تفسير سورة النجم

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة النجم من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :«وَلِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) كُتُبٌ: نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ [الْمَعْرُوفُ «٢» ] مِنْهَا- عِنْدَ الْعَامَّةِ-: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنَّهُ أَنْزَلَ غَيْرَهُمَا «٣» فَقَالَ: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ: بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى: ٥٣- ٣٦- ٣٧). وَلَيْسَ يُعْرَفُ «٤» تِلَاوَةُ كِتَابِ إبْرَاهِيمَ. وَذِكْرُ «٥» زَبُورَ دَاوُد «٦» فَقَالَ «٧» :
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ: ٢٦- ١٩٦).»
«قَالَ: وَالْمَجُوسُ: أَهْلُ كِتَابٍ: غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقَدْ نَسُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوهُ «٨». وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ «٩».».
(١) كَمَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ١٥٤). وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ١٨٨)، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦).
(٢) الزِّيَادَة عَن اخْتِلَاف الحَدِيث.
(٣) أخرج فى السّنَن الْكُبْرَى، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، أَنه قَالَ: «أنزل الله مائَة وَأَرْبَعَة كتب من السَّمَاء». وراجع فِيهَا حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع: فى تَارِيخ نزُول صحف إِبْرَاهِيم، والتوراة، وَالْإِنْجِيل، وَالزَّبُور، وَالْقُرْآن.
(٤) فِي اخْتِلَاف الحَدِيث «تعرف تِلَاوَة كتب».
(٥) فى الأَصْل زِيَادَة: «فى». وهى من النَّاسِخ.
(٦) يعْنى: فى قَوْله تَعَالَى: (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً: ١٧- ٥٥)، وَقَوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ: ٢١- ١٠٥). لَا: فى الْآيَة الْآتِيَة. لِأَن زبر الْأَوَّلين كشمل سَائِر الْكتب الْمُتَقَدّمَة. انْظُر تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ بِهَامِش الْمُصحف (ص ٤٩٧)، وراجع الْأُم (ج ٤ ص ١٥٨).
(٧) فى السّنَن الكبري: «وَقَالَ». وَهُوَ أحسن.
(٨) رَاجع أثر على (كرم الله وَجهه) : الَّذِي يدل على ذَلِك، فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ١٥٥- ١٥٦)، وَالأُم (ج ٤ ص ٩٦)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ١٨٨- ١٨٩). [.....]
(٩) ثمَّ ذكر حَدِيث بجالة عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخذ الْجِزْيَة من مجوس هجر. فَرَاجعه وَمَا إِلَيْهِ: فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ١٨٩- ١٩٢) وراجع كَلَام صَاحب الْجَوْهَر النقي عَلَيْهِ، وَالْفَتْح (ج ٦ ص ١٦٢- ١٦٣). ثمَّ رَاجع الْأُم (ج ٤ ص ٩٦- ٩٧ و١٥٨)، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦- ١٩٧)، والرسالة (ص ٤٢٩- ٤٣٢) :
لتقف على حَقِيقَة مَذْهَب الشَّافِعِي، ويتبين لَك قيمَة كَلَام مخالفه فى هَذِه الْمَسْأَلَة.
لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّهُمْ: بِالْقَتْلِ، أَوْ: بِالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، أَوْ: الْقَطْعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَوْلِيَاءَ، كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْقِصَاصِ- فِي الْآيَتَيْنِ- فَقَالَ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً: ١٧- ٣٣) وَقَالَ فِي الْخَطَإِ:
(وَدِيَةٌ «١» مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا: ٤- ٩٢). وَذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى «٢»، ثُمَّ قَالَ: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ: ٢- ١٧٨) » فَذَكَرَ- فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ- أَهْلَ الدَّمِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الْمُحَارِبَةِ.
فَدَلَّ: عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ «٣» الْمُحَارِبَةِ، مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.».
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ «٤» :
(١) فِي الأَصْل وَالأُم: «فديَة». وَهُوَ تَحْرِيف ناشىء عَن الِاشْتِبَاه بِمَا فى آخر الْآيَة.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وَهُوَ الظَّاهِر الْمُوَافق للفظ الْآيَة. وفى الأَصْل: «الْقَتْل». وَهُوَ مَعَ صِحَّته، لَا نستبعد أَنه محرف.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «قبل». وَهُوَ تَصْحِيف.
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٧ ص ٨٦) : بعد أَن ذكر قَوْله تَعَالَى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى) الْآيَات الثَّلَاث ثمَّ حَدِيث أَبى رمثة: «دخلت مَعَ أَبى، على النَّبِي، فَقَالَ لَهُ:
من هَذَا؟ فَقَالَ: ابْني يَا رَسُول الله، أشهد بِهِ. فَقَالَ النَّبِي: أما إِنَّه لَا يجنى عَلَيْك، وَلَا تجنى عَلَيْهِ.»
. هَذَا وَقَالَ فى اخْتِلَاف الحَدِيث- فى آخر بحث تَعْذِيب الْمَيِّت ببكاء أَهله:
(ص ٢٦٩) عقب هَذَا الحَدِيث-: «فَأعْلم رَسُول الله، مثل مَا أعلم الله: من أَن جِنَايَة كل امْرِئ عَلَيْهِ، كَمَا عمله لَهُ: لَا لغيره، وَلَا عَلَيْهِ.». وَانْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٢٧ و٣٤٥ وَج ١٠ ص ٥٨).
316
أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، حَتَّى جَاءَ إبْرَاهِيمُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ) : فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى: ٥٣- ٣٧- ٣٨).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» (رَحِمَهُ اللَّهُ) : وَاَلَّذِي سَمِعْتُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) - فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).-: أَنْ لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ «٢» وَذَلِكَ: فِي بَدَنِهِ، دُونَ مَالِهِ. فَإِنْ «٣» قَتَلَ «٤»، أَوْ كَانَ «٥» حَدًّا: لَمْ يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ «٦»، وَلَمْ يُحَدَّ بِذَنْبِهِ: فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ). [لِأَنَّ اللَّهَ «٧» ] جَزَى الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِ «٨» أَنْفُسِهِمْ، وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا.»
(١) كَمَا ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى (أَيْضا) مُخْتَصرا: (ج ٨ ص ٣٤٥).
(٢) فى السّنَن الْكُبْرَى، بعد ذَلِك: «لِأَن الله عز وَجل جزى الْعباد» إِلَى قَوْله:
«عَاقِلَته».
(٣) فى الْأُم: «وَإِن». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «قيل». وَهُوَ تَصْحِيف.
(٥) أَي: كَانَ ذَنبه يسْتَوْجب الْحَد.
(٦) فى الْأُم زِيَادَة: «وَلم يُؤْخَذ». [.....]
(٧) زِيَادَة متعينة: وَعبارَة الْأُم: «لِأَن الله جلّ وَعز إِنَّمَا جعل جَزَاء» إِلَخ.
وهى أحسن.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «أَعْمَالهم»، وَلَا نستبعد تحريفه.
317
«وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ: لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، فِي «١» مَالٍ، إلَّا: حَيْثُ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : بِأَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ- مِنْ الْحُرِّ- عَلَى الْآدَمِيِّينَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ «٢»
«فَأَمَّا [مَا «٣» ] سِوَاهَا: فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ: بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ.»
«وَعَلَيْهِمْ- فِي أَمْوَالِهِمْ- حُقُوقٌ سِوَى هَذَا: مِنْ ضِيَافَةٍ، وَزَكَاةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَيْسَ مِنْ وَجه الْجِنَايَة.».
(١) كَذَا بالسنن الْكُبْرَى. وفى الْأُم: «فى مَاله». وَهُوَ أظهر. وفى الأَصْل: «من مَال» وَالظَّاهِر أَنه محرف.
(٢) رَاجع كَلَامه عَن حَقِيقَة الْعَاقِلَة، وأحكامها: فِي الْأُم (ج ٦ ص ١٠١- ١٠٣)، والمختصر (ج ٥ ص ١٤٠). فَهُوَ نَفِيس جيد. وَانْظُر فتح الْبَارِي (ج ١٢ ص ١٩٩)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ١٠٦- ١٠٧).
(٣) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
318
سورة النجم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّجْم) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الإخلاص)، وقد أشارت إلى صدقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تبليغه الرسالةَ، ونفيِ الهوى عنه، وأن كلَّ ما جاء به هو وحيٌ من عند الله، عن طريق جبريلَ عليه السلام؛ فحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفتريَ على الله الكذبَ، كما جاءت السورةُ الكريمة بإثبات بطلان الآلهة التي يَدْعُونها من دُونِ الله؛ فهو وحده المستحِقُّ للعبادة.

ترتيبها المصحفي
53
نوعها
مكية
ألفاظها
361
ترتيب نزولها
23
العد المدني الأول
61
العد المدني الأخير
61
العد البصري
61
العد الكوفي
62
العد الشامي
61

*  سورة (النَّجْم):

سُمِّيت سورة (النَّجْم) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَم الله عز وجل بالنَّجْم.

* سورة (النَّجْم) هي أولُ سورةٍ أُنزلت فيها سجدةٌ:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «أولُ سورةٍ أُنزِلتْ فيها سَجْدةٌ: {وَاْلنَّجْمِ}، قال: فسجَدَ رسولُ اللهِ ﷺ، وسجَدَ مَن خَلْفَه، إلا رجُلًا رأَيْتُه أخَذَ كفًّا مِن ترابٍ فسجَدَ عليه، فرأَيْتُه بعدَ ذلك قُتِلَ كافرًا؛ وهو أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ». أخرجه البخاري (٤٨٦٣).

1. إثبات الوحيِ، وتزكيةُ مَن أُنزِلَ عليه (١-١٨).

2. الظنُّ لا يغني من الحق شيئًا (١٩-٣٢).

3. ذمُّ المشركين، وبيانُ وَحْدة رسالة التوحيد (٣٣- ٦٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /490).

مقصدُ السورة الأعظم هو إثبات صدقِ النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، ونفيِ الهوى عنه، فلا يَتكلَّم إلا بما علَّمه اللهُ إياه عن طريق الوحيِ؛ فهو الصادقُ المصدوق المبعوث من عند القويِّ المتعال، وفي ذلك يقول ابنُ عاشور رحمه الله مشيرًا إلى مقصودها: «تحقيقُ أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادقٌ فيما يبلغه عن الله تعالى، وأنه مُنزَّه عما ادَّعَوْهُ.

وإثباتُ أن القرآن وحيٌ من عند الله بواسطة جبريل.

وتقريبُ صفة نزول جبريل بالوحيِ في حالينِ؛ زيادةً في تقرير أنه وحيٌ من الله واقع لا محالةَ.

وإبطالُ إلهيَّة أصنام المشركين.

وإبطال قولهم في اللاتِ والعُزَّى ومَناةَ: بناتُ الله، وأنها أوهام لا حقائقَ لها، وتنظيرُ قولهم فيها بقولهم في الملائكة: إنهم إناثٌ». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /88).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /35).