وَقَوله: ﴿يتخافتون بَينهم﴾ أَي: يتساررون، ويتكلمون خُفْيَة.
وَقَوله: ﴿إِن لبثتم إِلَّا عشرا﴾ أَي: مَا لبثتم إِلَّا عشرا، وَقد قَالَ بَعضهم: هَذَا فِي " الْقَبْر "، وَقَالَ بَعضهم: فِي الدُّنْيَا، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا كذب صَرِيح، وَقد لَبِثُوا فِي الدُّنْيَا والقبر سِنِين كَثِيرَة!، وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن من شدَّة هول الْقِيَامَة يظنون أَنهم مَا
وَقَوله: ﴿إِن لبثتم إِلَّا عشرا﴾ أَي: مَا لبثتم إِلَّا عشرا، وَقد قَالَ بَعضهم: هَذَا فِي " الْقَبْر "، وَقَالَ بَعضهم: فِي الدُّنْيَا، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا كذب صَرِيح، وَقد لَبِثُوا فِي الدُّنْيَا والقبر سِنِين كَثِيرَة!، وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن من شدَّة هول الْقِيَامَة يظنون أَنهم مَا
354
﴿إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة إِن لبثتم إِلَّا يَوْمًا (١٠٤) ويسألونك عَن الْجبَال فَقل ينسفها رَبِّي نسفا (١٠٥) فيذرها قاعا صفصفا (١٠٦) لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا (١٠٧) يَوْمئِذٍ يتبعُون الدَّاعِي لَا عوج لَهُ وخشعت الْأَصْوَات للرحمن فَلَا تسمع إِلَّا همسا﴾ لَبِثُوا إِلَّا هَذَا الْقدر، وَقَالَ بَعضهم: إِن الله تَعَالَى يرفع الْعَذَاب عَنْهُم بَين النفختين فيستريحون، فَقَوْلهم: ﴿إِن لبثتم إِلَّا عشرا﴾ رَاجع إِلَى هَذَا.
355
قَوْله تَعَالَى: ﴿نَحن أعلم بِمَا يَقُولُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَنِّي عَالم بقَوْلهمْ وَإِن خافتوا.
وَقَوله: ﴿إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة﴾ تَقول الْعَرَب: فلَان أمثل قومه أَي: أعدل قومه، وَمعنى الْآيَة هَا هُنَا: أعقلهم وَخَيرهمْ طَريقَة فِي نَفسه.
وَقَوله: ﴿إِن لبثتم إِلَّا يَوْمًا﴾ أَي: مَا لبثتم إِلَّا يَوْمًا.
وَقَوله: ﴿إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة﴾ تَقول الْعَرَب: فلَان أمثل قومه أَي: أعدل قومه، وَمعنى الْآيَة هَا هُنَا: أعقلهم وَخَيرهمْ طَريقَة فِي نَفسه.
وَقَوله: ﴿إِن لبثتم إِلَّا يَوْمًا﴾ أَي: مَا لبثتم إِلَّا يَوْمًا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ويسألونك عَن الْجبَال﴾ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: سَأَلَ الْمُشْركُونَ رَسُول الله مَا يفعل الله بِهَذِهِ الْجبَال يَوْم الْقِيَامَة؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿فَقل ينسفها رَبِّي نسفا﴾ النسف هُوَ الْقلع من الأَصْل، وَمعنى النسف فِي الْآيَة: هُوَ تسيير الْجبَال أَو جعلهَا هباء جعلهَا رملا سَائِلًا.
وَقَوله: ﴿فَقل ينسفها رَبِّي نسفا﴾ النسف هُوَ الْقلع من الأَصْل، وَمعنى النسف فِي الْآيَة: هُوَ تسيير الْجبَال أَو جعلهَا هباء جعلهَا رملا سَائِلًا.
وَقَوله: ﴿فيذرها قاعا صفصفا﴾ أَي: يذر أَمَاكِن الْجبَال قاعا صفصفا، والقاع هُوَ الْمَكَان الْوَاسِع المستوي، والصفصف هُوَ الأملس الَّذِي لَا نَبَات فِيهِ.
وَقَوله: ﴿لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا﴾ أَي: حدبا ونبكا، وَمَعْنَاهُ: انخفاضا وارتفاعا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْمئِذٍ يتبعُون الدَّاعِي﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: الدَّاعِي هَا هُنَا هُوَ إسْرَافيل يضع الصُّور فِي فِيهِ، وَيَقُول: أيتها الْعِظَام البالية، والجلود المتمزقة، واللحوم المتفرقة، هلموا إِلَى عرض الرَّحْمَن، أَو لفظ هَذَا مَعْنَاهُ.
وَقَوله: ﴿لَا عوج لَهُ﴾ أَي: لَا يزيغون يَمِينا وَلَا شمالا، وَقيل: لَا يُمكنهُم أَلا يتبعوه.
وَقَوله: ﴿وخشعت الْأَصْوَات للرحمن﴾ أَي: سكنت وخضعت، وَقَالَ قَتَادَة:
وَقَوله: ﴿لَا عوج لَهُ﴾ أَي: لَا يزيغون يَمِينا وَلَا شمالا، وَقيل: لَا يُمكنهُم أَلا يتبعوه.
وَقَوله: ﴿وخشعت الْأَصْوَات للرحمن﴾ أَي: سكنت وخضعت، وَقَالَ قَتَادَة:
355
( ﴿١٠٨) يَوْمئِذٍ لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن وَرَضي لَهُ قولا (١٠٩) يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يحيطون بِهِ علما (١١٠) وعنت الْوُجُوه للحي القيوم﴾ ذلت. قَالَ الشَّاعِر:
وَقَوله: ﴿فَلَا تسمع إِلَّا همسا﴾ الهمس هُوَ الصَّوْت الْخَفي، وَيُقَال: صَوت وَطْء الْأَقْدَام كهمس الْإِبِل، قَالَ الشَّاعِر:
((فَمَا) أَتَى خبر الزبير تصدعت | سور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الخشع) |
(فَبَاتُوا يذبحون وَبَات يسري | بَصِير بالدجى هار هموس) |
(رَأَتْ رجلا أما إِذا الشَّمْس عارضت | فيضحى وَأما بالْعَشي فيخصر) |