تفسير سورة هود

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة هود من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه إلكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

قوله تعالى :﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنيَا وَزِيَنَتَهَا نُُوَفِّ إلَيهِم أَعمَالَهُم فِيهَا وَهُم فِيهَا لاَ يُبخَسُونَ ﴾، الآية :[ ١٥ ] :
معناه معنى قوله :" إنما الأعمال بالنيات "، الحديث١، ويدل ذلك على أن من صام في رمضان لا عن رمضان لا يقع عن رمضان، ويدل على أن من توضأ للتبرد والتنظف لا يقع قربة عن جهة الصلاة.
١ - أخرجه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما..
قوله تعالى :﴿ ونَادَى نُوحٌ رَبّهُ فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابني مِنْ أَهْلي ﴾، الآية :[ ٤٥ ] :
سمى ابنه من أهله، وهذا يدل على أن من أوصى لأهله دخل تحته ابنه، ومن تضمنه منزله وهو في عياله، فدل قول نوح على ذلك، وقال تعالى في آية أخرى :﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعمَ المُجِيبُونَ، وَنَجّينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ١، فسمى جميع من تضمنه منزله من أهله.
وقوله عليه السلام : إن ابني من أهلي : الذين وعدتني أن تنجيهم، فأخبر الله تعالى أنه ليس من أهلك الذي وعدت أن أنجيهم.
وقد قيل : إنه لم يكن ابنه حقيقة، وظاهر القرآن يدل على خلافه٢.
وفيه دليل على أن حكم الاتفاق في الدين أقوى من النسب.
١ - سورة الصافات، آية ٧٥-٧٦..
٢ - انظر ما ذكره الإمام الفخر الرازي حول هذه المسألة..
قوله تعالى :﴿ واستَعْمَرَكُم فِيهَا ﴾، الآية :[ ٦١ ] : يدل على وجوب عمارة الأرض، فإن الاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى للوجوب.
قوله تعالى :﴿ قَالُوا سَلاَماً ﴾، الآية :[ ٦٩ ] : يدل على أن السلام الذي هو تحية الإسلام، كان تحية الملائكة١.
١ - انظر تفسير الفخر، وابن كثير، والطبري لسورة هود، آية ٦٩..
قوله تعالى :﴿ إنّا أُرْسِلنَا إلَى قَوْمِ لُوطِ ﴾، الآية :[ ٧٠ ] : ثم ساق الكلام، إلى أن قال :﴿ فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إبراهِيم الرَّوعُ وَجَاءَتهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا في قَوْمِ لُوطِ ﴾، الآية :[ ٧٤ ]، حين قالوا :﴿ إنّا أُرْسِلنَا إلَى قَوْمِ لُوطِ ﴾، الآية [ ٧٠ ]، لنهلكهم.
وقوله :﴿ قالَ إن فِيهَا لُوطاً، قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا١ : وذلك يحتج به من يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، لأن الملائكة أخبرت إبراهيم أنها تهلك قوم لوط، ولم تبين المنجين منهم، ومع ذلك إبراهيم عليه السلام جادلهم وقال : اتهلكونهم وفيهم كذا وكذا من المسلمين، وتعرف منهم أمر العذاب، وأنه عذاب واقع بهم لا محالة، أم يعفى عنهم إذا رجعوا ؟ وهذا دلالة لا محالة على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهو بين حسن.
١ - سورة العنكبوت، آية ٣٢..
قوله تعالى :﴿ أصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَترُكَ مَا يَعْبدُ آبَاؤُنَا ﴾، الآية :[ ٨٧ ] :
يستدل به على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد قيل : الصلاة هاهنا الدين، فيستدل به على أن الصلاة تطلق بمعنى الدين١.
١ - انظر تفصيل هذا في تفسير الفخر الرازي، ج ١٨، ص ٤٣..
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَرْكَنُوا إلَى الّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمُ النّارُ ﴾، الآية :[ ١١٣ ] :
يدل على النهي عن مجالس الظالمين ومؤانستهم، والإنصات إليهم، وهو مثل قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى معَ القَوْمِ الظّالِمِينَ١.
١ - سورة الأنعام، آية ٦٨..
قوله تعالى :﴿ وأقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيْ النّهارِ ﴾، الآية :[ ١١٤ ] : عنى بطرفي النهار على قول ابن عباس : الفجر، والعصر، وعنى بقوله : زلفاً من الليل المغرب والعشاء.
سورة هود
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (هُودٍ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتِحت بتعظيمِ الكتاب ووصفِه بالإحكام والتفصيل، واشتملت على حقائقِ العقيدة وأصولِ الدعوة إلى الله، مرغِّبةً ومرهِّبةً، واصفةً أهوالَ ومشاهد يوم القيامة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في الأثر، وقد جاء في السورةِ كثيرٌ من قصص الأنبياء؛ تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأخذِ العِبَر من حال الأنبياء، ودعوتِهم مع أقوامهم.

ترتيبها المصحفي
11
نوعها
مكية
ألفاظها
1946
ترتيب نزولها
52
العد المدني الأول
122
العد المدني الأخير
121
العد البصري
121
العد الكوفي
123
العد الشامي
122

* قوله تعالى: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اْلصُّدُورِ} [هود: 5]:

عن محمَّدِ بن عبَّادِ بن جعفرٍ: أنَّه سَمِعَ ابنَ عباسٍ يَقرأُ: {أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5]، قال: سألتُه عنها، فقال: «أناسٌ كانوا يَستحيُون أن يَتخلَّوْا فيُفضُوا إلى السماءِ، وأن يُجامِعوا نساءَهم فيُفضُوا إلى السماءِ؛ فنزَلَ ذلك فيهم». أخرجه البخاري (4681).

* قوله تعالى: {وَأَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ} [هود: 114]:

عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أصابَ مِن امرأةٍ قُبْلةً، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبَرَه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]، فقال الرَّجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أَلِي هذا؟ قال: «لجميعِ أُمَّتي كلِّهم»». أخرجه البخاري (526).

وفي روايةٍ عنه رضي الله عنه، قال: «جاء رجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أصَبْتُ مِن امرأةٍ كلَّ شيءٍ، إلا أنِّي لم أُجامِعْها، قال: فأنزَلَ اللهُ: {أَقِمِ اْلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اْلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ اْلَّيْلِۚ إِنَّ اْلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اْلسَّيِّـَٔاتِۚ} [هود: ١١٤]». أخرجه أحمد (3854).

سُمِّيتْ سورةُ (هُودٍ) بهذا الاسمِ؛ لتكرُّرِ اسمه فيها خمسَ مرَّات، ولأنَّ ما حُكِي عنه فيها أطوَلُ مما حُكِي عنه في غيرها.

جاء في فضلِ سورة (هُودٍ): أنها السُّورة التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ وأخواتُها». أخرجه البزار (٩٢).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (هُودٍ) على النحو الآتي:

1. حقائق العقيدة (١-٢٤).

2. أصول الدعوة الإسلامية (١-٤).

3. مشهدٌ فريد ترجُفُ له القلوب (٥-٦).

4. اضطراب نفوس الكافرين (٧-١١).

5. تسلية الرسول (١٢-١٧).

6. حال الفريقين: الكافرين، والمؤمنين (١٨-٢٤).

7. حركة حقائقِ العقيدة (٢٥-٩٩).

8. قصة نوح مع قومه (٢٥-٤٩).

9. قصة هود مع قومه (٥٠-٦٠).

10. قصة صالح مع قومه (٦١-٦٨).

11. تبشير الملائكةِ لإبراهيم عليه السلام (٦٩-٧٦).

12. إجرام قوم لوط (٧٧-٨٣).

13. قصة شُعَيب مع قومه (٨٤-٩٥).

14. مُوجَز قصة موسى مع فِرْعون (٩٦-٩٩).

15. التعقيب على حقيقة العقيدة (١٠٠-١٢٣).

16. العِبْرة فيما قص الله علينا دنيا وآخرة (١٠٠-١٠٩).

17. الاختلاف في الحق، والركون إلى الظَّلمة (١١٠- ١١٥).

18. الفتنة تعُمُّ بسكوت الصالحين (١١٦-١١٩).

19. في القصص تثبيتٌ وتسلية للقلب (١٢٠-١٢٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /445).

أشارت بدايةُ السُّورة بافتتاحها بـ(الأحرُفِ المقطَّعة: {الٓر}) إلى أن مقصدَها تعظيمُ هذا الكتاب، ووصفُ الكتاب بالإحكامِ والتفصيل، في حالتَيِ البِشارة والنِّذارة، المقتضي لوضعِ كلِّ شيء في أتَمِّ مَحالِّه، وإنفاذه - مهما أريدَ -، المُوجِب للقدرة على كل شيء، وفي ذلك تسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتٌ له على الحق: {فَاْصْبِرْۖ إِنَّ اْلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /175).