تفسير سورة التين

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة التين من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سورة التين والزيتون
مكية، وآيها: ثماني آيات، وحروفها: مئة وتسعة وخمسون حرفًا، وكلمها: أربع وثلاثون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١)﴾.
[١] ﴿وَالتِّينِ﴾ هو الجبل الذي عليه دمشق ﴿وَالزَّيْتُونِ﴾ هو طور زيتا الجبل الذي ببيت المقدس من جهة المشرق، وذلك أن التين ينبت كثيرًا بدمشق، والزيتون بإيلياء، وقيل: المراد بالتين: الذي يؤكل، والزيتون: الذي يعصر، وأكل النبي - ﷺ - مع أصحابه تينًا أهدي إليه، فقال: "لو قلتُ إن فاكهةً نزلَتْ من الجنة، لقلت هذه؛ لأن فاكهةَ الجنة بلا عَجَم، فكلوا، فإنه يقطعُ البواسيرَ، وينفع من النِّقْرِسِ" (١).
وقال - ﷺ -: "نعمَ السواكُ الزيتونُ من الشجرةِ المباركةِ، هي سواكي وسواكُ الأنبياء من قبلي" (٢).
(١) رواه الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٢٣٨)، وأبو نعيم في "الطب"، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، بإسناد مجهول، كما قال المناوي في "الفتح السماوي" (٣/ ١١٠٨).
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٦٧٨)، وفي "مسند الشاميين" (٤٦) قال =
﴿وَطُورِ سِينِينَ (٢)﴾.
[٢] ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى -عليه السلام- بلا خلاف، ومعنى سينين: حسن مبارك، وقيل: معناه: ذو الشجر.
...
﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)﴾.
[٣] ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ أي: الآمن؛ يعني: مكة بلا خلاف؛ لأمن الناس فيها جاهلية وإسلامًا، أقسم الله بهذه الأشياء تشريفًا لها.
...
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)﴾.
[٤] وجواب القسم: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ والمراد به: الجنس.
﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ أعدلِ قامة، وأحسن صورة، وذلك أنه تعالى خلق كل شيء مُنكبًّا على وجهه، إلا الإنسان.
...
﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)﴾.
[٥] ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ﴾ بعد القدرة والكمال ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ إلى الهرم وأرذل العمر حتى ينقضي عمره، ويضعف بدنه، ويذهب عقله.
...
= الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٢/ ١٠٠): وفيه معلل بن محمد ولم أجد من ذكره. وانظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (١/ ٧٢).
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦)﴾.
[٦] ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ منهم، فإنه يكتب لهم بعد الهرم مثل حال الشباب.
قال ابن عباس: "هم نفر رُدُّوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله تعالى عذرهم، وأخبر أن لهم أجرهم مثل الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم" (١)، فذلك قوله تعالى: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ محسوب يمنُّ عليهم به (٢)، وثبتت الفاء في (فَلَهُمْ) هنا، ولم تثبت في (لَهُمْ) آخر الانشقاق؛ جمعًا بين اللغتين.
...
﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧)﴾.
[٧] ثم قال إلزامًا للحجة، وتوبيخًا للكفار: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ ما سببُ تكذيبك أيها الإنسان ﴿بَعْدُ﴾ أي: بعد هذا الدليل القاطع ﴿بِالدِّينِ﴾ بالحساب والجزاء، يقال: أكذبته: وجدتُه كاذبًا، وكذَّبته مشددًا: قلت له: كذبت.
...
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨)﴾.
[٨] ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ بأفصل الفاصلين، فيفصل بينك وبين مكذبيك.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٣٠/ ٢٤٤). وانظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٦٤٤).
(٢) "محسوب يمن عليهم به" زيادة من "ت".
396
قال قتادة: كان النبي - ﷺ - إذا قرأ هذه الآية، قال: "بَلَى، وأنا على ذلك من الشاهدين" (١)، والله أعلم.
* * *
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٣٠/ ٢٥٠). وانظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٦٤٥).
ورواه أبو داود (٨٨٧)، كتاب: الصلاة، باب: مقدار الركوع والسجود، والترمذي (٣٣٤٧)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة التين، من طريق إسماعيل بن أمية، عن أعرابي، عن أبي هريرة، به. قال الترمذي: إنما يروى بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة ولا يسمى.
397
سورة العلق
مكية، وآيها: تسع عشرة آية، وحروفها: مئتان وتسعة وعشرون حرفًا، وكلمها: اثنتان وسبعون كلمة، وهي أول ما نزل من كتاب الله تعالى على الأصح، وعليه الأكثر، وتقدم التنبيه عليه في سورة المدثر، نزل صدرها وهو خمس آيات إلى قوله: ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ في غار حراء، كذا ورد به الحديث الصحيح، والترتيب في أخبار النبي - ﷺ - يقتضي ذلك، والله أعلم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أولُ ما بُدئ رسولُ الله - ﷺ - من الوحي الرؤيا الصالحةُ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثلَ فَلَق الصبح، ثم حُبِّب إليه التحنُّثُ في غار حراء، فكان يخلو فيه، فيتحنَّثُ فيه الليالي ذوات العدد، ثم ينصرف، حتى جاءه الملَكُ وهو في غار حراء، فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني، ثم كذلك ثلاث مرات، فقال في الثالثة: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ إلى قوله: ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، قالت: فرجعَ رسولُ الله - ﷺ - يرجُفُ فؤادُه" الحديث بطوله (١).
(١) رواه البخاري (٣)، كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -، ومسلم (١٦٠) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -.
398
سورة التين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التِّين) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البُرُوج)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بأربعة أشياء: بـ(التِّين، والزَّيتون، وطورِ سِينينَ، والبَلَد الأمين)، وتمحورت حول حقيقةِ الفِطْرة القويمة التي فطَر اللهُ الناس عليها؛ من حُبِّ الخير، والإقبال على الخالق، وفي ذلك دعوةٌ إلى الاستجابة لأمر الله، والإيمانِ بوَحْدانيته، وموافقةِ الفِطْرة السليمة.

ترتيبها المصحفي
95
نوعها
مكية
ألفاظها
34
ترتيب نزولها
28
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التِّين):

سُمِّيت سورة (التِّين) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(التِّين).

1. الأقسام الأربعة (١-٣) .

2. المُقسَم عليه (٤-٦).

3. قدرة الخالق (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /242).

التنبيه على خَلْقِ اللهِ الإنسانَ في أحسَنِ خِلْقة، وبفِطْرة سليمة قويمة.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «احتوت هذه السورةُ على التنبيه بأن اللهَ خلَق الإنسان على الفِطْرة المستقيمة؛ ليَعلَموا أن الإسلامَ هو الفطرة؛ كما قال في الآية الأخرى: {فَأَقِمْ ‌وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطْرَتَ اْللَّهِ اْلَّتِي فَطَرَ اْلنَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اْللَّهِۚ} [الروم: 30]، وأن ما يخالِفُ أصولَه بالأصالة أو بالتحريف فسادٌ وضلال، ومتَّبِعي ما يخالف الإسلامَ أهلُ ضلالة، والتعريض بالوعيد للمكذِّبين بالإسلام».

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /419).