تفسير سورة نوح

القطان

تفسير سورة سورة نوح من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان.
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

ليلا ونهارا: دائما. جعلوا أصابعهم في آذانهم: سدّوا آذانهم حتى لا يسمعوا. استغشَوا ثيابهم: تغطوا بها لئلا يروا. يُرسِل السماءَ عليكم: يرسل المطر. مدرارا: غزيرا.
لقد اخبر الله تعالى في أول هذه السورة الكريمة أنه أرسل نوحاً الى قومه لينذرَهم بأسه قبل أن يأتيَهم عذابٌ شديد. فقال نوح: يا قوم إنّي نذيرٌ لكم، فعليكم أن تعبدوا اللهَ وحده وتطيعوه، فإن أطعتُم وآمنتم يغفرْ لكم ذنوبَكم ويمدّ في أعماركم ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ ووقتٍ محدّد، إن أمر الله اذا جاء لا يُردّ ولا يؤجَّل ﴿لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
فعصاه قومُه ولم يستجيبوا له فقال: يا رب، لقد دعوتُ قومي لعبادتك ليلاً ونهاراً فلم تزدهم دعوتي لهم إلا فِرارا من دِينك، وإني كلّما دعوتُهم لتغفرَ لهم، سدُّوا مسامعَهم بأصابعهم وغطوا رؤوسهم بثيابهم حتى لا يسمعوا الحقَّ وأصروا على كفرهم ﴿واستكبروا استكبارا﴾. ثم إنتي دعوتُهم بأعلى صوتي جهارا، كما دعوتُهم سِرا، وقلت لهم: ﴿استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً﴾ يُغِيثْكم ويُرْسِلِ الأمطار عليكم غزيرةً تُخصِب أرضَكم وتُحيي زروعكم، ويمدُّكم بالأموالِ والبنين، ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾ تجري من تحتِها، لتعيشوا بأحسنِ حال.
قراءات:
قرأ عاصم وحمزة وابو عمرو: انِ اعبدوا الله بكسر النون لالتقاء الساكنين. والباقون: أنُ اعبدوا الله بضم النون. وقرأ الجمهور: دعائي بفتح الياء. وقرأ الكوفيون ويعقوب: دعائي باسكان الياء كما هو في المصحف.
ترجون: معناه هنا تخافون، وقد يستعمل للأمل. وقارا: عظمة واجلالا. اطوارا: في حالات متعددة. طباقا: بعضها فوق بعض، او يشبه بعضها بعضا في الإتقان. بساطا: مبسوطة واسعة. فجاجا: واسعة.
قعد أن دعاهم نوح الى الله في السرّ والعلَن، وطلبَ إليهم ان يَستغفِروه حتى يرزقَهم الغيثَ كي يحسِّن وضعَهم، ويمدّهم بالأموالِ والبنين.. وحاولَ ان يهذِّب نفوسهم بأن يتّبعوا مكارمَ الأخلاق - استنكر نوحٌ على قومه وتعجّب من إعراضِهم كيف لا يهابون الله ولا يخافون من قُدرته وعظَمته. ﴿مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ مختلفةً فكنتم نطفةً في الأرحام، ثم علقةً، ثم مُضغةً، ثم عِظاما، ثم كسا العظام لحماً، ثم انشأكم خَلْقاً آخر ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ [المؤمنون: ١٤].
ثم ينبّهُهُمْ إلى هذا الكونِ العجيب وهذه السماواتِ وإتقان صُنْعِها، إذ جعلَ القمرَ فيها يشعُّ بالنور، وجعلَ الشمسَ كالسراجِ تُوَلّد الضوءَ. ولقد خلقكم اللهُ من هذه الأرضِ مثلَ ما أنبتَ النباتَ منها، ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾ بعد الموتِ، فيخرجُكم يومَ القيامة. واللهُ جعلَ لكم الأرضَ مبسوطةً لتسلكوا فيها الطرقَ المريحةَ الواسعةَ أين ش~ئتُم من نواحيها وأرجائها وتسعوا في مناكبها.
كُبارا: بضم الكاف وفتح الباء المشددة: كبيرا عظيما. لا تذَرُنّ: لا تتركن. وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونَسْراً: اسماء اصنام كانوا يعيدونها. مما خطيئاتِهم أغرقوا: من اجل ذنوبهم اغرقوا بالطوفان. ديّارا: احدا يعمر الديار. تبارا: هلاكا.
بعدَ ان يئس نوحٌ من قومه في هذه المدَّة الطويلة التي قضاها بينَهم توجّه الى ربه وقال: ربّ إنهم عَصَوني واتَّبعوا طواغيتَهم من الأغنياءِ الأقوياء الذين لن تزيدَهم أموالُهم وأولادُهم الا خُسرانا. وقد مكروا بي وبدِينك مكراً كبيرا جدًا، وقالوال لأتباعهم: لا تتركوا آلهتكم التي تعبُدونها ولا تتركوا وَدّاً ولا سُواعاً ولا يغوثَ ويعوقَ ونَسْرا. وقد أطاعهم الناسُ فأضلّوهم ﴿وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً﴾.
﴿مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً﴾.
وبسببِ ذُنوبهم أغرقَهم الله بالطوفان، وأُدخِلوا بعدَ ذلك ناراً عظيمة. وذلك يومَ القيامة، ولم يجِدوا لهم أنصاراً يَحْمُونَهم من عذابِ الله.
ثم قال نوح بعدَ يأسِه الشديد: ﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً...﴾
يا ربّ، لا تترك على الأرضِ أحَداً من الكافرين، إنّك يا ربّ إن تَتركْهم دونَ هلاكٍ ﴿يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾.
ثم طلب نوح الغفرانَ ولأبوَيه وللمؤمنين والمؤمنات، وأعادَ الدعاءَ على الكافرين مرّةً اخرى فقال: ﴿وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً﴾.
أي خُسراناً وبُعداً من رحمتك. أما سيدُنا محمد الرسولُ العربي الكريم فإنه لم يَدْعُ على قومه بل دَعا لهم أكثرَ من مرَةٍ وكان يقول: «اللهمّ اهدِ قومي فإنهم لا يَعلمون» وقد استجابَ له. ونسأل اللهَ تعالى ان يهديَ العربَ الى سَواء الطريق ويجمع كلمتَهم، ويوحّد صفوفَهم ليواجهوا عدوَّهم المشترك، وان يقوّوا صِلَتَهم بجميع المسلمين ﴿وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٩].
قراءات:
قرأ نافع: ودا بضم الواو. والباقون: ودا بفتح الواو. وقرأ ابو عمرو: مما خطاياهم، والباقون: مما خطيئاتهم.
سورة نوح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (نوح) من السُّوَر المكية، وقد جاءت على ذكرِ قصة (نوح) مع قومه، وما عاناه في طريق الدعوة إلى الله من عنادهم وتكبُّرهم، مع بيانِ موقف الكافرين ومآلهم، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، وتحذيرٌ للكافرين أن يُنزِلَ الله بهم ما أنزله بقوم (نوح) عليه السلام، كما ثبَّتتِ السورةُ كلَّ من هو على طريق الدعوة إلى الله؛ ليكون (نوح) أسوةً له بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
71
نوعها
مكية
ألفاظها
227
ترتيب نزولها
71
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
28
العد الشامي
29

* سورة (نوح):

سُمِّيت سورة (نوح) بهذا الاسم؛ لورود قصةِ نوح عليه السَّلام فيها.

1. نوح عليه السلام يدعو قومه (١-٢٠).

2. موقف الكافرين ومآلهم (٢١-٢٧).

3. الخاتمة (٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /367).

يقول ابن عاشور رحمه الله: «أعظمُ مقاصدِ السورة ضربُ المثَلِ للمشركين بقوم نوح، وهم أول المشركين الذين سُلِّط عليهم عقابٌ في الدنيا، وهو أعظم عقابٍ؛ أعني: الطوفان.

وفي ذلك تمثيلٌ لحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بحالهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /186).