ﰡ
[سورة قريش (١٠٦) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)الإعراب:
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) اضطربت أقوال المعربين والمفسرين في متعلق هذه اللام التي هي مستهل السورة اضطرابا شديدا لا نملك معه إمكانية البتّ في القول الحاسم ولكننا سنختار ما جنحنا إليه ثم نورد لك بعض أقوال المعربين لأنهم أفرغوا كل طاقاتهم العلمية وملكاتهم الذهنية في توجيه هذا المتعلق، فنقول: لإيلاف متعلق بقوله فيما بعد فليعبدوا كأنه قال: فإن لم يعبدوا الله لسائر نعمه السابغة المترادفة فليعبدوه لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف وهي نعمة سابغة أتاحت لهم الاتجار وضمنت لهم ميسور الرزق. وإيلاف مصدر آلف رباعيا بوزن أكرم يقال آلفته أولفه إيلافا، وكانت لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفي
شددت إليك الرحيل فوق شملة | من المؤلفات الرهو غير الأوارك |
أحدها أنه ما في السورة قبلها من قوله فجعلهم كعصف مأكول قال الزمخشري وهذا بمنزلة التضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصحّ إلا به وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل وعن عمر أنه قرأهما في الركعة الثانية من المغرب وقرأ في الأولى بسورة والتين، وإلى هذا ذهب أبو الحسن الأخفش إلا أن الحوفي قال:
وردّ هذا القول جماعة بأنه لو كان كذلك لكان لإيلاف بعض سورة ألم تر، وفي إجماع الجميع على الفصل بينهما ما يدل على عدم ذلك» وأقول: لقد اتفق علماء البلاغة ونقّاد الشعر القدامى على أن التضمين
والتقدير فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش فعلى هذا تكون اللام لام الخفض متصلة ب ألم تر وقال الخليل والبصريون: اللام لام الإضافة متصلة ب فليعبدوا والتقدير: فليعبدوا رب هذا البيت لأن منّ عليهم بإيلاف قريش وصرف عنهم شرّ أصحاب الفيل، وحدّثني ابن مجاهد عن السّمّري عن الفراء قال: يجوز أن تكون اللام لام التعجب كأنه قال: أعجبنا محمد لإيلاف قريش كما قال الشاعر- النابغة الذبياني-:
أتخذل ناصري وتعزّ عبسا | أيربوع بن غيظ للمعنّي |
وقريش هي التي تسكن البح | ر بها سمّيت قريش قريشا |
تأكل الغثّ والسمين ولا تت | رك يوم لذي جناحين ريشا |
ولهم آخر الزمان نبي | يكثر القتل فيهم والخموشا |
الفاء الفصيحة لأنها وقعت في جواب شرط مقدّر واللام لام الأمر ويعبدوا فعل مضارع مجزوم باللام والواو فاعل ورب مفعول به وهذا مضاف إليه والبيت بدل من هذا وأعربها ابن خالويه نعتا ولست أحب ذلك وإن قاله النحاة ولكني أرى أن الجامد بعد اسم الإشارة لا يسوغ إعرابه نعتا مطلقا فالأحسن أن يكون المشتق نعتا والجامد بدلا (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) الذي نعت لرب أو بدل منه وجملة أطعمهم صلة لا محل لها ومن جوع متعلق بأطعمهم ومن تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم فلا بدّ من تقدير مضاف أي من أجله، وكذلك آمنهم من خوف.