ﰡ
والمعنى: أنَّ هلاكَ أصحاب الفيل كان سَبباً لبقاءِ إيلافِ قُريش، ونظامِ حالهم. وقريشٌ هم ولَدُ النَّضِرِ بن كِنَانَةَ، فمن وَلَدَهُ النَّضِرُ فهو قُرَشيٌّ، ومن لم يَلِدْهُ فليس بقرَشِيٍّ. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ:" إنَّ اللهَ اصْطََفَى بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمَ "وسُمُّوا قُريشاً من التَّقْرِيشِ؛ وهو التكسُّبُ والتقلب والجمعُ والطلب، وكانوا قَوماً تُجَّاراً على المالِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ ﴾ بدلٌ من الإيلافِ الأوَّل. واختلَفُوا في انتصاب (رحْلَةَ)، فقيل: انتصبَ على المصدر؛ أي ارتِحالُهم رحلةً، وإنْ شئتَ نصَبتَهُ بوقوعِ (إيْلاَفِهِمْ) عليه، وإنْ شئتَ على الظَّرفِ. واختلَفُوا في تفسيرِ رحلة الشتاء والصيف، فرُوي عن ابنِ عبَّاس قال: ((كَانُوا يَشْتُونَ بمَكَّةَ، فأَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى أنْ يُقِيمُوا بالْحَرَمِ، وَيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا الْبَيْتِ)). وَقِيْلَ: كانت لهم في السَّنة رحلَتان: إحدَاهُما في الشِّتاء إلى اليمنِ لأنَّها أدفأُ، والأُخرى في الصَّيف إلى الشَّام، وكان الحرَمُ جَدْباً لا زرعَ فيه ولا ضرعَ ولا شجرَ، وإنما كان قريشٌ يعيشُونَ بتجارتِهم ورحلَتِهم، وكان لا يتعرضُ له أحدٌ بسوءٍ، وكانت الناسُ تقول: سُكَّان حرمِ الله، فلولا الرِّحلتان لم يكن لأحدٍ بمكة مقامٌ، ولولا الأمنُ بجوار البيت لم يقدِرُوا على التصرُّف.