تفسير سورة التين

التفسير الواضح

تفسير سورة سورة التين من كتاب التفسير الواضح
لمؤلفه محمد محمود حجازي .

سورة التين
مكية. وآياتها ثمان آيات، وفيها يقسم الحق- تبارك وتعالى- بأنه خلق الإنسان فعدله، ثم رده حتى كان أسفل سافلين، إلا المؤمنين فلهم الثواب الكبير، والله أحكم الحاكمين.
[سورة التين (٩٥) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)
المفردات:
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ: هما الشجرتان المعروفتان ذات الثمر المعروف، أو هما مكانان في الشام. طُورِ سِينِينَ: الجبل المسمى بهذا الاسم في طور سينا، والذي ناجى موسى عليه ربه. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ أى: مكة. تَقْوِيمٍ يقال: قومت الشيء تقويما: إذا جعلته على أعدل وجه وأكمل صورة. أَسْفَلَ سافِلِينَ المراد:
جعلناه من أهل النار الذين هم أسفل من كل سافل. غَيْرُ مَمْنُونٍ: غير مقطوع.
بِالدِّينِ: بيوم الجزاء.
المعنى:
أقسم الله بالتين والزيتون، وبطور سينين التي ناجى فيها موسى ربه، وبهذا البلد الأمين، وهو مكة التي يقاسى فيها النبي الأمرّين من قومه، مع أنها البلد الأمين الذي
879
يأمن صاحبه ومن دخل فيه من كل صوب، بل يأمن فيها الطير والوحش والقاتل المطلوب، ولكن ما المراد بالتين والزيتون؟ هل هما الشجرتان المعروفتان؟ وأقسم الله بهما لمزيد فضلهما، ولمكانتهما الطيبة المعروفة، غير أن النسق العام للقرآن البليغ يأبى ذلك، ولهذا قيل: المراد بهما مكانهما، وهما يكثران في الشام التي كان فيها السيد المسيح عليه السلام، وعلى ذلك يكون القسم بهما للإشارة إلى المسيح وبطور سيناء للنبي موسى كليم الله، وبهذا البلد الأمين لخاتم الأنبياء والمرسلين- عليه الصلاة والسلام-.
وبعض العلماء يقول: التين والزيتون موضعان في الشام، وهذا يحتاج إلى تصديق الواقع له.
قد أقسم الله بهذه الأمكنة المقدسة لشرف من حل بها من الأنبياء والرسل لقد خلق الإنسان في أحسن تقويم، أى: على أحسن حال وأكمل صورة، ألا تراه وقد خلقه مستوى القامة مرفوع الرأس، يأكل بيده، قد وهبه العقل والتفكير، والقدرة على تسخير غيره من الحيوان والنبات، بل امتد عقله، واتسع تفكيره إلى أن سخر الطبيعة وذللها لأغراضه ومنافعه، والشواهد على ذلك كثيرة الآن.
ولعل السر في هذا القسم لفت أنظار الناس إلى أنفسهم، وما ركب فيها من قوى وإدراك وعقول وتمييز ليصلوا بهذا إلى توحيد الله القوى القادر، هذا الإنسان الذي خلقه ربه فأكرمه ونعمه، وجعله يستولى على جميع العوالم، قد كان في أول أمره ساذجا قليل الأطماع، لم تتنبه فيه غرائز الشر، ثم تنبهت فيه عوامل الشر، وغرائز السوء حتى ظهر الحقد والحسد والتنازع والإفساد، وكان القتال والنزاع والحروب. وأصبح الإنسان كالحيوان المفترس.
وضريت نفسه حتى صار أعظم اغتيالا لأخيه الإنسان من السباع، وهذا معنى قوله: ثم رددناه أسفل سافلين، ففطرة الله التي فطر الناس عليها تدعو إلى التراحم والتعاون وإيثار العدل والخلق الكامل، ولكن الإنسان قد ينزع إلى الشر بعوامل البيئة التي تحرك فيه مصادر السوء. وحينئذ ينسى فطرته، ويعود إلى حيوانيته. ويعمل عمل أهل النار، فيكون أسفل من كل سافل وأشد من كل حيوان ضار.
880
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير
هذا هو الإنسان وطبعه وما جبل عليه، فطرة سليمة حتى إذا حركت فيها عوامل الشر انقلب أشد من الحيوان، إلا الذين امتلأت قلوبهم بالإيمان بالله واليوم الآخر فإنهم يكبحون جماح نفوسهم، ويردونها إلى الجادة والخير، فيعملون العمل الصالح ابتغاء مرضاة الله، وهؤلاء لهم أجر كريم غير مقطوع فلهم الحسنى في الدنيا، ثم لهم الأجر الكامل في الآخرة.
عجبا لك أيها الإنسان! ما الذي يجعلك تكذب بيوم الدين بعد أن عرفت ذلك؟! أليس الله بأحكم الحاكمين «١» وأعدل العادلين. حيث أثاب الطائعين بالثواب الدائم وجازى المكذبين بالعقاب الصارم.
(١) هذا استفهام للتقرير بما بعد النفي، أى: قروا بأنه أحكم الحاكمين.
881
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).