تفسير سورة التين

صفوة البيان لمعاني القرآن

تفسير سورة سورة التين من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية وآياتها ثمان.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والتين والزيتون... ﴾ أقسم الله تعالى ببقاع مباركة عظيمة، ظهر فيها الخير والبركة بسكنى الأنبياء. فالتين والزيتون : مجاز عن منابتها بالأرض المباركة، وفيها مهاجر إبراهيم، ومولد عيسى ومسكنه عليه السلام. وطور سينين : الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام. والبلد الأمين : مكة المشرفة التي فيها البيت المعظم، وفيها ولد وبعث أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. وسنين وسيناء – ويفتح – وسينا : اسم للبقعة التي فيها الجبل. أو معناه : المبارك الحسن ؛ وإضافة " طور " إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة. ويجوز في إعرابه أن يجرى مجرى جمع المذكر السالم، وأن يلزم الياء وتحرك النون بحركات الإعراب.
﴿ البلد الأمين ﴾ أي الآمن في الدارين داخله مؤمنا بالله ؛ من أمن الرجل أمانة – ككرم – فهو أمين. أو المأمون فيه من الغوائل ؛ من أمنه : أي لم يخفه.
﴿ لقد خلقنا... ﴾ جواب القسم ؛ أي لقد خلقنا جنس الإنسان في أعدل قامة، وأحسن صورة، مكملا بالعقل والمعرفة، ومتصفا بالحياة والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والتدبير، والحكمة. والتقويم : التثقيف والتعديل.
﴿ ثم رددناه... ﴾ أي رددناه أقبح من قبح صورة، وأشوه خلقة ؛ لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين. والمراد به أهل النار. وقيل : رددناه بعد ذلك التقويم أسفل من سفل صورة وشكلا ؛ بالهرم بعد الشباب، والضعف بعد القوة، والعجز بعد القدرة ؛ كما قال تعالى : " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " ١.
وقال : " ومن نعمره ننكسه في الخلق " ٢. والسافلون : هم الضعفاء والزّمنى والأطفال. وأسفلهم : الهرم. والمردود على المعنيين : بعض أفراد الجنس.
١ آية ٧٠ النحل..
٢ آية ٦٨ يس..
﴿ إلا الذين آمنوا... ﴾ وجروا على موجب تلك الصفات التي منحهم الله إياها ؛ أنشأهم عليها.
﴿ فلهم أجر غير ممنون ﴾ أي غير مقطوع عنهم. أو غير ممنون به عليهم جزاء إيمانهم، واستمساكهم بالحق، وقيامهم بما تقتضيه تلك الصفات. ولا تقبح صورهم يوم القيامة ؛ بل يزدادون بهجة وحسنا. والاستثناء متصل من ضمير " رددنا " العائد على الإنسان، فإنه في معنى الجمع. أو لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى لهم أجر غير ممنون ؛ لصبرهم على ما ابتلوا به من الهرم المانع لهم عن النهوض لأداء وظائفهم من العبادة. والاستثناء منقطع بمعنى لكن ؛ لدفع ما يتوهم من أن التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره.
﴿ فما يكذبك ﴾ خطاب للإنسان الكافر على طريق الالتفات ؛ لتشديد التوبيخ والتقريع. والاستفهام إنكاري ؛ أي فأي شيء يضطرك بعد ما بينا من الدليل القاطع على القدرة على البعث والجزاء، إلى أن تكون كاذبا بسبب تكذيبك بالجزاء الذي يكون بعد البعث والحساب ! ؟ فإن كل مكذب للحق فهو كاذب.
﴿ أليس الله ﴾ الذي فعل ما أنبأناك﴿ بأحكم الحاكمين ﴾ أي أتقنهم صنعا وتدبيرا. أو أحكمها قضاء بالحق وعدلا بين الخلق ؟ والاستفهام للتقرير بما بعد النفي. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قرأها قال :( بلى ! وأنا على ذلك من الشاهدين ).
والله أعلم.
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).