تفسير سورة المزّمّل

معاني القرآن

تفسير سورة سورة المزمل من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

اجتمع القراء على تشديد : المُزَّمِّل، والمُدَّثِّر، والمزمّل : الذي قد تزمّل بثيابه، وتهيأ للصلاة، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله عز وجل :﴿ قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.
يريد : الثلث الآخِر.
ثم قال :﴿ نِّصْفَهُ ﴾.
والمعنى : أو نصفه، ثم رخص له فقال :﴿ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ﴾ من النصف إلى الثلث أو زد على النصفِ إلى الثلثين، وَكان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، فلما فرضت الصلاة نسخَتْ هذا، كما نَسخَت الزكاةُ كلَّ صدقة، وشهر رمضان كلَّ صوم.
وقوله عز وَجل :﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾.
يقول : اقرأه على هِينتك ترسلا.
وقوله عز وجل :﴿ سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾.
أي : ليس بالخفيف ولا السَّفْساف ؛ لأنه كلام ربنا تبارك وتعالى.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاًً ﴾.
يقول : هي أثبت قياما. ﴿ وَأَقْوَمُ [ ١١٠/ب ] قِيلاً ﴾ يقول : إن النهار يضطرب فيه الناس، ويتقلبون فيه للمعاش، والليل أخلى للقلب، فجعله أقوم قيلا.
وقال بعضهم. إن ناشئة الليل هي أشد على المصلي من صلاة النهار ؛ لأن الليل للنوم، فقال : هي، وإن كانت أشد وطئا فهي أقوم قيلا، وقد اجتمع القراء على نصب الواو من وطئاً وقرأ بعضهم :«هي أشَدُّ وطئاً » قال : قال الفراء : أكتب وطئا بلا ألف [ وقرأ بعضهم : هي أشد وِطَاء ] فكسر الواو ومده يريد : أشد علاجا ومعالجة ومواطأة. وأما الوِطء فلا وِطء لم نروه عن أحد من القراء.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحا طَوِيلاً ﴾.
يقول : لك في النهار ما يقضي حوائجك. وقد قرأ بعضهم :«سبخا » بالخاء، والتسبيخ : توسعة الصوف والقطن وما أشبهه، يقال : سبِّخي قطنك. قال أبو الفضل : سمعت أبا عبد الله يقول : حضر أبو زياد الكلابي مجلس الفراء في هذا اليوم، فسأله الفراء عن هذا الحرف فقال : أهل باديتنا يقولون : اللهم سبِّخ عنه للمريض والملسوع ونحوه.
وقوله عز وجل :﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾.
أخْلِص لله إخلاصا، ويقال للعابد إذا ترك كل شيء، وأقبل على العبادة : قد تبتل، أي : قطع كل شيء إلا أمر الله وطاعته.
وقوله عز وجل :﴿ رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾.
خفضها عاصم والأعمش، ورفعها أهل الحجاز، والرفع يحسن إِذا انفصلت الآية من الآية، ومثله :﴿ وتَذَرُونَ أحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللهُ رَبُّكُمْ ﴾ [ ١١١/ا ] في هذين الموضعين يحسن الاستئناف والإتباع.
وقوله عز وجل :﴿ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾.
كفيلا بما وعدك.
﴿ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾.
والكثيب : الرمل، والمهيل : الذي تحرك أسفله فينهال عليك من أعلاه، والمهيل : المفعول، والعرب تقول : مهيل ومهيول، ومكيد ومكيود، قال الشاعر :
وناهزُوا البيعَ من تِرْعِيَّةٍ رَهِقٍ مُستَأْرَبٍ، عَضَّه السُّلطانُ مَديُونُ
قال، قال الفراء : المستأرَب الذي قد أُخذ بآرابه، وقد أُرِّب.
وقوله عز وجل :﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً ﴾.
معناه : فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم، وكذلك هي في قراءة عبد الله سواء.
وقوله عز وجل :﴿ السَّماء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾.
بذلك اليوم، والسماء تذكر وتؤنث، فهي ها هنا في وجه التذكير. قال الشاعر :
فلو رَفع السماء إليه قوماً لحقنا بالنجومِ مع السحابِ
وقوله عز وجل :﴿ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾.
طريقا ووجهة إلى الله.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَي الْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾.
قرأها عاصم والأعمش بالنصب، وقرأها أهل المدينة والحسنُ البصري بالخفض، فمن خفض أراد : تقوم أقل من الثلثين. وأقل من النصف. ومن الثلث. ومن نصب أراد : تقوم أدنى من الثلثين، فيقوم النصف أو الثلث، وهو أشبه بالصواب، لأنه قال : أقل من الثلثين، ثم ذكر تفسير القلة لا تفسير أقل من القلة. ألا ترى أنك تقول للرجل : لي عليك أقل من ألف درهم ثماني مائة أو تسع مائة، كأنه أوجه في المعنى من أن تفسر قلة أخرى [ ١١١/ب ] وكلٌّ صواب.
﴿ وَطَائفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ﴾ كان النبي صلى الله عليه، وطائفة من المسلمين يقومون الليل قبل أن تفرض الصلاة، فشق ذلك عليهم، فنزلت الرخصة. وقد يجوز أن يخفض النصف، وينصب الثلث لتأويل قوم : أنّ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إِلى ثلث الليل، فقالوا : إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من الثلثين، ومن النصف، ولا تنقص من الثلث، وهو وجه شاذ لم يقرأ به أحد. وأهل القراءة الذين يُتَّبعون أعلم بالتأويل من المحدثين. وقد يجوز، وهو عندي : يريد : الثلث.
وقوله عز وجل :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾.
أن لن تحفظوا مواقيت الليل ﴿ فَاقْرَءُواْ ما تَيَسَّرَ ﴾ المائة فما زاد. وقد ذكروا : أنه من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين، وكل شيء أحياه المصلي من الليل فهو ناشئة.
وقوله عز وجل :﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾ يعني : المفروضة.
سورة المزمل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُزمِّل) سورة مكية، نزلت بعد سورة (القلم)، وقد ابتدأت بملاطفةِ النبي صلى الله عليه وسلم بوصفِه بـ(المُزمِّل)، وتثبيتِه وتهيئته لحَمْلِ هذه الدعوةِ العظيمة؛ بأن يَتجرَّدَ لله، ويُحسِنَ التوكل عليه، لا سيما في قيامه الليل، وكما أرشدت النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى بَدْءِ الدعوة، فإنها جاءت بتهديدِ الكفار ووعيدهم.

ترتيبها المصحفي
73
نوعها
مكية
ألفاظها
200
ترتيب نزولها
3
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
18
العد البصري
19
العد الكوفي
20
العد الشامي
20

* كان بين نزولِ أول (المُزمِّلِ) وآخرِها سنةٌ:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ أوَّلُ المُزمِّلِ، كانوا يقومون نحوًا مِن قيامِهم في شهرِ رمضانَ، حتى نزَلَ آخِرُها، وكان بَيْنَ أوَّلِها وآخِرِها سنةٌ». أخرجه أبو داود (١٣٠٥).

* (المُزمِّل):

سُمِّيت سورة (المُزمِّل) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بوصفِ النبي صلى الله عليه وسلم بـ(المُزمِّل)؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1].

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد الكفار وتوعُّدُهم (١١-١٩).

3. تذكيرٌ وإرشاد بأنواع الهداية (٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /430).

مقصدُ السورة ملاطفةُ النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه بـ(المُزمِّل)، وتثبيتُه على حَمْلِ رسالة هذا الدِّين؛ بالالتزام بمحاسنِ الأعمال، ولا سيما الصلاة في جوف الليل؛ ليَتجرَّدَ لله، ويُحسِنَ الالتجاء إليه؛ ليُكمِل تبيلغَ هذه الرسالة الثقيلة العظيمة، التي يَخِفُّ حَمْلُها بحُسْنِ التوكل على الله.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /131)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /255).