تفسير سورة التين

تفسير السمعاني

تفسير سورة سورة التين من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني.
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة التين وهي مكية، وقد ثبت برواية البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ هذه السورة في صلاة المغرب، خرجه مسلم في كتابه.

قَوْله تَعَالَى: ﴿والتين وَالزَّيْتُون﴾ قَالَ مُجَاهِد وَالْحسن: هُوَ التِّين الَّذِي يُؤْكَل وَالزَّيْتُون الَّذِي يعصر.
وَالْمعْنَى: وَرب التِّين وَالزَّيْتُون.
وَقَالَ قَتَادَة: التِّين هُوَ الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ دمشق، وَالزَّيْتُون هُوَ الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ بَيت الْمُقَدّس.
وَقَالَ كَعْب: هُوَ دمشق وَبَيت الْمُقَدّس.
وَحكى الْفراء أَنَّهُمَا جبلان مَا بَين حلوان إِلَى همذان.
وَيُقَال: أَرَادَ منابت التِّين وَالزَّيْتُون.
قَالَ النّحاس: وَهَذَا قَول يُخَالف ظَاهر الْآيَة، وَلم ينْقل عَمَّن يكون قَوْله حجَّة.
وَقَوله: ﴿وطور سِنِين﴾ أَكثر الْمُفَسّرين أَنه الْجَبَل الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى.
وَقد ثَبت عَن عمر أَنه قَرَأَ: " وطور سَيْنَاء "، وَفِي حرف ابْن مَسْعُود: " وطور سِيْنَاء " بِكَسْر السِّين.
وَقَالَ الْحسن: الطّور هُوَ الْجَبَل، وسنين: الْمُبَارك.
وَعَن الْأَخْفَش: طور: اسْم الْجَبَل وسنين: اسْم الشّجر.
وَقَوله: ﴿وَهَذَا الْبَلَد الْأمين﴾ هُوَ مَكَّة بِالْإِجْمَاع، وَمعنى الْأمين أَي: آمن من فِيهِ.
وَقَوله: ﴿لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم﴾ هُوَ جَوَاب الْقسم.
قَالَ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم وَجَمَاعَة: فِي أحسن تَقْوِيم أَي: فِي أحسن صُورَة.
وَقيل: فِي أحسن تَقْوِيم: هُوَ اعتداله واستواؤه.
وَقَوله: ﴿ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين﴾ قَالَ مُجَاهِد وَالْحسن: إِلَى النَّار إِلَّا من آمن.
فعلى هَذَا تكون الْآيَة فِي الْكفَّار.
وَقد قيل: إِنَّه ورد فِي كَافِر بِعَيْنِه فَيُقَال: إِنَّه أَبُو
253
﴿إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم أجر غير ممنون (٦) فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ (٧) أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين (٨) ﴾ جهل.
وَقيل: إِنَّه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة.
وَقيل غَيرهمَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك وَجَمَاعَة: ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين: هُوَ أرذل الْعُمر، والسافلون هم الضُّعَفَاء والمرضى والشيوخ العجزة.
254
وَقَوله: ﴿إِلَّا الَّذين آمنُوا﴾ الِاسْتِثْنَاء مُشكل فِي هَذِه السُّورَة، فعلى قَول الْحسن وَمُجاهد يكون الِاسْتِثْنَاء ظَاهرا وَالْمعْنَى: رد النَّاس إِلَى النَّار إِلَّا من آمن وَعمل صَالحا فَإِنَّهُ لَا يرد إِلَى النَّار، وَمعنى الْإِنْسَان: النَّاس.
وَأما على قَول إِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك فالاستثناء مُشكل على هَذَا القَوْل، قَالَه النّحاس.
وَالْمعْنَى على هَذَا إِلَّا الَّذين آمنُوا فَلَا يردون إِلَى أرذل الْعُمر، وَمَعْنَاهُ: أَنه يكْتب لَهُم أَعْمَالهم الصَّالِحَة بعد الْهَرم على مَا كَانُوا يعملونها فِي حَالَة الشَّبَاب وَإِن عجزوا عَنْهَا، فكأنهم لم يردوا إِلَى أرذل الْعُمر، وَقد حكى معنى هَذَا عَن إِبْرَاهِيم، وروى ذَلِك مَرْفُوعا فِي بعض الْأَخْبَار إِلَى الرَّسُول.
وَقَوله: ﴿فَلهم أجر غير ممنون﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: لَا يمتن بِهِ عَلَيْهِم أحد - سوى الله - منَّة تكدر النِّعْمَة عَلَيْهِم.
وَالْقَوْل الْمَعْرُوف: غير مَقْطُوع وَهُوَ مؤيد لما ذَكرْنَاهُ من التَّأْوِيل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ﴾ الْمَعْنى: فَمَا يكذبك أَيهَا الشاك بِيَوْم الْحساب بعد مَا شاهدت من قدرَة الله تَعَالَى مَا شاهدت، هَذَا هُوَ القَوْل الْمَعْرُوف.
وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن مَعْنَاهُ: فَمن يكذبك بعد بِالدّينِ على خطاب النَّبِي أَي: من الَّذِي يكذبك بِيَوْم الْحساب بعد أَن ظهر من الْبَرَاهِين والآيات مَا ظهر، ذكره أَبُو معَاذ النَّحْوِيّ، القَوْل الأول أولى؛ لِأَن مَا بِمَعْنى من، يبعد فِي اللُّغَة.
وَقَوله: ﴿أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين﴾ هُوَ اسْتِفْهَام بِمَعْنى التَّحْقِيق وَهُوَ مثل قَول جرير:
(ألستم خير من ركب المطايا وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)
أَي: أَنْتُم كَذَلِك.
وَقد ورد عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم كَانُوا إِذا ختموا السُّورَة قَالُوا: اللَّهُمَّ بلَى، وَفِي رِوَايَة: بلَى، وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين؛ مِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.
254

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق (١) ﴾
تَفْسِير سُورَة العلق
وَهِي مَكِّيَّة
255
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).