تفسير سورة النصر

صفوة التفاسير

تفسير سورة سورة النصر من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير.
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

التفسِير: ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح﴾ الخطاب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، يذكّره ربه بالنعمة والفضل عليه وعلى سائر المؤمنين، والمعنى: إِذا نصرك الله يا محمد على أعدائك، وفتح عليك مكة أم القرى قال المفسرون: الإِخبارُ بفتح مكة قبل وقوعه إخبارٌ بالغيب، فهو من أعلام النبوَّة ﴿وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً﴾ أي ورأيت العرب يدخلون في الإِسلام جماعاتٍ جماعات من غير حربٍ ولا قتال، وذلك بعد فتح مكة صارت العرب تأتي من أقطار الأرض طائعة قال ابن كثير: إنَّ أحياء العرب كانت تنظر فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبيٌّ، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة العرب إِيماناً، ولم يبق في سائر قبائل العرب إِلا مظهرٌ للإِسلام ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي فسبّح ربك وعظمه ملتبساً بحمده على هذه النعم، واشكره على ما أولاك من النصر على الأعداء، وفتح البلاد، وإِسلام العباد ﴿واستغفره﴾ أي اطلب منه المغفرة لك ولأُمتك ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ أي إِنه جلّ وعلا كثير التوبة، عظيم الرحمة لعباده المؤمنين.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
١ -
589
ذكر الخاص بعد العام ﴿نَصْرُ الله والفتح﴾ نصر الله يشمل جميع الفتوحات فعطف عليه (فتح مكة) تعظيماً لشأن هذا الفتح واعتناءً بأمره.
٢ - إِطلاق العموم وإِرادة الخصوص ﴿وَرَأَيْتَ الناس﴾ لفظ الناس عام والمراد به العرب.
٣ - دين الله هو الإِسلام ﴿يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله﴾ وأضافه اليه تشريفاً وتعظيماً، كبيت الله وناقة الله.
٤ - صيغة المبالغة ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ لأن صيغة «فعال» للمبالغة.
تنبيه: هذه السورة الكريمة فيها نعيُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولهذا تسمى سورة (التوديع) وحين نزلت قال رسول الله صلى اله عليه وسلم لعائشة: ما أراه إِلا حضور أجلي، وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزلت ﴿اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] الآية فعاش بعدهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمانين يوماً. وروى الإِمام البخاري عن ابن عباس قال: «كان عمر يدْخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إِنه من علمتم!! فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم قال فما رأيت أنه دعاني إِلا ليريهم فقال عمر: ما تقولون في قول الله تعالى ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح﴾ ؟ فقال بعضهم: أُمرنا بأن نحمد الله ونستغفره إِذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذا تقول يا ابن عباس؟ قلت: لا قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أعلمه إياه فقال ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح﴾ فذلك علامة أجلك ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ فقال عمر: والله ما أعلم منها إِلا ما تقول».
590
سورة النصر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّصْرِ) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (التوبة)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت للإعلام بتمام الدِّين، وانتصارِ النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، وانتشارِ الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانحسار  الشرك، والإخبارِ بدُنُوِّ أجَلِ النبي  صلى الله عليه وسلم - كما فَهِم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما -، وأمرِه بتسبيح ربِّه وحمدِه عند الفتوحات، وفي كلِّ حين.


ترتيبها المصحفي
110
نوعها
مدنية
ألفاظها
19
ترتيب نزولها
114
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* سورة (النَّصْرِ):

سُمِّيت سورة (النَّصْرِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ النصر؛ وهو: فتحُ مكَّةَ المكرَّمة.

* سورة: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد وردت هذه التسميةُ في كلام السلف رضوان الله عليهم؛ ومن ذلك:

ما جاء عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزَلتْ عليه: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ} إلا يقولُ فيها: «سُبْحانَك ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي»». أخرجه البخاري (4967).

* سورة (النَّصْر) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

تمام الدِّين، وانتصارُ النبي عليه السلام (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /422).

الوعدُ بنصرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفتحِ مكة، ودخولِ الناس في هذا الدِّين أفواجًا، والإيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك، فقد اقترب انتقالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرَّفيقِ الأعلى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /589).