تفسير سورة النصر

إعراب القرآن و بيانه

تفسير سورة سورة النصر من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه.
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(١١٠) سورة النصر مدنيّة وآياتها ثلاث
[سورة النصر (١١٠) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)
الإعراب:
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بسبّح الذي هو جوابها وجملة جاء في محل جر بإضافة الظرف إليها ونصر الله فاعل جاء والفتح عطف على نصر والمصدر مضاف لفاعله ومفعوله محذوف أي إياك والمؤمنين. وقال أبو حيان: ولا يصح إعمال فسبّح في إذا لأجل الفاء لأن الفاء في جواب الشرط لا يتسلط الفعل الذي بعدها على اسم الشرط، فلا يعمل فيه بل العامل في إذا الفعل الذي بعدها على الصحيح (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً) الواو عاطفة ورأيت الناس فعل ماض وفاعل ومفعول به والرؤية يجوز أن تكون بصرية فتكون جملة يدخلون حالية ويجوز أن تكون علمية فتكون الجملة مفعولا به ثانيا لرأيت وفي دين الله متعلقان
605
بيدخلون وأفواجا حال من الواو في يدخلون وهو جمع فوج بسكون الواو وقد تقدم شرحها (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) الفاء رابطة لجواب الشرط وسبّح فعل أمر وفاعله مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وبحمد ربك حال، وقد اختلف في الباء فقيل: للمصاحبة والحمد مضاف للمفعول أي فسبّحه حامدا له أي نزهه عمّا لا يليق به وأثبت له ما يليق به فهي داخلة في حيّز الأمر، فإن قلت من أين يلزم بالحمد وهو إنما وقع حالا مقيدة للتسبيح ولا يلزم من الأمر بالشيء الأمر بحاله المقيد له وأجيب بأنه إنما يلزم ذلك إذا لم يكن الحال من نوع الفعل المأمور به ولا من فعل الشخص المأمور نحو اضرب هندا ضاحكة وإلا لزم نحو ادخل مكة محرما فهي مأمور بها وهنا من هذا القبيل وقيل للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبّحه بما حمد به نفسه كقوله الحمد لله. واستغفره: الواو حرف عطف واستغفره فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وجملة إنه كان توّابا تعليلية وإن واسمها وجملة كان خبرها وتوّابا خبر كان.
البلاغة:
في قوله «إذا جاء نصر الله والفتح» استعارة مكنية تبعية شبّه المقدور وهو النصر والفتح بكائن حيّ يمشي متوجها من الأزل إلى وقته المحتوم، فشبّه الحصول بالمجيء وحذف المشبّه به وأخذ شيئا من خصائصه وهو المجيء.
هذا وقد أورد الإمام الرازي فصلا ممتعا نورده لك فيما يلي لنفاسته وفائدته، قال: «اتفق الصحابة على أن هذه السورة دلّت على نعي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذلك لوجوه:
أولا: أنهم عرفوا ذلك لما خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم
606
عقب السورة وذكر التخيير وهو قوله صلّى الله عليه وسلم في خطبته لما نزلت هذه السورة: إن عبدا خيّره الله تعالى بين الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء الله تعالى فقال أبو بكر فدنياك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا.
ثانيها: أنه لما ذكر حصور النصر والفتح ودخول الناس في الدين أفواجا دلّ ذلك على حصول الكمال، والتمام يعقبه الزوال والنقصان كما قيل:
إذا تمّ أمر بدا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم
ثالثها: أنه تعالى أمره بالتسبيح والحمد والاستغفار واشتغاله بذلك يمنعه من اشتغاله بأمر الأمة فكان هذا كالتنبيه على أن أمر التبليغ قد تمّ وكمل وذلك يقتضي إنجاز الأجل إذ لو بقي صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك لكان كالمعزول من الرسالة وذلك غير جائز».
607
سورة النصر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّصْرِ) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (التوبة)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت للإعلام بتمام الدِّين، وانتصارِ النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، وانتشارِ الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانحسار  الشرك، والإخبارِ بدُنُوِّ أجَلِ النبي  صلى الله عليه وسلم - كما فَهِم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما -، وأمرِه بتسبيح ربِّه وحمدِه عند الفتوحات، وفي كلِّ حين.


ترتيبها المصحفي
110
نوعها
مدنية
ألفاظها
19
ترتيب نزولها
114
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* سورة (النَّصْرِ):

سُمِّيت سورة (النَّصْرِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ النصر؛ وهو: فتحُ مكَّةَ المكرَّمة.

* سورة: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد وردت هذه التسميةُ في كلام السلف رضوان الله عليهم؛ ومن ذلك:

ما جاء عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزَلتْ عليه: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ} إلا يقولُ فيها: «سُبْحانَك ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي»». أخرجه البخاري (4967).

* سورة (النَّصْر) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

تمام الدِّين، وانتصارُ النبي عليه السلام (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /422).

الوعدُ بنصرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفتحِ مكة، ودخولِ الناس في هذا الدِّين أفواجًا، والإيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك، فقد اقترب انتقالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرَّفيقِ الأعلى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /589).